• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

إعجاز الوصف (2)

إعجاز الوصف (2)
أ. د. محمد السيد موسى


تاريخ الإضافة: 20/9/2021 ميلادي - 12/2/1443 هجري

الزيارات: 3520

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إِعْجَازُ الوَصْفِ (2)

 

وَصْفُ الجَنَّةِ:

جاء الوصف في القرآن الكريم في مواضع كثيرة بهدف مدح الموصوف وتفخيمه أو لإظهار مزية عظيمة غالبة فيه، وقد جاء وصف الجنة في الكثير من الآيات القرآنية لنفس الغرض.

 

علي أن كلمة (الجنة) بصيغة المفرد قد جاءت موصوفة في اثني عشر موضعًا من جملة خمسة وستين موضعًا، في حين أن كلمة (الجنات) بصيغة الجمع قد جاءت موصوفة في سبعة وثلاثين موضعًا من جملة تسعة وستين موضعًا.

 

ولعل السبب في ذلك أن ذكر الجنة بصيغة الإفراد لإرادة عمومها ومطلقها وإجمالها وهي كثيرًا ما تذكر مفردة في مقام المقابلة بينها وبين النار.

 

وقد جاءت كلمة (الجنة) موصوفة في أربعة مواضع ويراد بها الحديقة أو البستان، وليس جنة الآخرة، وهذه المواضع هي:

قوله تعالي: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ * كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 265-266].

 

فالجنة في الموضعين المذكورين هما من قبيل المثل الذي يضربه الله - تعالى - للمنفق الذي يبتغي مرضات الله ﴿ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ﴾، والمنفق الذي يمن ويؤذي بصدقته.

 

ومن بلاغة وصف الجنة الأولى أنها جاءت بشبه الجملة ﴿ بِرَبْوَةٍ ﴾ وهي المكان المرتفع، لتكون أنقي للهواء وأغزر للماء، وفي ذلك تخييل حسي يرتفع بالمنفق إلى مكان عال يتمتع فيه بطيب الحياة، ثم يجد العيش الرغد ﴿ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ ﴾ أما الجنة الأخرى، فهي مَثَل ضربه الله لذلك الذي أصابته الحسرة والفجيعة لاحتراق جنته بعد ازدهارها وينعها في الوقت الذي كبرت فيه سنه وضعفت ذريته وقد توالت الكلمات في رسم تلك الصورة بتدرج يوحي بمدي تلك الفجيعة.. الِكبَرى - ذرية ضعفاء، ثم يعلو إيقاع الكلمة وتشتد الوطأة بقوله: ﴿ إِعْصَارٌ ﴾ ثم: ﴿ نَارٌ ﴾ ثم: ﴿ فَاحْتَرَقَتْ ﴾، وهذا كله بعد أن كان النخيل والأعناب والأنهار الجارية والثمار الشاملة لكافة الأنواع.

 

ووصف جنة الدنيا بالنخيل والأعناب وهو وصف جار في القرآن الكريم حتى في مجيء كلمة (الجنات) مجموعة وذلك لمعايشة العرب لهذه الألوان ومعرفتهم بها وأهميتها في حياتهم كقوله تعالى ﴿ وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان ﴾ [الأنعام: 99].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ ﴾ [الأنعام: 141].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ ﴾ [الرعد: 4].

 

وقوله تعالى: ﴿ فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ﴾ [المؤمنون: 19].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ﴾ [يس: 34].

 

وقد جاء الموضعان الآخران لكلمة الجنة التي يراد بها البستان في قوله تعالى: ﴿ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ ينبوعا أو تكون لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا ﴾ [الإسراء: 90-91].

 

﴿ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ ﴾ فالوصف البارز في ذكر الجنة هنا، أنها تشتمل على النخيل والعنب، وقد ذكر العنب هنا بجمع القلة، لمناسبة مقام الإفراد (لك) - ﴿ جَنَّةٌ ﴾، بينما تذكر في مقام الكثرة ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ بجمع الكثرة كالآية السابقة في سورة (يس) وغيرها ولم يأت بلفظ (العنب) بجمع القلة إلا في موضعين: هذا الذي ورد في سورة الإسراء والموضع الآخر في سورة عبس في قوله تعالى: ﴿ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ﴾ [عبس: 28].

 

ولعل تأويل ذلك أن المراد ذكر نعم الله تعالى بجنسها العام، فقال (حبا) ولم يقل مثلا حبوبا، كذلك العنب والقضب والزيتون والنخل، وكقوله تعالى: ﴿ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾ [الفرقان: 8] فالوصف للجنة بقوله: ﴿ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾ فيه رسم لصورة الجنة التي أرادها المجادلون المكذبون للنبي e وهى أن تشمل على كافة أنواع الثمار، فلا يلجأ إلى المشي في الأسواق طلبا للرزق.

الوَعِيدُ وَالتَّهْوِيلُ:

تأتي كلمة العذاب في القرآن الكريم لتبين شدة عقاب أهل النار وتهويله، وهذه الكلمة قد تأتي مضافة مثل: ﴿ عَذَابَ الْخُلْدِ ﴾ [يونس: 52]، ومثل ﴿ عَذَابَ رَبِّكَ ﴾ [الإسراء: 57]، ومثل: ﴿ عَذَابِ اللَّهِ ﴾ [إبراهيم: 21]، وقد تأتي كلمة العذاب مطلقة من كل قيد، وكلها تجمع الوعيد والتهويل عن طريق تعريفها بأل، مثل كلمة العذاب موصوفة بصفات مختلفة، كقوله تعالى في وصف العذاب بالعقيم، وهو الوصف الوحيد في القرآن الكريم كله: ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴾ [الحج: 55].

 

فالوصف جاء لليوم ﴿ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴾ وأضيف العذاب إلي اليوم، وهذا تركيب يفيد مزيدًا من التهويل يبرز هول الساعة وإتيانها فجأة ﴿ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ ﴾، فالجمع بين الساعة والعذاب في اليوم[1] يبرز المشهد في صورة عقيمة، لا تنتج أي خير لأهل العذاب، و﴿ عَقِيمٍ﴾ علي الاستعارة " والاستعارة أبلغ لأنه قد دل علي أن ذلك اليوم فيهما لا خير بعده للمعذبين، فقيل يوم عقيم، أي لا ينتج خيرًا، ومعنى الهلاك فيهما إلا أن أحد الهلاكين أعظم[2] ".

 

وقد ورد الوصف بكلمة (العقيم) ثلاث مرات في القرآن الكريم، الأولى في سورة (الحج) [الموضع السابق] والثانية في سورة (الذاريات) في قوله تعالى: ﴿ وقالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴾ [الآية: 29] ويجوز أن تكون (عقيم) خبرًا ثانيا، والموضع الثالث في قوله تعالى: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ﴾ [الذاريات: 41].

 

(العقيم) " مستعار للريح، وحقيقته ريح لا يأتي بها سحاب غيث والاستعارة أبلغ لأن حال العقيم أظهر من حال الريح التي لا تأتى بمطر، لأن ما لا يقع من أجل حال منا فيه أوكد مما يقع من غير منافيه وأظهر[3].

 

ويقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 6-10].

 

فقد جاء في السياق صفة العظمة للعذاب مع الكافرين[4]، فيقول تعالى: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ واستخدم صفة الألم للعذاب مع المنافقين، فيقول جل شأنه: ﴿ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وقد تفننت الآية الكريمة في ذلك في غير موضع..

 

فأحيانا يقول تعالى: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7] وأخرى يقول تعالى: ﴿ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 10]، وثالثة يقول تعالى: ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾، ورابعة يقول تعالى: ﴿ وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178].

 

وهي مراتب وأحوال لأهل النار - عافانا الله تعالى - فلأنهم سارعوا إلى المعاصي والجحود، فلهم عذاب عظيم، فالمسارعة تكون لأمر هائل وهذا العذاب هائل شديد، يأتي عليهم كما تأتى النار على الحطب، وهو يصيبهم بالألم الموجع لأنهم خدعوا أنفسهم واشتروا الكفر بالإيمان، والمخدوع أو المشترى المغبون يتألم، ثم هم مع ذلك في عذاب يهينهم ويذلهم، وهم الذين طلبوا العزة والكرامة[5].

 

وجاء وصف العذاب بـ (مقيم) في قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [المائدة 37] فنفى الخروج المؤكد بالباء في قوله: ﴿ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ ﴾ استجلب الوصف بالإقامة لأن نفى الخروج يعنى الإقامة، فالوصف محمول على ما سبق مؤكد له.

 

وجاء وصف العذاب بـ (كبير) في قوله تعالى: ﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [هود: 3]، قوله تعالى: (عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) هو يوم القيامة، وصف بالكبر كما وصف بالعظم والثقل. وبين عذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم إلى من هو قادر على كل شيء، فكان قادرا على أشد ما أراد من عذابهم لا يعجزه[6]. وجاء وصفه بـ قريب في نفس السورة: ﴿ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴾ [هود: 64].

 

فجاء وصف ﴿ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴾ هنا حملا على ما سبق وعلى ما لحق - والله تعالى أعلم - مما سبق كان في قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾ [هود: 64]، فأخبر أنه - سبحانه قريب الرحمة، مجيب الدعاء فكان في مقابلة ذلك أنه قريب العذاب، وهذا يرد كثيرا في سياق القرآن الكريم، فيأتي الترغيب والترهيب معا، ويذكر نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار وكان اللاحق لقوله: ﴿ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴾ قوله: ﴿ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [هود: 65] فوصف العذاب بالقريب، لشدة قرب وقوعه، فقد وقع عليهم بعد ثلاثة أيام، وقيل: عقروها يوم الأربعاء وهلكوا يوم السبت.

 

وجاء الوصف بـ (محيط) في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾ [هود: 84] فهذه الأوصاف السابقة جميعا إذا ضمت إلى بعضها ألفت مشهدًا موحدًا يضم أجزاء مختلفة وجوانب عديدة فالعذاب - عياذا بالله - عظيم وشديد وأليم ومهين ومحيط فهو مراتب وأحوال.

 

وقال الزمخشرى: (يوم محيط) مهلك من قوله تعالى: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ [الكهف: 42]، وأصله من إحاطة العدو فإن قلت: وصف العذاب بالإحاطة أبلغ أم وصف اليوم بها؟ قلت: بل وصف اليوم بها لأن اليوم ما زال يشتمل على الحوادث، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما أشتمل عليه منه كما إذا أحاط بنعيمه[7].

 

وجاء وصف العذاب بـ (واصب) في قوله تعالى: ﴿ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [الصافات: 7 - 10] ووصف العذاب بالواصب هنا الوصف الوحيد في القرآن كله وهو عذاب الآخرة بالشياطين، يؤكد ذلك تقديم شبه الجملة (لهم) أي لهم خصوصا " وهو عذاب لا ينقطع، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الواصب: الدائم وقال السدى وأبو صالح والكلبى: هو المرجع الذي يصل إلى القلب، مأخوذ من الوصب وهو المرض. ﴿ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾: نجم مضيء فيحرقه فيلقى إلى إخوانه ما خطفه، وأصل الثقوب: الإضاءة[8].

 

وجاء وصف العذاب بـ﴿ غَلِيظٍ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾ [فصلت: 50، 51] فجاء وصف العذاب بالغليظ هنا لمناسبة قوله ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُم ﴾ وقد ورد في القرآن الكريم أن الكافر يذوق العذاب بجلده، يقول تعالى: ﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ﴾ [النساء: 56]، وفى الحديث الشريف بيَّن النبي صلى الله عليه وسلَّم أن جِلد الكافر غليظ يقول: « إن غِلَظَ جِلد الكافر اثنان وأربعون ذراعًا، وإن ضرسه مِثل أحد، وإن مجلسه مِن جهنم كما بين مكة والمدينة»[9]، فجاء وصف ﴿ غَلِيظٍ ﴾ للعذب ليناسب غلظ هذه الجلود، وهذا من إعجاز الوصف القرآني في توافق الآيات مع بعضها، ومع كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

 

المراجع:

♦ الترمذي - الحلبي - القاهرة - 1975.

♦ الرماني - النكت في إعجاز القرآن (ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني - تحقيق محمد خلف الله و د/ محمد زغلول سلام- ط 4- دار المعارف بالقاهرة 1991).

♦ الزمخشري - الكشاف - ط3- دار الريان - القاهرة - 1987.

♦ الشوكاني - فتح القدير - ط2 - دار الوفاء - المنصورة - 1997.

♦ محمد رشيد رضا- تفسير المنار- ط 4- دار المنار- القاهرة- 1954.

♦ د. محمد موسى- التنكير وأثره البلاغي في سياق القرآن الكريم - ط 1- مطبعة الأمل- المنصورة- 2000.

 


[1] هو يوم القيامة وقد يشمل يوم بدر- أيضًا- على اختلاف المفسرين.
[2] الرماني - النكت في إعجاز القرآن (ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني - تحقيق محمد خلف الله و د/ محمد زغلول سلام- ط 4- دار المعارف بالقاهرة 1991- 89)
[3] نفسه ص 93 ( وقد جاءت كلمة العقيم في موضع رابع وأخير منصوبة على المفعولية وذلك في سورة الشورى الآية رقم 50.
[4] د. محمد موسى- التنكير وأثره البلاغي في القرآن الكريم- ط 1- مطبعة الأمل- المنصورة- 2000- 82.
[5] محمد رشيد رضا- تفسير المنار- ط 4- دار المنار- القاهرة- 1954- 4/ 253.
[6] الكشاف 2/ 378.
[7] الكشاف 2/ 417.
[8] فتح القدير 4/ 511.
[9] أخرجه الترمذي عن أبى هريرة رضى الله عنه، وقال الترمذي حديث حسن صحيح غريب، وقال الألباني: إسناده صحيح.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة