الخيل والفروسية
تتمتع الخيل عند العرب والمسلمين بمكانة رفيعة ولا أدل على أهميتها ومكانتها من أن الله أقسم بها بقوله: ﴿والعاديات ضبحاً﴾ وجعلها زينة المسلم بقولـه: ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [النحل : 8] وحثّ المسلمين على التقوِّي بها ضد أعدائه وأعدائهم في قوله: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال : 60] كما أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -امتدحها بقوله: ((الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة)). (أخرجه مسلم) وتعكس المؤلفات العظيمة التي يحفل بها التراث العربي والإسلامي عن الخيل وما يتعلق بها الأهمية والمكانة المذكورتين.
ولقد ظلت الخيل محل افتخار العرب وموضع اهتمامهم بها ، ومصدر عشقهم، وظل إكرامهم لها، واحتفاؤهم بها من الأمور التي لا تخفى على من قرأ أخبارهم ومن ذلك قول صفي الدين الحلّي:
إذا افتخر الأقوام يوماً بمجدهم فإنّك من قوم بهم يفخر المجد تعوّد متن الصافنات صغيرهم حتى تساوى عنده السرج والمهد
|
وللخيل مسمّيات عدة أشهرها الجواد والحصان فاسم الخيل مشتق من الخيلاء، وهي اعتزاز الجواد بنفسه لما يتمتع به من ميزات وتناسق وجمال لائق. أما الجواد فمشتق من الجود وهو البذل والعطاء لما يقدمه من الإسراع والعدو لينقذ فارسه في ساعات المحن والملمات. وأما الحصان فمشتق من الحصن وهو المكان المنيع إذ يتحصن به الفارس عند مقارعة الخصوم.
وسيظل الجواد إلى الأبد من أكرم الحيوانات وأعرقها، كما ستظل الفروسية من أجلّ مآثر العرب ومفاخرهم.
فالفروسية رياضة عظيمة حثّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (علموا أبناءكم الرماية والسباحة وركوب الخيل)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعقد السباقات بين الخيل وكان أول سباق في الإسلام سنة ست من الهجرة حيث سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل فسبق فرس أبي بكر الصديق رضي الله عنه فأخذ السبق (وهي جائزة السباق التي تمنح لصاحب الجواد السابق) وهي مباحة شرعاً إذ أنها خلاف الرهان الذي يفوز به أحد المتراهنين فهو نوع من القمار.
ولا يزال العرب حريصين على عقد سباقات الفروسية، وهي متعة عظيمة لا تضاهيها متعة لمن مارسها وزاولها إذ تنشأ علاقة فريدة من نوعها بين الفرس والفارس يتم بموجبها التفاهم بينهما بكل ديناميكية وانسجام.
وتعد رياضة القفز على الحواجز من أمتع رياضات ركوب الخيل وأكثرها إثارة على الإطلاق، ولذلك يتطلع معظم مبتدئي ركوب الخيل إلى اليوم الذي يكون باستطاعتهم فيه أن يقفزوا بجوادهم ليجتازوا حاجزهم الأول، ومع كل ما تحمله هذه الرياضة من متعة وروح التحدي، تبقى وبدون أدنى شك على قدر من الخطورة إن لم يكن الفارس على مستوى عالٍ من الخبرة والمهارة ليتمكن من جواده بشكل جيّد.
لذا يجب أن يتمرّن على قواعد هذه اللعبة كل من يحب ركوب الخيل، وكل فارس محترف، وذلك لما تحققه من متعة وحماسة، ويشترط فيها أن يكون الفارس قد تعلم كيفية القعود على السرج بشكل صحيح، وأن يظل محافظاً على توازنه عند عدو الحصان بخطوات مرتبة فوق الأقطاب الخشبية ليصبح من السهل عندها وبخطوة بسيطة جعل الحصان يقفز فوق السياج، وبشكل طبيعي يجب أن يتعلّم الفارس كيفية تثبيت قعوده على السرج عند قفز الحصان دون فقدان توازنه، كذلك أن يتعلّم كيفية الإمساك باللجام، وبالتدريج يمكن للفارس أن يحسّن من وضعه في ذلك.
كذلك ينبغي أن يكون دور الفارس إيجابياً وهادئاً ليمكنه متابعة وتيرة سرعة الحصان، ومع تزايد ثقة كلٍ من الحصان والفارس بنفسيهما يمكن زيادة ارتفاع السياج عن الأرض، ومع القفز المتواصل الذي يؤديه الحصان فوق عدة حواجز صغيرة سوف يبدأ الفارس برؤية مسار خطوات الحصان لاستكشاف المسافات التي تتقدم رحلته مع الحصان.
ولابد للجواد في أثناء القفزة الواحدة من أن يمرّ بأربع مراحل متوالية وهي التقدم نحو الحاجز والوصول إليه، ثمّ التحفز للقفز والإقلاع، تليها مرحلة الطيران والتعلّق بالهواء، وأخيراً مرحلة الهبوط ، وفي كل مرحلة من تلك المراحل يتبنّى الجواد موقفاً مختلفاً عن الذي سبقه، وعلى الفارس أن يكون متوازناً بشكل جيد ومسيطراً على الوضع بشكل كامل لا يشغل تفكيره أي شيء سوى جواده، وبخاصة في أثناء مرحلة تتابع القفزات. والوضع المثالي الذي يمكّن الفارس من القفز بشكلٍ جيّد يكون باتباع تعليمات وقواعد التدريب إلى حدٍ يعمل على جعل كلٍ من الفارس وجواده كتلة أو جسماً واحداً.
ولا يُنصح بمحاولة القفز مطلقاً ما لم يكن الفارس ملماً بقواعد هذه الرياضة إلماماً كاملاً ومدرباً على أيدٍ خبيرة لكي تتوفر له كل العوامل التي تمنحه الثقة ، ورباطة الجأش، مما يجعله مسيطراً كل السيطرة على الجواد الذي يقود.
ورياضات الفروسية بمختلف أنواعها وتعدد أشكالها تعود بفوائد جمّة على الفارس إذ يقتبس العديد من الصفات السلوكية الحميدة التي يتحلى بها الجواد والتي من أهمها:
الصبر والقدرة على تحمّل المشاق، الشجاعة والحماسة والإرادة القوية، الذكاء والفطنة وحب التعلّم، الوفاء والتضحية، الولاء والمودة، الرفق والرحمة، الحيوية والنشاط والبنية الرياضية الفولاذية، الاعتزاز بالنفس، الدقة والتركيز، الهمّة العالية· وجميع هذه السجايا والخصال الحميدة من مكارم الأخلاق التي حثّنا ديننا الحنيف على التحلّي بها لننال العزة والرفعة والمنعة، ولله در أبي الطيب إذ يقول:
أعز مكان في الدُّنى سرج سابح وخير جليس في الأنام كتاب
|
المادة باللغة الإنجليزية
اضغط هنا