• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ ابراهيم الحقيلالشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل شعار موقع الشيخ ابراهيم الحقيل
شبكة الألوكة / موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية


علامة باركود

الثبات على الدين (5) التثبيت بالسيرة النبوية

الثبات على الدين (5) التثبيت بالسيرة النبوية
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


تاريخ الإضافة: 19/7/2023 ميلادي - 1/1/1445 هجري

الزيارات: 17316

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثبات على الدين (5)

التثبيت بالسيرة النبوية


﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 1-3]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَى، وَلَا هَادِيَ لِمَنْ أَضَلَّ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَقُدْوَةُ الصَّابِرِينَ الثَّابِتِينَ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَسَلُوهُ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ، وَعُوذُوا بِهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ؛ فَإِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَلَا نَجَاةَ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ، وَلَا ثَبَاتَ إِلَّا لِمَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 27].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: سِيرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحْبِهِ الْكِرَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هِيَ سِيرَةُ الثَّابِتِينَ عَلَى إِيمَانِهِمْ، الْمُضَحِّينَ فِي سَبِيلِ دِينِهِمْ، الْبَاذِلِينَ النَّفْسَ وَالنَّفِيسَ فِي مَرْضَاةِ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَمُطَالَعَتُهَا مِنْ أَقْوَى الْمُثَبِّتَاتِ عَلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ.

 

وَفِي الْفَتْرَةِ الْمَكِّيَّةِ مِنَ الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ أُوذِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَذًى شَدِيدًا؛ فَكَانَتْ آيَاتُ الصَّبْرِ وَالتَّثْبِيتِ تَنَزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتُثَبِّتَهُ وَتُثَبِّتَ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هُودٍ: 49]، ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [هُودٍ: 115]، ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الرُّومِ: 60]، ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الْأَحْقَافِ: 35]، ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [الْمَعَارِجِ: 5]. فَصَبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ، وَثَبَتَ عَلَى الْحَقِّ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، رَغْمَ مُسَاوَمَةِ الْمُشْرِكِينَ لَهُ، قَالَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: «جَاءَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يُؤْذِينَا فِي نَادِينَا وَفِي مَسْجِدِنَا، فَانْهَهُ عَنْ أَذَانَا، فَقَالَ: يَا عَقِيلُ: ائْتِنِي بِمُحَمَّدٍ، فَذَهَبْتُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ بَنِي عَمِّكَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تُؤْذِيهِمْ فِي نَادِيهِمْ، وَفِي مَسْجِدِهِمْ، فَانْتَهِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: فَحَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الشَّمْسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَنَا بِأَقْدَرَ عَلَى أَنْ أَدَعَ لَكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَسْتَشْعِلُوا لِي مِنْهَا شُعْلَةً. قَالَ: فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: مَا كَذَبَنَا ابْنُ أَخِي، فَارْجِعُوا» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى. وَفِي مَوْقِفٍ آخَرَ أَعْلَنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَاتَهُ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى ذَهَابِ نَفْسِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي -يَعْنِي: رَقَبَتَهُ- وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَعُذِّبَ أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَمَامَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، وَيَعِدُهُمْ بِالنَّصْرِ وَالْفَلَاحِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَيْضًا مَا جَاءَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَرَّ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ وَآلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ.

 

لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّمُ لِأَلَمِهِمْ، وَيَأْسَى لِعَذَابِهِمْ، وَيَجِدُ مَا يَجِدُونَ، وَيَتَحَمَّلُ أَضْعَافَ مَا يَتَحَمَّلُونَ، وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَلَاحَ إِلَّا بِثَبَاتٍ، وَلَا نَصْرَ إِلَّا بِصَبْرٍ، وَلَا جَنَّةَ إِلَّا بِإِيمَانٍ وَيَقِينٍ، فَكَانَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ، وَيُرَبِّي أَصْحَابَهُ عَلَى الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ، رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً، فَقَالَ: إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.

 

وَفِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ أَحَاطَ الْمُشْرِكُونَ بِالْغَارِ، فَخَافَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنَالَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ، فَثَبَّتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَفِي الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ فَقَالَ: بَلَى. فَقَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، أَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَمِنْ تَثْبِيتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَعِدُهُمْ بِكُنُوزِ الدُّوَلِ الْعُظْمَى آنَذَاكَ، وَهُمْ فِي شِدَّةٍ وَخَوْفٍ وَفَقْرٍ، وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ وَالتَّثْبِيتِ، أَنْ يَعِدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَمْنِ وَالْغِنَى بَعْدَ الْخَوْفِ وَالْفَقْرِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ... وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ... قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ...» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ؛ فَإِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 6-7].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: دَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَأُمَّتَهُ عَلَى الثَّبَاتِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، فَثَبَّتَ الْأَنْصَارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي حَيَاتِهِ عَنِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ مَالٍ وِجَاهٍ، وَأَوْصَاهُمْ بِالثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حِرْصِهِ الشَّدِيدِ عَلَى ثَبَاتِ أُمَّتِهِ عَلَى الْحَقِّ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنْ لَا يَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ فَسَادَ الدِّينِ فِي الرُّكُونِ إِلَيْهَا. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُثَبِتًا الْأَنْصَارَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَوْضِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَحَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَأَمَرَ بِالْبُعْدِ عَنْهُ، وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْبُعْدِ عَنْ كُلِّ فِتْنَةٍ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

 

فَحَرِيٌّ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ فِي الدِّينِ، وَيُرِيدُ الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ؛ أَنْ يُغْلِقَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَقَلْبَهُ عَنِ الشُّبُهَاتِ، وَأَنْ يُفَارِقَ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، وَأَنْ يَلْزَمَ السُّنَّةَ، وَأَنْ يُدْمِنَ قِرَاءَةَ السِّيرَةِ؛ فَفِيهَا مَوَاقِفُ كَثِيرَةٌ مِنْ ثَبَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَثْبِيتِهِ لِأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَقَدْ ثَبَتُوا أَمَامَ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ حِينَ عَمِلُوا بِوَصَايَاهُ، وَأَخَذُوا بِأَوَامِرِهِ.

 

وَفِي سِيرَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ثَبَّتَهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ الطَّاغِيَةِ الَّذِي ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، وَجَعَلَ النَّاسَ عَبِيدًا لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَصَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَصَامَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَقَالَ: «... صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»، وَأَمَرَ بِمُخَالَفَةِ الْيَهُودِ فِي صِيَامِهِ، وَقَالَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ». فَلْنَحْرِصْ عَلَى صِيَامِهِ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • خطب منبرية
  • مواد مترجمة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة