• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الشيخ ابراهيم الحقيلالشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل شعار موقع الشيخ ابراهيم الحقيل
شبكة الألوكة / موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية


علامة باركود

التلاعب بالمواريث (خطبة)

التلاعب بالمواريث (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


تاريخ الإضافة: 19/11/2025 ميلادي - 29/5/1447 هجري

الزيارات: 58

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التلاعب بالمواريث

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَسَاقَنَا إِلَى دِينِهِ سَوْقًا جَمِيلًا، وَفَصَّلَ شَرِيعَتَهُ لَنَا تَفْصِيلًا، وَيَسَّرَ لَنَا كِتَابَهُ تِلَاوَةً وَحِفْظًا وَتَفْسِيرًا، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا دِينَ يُنْجِي الْعِبَادَ إِلَّا دِينُهُ، وَلَا شَرْعَ يُصْلِحُهُمْ إِلَّا شَرْعُهُ، وَلَا حُكْمَ أَعْدَلُ مِنْ حُكْمِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَلَّنَا عَلَى مَا يَنْفَعُنَا، وَحَذَّرَنَا مِمَّا يَضُرُّنَا، وَتَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ، وَأَقِيمُوا شَرْعَهُ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِمَا يُرْضِيهِ، وَجَانِبُوا مَا يُسْخِطُهُ؛ فَإِنَّ مَرْجِعَكُمْ إِلَيْهِ، وَحِسَابَكُمْ عَلَيْهِ، وَلَا نَجَاةَ لَكُمْ إِلَّا بِتَقْوَاهُ؛ ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزُّمَرِ: 61].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ جِبِلَّةِ الْبَشَرِ حُبُّهُمْ لِلْمَالِ، وَالسَّعْيُ لِتَحْصِيلِهِ، وَالْفَرَحُ بِمَا يَأْتِيهِمْ مِنْهُ كَسْبًا وَهِبَةً وَإِرْثًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا؛ ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الْكَهْفِ: 46]، وَالْإِرْثُ مِنْ طُرُقِ الْحُصُولِ عَلَى الْمَالِ، وَلِلنَّاسِ -عَلَى اخْتِلَافِ أَزْمَانِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ- مُعْتَقَدَاتٌ وَعَادَاتٌ فِي الْإِرْثِ يَعْمَلُونَ بِهَا، وَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِأَدَقِّ أَحْكَامِ الْمَوَارِيثِ، وَتَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى قِسْمَتَهَا فِي الْقُرْآنِ، فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِي آخِرِ آيَةٍ مِنْهَا الَّتِي خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النِّسَاءِ: 176]، وَهَذَا يُحَتِّمُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى قِسْمَتِهِ لِلْمَوَارِيثِ؛ إِذْ لَوْ تَرَكَهَا لِاجْتِهَادِ النَّاسِ لَضَلُّوا وَظَلَمُوا وَاخْتَصَمُوا، وَقُطِّعَتِ الْأَرْحَامُ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَاغْتُصِبَتِ الْأَمْوَالُ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْأَقْوِيَاءُ، وَحُرِمَ مِنْهَا الضُّعَفَاءُ. وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضُوا بِشَرِيعَتِهِمْ فَقَدْ رَضُوا بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَوَارِيثِهِمْ، فَكَانَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَالصِّلَةُ وَإِعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً ضَعِيفَةً، أَوْ طِفْلًا قَاصِرًا، فَيُحْفَظُ حَقُّهُ إِلَى رُشْدِهِ، وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى فِي تَطْبِيقِ شَرْعِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى حِسَابِ حُبِّهِمْ لِلْمَالِ وَالِاسْتِئْثَارِ بِهِ.

 

وَثَمَّةَ أُنَاسٌ طَغَى حُبُّ الْمَالِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَاسْتَوْلَى عَلَى نُفُوسِهِمْ، فَضَعُفَ إِيمَانُهُمْ، فَتَلَاعَبُوا بِالْمَوَارِيثِ، وَتَحَايَلُوا عَلَيْهَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْحِيَلِ؛ لِيَسْتَأْثِرُوا بِهَا أَوْ بِأَكْبَرِ نَصِيبٍ مِنْهَا، وَيَحْرِمُوا الضَّعَفَةَ مِنْ مِيرَاثِهِمْ:

وَمِنَ التَّلَاعُبِ بِالْمِيرَاثِ: إِسْقَاطُ زَوْجَةِ أَبِيهِمْ إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ بِلَادِهِمْ، فَقَدْ يَتَزَوَّجُهَا فِي كِبَرِهِ لِتَخْدِمَهُ وَتَقُومَ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَاتَ أَعْطَوْهَا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ لِإِرْضَائِهَا، وَرَحَّلُوهَا إِلَى بَلَدِهَا دُونَ أَنْ تَأْخُذَ حَقَّهَا مِنَ الْإِرْثِ، بِحُجَّةِ أَنَّ مَا أَعْطَوْهَا يَكْفِيهَا لِلْعَيْشِ فِي بِلَادِهَا بَقِيَّةَ عُمْرِهَا، يُعَامِلُونَهَا مُعَامَلَةَ الْعَامِلَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَهِيَ زَوْجَةُ أَبِيهِمْ، فَظَلَمُوهَا حِينَ مَنَعُوهَا حَقَّهَا الَّذِي قَسَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا، وَمَا أَخَذُوهُ مِنْ إِرْثِهَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، يَأْكُلُونَهُ سُحْتًا فِي بُطُونِهِمْ.

 

وَمِنَ التَّلَاعُبِ بِالْمِيرَاثِ: حِرْمَانُ الصِّغَارِ مِنَ الْوَرَثَةِ مِنْ إِرْثِهِمْ، بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الْأَوْلَادَ الْكِبَارَ يُنْفِقُونَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتَسِمُهُ الْكِبَارُ بَيْنَهُمْ، وَهَذَا مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 10]، وَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ: أَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ.

 

وَمِنَ التَّلَاعُبِ بِالْمِيرَاثِ: الِالْتِفَافُ عَلَى حُقُوقِ النِّسَاءِ الْوَارِثَاتِ، سَوَاءٌ كُنَّ أُمَّهَاتٍ أَمْ زَوْجَاتٍ أَمْ بَنَاتٍ أَمْ أَخَوَاتٍ؛ وَذَلِكَ بِالضَّغْطِ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَنَازَلْنَ عَنْ حَقِّهِنَّ، وَتَهْدِيدِهِنَّ فِي ذَلِكَ، أَوْ بِإِجْبَارِهِنَّ عَلَى تَوْكِيلِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنَ الرِّجَالِ لِقِسْمَةِ الْمَالِ أَوِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، أَوْ شِرَاءِ نَصِيبِهِنَّ مِنَ الْعَقَارَاتِ بِالْقَسْرِ وَالْقَهْرِ دُونَ رِضَاهُنَّ، وَرُبَّمَا بَخَسُوا قِيمَةَ الْعَقَارِ لِيَدْفَعُوا لَهُنَّ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِنَّ، وَيَكْثُرُ ذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَزَارِعِ وَالْعِمَارَاتِ وَالشَّرِكَاتِ؛ فَيَسْعَى الذُّكُورُ لِتَخْلِيصِهَا مِنَ الْإِنَاثِ دُونَ رِضَاهُنَّ؛ لِئَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فِي مَزَارِعِهِمْ وَعَقَارَاتِهِمْ وَشَرِكَاتِهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ مِنْ أَزْوَاجِ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادِهِمْ، وَتَبِيعُ الْمَرْأَةُ نَصِيبَهَا وَهِيَ مُكْرَهَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يُهَدِّدُونَهَا بِالْحِرْمَانِ مِنَ الْإِرْثِ إِذَا لَمْ تَبِعْ، أَوْ بِقَطِيعَتِهَا، وَأَحْيَانًا تَكُونُ الْأُمُّ مُعِينَةً لِأَبْنَائِهَا فِي هَذَا الظُّلْمِ الْعَظِيمِ بِالضَّغْطِ عَلَى بَنَاتِهَا.

 

وَمِنْ عَجِيبِ الظُّلْمِ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُوَرِّثِينَ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَاتِهِ أَوْ بَعْضَهُنَّ قَبْلَ مَوْتِهِ لِحِرْمَانِهِنَّ مِنَ الْإِرْثِ الْمُشَاعِ كَالْمَزَارِعِ وَالْعَقَارَاتِ وَالشَّرِكَاتِ؛ لِتَصْفُوا لِأَوْلَادِهِ دُونَ زَوْجَاتِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كُنَّ غَرِيبَاتٍ عَنْ أُسْرَتِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ، وَبَعْضُ الْأَثْرِيَاءِ عِنْدَهُ نَظَرٌ بَعِيدٌ فِي مُمَارَسَةِ هَذَا الظُّلْمِ، فَتَكُونُ الشَّرَاكَةُ فِي الْعَقَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِ، وَلَا يُرِيدُونَ خُرُوجَهَا عَنْ ذُرِّيَّاتِهِمْ، فَيُجْبِرُونَ أَبْنَاءَ بَعْضِهِمْ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْ بَنَاتِ بَعْضِهِمْ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ، وَغَالِبًا مَا يَكُونُ زَوَاجًا فَاشِلًا مَآلُهُ لِلْمَشَاكِلِ وَالتَّعَاسَةِ، وَرُبَّمَا وَصَلَ إِلَى الطَّلَاقِ وَضَيَاعِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ قَدْ أُكْرِهَا عَلَى الزَّوَاجِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لِئَلَّا يَدْخُلَ غَرِيبٌ عَنْهُمْ فَيَرِثَ مِنْهُمْ.

 

وَمِنَ التَّلَاعُبِ بِالْمِيرَاثِ: التَّبَرُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَعْمَالٍ خَيْرِيَّةٍ كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ أَوْ دُورٍ لِلْأَيْتَامِ أَوْ طِبَاعَةِ مَصَاحِفَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَيَقُومُ الْوَلِيُّ عَلَى الْوَرَثَةِ بِاقْتِطَاعِ جُزْءٍ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ لِهَذَا الْغَرَضِ، وَيُعَلِّلُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ خَلَّفَ لَهُمْ مَالًا كَثِيرًا، وَإِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْهُ لَا يَضُرُّ الْوَرَثَةَ، وَرُبَّمَا لَا يَسْتَشِيرُهُمْ فِي ذَلِكَ، أَوْ يَضْغَطُ عَلَيْهِمْ لِلْمُوَافَقَةِ، وَهَذَا غَصْبٌ لِحَقِّهِمْ؛ فَإِنَّ الْمَالَ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ، وَلَا يَصِحُّ تَنَازُلُهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَالْمَالُ الْمَغْصُوبُ لَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلَى الْوَرَثَةِ حَرِيصًا عَلَى نَفْعِ مُوَرِّثِهِ فَلْيَتَبَرَّعْ بِنَصِيبِهِ هُوَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يُؤْذِ الْوَرَثَةَ فِي حُقُوقِهِمْ، وَعَلَى مَنْ وَلِيَ مَالًا لَهُ وَارِثٌ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ، وَأَنْ يُوصِلَ الْحُقُوقَ لِأَهْلِهَا بِحَسَبِ أَنْصِبَتِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ، وَقَدْ خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى إِحْدَى آيَاتِ الْمَوَارِيثِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ﴾ [النِّسَاءِ: 11]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَكْثَرِ مَا يُبَدِّدُ الْإِرْثَ وَيُضَيِّعُهُ التَّأَخُّرُ فِي قِسْمَتِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ عَقَارًا أَوْ نَخْلًا وَنَحْوَهُ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْمَزَارِعِ مَاتَ نَخْلُهَا، وَضَاعَتْ أَوْقَافُهَا بِسَبَبِ بَقَائِهَا بِلَا قِسْمَةٍ؛ فَالْقَائِمُ عَلَيْهَا يَرَى أَنَّهُ يَخْسَرُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْهَا فَيُهْمِلُهَا، وَأَسْبَابُ تَأْخِيرِ قِسْمَتِهَا كَثِيرَةٌ:

فَمِنَ الْأَسْبَابِ: إِضْمَارُ الْأَقْوِيَاءِ مِنَ الْوَرَثَةِ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا مُسْتَقْبَلًا، إِمَّا بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْغَصْبِ بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ الْجِيلُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَعْرِفُ قِيمَتَهَا، أَوْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا، ثُمَّ مَعَ تَقَادُمِ الزَّمَنِ يَمُرُّ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ جِيلٍ وَهِيَ لَمْ تُقَسَّمْ، فَتَبْقَى بِلَا قِسْمَةٍ إِلَى أَنْ تُهْمَلَ فَيَمُوتَ نَخْلُهَا، وَكَمْ ضَاعَتْ مِنْ أَوْقَافٍ بِسَبَبِ ذَلِكَ.

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ: أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يَسْكُنُ الْعَقَارَ الْمَوْرُوثَ، وَلَا يُرِيدُ قِسْمَتَهُ لِئَلَّا يُبَاعَ فَيَخْرُجَ مِنْهُ، فَيُؤَخِّرَ الْقِسْمَةَ إِلَى أَنْ يَيْأَسَ الْوَرَثَةُ وَيَتْرُكُوهُ.

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ: أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مُسْتَغْنِيًا عَنِ الْإِرْثِ بِمَالٍ لَهُ، فَيُمَاطِلَ فِي الْقِسْمَةِ لِأَغْرَاضٍ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَشْعُرُ بِحَاجَةِ الْوَرَثَةِ الْآخَرِينَ لِحَقِّهِمْ مِنَ الْإِرْثِ.

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ: أَنَّ الْأُمَّ وَالْأَوْلَادَ الصِّغَارَ يَسْكُنُونَ الْبَيْتَ الْمَوْرُوثَ، وَبَعْضَ الْمُسْتَغْنِينَ عَنِ الْإِرْثِ مِنَ الْكِبَارِ لَا يُرِيدُونَ إِخْرَاجَهُمْ مِنْهُ، وَلَوْ صَدَقُوا فِي ذَلِكَ لَاشْتَرَوْا أَنْصِبَةَ بَاقِي الْوَرَثَةِ مِنَ الْبَيْتِ، وَتَبَرَّعُوا بِهِ لِوَالِدَتِهِمْ.

 

وَبِكُلِّ حَالٍ لَا تَثْرِيبَ عَلَى مَنْ طَلَبَ حَقَّهُ مِنَ الْإِرْثِ، وَلَا يُلَامُ لَوْ لَجَأَ لِلْقَضَاءِ بِسَبَبِ مُمَاطَلَةِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لَوْ غَضِبُوا عَلَيْهِ أَوْ قَاطَعُوهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ حَقَّهُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُ، وَمَنْ مَنَعَهُ هَذَا الْحَقَّ فَهُوَ ظَالِمٌ مَهْمَا كَانَ قَصْدُهُ، وَمَنْ أَرَادَ تَمَاسُكَ أُسْرَةِ مُوَرِّثِهِ وَتَوَاصُلَهَا فَلْيُبَادِرْ بِقِسْمَةِ مِيرَاثِهِ فَوْرَ وَفَاتِهِ؛ إِيفَاءً بِالْحُقُوقِ، وَإِزَالَةً لِلضَّغَائِنِ، وَقَطْعًا لِلْمُنَازَعَاتِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • خطب منبرية
  • مواد مترجمة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة