• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضرد. أحمد إبراهيم خضر شعار موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر
شبكة الألوكة / موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر / مقالات


علامة باركود

نقد الكتابات الإسلامية

د. أحمد إبراهيم خضر


تاريخ الإضافة: 19/2/2011 ميلادي - 15/3/1432 هجري

الزيارات: 17246

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قبل منتصف الثمانينيَّات كتب أحدُ الباحثين وهو الدكتور "مُحْيي الدِّين عطية" ما نَصُّه: "في السَّاحة الإسلاميَّة عددٌ مَحْدود يَمْلك التأثير بكتبه وصحُفِه في الملايين من أبناء الأُمَّة الإسلاميَّة على اختلاف مواطنِهم وألسنتهم، ومن هؤلاء علماء وفُقَهاء، وناشرون وصحفيُّون، وزعماء ومفكِّرون، كما أنَّ منهم مَن ليس مِن هؤلاء ولا من هؤلاء، ولكن الظُّروف دفعَتْ بأسمائهم بين هؤلاء، فاعتلَوُا الموجة معهم.


وأصحاب الرِّيادة الفكرية هؤلاء عن جدارة، أو عن غير جدارة، بأيديهم أن يتَّقوا الله في هذا الجيل، وأن يتخلَّوْا عن السطحيَّة والارتِجال، وأن يكفُّوا عن دغدغة العواطف، وعن الاستهانة بعقول القرَّاء، وألاَّ يكتفوا بالنَّظر تَحْت أقدامهم، وإنَّما عليهم أن يَحْسبوا ألف حساب لِمَا يُمْكِن أن يترتَّب على إطلاق ما لدَيْهم من إرشاد أو توجيه؛ فالكلمة مِلْك لصاحبها قَبْل أن يُخْرِجها للناس، فإن خرجت فهي التي تَمْلكه، ولا سلطان له عليها في تفسيرٍ أو تأويل"[1].


ويفسِّر الدكتور "عطية" ما يدعوه بالسَّطحية في الكتابات الإسلامية، فيقول: "والأسباب وراء هذه الظاهرة كثيرة، لعلَّ أهَمَّها هو سهولة الكتابة فيما يجب أن يكون، وصعوبَتُها في كيفيَّة وضْعِه على الطريق العمَليِّ الواقعي، فالأُولَى تكفيها العودة إلى المراجع، والثانية تتطلَّب المعايشة الواقعيَّة للواقع، والإلمامَ الكافي بالبدائل والخِبْرة المتخصِّصة بالداء والدواء"[2].


إنَّ الأمر يحتاج - ونحن الآن في أواخر التسعينيَّات - إلى إعادة النَّظر في هذه الانتِقادات التي يُمْكن حصْرُ أهَمِّها على النَّحو التالي:

1- أنَّ الكُتَّاب الإسلاميِّين يَحْرصون - سواءٌ في كُتُبهم أو مقالاتهم الصحفيَّة، أو البحوث التي يطرحونها في المؤتمرات - على الاختِلاف عن الآخرين، والتحصُّن خلف جدارٍ فِكْري ولُغَوي منيع، والعَمْد إلى الإيحاء بأنَّهم يقولون شيئًا جديدًا، وإلى أنَّ ثَمَّة فروقًا كبيرة بَيْن مقولاتهم ومقولات الآخرين.


وتفسير ذلك يعود إلى:

أ- الإحساس بالتَّعالي على الكتابات العلمانيَّة.


ب- العزُوف عن التعمُّق الواعي بقضايا الإنسان المعاصر؛ لما يتطلَّب ذلك مِن جهد ومُمارسة ومعاناة.


ولهذا لا يوجد في الكتابات الإسلاميَّة - إلاَّ ما ندر - تصدٍّ للمشكلات الواقعية كما يجب أن يكون التصدِّي، وما يغلب على هذه الكتابات هو هروبٌ مقنَّع خلف عموميَّات يسلِّم بِها الجميع، وتَهْويم في خيالات ومثاليَّاتٍ تُدَغدع العواطف، ولا تقدِّم الحلول.


2- أن الانتشار السريع لكلمة (إسلامي) - الَّتِي ظهرَتْ على أغلفة الكتب مشيرةً إلى المنظور الإسلامي للاجتماع والاقتصاد، والتربية وعلم النَّفس، والفنون والآداب، بل والطِّب والمحاسبة والإحصاء - قد لا يعني إلا استغلالاً لصفة المنظور الإسلامي، أو الدراسة المقارنة؛ فكثيرٌ من هذه الكتب ليست في حقيقتها إلاَّ انتقاء لِبَعض النصوص التي تَحُثُّ على أخلاقيات عامَّة، يَحْسن أن تتَّخذ لها مكانًا في كتب التوجيه والإرشاد، كما أنَّها ليست إلاَّ مجرَّد حَشْدٍ، قلَّ أو كثر، لِمُمارسات تاريخيَّة تندرج تحت التاريخ الاجتماعي، ولا تقترب من التحليل والمقارنة، ولا تُمثِّل اجتهادًا، ولا تضيف علمًا ينتقل به القارئُ خطوة جديدة إلى الأمام.


ويُفَسِّر ذلك بأنَّ إنشاء الأقسام العلميَّة في الجامعات التي تضيف صفة إسلاميٍّ إلى جانب مَجالها الأصلي؛ كالأدب، وعلم النَّفْس، والاجتماع، والاقتصاد، والتربية، دفع عددًا من المتخصِّصين إلى الإسراع في تَغْطية المناهج المطلوبة، أو إنشائها من العدم؛ إمَّا تلبية لحاجة الطلاَّب إلى المعرفة، وإمَّا تأهيلاً لأنفسهم لاتِّخاذ مواقع مبكِّرة في هذه الأقسام في بعض الجامعات العرَبيَّة؛ وقد أدَّى ذلك إلى سَيْلٍ من الكتب الجامعيَّة، تفتقر إلى الحدِّ الأدنى من المستوى العلمي المفترض تقديمه إلى الطلاَّب، فضلاً عن أنَّها وقفَتْ عاجزة عن مُواكبة حركة التأليف الجامعي ذات التاريخ العتيد، أو المترجمة عن الفكر العالَمِي المتطوِّر.


3- أنَّ معظم الإنتاج الإسلاميِّ الموجَّه إلى عامَّة القُرَّاء أكثرُ افتقارًا إلى المنهج، وأشدُّ تواضُعًا في مضمونه الفكري.


4- أنَّ في بعض الكتابات الإسلامية طَعْنًا في شخصيَّات الآخرين، أو في فِكْرِهم بالاستدلال على أعمالهم السَّابقة، وإسقاط ماضيهم على حاضرهم؛ فتكون الكتابةُ هنا مركِّزة على الشخص ذاته؛ مِمَّا يعني استخدامَ سلاحٍ يُشْهِره مَن ضَعُفَت حُجَّتُه، وعزَّت عليه الأدلَّةُ والشواهد؛ بالإضافة إلى افتراض أنَّ الناس لا يتحرَّكون ولا تتطوَّر أفكارهم، وأنَّ ما قاله كاتبٌ في مرحلة سابقة لا يجوز له أن يَعْدِل عنه في مرحلة لاحقة.


5- أن الكتابات الإسلامية تسيطر عليها فكرةُ الحقيقة الواحدة التي لا ثاني لها، وأنَّ الكاتب تتملَّكه هذه الفكرة بِحَيث يستحيل أن يتصوَّر معه صوابَ الرأي والرأي الآخر معًا في إحدى القضايا، وجواز خطَئِهما في قضيَّة أخرى، وإن اتَّفَقا.


ويتقدَّم صاحِبُنا خطوةً كبيرة هنا في انتقاداتِه للكتابات الإسلامية، فيتَّهِم أصحابَها بالانغِلاق الفكريِّ الناتج عن فقدان الإرادة القادرة على التَّفاعل مع الثَّقافات الأخرى، وفقدان التَّمييز بين ما يؤخَذ منها وما يُتْرَك، يقول الكاتب: "... فيكون الْمَهرب والملاذ هو إغلاق النَّوافذ جميعًا، وتضييق دائرة الحوار حتَّى نرى بين أيدينا كُتبًا تَقْذف بِها المطابعُ كلَّ يوم، وصحفًا ومجلاَّت يُصْدِرها الإسلاميُّون؛ بغية نَشْرِ دعواتهم بَيْن الناس، ولكنَّها لا تَعْدو أن تكون حوارًا مع النَّفس، أو حديثًا داخليًّا يُحدِّث بعضهم بعضًا به، لا يهمُّ غيرهم، ولا ينفعل به أحدٌ، وما إلى ذلك؛ لانْفِصالهم عن الفكر المعاصر وقضاياه، ورفضهم للتفاعُل معه، إلاَّ في النادر الذي لا حكم له".


ويستشهد برأي الدكتور "رضا مُحرَّم" الذي يفسِّر موقف الإسلاميِّين هذا بأنَّه مُنْتج عن الإحساس بالدُّونية أمام فاعليَّة أفكار الآخرين؛ مِمَّا يدفع إلى الرَّفض العصبِيِّ لهذه الأفكار، وما يسمِّيه بالإحساس الكاذب بالاستعلاء على أفكار الآخرين وثقافتهم[3].

 

6- الكُتَّاب الإسلاميون كما يرى الدكتور "جمال عطية":

أ- يَكْتبون عن الجهاد، ولا يهتمُّون بقضايا تحرير الأمم والشعوب المستعمَرة أو المستغلَّة لِحُكَّامها المسلمين، ولا تستثيرهم قضايا حقوقِ الإنسان المهدرة في كل مكان.


ب- يكتبون عن الزَّكاة، ولا يدرسون نظُمَ العدالة الضَّريبيَّة والتأمينات الاجتماعية، والخدمات العامَّة التي تتسابق الدُّوَل في تطويرها وبَسْط ظلالها.


ج- يكتبون عن الرِّبا، ولا يبحثون في أَزْمة النَّقد العالمية ومشكلة الدُّيون الدَّولية، وحيرة الفوائض النفْطيَّة.


د- يكتبون عن المرأة والطَّلاق وتعدُّد الزوجات، ولا ترى لهم إسْهامًا في حلِّ القضايا المعاصِرة للمرأة والطُّفولة والشباب، أو متابَعةً للحركات التي تَعْمل للإصلاح أو الإفساد في هذه المَجالات.


هـ- يَبْحثون في فكر المعتزلة والأشاعرة، والصُّوفية والباطنيَّة، ولا تثير فيهم الإلحاديَّةُ والوجوديةُ والماركسية التي تَغْزو العقول اليوم أيَّ اهتمام بِبَحْثِها ومناقشتها ومتابعة حرَكتِها وانتشارها.


و- يكتبون في الْمُضاربة والمرابحة، وفي الحدود والتَّعازير، وفي الحِسْبة وفي الْمَظالم... إلخ، ولا يعتبرون ما استُحْدِث من عقود المعاملات، والجرائم والعقوبات، ونظُمِ الرقابة الإداريَّة، والمَحاكم الدستورية، والقضاء المستعجل، وشُرْطة الآداب والسِّياحة... إلخ؛ ولو من باب الْمَصالح الْمُرسَلة، وتغيُّر الأحكام بتغير الأزمان.


ز - يكتبون في الدَّعوة والداعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما فنون الدعاية والإعلام الحديثة ووسائل الاتِّصال الجماعيَّة، وإمكانات شراء أو تأجير محطَّات تليفزيونيَّة وإذاعيَّة حُرَّة؛ ناهيك عن الصَّحافة والنَّشر بأساليبها المتطوِّرة؛ فليس لَهم في هذا الْمَيدان سوى دور (الإسهام السلبِيِّ) بالقراءة والْمُشاهدة والاستماع[4].

 

لا شكَّ أن قَدْرًا من هذه الانتقادات صحيح، وخاصَّة فيما يتعلَّق بإضافة المَنْظور الإسلامي إلى كتاباتٍ قد لا تكون إسلاميَّة أصلاً[5]، ويُشارك هنا "جمال" و"محيي الدين عطية" الكُتَّابَ الماركسيين في هُجومهم على هذا النَّوع من الكتابات، فيُطْلِقون على كُتَّابِها صفة: "الإسلاميِّين الانتقائيين"، الذين يضَعُون المشروع القديم نفْسَه في أكوابٍ جديدة دون تَغْيير المفهوم؛ فالمفاهيم الغربيَّة نفسها توضع عليها ملصقات إسلاميَّة، كما اتَّهموهم بعدم الأصالة وبعدم الاتِّساق الفكري، وتَحوُّلِهم في مدَّة زمنية قصيرة من اتِّجاه ومدارس متناقضة تَمامًا مع هذا الاتِّجاه الجديد، وأنَّهم شديدو العموميَّة، يَجْمعون ما لا يأتلف؛ بحيث يَصْلح لأيِّ فكر أو عقيدة غير الإسلام[6].


ونَحْن متَّفِقون على أن هذه الكتابات ليستْ إلا هزلاً فارغًا لا يليق بجدِّية هذا الدِّين، وجهلاً فاضحًا بطبيعته، وأنَّ المسألة بالنسبة لأصحابها مجرَّد حِرْفة وصناعة، والكلمة كما يقول العلماء: "لتَنْبعث ميتة، وتظَلُّ هامدة مهما تَكُن طنَّانة رنَّانة؛ إذْ هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها".


أمَّا القَدْر الآخَر مِن هذه الانتقادات فإنَّه لا يَصِحُّ إلا في حدودِ ما اطَّلَع عليه الكاتبان، ولا ينسحب على ما لم يَطَّلِعا عليه، كما أنه مقيَّد بالمرحلة الزمنيَّة التي كتبا فيها هذه الانتقادات، وباختلاف النظرة بينهما وبَيْن غيرهما في مدى الأهَمِّية والحاجة والأولويَّة للموضوعات التي تصوَّرَا أن الإسلاميِّين قد أغفلوها.


إن الأمر ليس مجرَّد الكتابة في قضايا فَرضَتْ نفسها على الساحة (كنَزْع السلاح وغزو الفضاء وتلوُّث البيئة والانفجار السكاني... إلخ)، إن لم يكتب فيها الإسلاميون فهم غائبون كما يرى الدكتور "جمال عطية".


وليس الأمر مجرَّد الأخذ بالحلول التي وجدها الغربيُّون صالحة لهم، ويجب علينا أن نأخذ بها من باب المصالح المرسلة، وتغَيُّرِ الأحكام بتغيُّر الزمان كما رأى أيضًا!


المفروض علينا أن ندرس مشاكل مُجتمعنا الحقيقيَّة، ونستنبط لَها حلولاً، ونبحث لها عن أحكام في الكتاب والسُّنة؛ لا أن نأخذ حلول الغَرْب لمشاكله (التي لا تقع إلاَّ فيه، ولا تتَّسِق إلاَّ مع طبيعته) ثم ننظرَ إليها على أنَّها حلول إسلاميَّة، وأن الإسلام لا يَمْنعها؛ فهذا هو الانحراف بعينه عن شريعة الإسلام.


يأخذ الدكتور "جمال عطية" على الإسلاميين أنَّهم لا يكتبون في قضايا مثل "حقوق الإنسان"، ولا يضع في اعتباره أنَّ حقوق الإنسان - باعتراف واحد من أشدِّ المفكِّرين تخريبًا في عقيدة الإسلام، ورغم ذلك يُدعى بالمفكر الإسلامي - جُهدٌ تاريخي قامتْ به الذَّات الأوربيَّة على ذاتِها، ومن صراعٍ توتُّريٍّ هائلٍ بين العقل المسيحي والعقل العلمي؛ إضافةً إلى أنَّ لـ"حقوق الإنسان" معنى بالنسبة إلى الإنسان الأوربِّي؛ لكنها في عالَمِنا الإسلاميِّ ليست أكثر من مجرَّد ترَفٍ وزينة يتحلَّى بها المثقَّفون العرَب، والجماعات الْمُسَيّسة تستخدمها لأغراض لا علاقة لها بالإنسان وحقوقه، تنقلها جاهزة من الغَرْب، وتلصقها لصقًا بما يسمَّى بالخطاب السياسي العرَبِي، والمعطيات الراهنة للمجتمعات الإسلامية[7].


ولكن: هل أخرَجَ الكاتبان نفسَيْهما من دائرة الكُتَّاب الإسلاميين باتِّهامهما لِهؤلاء الكُتَّاب بالانغلاق الفكريِّ وإغلاق النَّوافذ، وتضييق دائرة الحوار، والانفصال عن الفكر الْمُعاصر؟! وعلى أيِّ فِكْر يُطالبان بفتح النوافذ وتوسيع دائرة الحوار؟ لا تحتاج الإجابة عن هذَيْن السؤالين إلى مزيد عناء، إنَّها واضحة في استشهاد الدكتور "محيي الدين عطية" برأي الدكتور "رضا محرم".


والمعروف عن الدكتور "محرم" ترجيحه لرأي الدكتور "محمد فتحي عثمان" بجواز أن يكون المسلم يساريًّا، يقول الدكتور "محرم" في مقالته: "بل المسلمون يسار ويمين": "إذا اتَّفَقنا على أنَّ الدِّين الإسلامي يترك لاجتهاد الإنسان المسلم حيِّزًا ضخمًا من حياته قد يتَّسع ليضمَّ أغلب أنشطته الحياتية، وإذا اتفقنا على أن الإيديولوجيَّات المعاصرة تقدِّم الخبرة المُحْدثة لترشيد وضَبْط الممارسات الإنسانيَّة في الحياة اليوميَّة، فإن ذلك يؤدِّي إلى القبول بإمكانيَّة المزاوجة بين العقيدة الدِّينية والانتماء السياسي"[8].


إن الكُتَّاب الإسلاميين "الصادقين" في الدِّفاع عن عقيدة الإسلام، ومنهجِ الله وكتابِه وسنَّةِ نبيِّه، يؤمنون إيمانًا لا يتزعزَع بأنَّ أمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تَميُّع، وأن هذه العقيدة لا تطيق لَها في القلب شريكًا، ولا تَقْبَل شعارًا غير شعارِها الْمُفرد الصَّريح، وقد عبَّر عن ذلك الباحثون الغربيُّون بقولهم: "إن الإسلاميِّين يرون أنَّ المجتمع انعكاس للتوحيد الإلَهيِّ الذي هو صلب الإسلام، وأنه إذا كان التوحيد معطًى أساسًا في الذَّات الإلهية فإنَّه يَحْتاج في المجتمع البشري إلى بناءٍ وتحقيق، وأنه إذا كان الإسلامُ نظامًا جامعًا شاملاً، وليس جُملة معتقدات يتناول كافَّةَ وجوهِ الحياة، فإنَّه يستبعد حتمًا كلَّ حيِّزٍ للعلمانيَّة ولو عرَضًا"[9].


لقد كان الكُتَّابُ الغربيُّون رغم حنقهم وعدائهم الشديد للفكر الإسلامي الذي لم تَخْتَف بصماته من كتاباتِهم أكثر موضوعيَّة من الكاتبين في انتقادِهما لِهذا الفكر، إن الغربيِّين لم يستخدموا عبارات الانغلاق الفكريِّ والرَّفض العصبِيِّ والإحساس بالدُّونية، بل قالوا:

1- إنَّ هاجس الإسلاميين يتمثَّل في تأثير الحضارة الغربيَّة المفْسِد، وأنه ما عاد لديهم افتتانٌ بالحداثة أو بالنَّماذج الغرْبيَّة في السياسة والاقتصاد.


2- إنَّ الاختراق الإسلاميَّ في أوساط المثقَّفين يعود إلى أزمة وتراجع مهابة الإيديولوجيات التقدُّمية، وإنَّ الفكر الإسلاميَّ لا يستهدف العودة إلى الماضي، بل إلى الاستيلاء على الحداثة وتَملُّكها داخل الهويَّة المستعادة.


3- إن الإسلاميِّين حيثما وجدوا يدْعُون إلى التنمية الصِّناعية والعمران المدنِيِّ، ومَحْو الأميَّة على مستوًى جماهيريٍّ، وتحصيل العلوم.


4- إن الإسلاميين يعتبرون أنَّ دور المرأة أساسٌ في تربية المُجتمع، وهم يعتبرونها كائنًا، وليس مجرَّد أداة مُتْعة وإنجاب... وإن الحجاب يسجِّل انْخِراط المرأة الجديد في الدَّورة الاجتماعية.


5- إنَّ مُطالبة الإسلاميِّين بالعودة إلى مثال المُجتمع الإسلاميِّ الأوَّل لا يكفي في ذاته للحُكْم على فِكْرِهم بالجمود والتحجُّر؛ فثَمَّة فكْر أصولِيٌّ آخر في الغَرْب، هو الإصلاح البروتستانتِيِّ الذي كان أحدث الوسائل للارتقاء إلى الحداثة الاقتصاديَّة والسياسية[10].


وتبقى هناك حقيقتان بارزتان مهما كانت مثالب كتابات الإسلاميين:

الأولى: أنَّ منهج الله ثابتٌ، وقِيَمه وموازينه ثابتة، وأنَّ الإسلاميين الصادقين في كتاباتِهم الداعية إلى هذا المنهج قد يَبْعدون أو يقربون منه، وقد يُخْطِئون ويُصِيبون، ولكنْ ليس شيءٌ من أخطائهم مَحسوبًا على هذا المنهج، في حين أنَّ غيرهم يُحاولون التلاعب بِهذا المنهج في الوقت الذي يرفعون فيه راية الإسلام ويتزيَّنون بزيه، ويتمسَّحون بعقيدته؛ فلا تستبين الطريقُ أمام المسلمين الصالحين، وينتشر الغبشُ والغموض واللَّبس، وتختلط الشارات والعناوين، ويأتي التِّيه الذي لا تتحدَّد فيه مفارقُ الطريق، كما أوضح ذلك العلماءُ.


الثانية: أنه لو صحَّ أن الموضوعات الإسلاميَّة قد تشوَّشَت وصُودرت من أصحابها، وجرى تلوينها بتلاوين مُختلفة؛ فإنَّها انتشرت رغم ذلك كلِّه؛ بل إنَّ هذا الضَّعف أسْهَم مؤقَّتًا على الأقل ِّ في شيوع وتعميم العودة إلى الإسلام، وإضْفاء الشَّرعية عليها، كما أقرَّ بذلك الباحثون الغربيُّون.


[1] "أمراض الصحوة"، مُحْيي الدين عطية، "المسلم المعاصر"، ع/42، 1984م، ص 10 - 26.

[2] "ماذا يكتب الإسلاميُّون؟"، محيي الدين عطية، "المسلم المعاصر"، ع/ 45، 1985، ص 5 10.

[3] "أمراض الصَّحوة"، محيي الدين عطية، مرجع سابق، ص 10 26. آ.

[4] افتتاحية العدد 35، "المسلم المعاصر"، جمال عطية، 1983م.

[5] "علم الاجتماع والصراع الإيديولوجيُّ في المجتمع العربي"، حيدر إبراهيم علي، نحو علم اجتماع عربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 1986، بيروت، ص 127، 128.

[6] "علم الاجتماع والصِّراع الأيديولوجي في المجتمع العربي"، حيدر إبراهيم علي، نحو علم اجتماع عربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 1986، بيروت، ص 127، 128.

[7] "أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟"، محمد أركون، ترجمة وتعليق هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، 1995م، ص 26.

[8] "بل المسلمون يسار ويمين"، محمد رضا محرم، "المسلم المعاصر"، ع/15، 1978، ص 203 204، انظر كذلك: "المسلمون وحقُّ الانتماء السياسي"، مصطفى كمال وصفي، "المسلم المعاصر"، ع/14، 1978، ص 111 وما بعدها.

[9] "تجربة الإسلام السياسي"، أوليفيه روا، دار الساقي، 1996، بيروت، ص 46.

[10] المرجع السابق، ص 28، 45، 46، 56، 62.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • اختبارات الأعوام ...
  • كتب
  • رأي وتعقيب
  • مجموع الرسائل
  • اعترافات علماء ...
  • مواد مترجمة
  • صناعة الرسالة ...
  • مناقشة رسائل
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة