• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ ابراهيم الحقيلالشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل شعار موقع الشيخ ابراهيم الحقيل
شبكة الألوكة / موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية


علامة باركود

عمود الإسلام (6)

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


تاريخ الإضافة: 22/7/2009 ميلادي - 29/7/1430 هجري

الزيارات: 64087

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عمود الإسلام (6)

كفر تاركها

 

الحمدُ لله الحكيم العليم، أكمل دِينَه لعباده، وأتمَّ عليهم نِعمتَه، ورضي لهم الإسلام دِينًا، وفَرَض فيه من الشعائر والعبادات ما يُصلِح لهم أمورَ الدِّين والدُّنيا، نحمده على نِعمه وآلائه، ونشكره على عظيم إحسانه، فهو البَرُّ الرحيم، الجَوَاد الكريم، هدانا وما كنَّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله تعالى.

 

وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريك له، جاد على عباده بالخيرات، وفتحَ لهم أبوابَ الحسنات، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، جعل الله - تعالى - قُرَّةَ عينه في الصلاة، وكان إذا حَزَبَه أمْرٌ صلَّى، ويقول: ((أَرِحْنا بالصلاة يا بلال))، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.

 

أمَّا بعد:

فاتَّقوا الله - عبادَ الله - وأطيعوه، وعظِّموا شعائرَه، وحافظوا على فرائضه، وانتهوا عن محارِمه، وقِفُوا عند حدوده؛ ﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 13- 14].

 

أيُّها الناس:

فَرَض الله - تعالى - الصلاةَ على المؤمنين، وأجمعتْ عليها شرائعُ المرسَلِين، وكانت في الإسلام عمودَ الدِّين، لا تسقطُ في خوْف ولا سَفَر ولا مرض، وهي فريضةٌ على العَبد ما دام يَعقِل، ويُصلِّي على حسبِ حاله، كان فيها من التشديد ما لم يكن في غيرِها من الفرائض الأخرى، وما ذاك إلاَّ لمنزلتِها عندَ ربِّ العالمين، ومكانتِها مِن الدِّين، وقد قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمعاذ - رضي الله عنه -: ((ألاَ أُخبركُ برأس الأمر كلِّه وعمودِه وذِروة سَنامِه؟)) قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأسُ الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاةُ، وذِروة سَنامه الجهاد))؛ رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "ومتى وقع عمودُ الفُسطاط وقعَ جميعُه، ولم يُنتفع به".

 

لقد باينتِ الصلاةُ كلَّ الأعمال الأخرى بتكفير تارِكها، ومُروقِه من الإسلام بترْكِها ولو أقرَّ بوجوبها، وليس ذلك في شيءٍ من الأعمال الأخرى؛ قال الله - تعالى - في المشركين: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [التوبة: 11]، فلا أُخوَّةَ في الدِّين إلاَّ بإقامة الصلاة، ومَن لم يُقمْها لا يستحقُّ الأخوة الإيمانيَّة التي جاءت في قول الله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].

 

وأهل النار حين يُسألون يَومَ القيامة عن سببِ دخولِها، يَذكُرون من الأسباب ترْكَهم الصلاةَ؛ ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ ﴾ [المدَّثر: 42- 43].

 

ولَمَّا كان الإسلام تصديقَ الخبر والانقيادَ للأمر، جَعَل - سبحانه - له ضِدَّينِ، هما: عدمُ التصديق، وعدمُ الصلاة، وقابَل التصديقَ بالتكذيب، والصلاةَ بالتولِّي في قوله - تعالى -: ﴿ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [القيامة: 31- 32]، فكما أنَّ المكذِّبَ كافر، فالمتولِّي عن الصلاة كافر، فالإسلام يزول بالتولِّي عن الصلاة، كما يزول بالتكذيب.

 

وتواترتِ الأحاديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الوعيد الشديد على تَرْك الصلاة، والترهيبِ مِن ذلك، مؤيِّدةً لِمَا جاء في الكتاب العزيز، ومؤكِّدة عليه؛ فعن جَابِرٍ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إِنَّ بين الرَّجُلِ وَبينَ الشِّرْك والكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاة))؛ رواه مسلم.

 

وعن بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((العَهْدُ الذي بَيْنَنا وبَيْنَهُم الصَّلاةُ، فَمَنْ تَرَكها فَقَدْ كَفَر))؛ رواه الترمذي وصحَّحه.

 

وفي حديث عبدالله بن عَمْرٍو - رضي الله عنهما - عَنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أَنَّهُ ذَكَر الصَّلاةَ يومًا، فقال: ((مَن حافَظَ عليها كانتْ له نُورًا وبُرْهانًا ونَجاةً يومَ القيامة، ومَن لم يُحافظْ عليها لم يَكُنْ له نورٌ ولا بُرْهانٌ ولا نَجاةٌ، وكان يومَ القيامة مع قارونَ وفِرعونَ وهامانَ وأُبَيِّ بن خَلَف))؛ رواه أحمد، وصحَّحه ابن حبَّان.

 

وروى بُرَيْدَةُ - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تَرَك صَلاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه))؛ رواه البخاري.

 

قال ابن القَيِّم - رحمه الله تعالى -: "وحُبوط العمل لا يكون إلاَّ بالكُفر الأكبر المُخرِج من الملَّة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [الزُّمر: 65]". أ.هـ

 

وفي حديث مِحْجَنٍ الدِّيلِيِّ - رضي الله عنه - أنَّه كان في مَجْلِسٍ مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأُذِّنَ بالصَّلاة فقامَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فصلَّى، ثُمَّ رَجَعَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وَمِحْجَنٌ في مَجْلِسِه، فقال له رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما مَنَعكَ أَنْ تُصَلِّي مع النَّاس؟ أَلَسْتَ برَجُلٍ مُسْلِم؟ قال: بلى يا رسولَ الله، ولكنِّي كنتُ قد صَلَّيْتُ في أهلي، فقال له: إذا جِئْتَ فَصَلِّ مع الناس، وإن كُنْتَ قد صَلَّيْتَ))؛ رواه مالك، وأحمد، وصحَّحه ابن حبَّان.

 

علَّق الحافظ ابنُ عبدالبرِّ - رحمه الله تعالى - على قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّي مع الناس؟ أَلَسْتَ برَجُلٍ مُسْلِم؟))، فقال: "وفي هذا - والله أعلم - دليلٌ على أنَّ مَن لا يُصلي ليس بمسلم، وإن كان مُوحِّدًا، وهذا موضع اختلاف بين أهل العِلم، وتقرير هذا الخطاب في هذا الحديث: أنَّ أحدًا لا يكون مسلمًا إلاَّ أن يصلي، فمَن لم يُصلِّ فليس بمسلم".اهـ.

 

وأُمراء الجَوْر، وأئمَّة الظُّلم الذين يظلمون الناس، ويمنعونهم حقوقَهم، ويَغصِبونهم أموالَهم، لا يَمنع مِن قتالهم إلاَّ إقامتُهم للصلاة، وتركُهم لها يُبيح قتالَهم، ممَّا يدلُّ على أهميَّة الصلاة، وأنَّها شعار الإسلام العملي الظاهر، وأنَّ في ترْكها خروجًا عن حظيرته.

 

ما روتْه أُمُّ سَلَمةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ستكونُ أُمراءُ، فَتعْرِفونَ وتُنْكِرون، فمَن عَرَف بَرِئَ، ومَن أَنْكَر سَلِم، ولَكِن مَن رضي وتابَع، قالوا: أفلاَ نُقاتِلُهم؟ قال: لاَ، ما صَلَّوْا))؛ رواه مسلم.

 

وفي حديث عَوْفِ بن مالكٍ - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((خِيارُ أئمَّتكم الذين تحبُّونَهم ويُحبُّونكم، ويُصلُّون عليكم وتُصلُّون عليهم، وشِرارُ أئمَّتكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتَلعنُونَهم ويَلعنونكم))، قيل: يا رسول الله، أفلاَ نُنابِذُهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة))؛ رواه مسلم.

 

وعلى هذا المعنى مِن تعظيم الصلاة، والترهيب مِن ترْكها، اجتمعتْ كلمةُ الصحابة - رضي الله عنهم - وتواردتْ أقوالُهم عليه، ولم يختلفوا فيه، قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "لَمَّا طُعِن عمرُ - رضي الله عنه - احتملتُه أنا ونفرٌ من الأنصار، حتى أدخلناه منزلَه، فلم يزلْ في غَشيةٍ واحدة حتى أسفر، فقلنا: الصَّلاة يا أميرَ المؤمنين، ففتح عينَيه فقال: أَصلَّى الناس؟ قلنا: نعم، قال: أمَا إنَّه لا حظَّ في الإسلام لأحدٍ تَرَك الصلاة، فصلَّى وجُرحُه يَثْعَبُ دَمًا".

 

وسُئِل عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - عنِ امرأة لا تُصلِّي، فقال: "مَن لم يصلِّ فهو كافر"، وقال - رضي الله عنه -: "مَن ترك صلاةً واحدة متعمِّدًا، فقد برئ من الله، وبرئ اللهُ منه".

 

وسُئِل ابنُ مسعود - رضي الله عنه -: "أيُّ درجات الإسلامِ أفضل؟ فقال: الصلاة، مَن لم يصلِّ فلا دِينَ له".

 

وقيل له - رضي الله عنه -: "إنَّ الله - تعالى - يُكثر ذِكْر الصلاة في القرآن؛ ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23]، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 34]؟ قال عبدالله: ذلك على مواقِيتها، قالوا: ما كنَّا نرى يا أبا عبدالرحمن إلاَّ على تَرْكها، قال: ترْكُها الكفر".

 

وقال أبو الدَّرداء - رضي الله عنه -: "لا إيمانَ لِمَن لا صلاةَ له".

 

وسُئِل جابرٌ - رضي الله عنه -: "أكنتم تَعدُّون الذنبَ فيكم شِركًا؟ قال: لا، وسُئِل: ما بين العبد وبين الكُفْر؟ قال: ترْكُ الصلاة".

 

وتوَّج هذا النقلَ الكثيرَ عن الصحابة - رضي الله عنهم - التابعيُّ الجليل عبدُالله بنُ شَقيقٍ العُقَيْليُّ - رحمه الله تعالى - فقال: "كان أصحابُ مُحَمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَرَوْنَ شيئًا مِن الأَعْمالِ تَرْكُه كُفْرٌ غيرَ الصَّلاَةِ"؛ رواه الترمذي.

 

قال الإمام إسحاق بن راهويه - رحمه الله تعالى -: "وقد أجمعَ العلماءُ أنَّ مَن سبَّ الله - عزَّ وجلَّ - أو سبَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو دَفَع شيئًا أنزله الله، أو قتل نبيًّا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مُقِرٌّ بما أنزل الله - أنَّه كافر، فكذلك تاركُ الصلاة حتى يخرجَ وقتُها عامِدًا، قال: ولقد أجمعوا في الصَّلاة على شيء لم يُجمِعوا عليه في سائرِ الشرائع؛ لأنَّهم بأجمعِهم قالوا: مَن عُرِف بالكفر، ثم رأوه يُصلِّي الصلاة في وقتها، حتى صلَّى صلواتٍ كثيرةً في وقتها، ولم يعلموا منه إقرارًا باللِّسان، أنَّه يُحكم له بالإيمان، ولم يَحكموا له في الصَّوْم والزكاة والحج بمِثل ذلك".

 

وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: "لا يكفر أحدٌ بذنب إلاَّ تارك الصلاة عمدًا، ثم ذكر استتابته وقتله... ".

 

فأمرُ الصلاة عظيم، وخَطبُها جسيم، لا يُحافظ عليها إلاَّ موفَّق، ولا يفرط فيها إلاَّ مخذول، نسأل الله - تعالى - الهداية لنا ولجميع المسلمين، ونعوذ به - تعالى - من موجبات سَخطِه، ومن أسباب عذابه.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهُداهم إلى يوم الدِّين.

 

أمَّا بعد:

فاتقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110].

 

أيُّها المسلمون:

أداءُ العبد للصلاة دليلٌ على إيمانه وإقراره، وبرهانٌ على إذعانه وانقياده، كما أنَّ الإصرار على تَرْكِها دليلٌ على عِناده واستكباره، وذلك ينقض إيمانَه، يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "لا يُصِّرُ على ترْك الصلاة إصرارًا مستمرًّا مَن يُصدِّق بأنَّ الله - تعالى - أَمرَ بها أصلاً، فإنَّه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكونَ الرجلُ مُصدِّقًا تصديقًا جازمًا أنَّ الله فرض عليه كلَّ يوم وليلة خمسَ صلوات، وأنَّه يُعاقِبه على تَرْكها أشدَّ العقاب، وهو مع ذلك مُصِرٌّ على ترْكها، هذا من المستحيل قطعًا، فلا يُحافظ على ترْكها مصدِّقٌ بفَرْضها أبدًا، فإنَّ الإيمان يأمر صاحبَه بها، فحيث لم يكن في قَلْبِه ما يأمر بها، فليس في قلبه شيءٌ من الإيمان". ا.هـ

 

والناس في هذا الزَّمن قد تنوَّع تقصيرُهم في الصلاة، وتعدَّدت أسبابُ تضييعهم لها، وتنوَّعت تعليلاتهم في ذلك:

فمِنهم مَن ضَيَّعوا المسجدَ والجماعة، وقنعوا أن يُصلُّوا فُرادى في بيوتهم، وترك الجماعة سببٌ لتأخير الصلاة عن وقتِها، ومَن أخَّرها عن وقتها، فيوشك أن يترَكَها بالكليَّة، فإنَّ الشيطان يبدأ مع الإنسان خُطوةً خطوةً، والله - تعالى - يقول: ﴿ وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208].

 

ومِن الناس مَن يلجؤون إلى الله - تعالى - في المضائق، ولا يُصلُّون له إلاَّ في الشدائد، فإذا وسَّع الله - تعالى - عليهم، ونفَّس كُربَهم، وفرَّج همومَهم، قابَلُوا نِعمَه بكُفْرِها، فتركوا الصلاة!

 

ومِنهم مَن يُضيِّعون الصلاةَ في أسفارهم؛ لغيابِ الرقيب مِن البَشر، وقلَّة المُعين، وضَعْف اليقين، وكأنَّ هؤلاءِ المفتونين يُصلُّون للخَلْق لا لله - تعالى - ومَن عَلِم أنَّ الله - تعالى - عليه رقيبٌ في كلِّ أحواله، حافَظَ على الصَّلاة في حِلِّه وتَرْحالِه.

 

ومنهم مَن تشغلُهم عن الصلاة أعمالُهم وأموالهم، فيقدِّمونها عليها، ولا خيرَ في عمل ولا مال يشغلُ عن عمود الإسلام، ويَقطع الصِّلة بين العبد وبين الله - تعالى.

 

ومِن النَّاس مَن أنعم الله - تعالى - عليهم بالصِّحة والغِنى، ورَفَعهم على أقرانهم، وأمَّنهم في أنفسهم وأهلِهم وأموالهم، فظنُّوا أنَّهم مستغنون عن الله - تعالى - ولا يحتاجون إلى الصَّلاة، وهذا مِن الكِبر والغُرور، فإنَّه لا غِنى عن الله - تعالى - ولا قُوَّةَ إلاَّ به - سبحانه.

 

ومِن الناس أشقياءُ في الدُّنيا والآخِرة، قد أخذتِ الدنيا حظَّها منهم، ونالهم من الفقر والمرض والهمِّ والغَمِّ ما نالهم، فأيسوا مِن رحمة الله - تعالى - وتَرَكوا الصلاةَ اعتراضًا على حُكم الله - تعالى - فيهم، وتَسخُّطًا مِن قَدَرِه - سبحانه - عليهم، فَخسِروا الدنيا والآخرة.

 

ومِن الناس مَن يُصلُّون، ولهم أزواجٌ وأولادٌ وقرابةٌ لا يُصلُّون، فلا يأمرونهم بها، ولا ينهونهم عن تَرْكها، ولا يَهجرونهم في الله - تعالى - مِن أجْلِها، ولا يُشدِّدون عليهم فيها كما يُشدِّدون عليهم في أمور الدنيا مِن دِراسةٍ، ومال ووظيفة ونحوها، وهم في سُلطانِهم وتحتَ ولايتِهم، فهؤلاءِ قد غشُّوا رَعيَّتَهم، ولم يُؤدُّوا أمانتَهم، وقد جاء في حديث مَعْقِل بن يسار - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما مِن عَبْدٍ يَسْترعيه اللهُ رَعيَّةً يَموتُ يومَ يَموتُ وهو غاشٌّ لرعِيَّتِه إلاَّ حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّة))؛ رواه مسلم.

 

فاتَّقوا الله ربَّكم، وحافِظوا على عمودِ دِينكم، ووثِّقوا بالصلاة صِلتَكم بربِّكم، فمَن ضيَّعها فهو لِمَا سِواها أضيع، وماذا يبقى له مِن دِينه إنْ تَرَك صلاتَه؟!

 

قال عبدالله بنُ مسعود - رضي الله عنه -: "إنَّ أول ما تَفْقِدون من دِينكم الأمانةَ، وآخِرَ ما يبقى الصَّلاة"، قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: "كلُّ شيءٍ ذهب آخِرُه لم يَبق منه شيءٌ".

 

وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم....





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • خطب منبرية
  • مواد مترجمة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة