• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع شعار موقع الشيخ د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
شبكة الألوكة / موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة


علامة باركود

كيف ننصر إخوتنا في حلب والشام؟

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع


تاريخ الإضافة: 30/3/2017 ميلادي - 2/7/1438 هجري

الزيارات: 11163

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كيف ننصر إخوتنا في حلب والشام

من أحكام وحكم قنوت النوازل


إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فيا أيها الإخوة المؤمنون، تدبَّروا كتابَ ربِّكم، واستقيموا على هدي نبيكم محمدٍ عليه الصلاة والسلام، فبذلك الفلاح وبذلك سلوك طريق الهدى والحياة الطيبة في الآخرة والأولى.

 

وإنَّ من جملةِ ما يدل عليه كتابُ ربنا، وما جاء في سنةِ نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام - معرفةُ حقائق الأمور، وخاصة ما يكون من الأحوال التي يتعرَّض لها المسلمون في مواجهتهم لأعدائهم، فإنَّ في هذا القرآن العزيز وفي هدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ما يُجلِّي هذه الأمور، ويبيِّن حقائقَها، ويدلُّ المؤمن على ما ينبغي أن يتصرفَ به، وما يجب عليه نحو هذه الأحوال المتقلِّبة.

 

وبادئ ذي بدء، فإنَّ العاقبةَ للمؤمنين والمستقبلَ لهذا الدين وإنْ رغمت أنوف، فإنَّ الله قد قال وقوله الحق ووعده الصدق: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]، وهو القائل سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، وهو الذي وعد ووعده الصدق وقوله الحق: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].

 

ومهما يكن من حصول بعض التحوُّلات التي يكون فيها تسلُّط المجرمين على المؤمنين، فإنَّ ذلك يكون في أحوال معدودة وأوقات محدودة، وسببُه هو تخلِّي أهل الإسلام عمَّا يجب عليهم من الاستقامة على دينهم ونُصرتِه والعملِ بمقتضاه، ولذا لما حصل ما حصل في معركة أُحد من إدالة المشركين على المسلمين، ووقوع الحدث العظيم بالاعتداء على جناب النبي الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، حتى كُسِرت رباعيته وشُجَّ وجهه الشريف، وسال دمه؛ قال الله جل وعلا: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165]، هكذا كان الأمر: ﴿ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165]، بسبب التقصير الذي يحصل في مخالفة أوامر الله، وأمر نبيه محمدٍ عليه الصلاة والسلام، وهذا كما تعلمون حينما تخلَّى الرماة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبقاء على الجبل، وألا ينصرفوا، وأكَّد عليهم ذلك فقال: (لا تتركوا أماكنكم حتى ولو رأيتم الطير تخطَّفنا)، ولكنهم خالفوا، فكان ما كان من التفاف المشركين على حين غرَّة على المسلمين، ثم ما كان من قتل عدد من الصحابة رضوان الله عليهم.

 

وهكذا في كل أحوال المسلمين اللاحقة، حينما يُراد معرفة حقائق الأمور: ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165]، وذلك إذا تخلَّى المسلمون عما يجب عليهم مما جاء بيانه في كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، ثم أيضًا ينبغي أن يُدرك أنَّ هذه من جملة الابتلاءات: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، ولكن كما قال ربنا جل وعلا: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196، 197]، والعاقبة كما قال الله: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].

 

وإنَّ المتابع لأحوال المسلمين في عددٍ من أقطار الأرض اليوم، وما يكون من تسلُّط المشركين عليهم، وما يكون من اعتداء المجرمين وبَغيهم، فإنَّ ذلك يوجب على المسلم أنْ ينظر إلى هذه الأمور بمنظار الشرع المطهَّر، وليس ببعيدٍ فإنَّ المتابع لأحوال إخوتنا في سوريا بعامة منذ بضع سنين، وفي حلب على وجه الخصوص، ومخيمات النازحين هذه الأيام؛ حيث تعرُّضهم للحصار والقصف والقتل والتهجير، الذي يُستهدف فيه الأبرياءُ والمدنيون، ولا يفرَّق فيه بين مقاتل وغير مقاتل، ولا بين رجل ولا طفل ولا امرأة، واستشهد في ذلك فئامٌ من الناس من النساء والأطفال وغيرهم ممن يقطنون تلك الديار، وليس لهم من جريمة في ذلك، إلا أنهم يسكنون هذه البلدة التي في قلوب أعدائنا من الحقد عليهم وعلى عموم أهل الإسلام - وخاصة أهل السنة - ما هو معلوم ومشاهد.

 

إنَّ كل ما اقْتُرِف ضد إخوتنا من مجازر إجرامية وأعمال بربرية ظالمة على أيدي جيش النظام السوري، ورئيسه المجرم الطاغية بشار الأسد، وبدعمٍ من قادة القتل والخراب في حكومة إيران وروسيا، وتواطؤ من بعض الدول الكبرى، وتجاهلٍ من بعض المنظمات الدولية - لا شك أنَّ ذلك مما يحزن النفوس ويضيق الصدور، وهو إجرام وتواطؤ ترفضه الشرائع السماوية كافة، والأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية، لكنَّ أولئك لا يلتفتون إلى هذه الأمور حينما يعميهم الحقد والظلم، والدافع لهؤلاء حقدٌ بغيض نحو هؤلاء العُزَّل المدنيين والمستضعفين، وما كان ذلك لجرمٍ اقترفوه، ولكن كما قال الله تعالى:﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 8].

 

وأمام هذا الظلم والبغي، فإنَّ كل أحد عليه مسؤولية تفرضها أخوَّة الدين، ومقتضى الفطرة الإنسانية، ومن ذلك:

أولًا: وجوب إنكار واستنكار هذه الأعمال الظالمة، والفزع لحصولها، وسعي كل أحد بمعاضدة إخوتنا، كلٌّ بحسب قدرته، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)؛ رواه مسلم.

 

وهذا مخاطب به كل أحد بحسب مسؤوليته قدرته، وهذا هو مقتضى الإيمان، وهذا هو مقتضى الولاية بين أهل الإيمان؛ كما قال رب العزة سبحانه: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71]، قال الحافظ ابن كثير: يعني يتناصرون ويتعاضدون.

 

ثانيًا: لا شك أنَّ الواجب على المسلمين كافة في كل مكان أن يعينوا إخوانهم المضطهدين بدعواتهم وضراعتهم، وينبغي ألا يتساهلوا أو ينسوهم من الدعاء في صلواتهم، في السجود وفي آخر الليل بالحفظ والفرج والنصر، وبهلاك أعدائهم، فهذا سلاحٌ عظيم، وهو في مقدور كل أحد، وقد وعد الله عليه الوعد الكريم: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يفزع إلى الله بالدعاء والضراعة عند الشدائد وعند تسلُّط الأعداء، كما صنع عليه الصلاة والسلام في مشاهد بدر والأحزاب، وفي حُنين وغيرها، وكما صنع من القنوت في الفريضة بعد الركوع شهرًا يدعو على أحياء من العرب قتَلوا المسلمين، ويدعو بنجاة المستضعفين، وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما.

 

وهذه الدعوات لا تضيع عند رب العزة والجلال، وإن أمهَل الظلمة والمجرمين، فقد ثبت في الصحيحين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته، ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]).

 

وهل يُظن أنَّ ما يصنعه هذا المجرم الطاغية في الشام، هل يُظن أنَّ الله جل وعلا إذ أمهله، فإن ذلك لسلامة طريقته، أو أنه مرضيٌّ عنده؟ حاشا وكلاَّ، ولكننا نرجو إمهال الله له؛ حيث إنه كما لا يخفى قد قتل من المسلمين ما الله به عليم، والله جل وعلا مأمولٌ فيه أن يشفي صدور المؤمنين بهلاكه وهلاك أعوانه، والله هو القوي العزيز!

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، مبينًا ما ينبغي من تناصُر المسلمين وتعاضدهم بالدعاء وغيره، ومبينًا أثر ذلك قال: "والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها قلوبهم واحدة، موالية لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، معادية لأعداء الله ورسوله، وأعداء عباده المؤمنين، وقلوبهم الصادقة وأدعيتهم الصالحة هي العسكر الذي لا يغلب والجند الذي لا يخذل".

 

ثالثًا: واجب على حكومات المسلمين، وكذلك المنظمات الدولية - مثل منظمة التعاون الإسلامي وغيرها - أن تُضاعف جهودها في إغاثة وعون إخوتنا المحاصرين والمضطهدين، وأن تسلك في ذلك الطرق المناسبة لرفع الظلم وإيقاف القتل في سوريا، ومتى صدقوا في نيَّاتهم ومقاصدهم وإخلاصهم لله، أعانهم الله ويسَّر لهم السبيل، وأنجز الله لهم ما أرادوا.

 

وقد كان من حكومتنا سعي كريم في هذا منذ بدء الأزمة في سوريا، والتسلط على المدنيين، وبذلت في ذلك جهدًا واضحًا مرئيًّا للعيان، فنسأل الله أن يعين حكومتنا، وأن يزيد من جهدهم، وأن يكلل مساعيهم بالتوفيق والنجاح، إنَّ الله هو القوي العزيز!

 

رابعًا: إن المتأمل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الملمات والشدائد التي نزلت بالمسلمين، يلحظ أخذه بالأسباب الشرعية، ومنها التواصل مع أهل الحل وأهل العقل والإحسان من ذوي القدرة من غير المسلمين؛ لأجل مساعدة المسلمين وكف أذى المجرمين عنهم، ومما يشهد لهذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه لَمَّا رأى المشركين يؤذونهم، ولا يستطيع أن يكفهم عنهم، إبان إقامته بمكة قبل الهجرة، قال: (إن بالحبشة ملكًا لا يظلم عنده أحد، فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجًا)، ذكره ابن إسحاق في سيرته، وأصل قصة الهجرة للحبشة ثابت في الصحاح وغيرها.

 

والمقصود هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم استقرأ أحوال الدول، وسُبل التوجهات لدى الحكام في زمانه، فآنس من النجاشي عدلًا ورحمة، ولذلك نجد في عالم اليوم مَن قد يكون غيرَ مسلم، ولكن عنده العدل والإنصاف، فمثل هذا يُتحالف معه من قِبَل أهل الإسلام؛ حتى يرفعوا الظلم عن إخوتنا.

 

ومهما يكن من الأمر، فإن الحال كما قال الله جل وعلا: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21]، فإذا أراد سبحانه شيئًا، فإنه لا يرد ولا يمانع ولا يخالف، فهو القوي العزيز، وإن أمهل المجرمين، وهو القائل جل وعلا: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ [إبراهيم: 42]، وهذه الآية من أعظم العزاء لكل مظلوم، ومن أعظم الوعيد لكل ظالم باغٍ، والأمل بالله كبير بحسن العاقبة للشام وأهلها، وللمسلمين بعامة، وإن كره المجرمون!

 

فالشام بلاد مباركة بنص القرآن العزيز والسنة الغرَّاء؛ كما في سورة الأعراف والإسراء والأنبياء والتين، وكما ثبت في مسند أحمد وجامع الترمذي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى للشام)، فقلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ فقال: (لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها)، والمعنى حصول البركات فيها ولأهلها، وما يكون من دفع الغوائل عنها وحسن العاقبة لها ولأهلها، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وعليه التوكل وحده، وهو المسؤول جل وعلا أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم ويكفيهم شرارهم، وأن يجزي كلَّ من سعى لنصرة المسلمين خير الجزاء، وأن يحسن العاقبة للمؤمنين في كل الأرجاء.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ولي المؤمنين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده سبحانه وأثني عليه الخير كله، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ الدعاء عند الله عظيم، وعليه معولٌ كبير؛ لأنه استنصار واستعانة بالقوي العزيز الذي لا يقهر ولا يغالب، ومن أمره بين الكاف والنون إذا أراد شيئًا فلا راد لقضائه.

 

وتأملوا هذه العظمة حينما يوحي ربنا إلى الملائكة، الذين كل ملك منهم قادر على هزيمة المشركين عن بكرة أبيهم؛ كما عُلِم من الأخبار الصحاح في تعذيب الأقوام المتقدمين بملك واحد من ملائكة الرحمن، والله قادر على كل شيء، فإنه لا يعجزه شيء، وكل شيء خاضع لأمره، وقد قال سبحانه: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾ [الأنفال: 12]، وحسبنا بذلك جيش قوي عظيم، حينما يدب الخوف والرعب في قلوب الأعداء، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (نُصرت بالرعب مسيرة شهر)، فانهيار معنويات الأعداء لا شك أنه مسببٌ لهزيمتهم، وهذا مما يملكه ربنا جل وعلا وهو القادر، فإنَّ قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن جل وعلا، والله سبحانه قادر على أنْ يسلِّط على الأعداء من جنده ما يشاء وتأملوا قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31].

 

ومن جملة ما يعتضد به المسلمون الدعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يفزع إليه، وخاصة في مواجهة الأعداء وعند تسلُّطهم، كما كان منه عليه الصلاة والسلام في مواجهة المشركين في بدر وحنين والأحزاب وفي غيرها، وهكذا لما حصل التسلُّط على المستضعفين من المسلمين، قنت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفريضة، وعند التأمل كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنَّ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين في شأن القنوت في النوازل، تدل على شيئين، أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، وهو ليس بسنة دائمة في كل الصلوات، والثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاء راتبًا، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه؛ كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قنت مرة على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه بدعاء يناسب مقصوده، وكما دعا عمر وعلي رضي الله عنهما لما حارب من حاربه بالفتنة، فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده، وقد تبيَّن بذلك أن القنوت يكون عند النوازل، وأن الدعاء في القنوت ليس شيئًا معينًا، ولا يدعو بما خطر، بل يدعو من الدعاء المشروع بما يناسب سبب القنوت، وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب، وإذا سمَّى من يدعو لهم من المؤمنين، ومَن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين، كان ذلك حسنًا".

 

وقد سمعتم ما صدر عن سماحة المفتي العام بالمملكة العربية السعودية في اليومين الماضيين، من حثِّه على القنوت في صلاة الفجر للمسلمين المستضعفين والمضطهدين في حلب، وذلك عملًا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام كما أسلفت أنه دعا، وكان مما يدل على هذا ما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا رفع رأسه من الركعة الثانية من الصبح، قال: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مُضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف).

 

ومما تدل أيضًا عليه هذه النصوص أن هذا الدعاء يكون مباشرةً بعد الرفع من الركوع، وأنَّه يكون أيضًا شيئًا يسيرًا لا إطالة فيه، فقد ثبت في الصحيحين أن أنس بن مالك رضي الله عنه سُئِل: أقنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح؟ قال: (نعم)، فقيل: أَوَقَنَتَ قبل الركوع؟ قال: (بعد الركوع يسيرًا)، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: يدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح، وأنه قنت بعد الركوع، وأنه قنت يسيرًا، والمعنى أن الدعاء يكون في ذات النازلة.

ويُسمي أهلها الذين يُدعى لهم بالفرج والنصر، ويُسمي أهلها الذين يُدعى عليهم بالهزيمة، وإفشال مساعيهم من الله جل وعلا.

 

وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فهذا جانبٌ من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الأمور، فالدعاء عند الله عظيم، والله جل وعلا كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مخبرًا عنه: (إنَّ الله حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما إليه صفرًا).

 

فمن علامات التوفيق للمؤمن أنْ يكون ملازمًا للدعاء في حاجاته الخاصة والعامة، ومن علائم التوفيق للمسلم أن يفزع إلى ربه في كل ما ينزل به، فذلك مما يعين على قضاء حوائجه ودفع الغوائل عنه، وأهل الإسلام في كل الأقطار مأمورون مع هذا الدعاء بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وإصلاح علاقتهم معه جل وعلا، فإنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رُفِع إلا بتوبة، ولو فتَّش المسلمون في أحوالهم وعلاقتهم بالله جل وعلا، ثم توصلوا إلى جوانب المخالفة، فأصلحوها وسعوا إلى إرضاء الله جل وعلا؛ عملاً بقوله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربنا بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أدم علينا الأمن والطمأنينة في بلادنا، وعُمَّ بذلك سائر بلاد المسلمين.

اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما فيه الخير والرشاد، واجعله رحمة على العباد والبلاد.

اللهم هيِّئ له البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنه بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارًا.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

اللهم ثبِّت أقدام جنودنا المرابطين في الحدود والثغور، اللهم احفظهم بحفظك، وأرجعهم سالمين غانمين يا رب العالمين.

اللهم عجِّل بالفرج لإخواننا المحاصرين في حلب والشام، اللهم عجل لهم بالفرج، اللهم أمِّن خوفهم، اللهم ألقِ الطمأنينة في قلوبهم، اللهم ألق السكينة في قلوبهم، وانصرهم على القوم الظالمين يا رب العالمين.

اللهم إنا نشكو إليك ظلم طاغية الشام وأعوانه وأنصاره من دولٍ وأفرادٍ، اللهم اشدد وطأتك عليهم، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يا قوي يا عزيز.

اللهم اشفِ غيظ قلوب المؤمنين بهلاك طاغية الشام يا قوي يا عزيز.

اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

سبحان ربنا ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بطاقات دعوية
  • كتب
  • صوتيات
  • ردود وتعقيبات
  • بلغات أخرى
  • أنشطة وندوات
  • خطب منبرية صوتية
  • خطب منبرية مفرغة
  • مقاطع مصورة قصيرة
  • مرئيات
  • تفسير القرآن الكريم
  • المصحف المرتل
  • مرافئ البِرّ ...
  • تلاوات مختارة
  • Mercy 4 all ...
  • أخبار متعلقة ...
  • الإعجاز في القرآن ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة