• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ ابراهيم الحقيلالشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل شعار موقع الشيخ ابراهيم الحقيل
شبكة الألوكة / موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية


علامة باركود

الجوع والمجاعات (3) مجاعة مصر (1)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


تاريخ الإضافة: 19/5/2016 ميلادي - 11/8/1437 هجري

الزيارات: 16760

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجوع والمجاعات (3)

مجاعة مصر (1)


13 /8 /1437

الحمد لله الكبير المتعال، الكريم المنان، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا؛ فنعمه متتابعة، ومننه مترادفه، وإحسانه لا يحصيه عد، ولا يحده حد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أمرنا بشكر نعمته، وحذرنا من مكره ونقمته ﴿ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف:99] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ دلنا على ما ينجينا، وحذرنا مما يوبقنا ويهلكنا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه فلا تعصوه  ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر:19].

 

أيها الناس: قص الله تعالى علينا القصص والأخبار، وأمرنا بالعظة والاعتبار  ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ ﴾ [النمل:69] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقص على أصحابه رضي الله عنهم أخبار من قبلهم ليعتبروا وينتفعوا، قال عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يُصْبِحَ مَا يَقُومُ إِلَّا إِلَى عُظْمِ صَلَاةٍ» رواه أبو داود.

 

أيها الإخوة: وهذه قطعة تاريخية مفزعة، تحكي حدثا وقع بمصر في أواخر القرن السادس، أي: قبل ثمانية قرون ونصف تقريبا، وهي مجاعة اجتاحت البلاد المصرية فأهلكت الخلق، وقد كتب عنها كثير من المؤرخين، لكن فقيهًا ومؤرخا عراقيا حضرها بنفسه، ودونها بقلمه، وذلك أنه رحل إلى مصر للأخذ عن علمائها، فضربتها المجاعة، فكتب ما رأى وما سمع، وأنقله إليكم كما دوَّنه إلا أنني حذفت بعض المواضع للاختصار، فلنعتبر -عباد الله- بما نسمع، ولنحفظ النعم من الزوال بالشكر، ولنحاذر أن يصيبنا ما أصاب من كانوا قبلنا.

 

يقول العلامة الفقيه المؤرخ موفق الدين ابنُ اللبَّاد البغدادي: ودخلت سنة سبع مفترسة أسباب الحياة، وقد يئس الناس من زيادة النيل، وارتفعت الأسعار، وأقحطت البلاد، وأشعر أهلها البلاء، وهرجوا من خوف الجوع، وانضوى أهل السواد والريف إلى أمهات البلاد، وانجلى كثير منهم إلى الشام والمغرب والحجاز واليمن، وتفرقوا في البلاد، ومُزِّقوا كل مُمزَّق، ودخل إلى القاهرة ومصر منهم خلق عظيم، واشتدَّ بهم الجوع، ووقع فيهم الموت، وعند نزول الشمس الحمل وبئَ الهواء، ووقع المرض والموتان، واشتد بالفقراء الجوع حتى أكلوا الميتات والجِيَف والكلاب والبعر والأرواث.

 

وأما موت الفقراء هزالاً وجوعاً، فأمرٌ لا يطيق علمه إلّا الله سبحانه وتعالى وإنّما نذكر منه كالأنموذج يستدلُّ به اللبيبُ على فظاعة الأمر: فالذي شاهدناه بمصر والقاهرة وما تاخم ذلك أن الماشي أين كان لا يزال يقع قدمه أو بصره على ميتٍ، ومن هو في السياق، أو على جمعٍ كثير بهذا الحال، وكان يرفع عن القاهرة خاصة إلى الميضأة كل يوم ما بين مائة إلى خمسمائة، وأما مصر فليس لموتاها عدد، ويُرمَونَ ولا يوارون، ثم بآخرة عجز عن رميهم فبقوا في الأسواق بين البيوت والدكاكين، وفيها الميت منهم قد تقطع، وإلى جانبه الشوّاء والخبّاز ونحوه.

 

وأما الضواحي والقُرى، فإنه هلك أهلها قاطبةً إلّا ما شاء الله، وبعضهم انجلى عنها، اللهمَّ إلّا الأمهات والقرى الكبار ... وإنّ المسافر ليمر بالبلدة فلا يجد فيها نافخُ ضرمة، ويجد البيوت مفتَّحة، وأهلها موتى متقابلين، بعضهم قد رَمّ، وبعضهم طري، وربما وجد في البيت أثاثه، وليس له من يأخذه.

 

حدثني بذلك غير واحد كل منهم حكى ما يعضدُ به قول الآخر، قال أحدهم: دخلنا مدينة فلم نجد فيها حيواناً في الأرض، ولا طائراً في السماء فتخللنا البيوت، فألفينا أهلها كما قال الله عز وجل: ﴿ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 15] فتجد ساكني كل دار موتى فيها الرجل وزوجته وأولاده، قال: ثم انتقلنا إلى بلدٍ آخر ذكر لنا أنه كان فيه أربعمائة دكّان للحياكة فوجدناها كالتي قبلها في الخراب، وأنَّ الحائك ميتٌ وأهله موتى حوله، فحضرني قوله تعالى: ﴿ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ [يس: 29] قال: ثم انتقلنا إلى بلد آخر فوجدناه كالذي قبله ليس به أنيسٌ، وهو مشجونٌ بموت أهله.

 

ومن عجيب ما شاهدتُ أني كنتُ يوما مشرفاً على النيل مع جماعة فاجتاز علينا في نحو ساعة نحو عشرة موتى كأنّهم القرب المنفوخة، هذا من غير أن نتصدى لرؤيتهم، ولا أحطنا بعرض البحر، وفي غد ذلك اليوم ركبنا سفينة فرأينا أشلاء الموتى في الخليج وسائر الشطوط.... وأما طريق الشام فقد تواترت الأخبار أنّها صارت مزرعة لبني آدم.وكثيراً ما كانت المرأة تملُص من صبيتِها في الزحام فيتضوَّرون حتى يموتوا. وأما بيع الأحرار فشاع وذاع عند من لا يراقب الله تعالى...وسألتني امرأة أن أشتري ابنتها وكانت جميلة دون البلوغ، بخمسة دراهم فعرَّفتها أن ذلك حرام، فقالت خذها هدية....

 

وأما خراب البلاد والقُرى وخلوّ المساكن والدكاكين، فهو مما يلزم هذه الجملة التي اقتصصناها وناهيك أن القرية التي كانت تشتمل على زهاء عشرة آلاف نسمة تمرُّ عليها فتراها دِمَنَه، وربما وجد فيها نفر وربما لم يوجد، ... حتّى أنّ الرباع والمساكن والدكاكين التي في سرة القاهرة وخيارها أكثرها خالٍ خراب، وإن ربعاً في أعمر موضع بالقاهرة فيه نيِّفٌ وخمسون بيتا كلّها خالية سوى أربعة بيوت أَسكنت من يحرس الموضع.

 

ولم يبق لأهل المدينة وقود في تنانيرهم وأفرانهم وبيوتهم إلّا خشب السقوف والأبواب والزروب...... غير أن القُرى خالية من فلاح أو حرّاث أصلاً فهم كما قال الله تعالى: ﴿ فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ﴾ [الأحقاف: 25].... ومِن الله سبحانه يُرجى الفرج، وهو المتيحُ للخير بمنِّه وجوده.

 

ثم تكلم عن السنة التي بعدها فقال: ودخلت هذه السنة والأحوال التي شرحناها في السنة الخالية على ذلك النظام أو في تزايد، إلى زهاء نصفها فتناقص موت الفقراء لقلَّتهم لا لارتفاع السبب الموجب... وقلَّ خطف الأطعمة من الأسواق؛ وذلك لفناء الصعاليك وقلَّتهم مِن المدينة، وانحطّت الأسعارُ ... لقلة الآكلين لا لكثرة المأكول، وصفت المدينة بأهلها، واختصرت واختصر جميع ما فيها على تلك النسبة وألِفَ الناس البلاء...

 

وحُكي لي أنه كان بمصر تسعمائة منسجٍ للحُصُر، فلم يبق إلّا خمسة عشر منسجا، وقِس على هذا سائر ما جرت العادة أن يكون بالمدينة من باعةٍ وخبازين وعطّارين وأساكفة وخيّاطين وغير ذلك من الأصناف، فإنه لم يبق من كلّ صنفٍ من هؤلاء إلّا نحو ما بقي من الحصريين أو أقل من ذلك.

 

وأما الدجاج فعُدِم رأسا لولا أنه جُلب منه شيءٌ من الشام... ولما وُجد البيض بيع بيضة بدرهم ...وأما الفراريج فبِيعَ الفرّوجُ بمائة درهم ...

وأما الأفران فإنّها تُوقَد بأخشابِ الدُّور، فيَشتَرِي الفرّانُ الدار بالثمن البخس ويقد زروبه وأخشابه أياما ....

وكثيرا ما تُقفر الدار بمالِكها ولا يجدُ لها مشتريا، فيفصِل أخشابها وأبوابها وسائر آلاتها، فيبيعها ثم يطرحها مهدومةً ....

...ثم ذكر عدة مدن خلت، قال: فلم يبق فيها أنيس، وإنّما ترى مساكنهم خاوية على عروشها وكثيرا من أهلها موتى فيها...

 

وأما الضواحي وسائر البلاد فيباب رأسا، حتى إن المسافر يسير في كل جهة أياما لا يصادف حيوانا إلّا الرِّمم ما خلا البلاد الكبار ... فإنّ فيها بقايا، وأما ما عدا هذه وأمثالها فإنّ البلد الذي كان يحتوي على ألوف خالٍ أو كالخالي.

 

وأما الأملاك ذوات الآجر المعتبرة، فأن معظمها خلا ... والذي دخل تحت الإحصاء من الموتى ممن كُفِّنَ وجرى له اسم في الديوان وضمّته الميضات في مدّة اثنين وعشرين شهراً...مائة ألف وإحدى عشرة ألفا إلّا آحادا، وهذا مع كثرته نزر في جنب الذين هلكوا في دورهم، وفي أطراف المدينة وأصول الحيطان، وجميع ذلك نزر في جنب من هلك بمصر وما تاخمها، ... فإنّه لم يرد أحدٌ من ناحيةٍ فسألته عن الطُّرق إلّا ذكر أنها مزروعةً بالأشلاء والرِّمَم، وهكذا ما سلكتُه منها.

 

ثم أنه وقع بالفيّوم والغربية ودمياط والإسكندرية موتان عظيم ووباءٌ شديد، لا سيما عند وقت الزراعة، فلعلّه يموت على المحراث الواحد عدة فلاحين، وحُكي لنا أن الذين بذروا غير الذين حرثوا، وكذلك الذين حصدوا.

 

وباشرنا زراعةً لبعض الرؤساء فأرسل من يقوم بأمرِ الزراعة فجاء الخبر بموتهم أجمعين، فأرسل عِوضهم فمات أكثرهم، هكذا مراتٍ في عدة جهات، وسمعنا من الثقات عن الإسكندرية أن الإمام صلَّى يوم الجمعة على سبعمائة جنازة، وأن تركةً واحدة انتقلت في مدة شهر إلى أربعة عشر وارثا. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

 

نعوذ بالله تعالى من الجوع والمجاعة، ونسأله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه على نعمه ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:7].

 

أيها المسلمون: ليس للناس بد من مجانبة الإسراف والتبذير وإلا سلبت منهم النعم، وحلت بهم النقم، وأصابهم ما أصاب غيرهم.

ونحن مقبلون هذه الأيام على مسارب للإسراف والتبذير والإنفاق كثيرة؛ بدء من حفلات النجاح التي تُستنزف فيها الأموال الطائلة، ومن كثرتها والإسراف فيها انتشرت دكاكين المتعهدين بها.

 

وفي الإجازة تكثر الأعراس التي توسع الناس فيها كثيرا، حتى أرهقت الشباب فعجزوا عن مؤونة الزواج، فحفلات للخطبة، وحفلات للملكة، وحفلات للزفاف، وحفلات لما بعد الزفاف وللحمل وللولادة في سلسلة طويلة من المباهاة والمفاخرة والإسراف. وكثيرا ما تنتهي أطعمتها إلى النفايات.

 

وفي الإجازة تكثر الأسفار، ويُنفِق الناس فيها بلا حساب، بل صار كثير منهم يستدين ليسافر، ومع تناقل الصور عبر الأجهزة الذكية صارت الأسفار للمباهاة والمفاخرة، وكثيرا ما يكون السفر والإنفاق في بلاد كفر أو فجور، وفي المسلمين جوعى لا يجدون قوت يومهم.

 

ورمضان مقبل، والناس يسرفون في شراء أطعمته ولوازمه، حتى صارت الأسواق ترص أطعمة رمضان قبل أشهر من حلوله، وكأنه شهر مضاعفة الأطعمة والإنفاق والإسراف، لا شهر الصيام والعفة والتقوى.

 

فلنتق الله -عباد الله- في نفقاتنا؛ فإن بقاء النعم مرتهن بشكرها، وإن كفرها سبب زوالها، والإسراف ينافي الشكر. لنعتبر بما حل بمن كانوا قبلنا، وبمن تنقل أخبارهم إلينا؛ فإن الجوع مؤلم، ويفقد الإنسان صوابه، وإذا حل الجوع بقوم أهلكهم.

 

نسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يكفينا شر الفتن والحروب والمجاعات، وأن يثبتنا على دينه إلى أن نلقاه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • خطب منبرية
  • مواد مترجمة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة