مكافحة الاحتيال من منظور ديني

المقدمة

الحمد لله القائل في كتابه العزيز: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]، والقائل سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58]، والصلاة والسلام على رسوله الخاتم الأمين، المبعوث بالشرع القويم، والسياسة العادلة رحمة للعالمين، والقائل: (المكر والخديعة في النار)[1].

وبعد:

إن الجريمة ظاهرة اجتماعية، وجدت مع الإنسان، ولا يمكن القضاء عليها، وإن كان يمكن الحدّ منها.

ومن هذه الجرائم: جريمة الاحتيال، وأساسها المكر والخديعة، باستحلال المحرم، وإبطال الحقوق، وإسقاط الواجبات، فهي أكل أموال الناس بالباطل، وإفسادٌ في الأرض، وتدميرٌ للبلاد والعباد.

و مما هو جدير بالذكر: أن ابن خلدون قد تحدث عن جرائم الاحتيال في معرض حديثه عن الجريمة في المجتمع الحَضَري؛ حيث يقول: "وأما فساد أهلها - أي المدينة - في ذاتهم واحدًا واحدًا على الخصوص؛ فمن الكد والتعب في حاجات العوائد، والتلوُّن بألوان الشر في تحصيلها، وما يعود على النفس من الضرر بعد تحصيلها بحصول لونٍ آخر من ألوانها، فلذلك يكثر منهم الفسق والشر والسفسفة والتحيُّل على تحصيل المعاش من وجهه ومن غير وجهه.

وتنصرف النفس إلى الفكر في ذلك والغوص عليه واستجماع الحيلة له فتجدهم أجرياء على الكذب والمقامرة والغش والخلابة والسرقة والفجور في الأيمان والرباء في البياعات. ثم تجدهم أبصر بطرق الفسق ومذاهبه والمجاهرة به وبدواعيه، واطراح الحشمة في الغوص فيه، حتى بين الأقارب وذوي الأرحام والمحارم... وتجدهم أيضًا أبصر بالمكر والخديعة، يدفعون بذلك ما عساه ينالهم من القهر، وما يتوقعونه من العقاب على تلك القبائح، حتى يصير ذلك عادةً وخلقًا لأكثرهم إلا من عصمه الله"[2].

من خلال هذه المقولات نلاحظ أن ابن خلدون قد أشار إلى جرائم الاحتيال، موضحًا عناصرها وصفات مرتكبيها، التي منها القدرة على التلون والحصول على المال وتقديمه على كل اعتبار، وذلك من خلال استخدام الحيلة والكذب والخديعة والغش، والتي لا تستثني أحد حتى الأقارب وذوي الأرحام والمحارم.

وقد أصبح الاحتيال مشكله عالمية، وإن فرصة الأنشطة الاحتيالية تزداد مع ازدياد تعقد المعاملات التجارية واستعمال التكنولوجيا على نطاق واسع، وازدادت خطورتها اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وإداريًّا وأخلاقيًّا[3] فوجب محاربتها.

فكيف نكافح الاحتيال من خلال منظور ديني؟

يتطلب ذلك تقسيم الدراسة إلى المباحث الآتية:

المبحث الأول: تحديد مصطلحات البحث.

المبحث الثاني. تجريم الاحتيال.

المبحث الثالث: مكافحة الاحتيال مسؤولية ولاة الأمور والرعية.

المبحث الرابع: دور الاحتساب في مكافحة جرائم الاحتيال.

المبحث الخامس: تعزير المحتالين وإصلاحهم.

الخاتمة: تتضمن نتائج البحث وتوصياته.

الفهرس