• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (4)

د. عيد محمد شبايك


تاريخ الإضافة: 17/3/2010 ميلادي - 1/4/1431 هجري

الزيارات: 10054

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاستعارة والطفل (الاستعارة الاضطرارية أو الساذجة)


إنَّ ملاحظة المناسبات بين المجالات المعرفية، والاقتصاد في الكلام بواسطة توظيف آليات القياس والمقارنة خصائص لا تميز البالغ ولا تعكس تطوُّرًا في النضج المعرفي واللغوي، وإن الطفل ليستثمر هذه المرونة، وذلك الاقتصاد منذ مراحل حياته الأولى، لذلك نندهش - نحن البالغين - إذا استمعنا إلى طفل يشبه، أو يعمم خصائص موضوع معروف على موضوع جديد بالنسبة إليه، ونحكم عليه - في أغلب الأحيان - بالذكاء وحسن البديهة، بالرغم من أنه يصدر عن ملكة لا تكلفه عناءً كبيرًا.

إن كل متتبع لسلوك الأطفال يلاحظ انشغالهم الكبير بتسمية الأشياء التي يمتلكونها أو يتعاملون معها، والملاحَظ أن فكرة التسمية لدى الأطفال ترتبط بفكرة العلاقة (المشابهة أو غير المشابهة)؛ بمعنى أنهم يسحبون على الموضوعات الوضعيات الجديدة تسميات سبق لهم تخزينها، وترتبط لديهم بموضوعات ووضعيات أخرى، إنهم يرفضون التعامل مع العالم المحيط كأشياء مبَعثرة ومتباعدة، فهم يسمون الجديد باسم القديم إذا لاحظوا بينهما علاقة تشابه، فتراهم يجمعون بين القمر والكرة جمع مشابهة، وكذلك بين الطرقة والقادوم، وبين المصباح الخافت والشمْعة.

وهذا دليل على المشابهة عند الإنسان في جميع أطوار نُمُوِّه؛ حيث إنها وسيط نشيط بين الطفل والعالم الخارجي المحيط به، والمشابهة في لُغة الأطفال قريبة الملحظ؛ فهم يغلبون جانب الشكل على جانب الوظيفة، فقد يطلق الطفل على الفأس والمطرقة لفظ "قدم"، وقد استعمل طفل في الثالثة كلمة Paint - ومعناها: دهان - بدلاً من ورنيش الحذاء الذي تستعمل معه الفرشاة[1].

وهناك أمور كثيرة يخلط الطفل بينها؛ مثل: ألفاظ الألوان، والألفاظ ذات الدلالات المتضادة، والألفاظ ذات النطْق المتشابه، وغيرها[2].

إذًا فارتباط مفهومي التسمية والعلاقة لدى الأطفال منذ المراحل الأولى من حياتهم، انشغال مبكر بالمقولة؛ أي: تسمية الموضوعات والوضعيات، وتنظيمها داخل حقول؛ اعتمادًا على درجات العلاقة فيما بينها، وذلك لتجاوُز الحبسات الدلالية والعوائق التواصلية بواسطة سحب الاسم القديم على الموضوع الجدِيد.

وتلعب الاستعارة الاضطرارية دورًا نشيطًا في عمليَّة السحب هاته لدى الأطفال؛ لأن الطفل أكثر تعرضًا للحبسات المعجمية، وبالتالي فهو أكثر لجوءًا إلى الاستعارة الاضطرارية، إنه يكتشف الجديد كل يوم، ويحتاج إلى التسمية كل لحظة، ولكي يتجاوز هذا المشكل، فإنه يلتجئ إلى تسميات مخزنة ومنقولة، اعتمادًا على تجارب سابقة، ويسقطها على الموضوعات الجديدة التي يصادفها في حياته، وتصادفه في تجاربه اليومية[3].

وفي دراسة قام بها روميلهارت وجد أن اللغة التصويرية تظهر في كلام الأطفال منذ بدايتهم المبكرة، ويعرض لذلك شاهدًا من الواقع ممثلاً في هذا الحوار زوجته وابنه ذي الثمانية أعوام، (حيث. شو) يقول الابن لأمه: Hey, mom, my sock has a hangnail، لقد تمزق جوربي بحيث أصبح مثل قطعة الجلد المتدلية من الظفر.

وقد ردت عليه الأم بسرعة قائلة: لا تقلق، سوف أصلحه عندما نعود إلى البيت.

يقول روميلهارت: إن هذا الموقف مر بسرعة، وأنه كان الوحيد الذي أدرك أن استعارة جديدة قد تخلقت في حديث الأم والابن، وأن إنتاجها وكذلك فهمها تم دون وعي إضافي من كلا الطرفين، ومثل هذا الاستخدام الحر والسهل للكلمات في صيغ غير حرفية شيء عادي، ولا يتطلَّب مُلاحظة خاصة؛ لأنه ليس شيئًا خاصًّا، فالأطفالُ والكبار ينتجون الاستعارة، ويفهمونها بشكْلٍ دائم[4].

وبقدر ما يكون هذا النوْع من الاستعارات فعالاً ونشيطًا في إخضاع العالم الخارجي لإدراك الطفل ولحاجة التسمية، بقدر ما يعرض الأطفال إلى سحب مفرط يؤدي إلى أخطاء في التسمية، كأن يسمي الطفل الشيء الذي لا اسم له عنده باسم لا يناسبه، وهذا التوسع في الاستعمال لا ترجع أسبابه دائمًا إلى ضعف الفهم وعدم الدقة في إدراك المدلولات، بل ترجع أحيانًا إلى ضآلة محصول الطفل من الكلمات في ذلك العهد، وحاجته إلى التعبير على أي وجه[5].

لاحظت طفلاً في الرابعة من عمره يعاين عملية ذبح الأضحية، وكشط جلد الخروف، وفجأة صاح الطفل قائلاً (بالعامية المصرية): بابا، أتخلعون ملابسه؟ وكان التعبير مضحكًا للجميع، إننا أمام الوضعية السابقة نفسها، وقوف طفل صغير، في لحظة تطبعها حاجة ملحة إلى التسمية، أمام وضعية غير مسبوقة، ولدت لديه حبسة دلالية مؤقتة، أدت به إلى أن ربط بين هذه الوضعية ووضعية مخزنة لديه سابقًا، بعد ملاحظة مناسبة أو مشابهة بين الوضعيتين، ثم تسمية الجديد باسم القديم.

إلا أن ظاهرة السحب المفرط تتقلص مع اتساع تجربة الطفل ونضج تعامله مع العالم المحيط، والاستعارة الاضطرارية، الساذجة - بدورها - تتسع قاعدتها كلما كان الإنسان طفلاً صغير السن، وتتقلَّص كلما أصبح ناضج التجربة، حيث تَتَحَوَّل إلى استعارات إرادية.

يظهر من هاتين الملاحظتين الحضور القوي للاستعارة الاضطرارية عند الأطفال لا يعون تمامًا كيف يمكن استخدام المفردة في حالة استخدامها في حقل مُعَين، مع الإشارة إلى مجموعة من الحالات التي يمكن تطبيق هذه المفردة عليها، وفي هذا الحقل الذي تستخدم فيه هذه المفردة استخدامًا أساسيًّا، فإن بعض السمات فيها تبدو وثيقة الصلة بالموضوع، وبعضها الآخر لا يكون وثيق الصلة، وعلى ذلك فإن الطفل يبدو كما لو كان يستخدم المفردة استخدامًا حرفيًّا، وعندئذ فإنه سيطبق المفاهيم التي تعلمها بأسلوب غير معياري، وسيبدو في هذه الحالة كأنه ينتج كلامًا غير حرفي، أو كلامًا استعاريًّا، خذْ مثلاً كلمة (open. افتح، مفتوح)، فإن الطفل يتعلمها في سياق (القول)، وفيه يكون فم الطفل مفتوحًا، وهو في هذه الحالة يطبق هذه المفهوم على حالات أخرى شبيهة مثل الباب والشباك، وهو هنا يظهر فهمًا كاملاً للكلمة، لكن لو استخدم الطفل كلمة (open) بمعنى (turn on) مع جهاز التليفزيون مثلاً أو مع الإضاءة، فإن الطفل سيستخدم هنا استعارة، وفي الحالتين: حالة الاستخدام الحرفي لكلمة (افتح)، أو الاستخدام الاستعاري لها، فإن عملية تطبيق الكلمة على الحالات المختلفة تبدو عند الطفل واحدة، وأعني بها: إيجاد أفضل كلمة أو مفهوم لإيصال الفكرة إلى العقل، لذلك فإن إنتاج الطفل الكلام الحرفي أو غير الحرفي ربما يتبع نفس الإجراءات[6].

ومن الجدير بالملاحظة حول موضوع الاستعارة لدى الأطفال أن اللعب ينشط القدرات الاستعارية[7] لدى الأطفال، إنه يحفز قدرة التنبؤ لديهم، فالقطار بالنسبة للطفل، يبدو ثعبانًا، والقمر يشاكل الكرة، والطوق يشاكل الدائرة، وقد بينت دراسات تجريبية أخرى أن حكايات الأطفال تنشط لديهم الروابط الاستعارية، لذلك نراهم أكثر ميلاً إلى الحكايات والقصص وأفلام الكرتون.

إن الاستعارة عند الأطفال ذات طبيعة حسية، لذلك يبدو الطفل ذا قدرة كبيرة على إنتاج الاستعارة المحسوسة وفهمها، أما الاستعارات المجردة تشكل معوقًا لدى الطفل؛ نظرًا لقلة خبراته وتجاربه وثقافته وضيق اللغة عنده.

يقول عبدالقاهر: "ومعلوم أن العلم الأول أتى النفس أولاً عن طريق الحواس والطباع، ثم من جهة النظر والرؤية، فهو إذًا أمسّ بها رحمًا، وأقوى إليها ذممًا، وأقدم لها صحبة، وآكد عندها حرمة، وإذا نقلتها في الشيء بمثله عن المدرك بالعقل المحض، وبالفكرة في القلب إلى ما يدرك بالحواس أو يعلم بالطبع وعلى حد الضرورة، فأنت كمَن يتوسل إليها للغريب بالحميم وللجديد الصحبة بالحبيب القديم"[8].

ولا ينحصر مجال الاستعارة في مجالات لُغوية ضيقة، بل يتعدى ذلك في استعارة الوضعيات والمقامات المعروفة والمشهورة على أخرى متشابهة، كما يحدث في الأمثال، وهذا ما يسمَّى بالاستعارة التمثيلية، وثَم نوع آخر من الاستعارة يعكس ثقافة المجتمع والرُّوح المصرية البسيطة المرِحة الساخرة، وهو ما يسمَّى بالاستعارة التهكمية، وهي التي تعكس ما في نفس المصري من تملح وتظرف وتنفيس، وثم نوع آخر من الاستعارات نختم حديثنا بتفصيل القول فيه، وهو الاستعارة الإعلانية، الذي سبقت الإشارة إليه في إيجاز، لما لها من تأثير كبير في نفْس المخاطب، وإذا كانت هذه الأنواع من الاستعارات ذات صلة كبيرة بالواقع المعاش، وتمثله الأنساق التصورية التي تعكس ثقافة المجتمع وقدرة المصري على توظيف اللغة في تشكيل هذه الاستعارات - التي يحيا بها ويتواصل مع غيره - بشكل مبهر، فلا بُدَّ من عرض موجز لطبيعة هذه اللغة (العامية المصرية)، نتبين من خلاله اللمسات التي تميزتْ بها عن غيرها من العاميات الأخرى، ثم نعرض لهذه الأنواع من الاستعارات تطبيقًا على ما قدَّمنا من بيان.

ـــــــــــــــــــــــــ
[1] راجع أحمد مختار عمر؛ "علم الدلالة" صـ235 وما بعدها، ويقول الدكتور أنيس: "فالكنبة عند بعضهم سرير، والمكتبة عند آخرين دولاب، والمكتب ترابيزة، ويخلط الطفل كذلك بين أنواع الطيور، فالحمامة عصفورة والحداة غراب"؛ "دلالة الألفاظ" صـ92 وما بعدها).
[2] "دلالة الألفاظ"، وقد اعتبر أولمان المشابهة بين اللفظين من الأسباب التي تؤدي إلى عقد صلة زائفة بينهما، وربما يؤثر في معنى إحدى الكلمتين، "دور الكلمة في اللغة"؛ تأليف كمال بشر صـ 175، وراجع: أحمد مختار، "علم الدلالة" صـ235 وما بعدها.
[3] "بنيات المشابَهة" صـ 74، 75 (بتصرف).
[4] David Rumellhart: Some Problems with the Nation of Literal Meaning In Metaphor and Thought, P.79.
[5] عالية عبدالواحد وافي؛ "نشأة اللغة عند الإنسان والطفل" صـ189.
[6] David Rumelhart: Some Problems with the Nation of Literal Meaning In MetaPhor and Thought, P. 8.
[7] "بنيات المشابهة" صـ78.
[8] "أسرار البلاغة" صـ109.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة