• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع شعار موقع الشيخ د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
شبكة الألوكة / موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة


علامة باركود

وجوب التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والحذر من الاعتراض على سنته

وجوب التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والحذر من الاعتراض على سنته
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع


تاريخ الإضافة: 28/9/2018 ميلادي - 17/1/1440 هجري

الزيارات: 44524

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وجوب التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم

والحذر من الاعتراض على سنته

وقول الله تعالى: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

 

فإنَّ الله جل جلاله قد أبدَى في هذا القرآن العظيم وأعاد؛ مُعَظِّمًا جنابَ نبيِّه محمدٍ عليه الصلاة والسلام، ومعظِّمًا الشرعَ الذي أرسله به، وبيَّن ربُّنا تعالى وتقدَّس كمالَ هذه الشِّرعة، وأنها وفَّت بحاجات الخلائق في مَعاشهم ومَعادهم، وليس بعد هذه الآية العظيمة المقرِّرة لكمال الشرعة، وعظم النعمة بها؛ إذ قال سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]؛ ليس بعد هذه الآية العظيمة مِن مجالٍ لِمُبطِلٍ مِن المبطلين، أو متشكِّك مِن المتشككين لِيَستدرِك على هذه الشريعة العظيمة، بل إنَّ هذه الآية وما جاء في معناها مما زخر به القرآن العظيم رادَّةٌ على كلِّ أحد يرفع عقيرتَه لِيَتنقِص هذه الشرعة الطاهرة السامية، وقد وُجد مِن أهل النفاق والشقاق منذ بُعث نبيُّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وسيتكرَّر نُظَراؤهم إلى أن يرث اللهُ الأرض ومَن عليها، مِمَّن يَستدركِون على شريعة الله، ويُريدون أن يُبدِّلوا كلام الله، ويُريدون أن يُقْصوا سُنَّةَ سيدِ الخلْق صلى الله عليه وآله وسلم، وُجدوا في حياة نبيِّنا عليه الصلاة والسلام، فجاءت الآياتُ القرآنية لتكشِف عَوَارَ آرائِهم، وفسادَ توجُّهاتهم، هم ومَن جاء على نهجهم ممَّن هُم بَعدهم.

 

ولذلك لم تزل آياتُ القرآن العظيم تؤكِّد أن هذه الشرعة الطاهرة الكاملة لا مجال للاعتراض عليها، وأن مَن أدْلى برأيٍ، أو قدَّم شيئًا بين يدي كتابِ الله وسُنِّةِ نبيِّه عليه الصلاة والسلام؛ فهو إلى الضلال والخطأ أقرب؛ بل هو خطأ وضلال كلُّه مِن مَبدئه إلى مُنتهاه.

 

وهذا السياق جاء في قول ربنا سبحانه: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾ [محمد: 29، 30]؛ هكذا تقرِّر هذه الآية القرآنية: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾؛ وهم المنافقون الذين توجَّهوا إلى عيب كتابِ الله، وعيب سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهؤلاء الذين وَصلوا إلى هذه المرحلة؛ منهم مَن قد اكتمَل نفاقُه فصار مُبطِنًا للكُفر والضلال، مُظهِرًا للإيمان، أو متمسِّحًا بما ظهر مِن شعائر الإسلام، حتى يمرَّر حالُه، وتمرَّر أقوالُه، ولكن الله قال: ﴿ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ﴾؛ هل يَظنُّون أنه لن تظهر أحقادُهم على المؤمنين؛ فيُبديَها حتى يَعرفوا نِفاقَها؛ ذلك أنهم لا يستطيعون أن يُواجِهوا أهلَ الإيمان بأن يَنقُدوا شريعة الرحمن؛ لأنه سيظهر ما عندهم مِن الضلال والباطل، ولكنَّهم يَتحيَّنون الفُرص التي يُظهرون شيئًا مِن باطلهم، ويمرِّرُونه على مَن ليس عنده عِلم؛ ليتوصلوا بذلك شيئًا فشيئًا إلى انتِقاص الشرع المطهَّر، وإلى أن يَصلوا أيضًا إلى إقناع الناسِ بأن هذه الشريعة الطاهرة الكاملة المنزلة مِن الرحمن، يَزعُمون أنها إنما صلحت لحالٍ متقدِّم؛ إبَّان حياةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها لن تصلُح في الأعصار التي جاءت مِن بعده، ولا في عصر الصناعة والتحضُّر زَعَمُوا؛ ولهذا أظهر اللهُ عَوَارَ أقوالهم، وفسادَ أُطْروحاتهم، وقال ربُّنا جل وعلا لنبيِّه عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ ﴾؛ لأعلمْناكهم وعرَّفناكهم حتى تُدرِكَهم بأسمائهم، ولكن الله سبحانه وتعالى بعد أن بيَّنَهم لنبيِّه عليه الصلاة والسلام، أيضًا بيَّنَهم لأهل الإيمان إلى أن يرث اللهُ الأرض ومَن عليها، ولذا قال سبحانه: ﴿ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ﴾؛ بعلَامَتهم، وفي هذا يقول العلَّامة الزجاج رحمه الله: المعنى: لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامةً تَعْرفهم بها.

 

قال أنس رضي الله عنه: ما خَفِيَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول هذه الآية شيءٌ مِن المنافقين، كان يَعرفهم بسيماهم.

 

وأهل العلم والإيمان أيضًا يُدرِكُون الأقوال التي هي أقرب إلى قول النفاق، وذلك كما يدل عليه قوله سبحانه: ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾؛ يعني: في معناه ومقصده، المعنى أن تعرفهم فيما يُعرِّضون به مِن تهوينِ أمْر الإسلام، وأمْر المسلمين، والاستهزاء بهم.

 

﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾؛ هذا متجههم وهو استنقاصُهم للشرع المطهَّر، وزعمُهم أنَّ فيه لُبًّا وقُشورًا، وزعمُهم أن فيه أشياء لا تصلُح لعصرنا الحاضر، وزعمُهم المزاعمَ الكاذبة الأُخَر.

 

وفي هذا السياق أيضًا أدَّب اللهُ تعالى أهلَ الإيمان، وحذَّر أهلَ النفاق والشقاق؛ بأن مَن قَدَّم رأيَه معترضًا به على كتاب الله، وعلى سُنَّة رسوله عليه الصلاة والسلام؛ فهو على الضلال، ولذا قال ربنا سبحانه مؤدِّبًا أهلَ الإيمان؛ أن لا يَصِلُوا لحال أهلِ النفاق، قال جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1]: قال الحافظ القرطبي رحمه الله: هذه الآية العظيمة: ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ أَصْلٌ فِي تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِأَقْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِيجَابِ اتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِه.

 

ولذا نجد أيها الإخوة المؤمنون؛ أن هنالك مَن تَشَرَّب هذه الأطروحات حيث قبِلُوها مِن أهل الكفر؛ لأن الكافرين يَعيبون شريعة المؤمنين، ويَصِفونها بالتخلُّف والرجعية، فجالسَهم مَن ضعُف إيمانه، ومَن تأثر بأخلاقهم، فتقبَّل منهم ما يطرحون؛ فهو يَتَسمَّى باسم أهل الإسلام، وعاش فترة مِن عمره بين أهل الإسلام، ثم تشرَّب ثقافاتِ أهل الضلال والكفران، فصار لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاء ﴾ [النساء: 143]؛ فهو لا يَستطيع أن يُجاِهر بالكفر علانية، ولا يستطيع في الحين نفسِه أن يُظهر الإيمان، وما يَقتضيه مِن المدافَعة عن شريعة الرحمن، فهو مذبذب، ولذلك ربما ندَّت منه الأقوال التي يَعيب بها شريعة الرحمن، فهو لا يَستطيع أن يَتسلَّق إلى نقض الأصول والأمور الكبار من عقيدة الإسلام، لكنه يَبتدئ بالاعتراض على السُّنن والآداب الإسلامية، التي قرَّرتها نصوص محكمة، ولا يزال يعترض حتى يصل إلى الضلال الكبير، عياذًا بالله من ذلك كله.

 

وفي هذه الآية العظيمة أيضًا وهي قول ربنا سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: يقول ابنُ كثير الدمشقي رحمه الله: مَعْنَى الآيَة لَا تُسْرِعُوا فِي الْأَشْيَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَيْ: قَبْلَهُ، بَلْ كُونُوا تَبَعًا فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، حَتَّى يَدْخُلَ فِي عُمُومِ هَذَا الْأَدَبِ الشَّرْعِيِّ حَدِيثُ مُعَاذٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عِنْدَمَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ لمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: ((بِمَ تَحْكُمُ؟)) قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟)) قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟)) قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رسولَ رسولِ اللَّهِ، لِمَا يُرْضِي رَسُول اللَّهِ)). قَدْ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّهُ أَخَّرَ رَأْيَهُ وَنَظَرَهُ وَاجْتِهَادَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْهُمَا لَكَانَ مِنْ بَابِ التَّقْدِيمِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: لَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَالَ العَوْفي رحمه الله: نَهَى أَنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كَلَامِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ رحمه الله: لَا تَفْتَاتُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ. وَقَالَ المفسِّرُ العلَّامةُ الضَّحَّاكُ رحمه الله: أَيْ: لَا تَقْضُوا أَمْرًا دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ شَرَائِعِ دِينِكُمْ.

 

إلى غير ذلك مما قرَّره أئمَّة الإسلام في عظيم دلالة هذه الآية، وأنَّها أصلٌ كبير يجب أن يُسَارَ عليه، وأن يُحذَر مِن مخالفته.

 

أيها الإخوة المؤمنون، هذا الأصل العظيم ينبغي أن يَستحضِره المؤمنُ دومًا، وأن يُربِّي نفسَه عليه، وأن يُربِّي مَن حوله على هذا الأمر ممن يجب عليه أن يُربِّيهم، أن يكون كتابُ الله، وسُنَّةُ رسول الله حاكمةً على كل أمْره، ولا يَقبَل أن يعترض على شيء ولو ظنَّه يَسيرًا ممَّا جاء به كتابُ الله، وجاءت به سُنَّة رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ذلك أن بداية الزيغ والضلال تكون بأشياء يسيرة، ثم يَعْظُم الأمْر حتى ترفض الشريعة، ويدخل الإنسان في الإلحاد والله جل وعلا يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ ﴾ ﴿ فَلْيَحْذَرِ ﴾ ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]؛ تحذيرٌ عظيم مِن الرب العظيم، مِن الخالق الذي بيده أمْرك كله، فهو يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ ﴾؛ ألا ترى يا عبد الله لو أنَّ أحدًا مِن الناس وإنْ صغُر شأنُه حذَّرك وقال: والله لأقعُدنَّ لك في طريق كذا وأعتدي عليك، أو أقتلك، أو أفعل وأفعل، هل كنتَ ستُمضِي هذا التحذيرَ والوعيدَ على أمْر سهلٍ، أم إنك إذا شاهدتَ هذا الإنسان ولو ضعُف شأنُه فإنك ستكُون على جانبٍ مِن الأهْبَة والحذَر؛ لأنه قد يَطيش عقلُه، ويكُون سفيهًا لا يلتفت، رعديدًا يهجم عليك، ثم يُمضي ما توعَّد، هذا لا شك أن العاقل يقف منه على موقف الحذر، ليس على سبيل الخوف في ذاته، ولكنه لأنه يُدرك أن هذا الإنسان ربما أمضَى ما قاله، فكان العقلُ يَقتضي أن يحذَر منه، وأن يكُون مُتنبهًا لما قد يكُون مِن شأنه، هذا لو كان أحد مِن الخلْق على ضعْفه، فكيف والذي يحذِّرك هو ربُّك الخالق القادر على كل شيء، فيقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ ﴾، واللهُ إنْ حذَّر قد يمضي فيَمن حذَّرهم عقوبتَه، حذَّرهم في أمْر إنْ وقع منهم أن يُنزل بهم ما توعَّد به ﴿ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

 

﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾؛ عن أمْر رسولِه، يحذروا أن تُصيبَهم الفِتنةُ، فهو خِطابٌ للمسلمين؛ أنهم إذا خالفوا أمْر رسولِ الله، واستهانوا بذلك، واستخفُّوا بشأن النعمة التي أعطوا إياها بأن هُدُوا للإسلام؛ حذَّرهم اللهُ عُقوبتين: الأولى ﴿ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾؛ والمعنى: أن يُحرَموا نعمةَ الإسلام، وأنْ يُصارَ بهم إلى الزيغ والضلال، كما قال الإمام أحمد: لعلَّه إذا ردَّ بعضَ قولِه أن يَزيغ فيهلك؛ يعني: أن يدخل في الكفر والضلال، ولذلك تَسمَعون في بعض الأحيان مَن ينتسِب إلى الإسلام، ولكنه يقول أقوال الردة والضلال، وهؤلاء تاريخُهم طويل مِن زمان نبيِّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، ولذلك سمِعْنا مَن يؤلِّفون المؤلَّفات التي فيها الكفر الواضح، والضلال البيِّن، كما فعَل بعض مَن يَنتسِبون إلى الإسلام فنَطَقوا بالكفر والضلال، فرحَّب بهم غيرُ المسلمين، وآوَوْهُم واحْتَوَوْهُم، كما فعلوا مع (سلمان رشدي) لما كتب كتابه "آيات شيطانية"، وهو كفرٌ وضلال، وكما فعلوا مع كاتبة مِن بنجلادش وهي (تسليمة نسرين) لما كتبتْ ما كتبتْ.. وآخرون كثر في قائمة مِن الضلال والظلام والزيغ والانحراف، لما طَرَحُوا الكُفر والضلال كان هذا شأنهم، في إيوائهم لدى غير المسلمين، ولكن كيف وَصَلوا إلى هذا مع إنهم وُلدوا بين أبوين مسلمَين؟ وعاشوا في بلاد إسلامية أولَ الأمْر، ثم وَصَلوا إلى أن يَكتُبوا الكُفر والضلال والإلحاد والزيغ والانحراف، إنما كان ذلك شيئًا فشيئًا، فوقعَتْ بهم عقوبةُ الله فنَطَقوا بالكفر والإلحاد جهارًا نهارًا، فهذه العقوبة الأولى أن يُحرَم الإنسانُ الذي استهان بالشرع المطهَّر، أن يُحرَم هذه النعمةَ التي هي أعظمُ مِن نعمة الحياة.

 

أو أن ﴿ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، والذي يُحذِّر ويقول: ﴿ عذاب أليم ﴾، هو الربُّ جل وعلا ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ [الحجر: 49، 50]؛ فلا عذاب آلم وأشد مِن عذابِ الله، ولا عقوبة أشد وأفظع مِن عقوبة الله، فيلزمِ المؤمن الحذَر، ولا يكون مجالًا لِتَقبُّل أطروحاتٍ مِن أهل الضلال؛ لأنها ربما إذا دخلتْ على قلبه أفسدَت تَصوُّرَه وَثَباتَه على الإيمان، ولذلك نهى ربُّنا سبحانه عن مُجالسة الذين يَخوضُون في آياته، خوضهم وقولهم الضلال والباطل والتنقُّص للشرع المطهَّر ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾ [الأنعام: 68]، وبعضُ الناس اليوم يتنقَّل بين وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، فيقرأ ما يطرحه مَن يُعلِنون الإلحاد والتنقُّص للشرائع، فلا يزال يقرأ وهو غيرُ متسلِّح بسلاح العِلم والإيمان، وفهْم هذه الشبهات وردِّها، وربما أثَّرتْ في إيمانه، وفي تصوُّراته، فقبِل ما يُطرح، وهو الذي جرَّ نفسَه إلى هذه الموابئ، وإلى هذه المستنقعات العفِنة، وإلا فإنَّ المؤمن إذا رأى الخطَر أبعَد عنه، وإنْ كان مِن أهل الاختصاص، وعنده عِلم كان واجبًا أن يَرُدَّ، وأن يَستنكِف، وأن يُنكِر ما شاهد وما قرأ وما كُتب، فإنْ لم يكُن كذلك فالسلامة لا يعدلها شيء. وليستحضِرِ المؤمنُ هذا التحذير الربانيَّ: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

 

بارك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيَّاكم بهدْي النبي الكريم، أقول ما سمعتُم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كل ذنْب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى اللهُ وسلَّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

 

أيها الإخوة المؤمنون، الإسلامُ نعمةٌ عُظمَى، ومنحةٌ كُبرَى هداك اللهُ إليه، وهو قنطرتُك وطريقُك إلى الحياة الطيِّبة الأبديَّة في الآخرة، وهو مُقدِّمة لحياة الطمأنينة في هذه الحياة الدنيا.

 

في هذه الحياة الدنيا جُبلت هذه الحياة الدنيا على الأكدار، ولن تجد أحدًا مُرتاحًا مطمئنًّا، لكنَّ المؤمن إذا اطمأنَّت نفسُه بكتاب الله، وسُنَّة رسوله عليه الصلاة والسلام؛ وَجَدَ راحة وطمأنينة، وكانت سفينة له من الأمواج العاتية التي تكُون في هذه الدنيا مِن لأوائها وشدائدها وفِتَنِها، ولذلك كان أهل العِلم أحظى الناس بالبُعد عن مكدِّرات هذه الحياة الدنيا، فهم يَرَوْن أنه مهما تعدَّدت شدائدُ الدنيا ومصائبُها، ما دامت في أمور الحياة، ولم تصِل إلى دِينِهم؛ فهم سالمون غانمون، سلامة الدين، والثبات على الإيمان هي أعظم أمنياتهم، وهي هجيراهم ودعواتهم أن يثبتوا، وهذا على نهج النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دِينك))، ((اللهم مصرِّف القلوب، صرِّف قلبي على طاعتك)).

 

ولذلك كانت أعظم الأمنياتِ هي أن يوافي الإنسانُ لحظاتِ موته وهو ثابت على الإيمان؛ لأنه في لحظاتها سيجد الثمرة العظيمة، والوعد الكريم؛ وهو بشارة الملائكة التي نصَّ عليها القرآنُ العظيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ [فصلت: 30]؛ يعني: عند الموت ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]؛ ما أعظَمَها مِن بشارة! تُساق على أيدي الملائكة الذين يُشاهِدهم الميتُ في تلك اللحظات، ويَرى معهم كما جاء في هذا الحديث الصحيح؛ يرى معهم أكفانًا مِن الجَنَّة، ولذلك في هذه اللحظات يقول لهؤلاء الملائكة: عَجِّلوا بقبض الروح.

 

ويا للعجَب كيف يَستعجِل حيٌّ الموتَ لولا أنه رأى الحياة الحقيقية، فهو يُريد أن يَنتقِل بأسرع ما يمكن من هذه الحياة التي عاشها بأكدارها إلى تلك الحياة الطيبة، التي يلقى فيها نعيمًا يعجَّل له في حياة البرزخ تمهيدًا للنعيم الأعظم في جَنَّة عرضُها السماواتُ والأرضُ، ولذا جاء في الحديث؛ أنَّ روحه تخرج أسهل ما يكون، قال عليه الصلاة والسلام: ((فتخرج روحُه كما تسيل القطرة مِن فِي السِّقاء)). أرأيتَ كيف إذا سكبتَ الماءَ مِن طرف القارورة أو الإناء هل في ذلك ِمن مشقَّة؟ فكذلك روح المؤمن مِن شدة استعجاله، ومِن شدة حُسن استقباله على أيدي الملائكة الكرام.

 

والمقصود أنَّ المؤمن يحرص على أن يتشبَّث ويثبت على الإيمان حتى هذه اللحظات العظيمة، أما مَن فتَّح على نفسِه الأبواب فإنه يُخشَى أن تزلَّ به القَدَم، وأن يزيغ بعد الثبات.

 

وما أجمل ما حرَّره العلَّامة الشنقيطي رحمه الله في دلالة الآية المتقدمة ﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾؛ قال: المعنى: لا تتقدموا أمام الله ورسوله: فتقولوا في شيء بغير عِلم ولا إذنٍ مِن الله، وهذه الآية الكريمة فيها التصريح بالنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله، ويَدخُل في ذلك دخولًا أوَّليًّا: تشريع ما لم يأذن به الله، وتحريم ما لم يحرِّمه، وتحليل ما لم يحلِّلْه؛ لأنه لا حرام إلا ما حرَّمه الله، ولا حلال إلا ما أحلَّه الله، ولا دين إلا ما شرعه الله.

 

وذكر رحمه الله الآيات التي تُبيِّن هذا الأمْر، والتي أصَّلت فيها الشريعة إلى تقريره، كما في قوله سبحانه: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10]، وفي قوله سبحانه: ﴿ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ [الكهف: 26]، وفي قوله جل وعلا: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]؛ فليس بَعد الذي هو أقوَم إلا الضلال والانحراف، فكان مُتعيِّنًا على أهل الإسلام أنْ إذا رأوا أحدًا يتنقِص الشريعة الغرَّاء، أو يُدلي برأيٍ عن غير عِلم، بغير هُدى ولا عِلم ولا كتابٍ منير؛ أن يُظن به ظن السوء؛ لأن الله قال عنهم: ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾.

 

فحريٌّ بالمؤمن أن يكُون على هذا المنوال، وأن يكُون معظِّمًا لشريعة الرحمن حتى يَنال الفضل بالثبات على الإيمان، وبقبول نعمته سبحانه، والثبات عليها إلى أن يَلقَى ربَّه جل وعلا.

 

فنسأل الله سبحانه أن يُثبِّتنا على الإيمان، وأن يَرزُقنا حُسن الاقتداء بنبيِّه عليه الصلاة والسلام، وهو المسؤول جل وعلا أن يُديم على بلادنا ما أنعَم به جل وعلا عليها؛ مِن تحكيم الشرع المطهَّر، والاستقامة عليه، فكان دستورًا لها نعمَت في ظلِّه، وأغدَق اللهُ جل وعلا عليها النِّعَم بما كان مِن ثباتها على هذا الشرع، وتحكيمِه، والاحتكام إليه.

 

ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلْق الله نبيِّنا محمد، فقد أمرنا ربُّنا بذلك فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميد مجيد.

اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديِّين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا؛ ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

اللهم ابسُط على بلادنا الأمْن والاستقرار والرخاء، وارزُقنا شُكر نعمك يا رب العالمين.

اللهم أصلِح أئمَّتنا وَوُلاة أمورنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا ونائبه لما فيه خير العباد والبلاد، اللهم اجعلهم رحمة على الرعية، اللهم أجْرِ على يديهما كل خير وبر ورشد لهذه البلاد وللمسلمين في الدنيا، اللهم ارزُقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم وَلِّ على المسلمين خيارهم، واكفِهم شرارهم، اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، إنَّ بعبادك المسلمين مِن الضر واللأواء، ومن الشدة وتسلط الأعداء ما لا يَعلَمه إلا أنتَ، ولا نشكوه إلا إليك، ولا يَقدِر على كشْفِه إلا أنت؛ فنسألك اللهم فرجًا عاجلًا لكل مكروب من المسلمين؛ برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدِينا، وارحمهم كما رَبَّوْنا صغارًا.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سبحان ربنا رب العزة عما يصِفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بطاقات دعوية
  • كتب
  • صوتيات
  • ردود وتعقيبات
  • بلغات أخرى
  • أنشطة وندوات
  • خطب منبرية صوتية
  • خطب منبرية مفرغة
  • مقاطع مصورة قصيرة
  • مرئيات
  • تفسير القرآن الكريم
  • المصحف المرتل
  • مرافئ البِرّ ...
  • تلاوات مختارة
  • Mercy 4 all ...
  • أخبار متعلقة ...
  • الإعجاز في القرآن ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة