• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الأستاذ الدكتور فؤاد احمدأ. د. فؤاد عبدالمنعم أحمد شعار موقع الأستاذ الدكتور فؤاد احمد
شبكة الألوكة / موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد / مقالات / من قضاة الإسلام


علامة باركود

من قضاة الإسلام: (عز الدين ابن عبد السلام)

أ. د. فؤاد عبدالمنعم أحمد


تاريخ الإضافة: 4/1/2011 ميلادي - 28/1/1432 هجري

الزيارات: 27433

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من قضاة الإسلام:

(عز الدين ابن عبد السلام)


أثمر الشرع الإسلامي قضاة، تحررت ضمائرهم من العبودية لغير الله، ووطنت نفوسهم على حب العدل ومقاومة الظلم، وقول كلمة الحق حتى لدى السلطان الجائر ولم تقعدهم وظائفهم عن تنفيذ الحق ضدهم، وبعضهم عزل نفسه عن القضاء، فارتفعت بهم المناصب ولم يرتفعوا بالوظائف، في مقدمة هؤلاء: "عز الدين بن عبد السلام".

 

معالم حياته:

هو عز الدين بن عبد السلام بن عبد السلام السلمي، يكنى أبا محمد ويلقب «بسلطان العلماء» من أصل مغربي. ولد بدمشق سنة 578هـ ولم تذكر لنا كتب التراجم حال أسرته ويبدو لنا أنه من أسرة مغمورة شغلها طلب الرزق عن طلب العلم فيذكر لنا السبكي في طبقاته الكبرى:

أن والده أخبره بأن الشيخ عز الدين كان في أول أمره فقيراً جداً، ولم يشتغل بالعلم إلا على كبر، وأن العز كان يبيت في الكلاسة «مأوى للفقراء» من جامع دمشق.

 

تفقه العز على الإمام فخر الدين ابن عساكر شيخ الشافعية بالشام وأخذ أصول الفقه عن سيف الدين الآمدي وسمع الحديث من الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر وشيخ الشيوخ عبد اللطيف بن إسماعيل بن أسعد البغدادي وغيرهم ونبغ العز كما يقول ابن العماد الحنبلي في كتابه «شذرات الذهب»: في الفقه  والأصول والعربية وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه.

 

تولى العز التدريس في أول أمره بالزاوية الغزالية «ركن من المسجد الأموي ينسب للإمام الغزالي لاعتكافه به حين أقام بدمشق» ثم ولى الإمامة والخطابة بالجامع الأموي فأبطل كثيراً من البدع السائدة: كضرب السيف على المنبر وكصلاة الرغائب «وهي صلاة ليلة الجمعة من الخميس الأول من رجب بعد صومه بطلب قضاء الحاجة» فقد بين ابن الجوزي - 597هـ- وهو العالم المحقق زيفها في كتابه «الموضوعات في الأحاديث الموضوعة» وأوضح الطرطوشي أنها حدثت في بيت المقدس بعد ثمانين من الهجرة، وصيام النصف من شعبان.

 

وقف الشيخ عز الدين ضد حاكم دمشق الصالح إسماعيل عندما تحالف مع الصليبيين ضد ابن أخيه نجم الدين أيوب.

 

وقد مكنهم الصالح إسماعيل من مدينة صيدا وقلعة الثقيف، وقد حاول الصليبيون شراء السلاح من تجار السلاح بدمشق، ففزع التجار والأهالي إلى الشيخ عز الدين يسألونه الفتوى، فأجاب بتحريم بيعهم للسلاح لأنه يستخدم ضد إخوانهم المسلمين في مصر، ولم يقف عند ذلك بل صعد منبر المسجد الكبير في يوم مشهود (سبق الإعلان به) وكان موضوع الخطبة ذم موالاة الأعداء وتقبيح الخيانة، وترك الشيخ العز الدعاء للحاكم، وأعلن أن الحاكم قد خان الله ورسوله وثقة المسلمين وأن الخائن لا ولاية له، وذمه على فعله وتجاهله في الدعاء بل قال: اللهم أبرم لهذه الأمة أبرام رشد تعز فيه أولياءك وتذل فيه أعداءك ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك. والناس يضجون بالدعاء فلما بلغ السلطان الصالح ذلك أصدر أمره الكتابي بعزله من الخطابة وحبسه ثم بعد مدة أفرج عنه وخلي سبيله على أن يلزم داره لا يجتمع بأحد ولا يلتقي به أحد «وهو ما نعرفه الآن باسم الاعتقال» وكان ذلك محل استياء كبير من العلماء وانطلقت ألسنة العامة ضد السلطان. وطلب الشيخ عز الدين الرحيل إلى مصر فأجابه إلى طلبه، لعل الوضع يستقر للسلطان. ويصف لنا عبد اللطيف بن الشيخ العز حال أبيه في تلك الفترة فيقول: وأخرج الشيخ من المعتقل بعد محاورات ومراجعات فأقام مدة بدمشق ثم انتزع إلى بيت المقدس فوافاه الملك الناصر داود على الفور فقطع عليه الطريق وأخذه وأقام عنده بنابلس مدة، وجرت له معه خطوب، ثم انتقل إلى بيت المقدس فأقام مدة ثم جاء الملك الصالح إسماعيل والملك المنصور صاحب حمص وملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم إلى بيت المقدس يقصدون الديار المصرية، فسير الصالح إسماعيل بعض خواصه إلى الشيخ بمنديله، وقال له: تدفع منديلي إلى الشيخ وتتلطف به غاية التلطف وتستنزله وتعده بالعودة إلى مناصبه على أحسن حال فإن وافقك فتدخل به علي وإن خالفك فاعتقله في خيمة إلى جانب خيمتي، ويلتقي رسول الصالح إسماعيل بالشيخ عز الدين قائلاً له بينك وبين أن تعود إلى مناصبك، وإلى ما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير.

 

فقال الشيخ العز له: يا مسكين ما أرضاه يقبل يدي فضلاً عن أقبل يده يا قوم أنتم في واد وأنا في واد والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به!

 

وصل الشيخ عز الدين بن عبد السلام مصر سنة 639هـ فتلقاه سلطانها الصالح نجم الدين أيوب وولاه الخطابة في جامع عمرو بن العاص بمصر والقضاء به كما تولى التدريس بالصالحية بالقاهرة ومات العز رحمه الله في العاشر من جمادي الأولى سنة 660هـ.

 

أخلاق العز:

فطرت نفس العز منذ نعومة أظفاره على ضمير ديني حي يتمسك بتعاليم الله ومبادئه مع عزيمة لا تكل، وكان شديد الإقبال على الطاعة، متمسكاً بالعبادة محافظاً عليها، يأخذ نفسه بالأمثل فيها ولو أصابه في هذا السبيل شدة أو أذى.

 

كان الشيخ كيساً فطناً على إدراك عميق بالنفس الإنسانية، وشجاعة تحث على تحقيق مصالح عامة الناس في مواجهة الحكام.

 

يروي لنا الشيخ الباجي أن سلطان مصر خرج على قومه في أكمل زينة وأعظم أبهة في يوم العيد إلى القلعة وقد اصطف العسكر وقبل العامة الأرض بين يدي السلطان فإذا الشيخ العز ينادي السلطان باسمه مجرداً بأعلى صوته: يا أيوب ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر، ثم تبيح الخمور؟ فقال له السلطان: هل جرى هذا؟ فقال العز: نعم الحانة الفلانية تباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، فيرد عليه السلطان: أنا ما علمته، هذا من زمان! فيقول له العز: أأنت من الذين يقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة؟ فأصدر السلطان قراراً بإبطال تلك الحانة. وكان من شجاعة العز قبل نفسه أن يراجعها الحساب ولا يخشى أن يعلن خطأه على الجميع لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الخطأ بعد العلم به. فقد أفتى الشيخ عز الدين بفتوى لأحد الأشخاص في مصر ثم اتضح له أنه قد أخطأ فنادى في مصر على نفسه من أفتى له ابن عبد السلام بكذا فلا يعمل به فإنه أخطأ فلم يكن غريباً من الشيخ زكي الدين المندري أن يقول: كنا نفتي قبل حضور عز الدين بن عبد السلام أما بعد حضوره فمنصب الفتيا متعين فيه.

 

كان العز زاهداً غير حريص على اقتناء الأموال، وكان ينفق ماله في سبيل الله سراً وعلانية، بل امتدت إلى أموال من هم في رعايته في حالة الشدة العامة يروي لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة أن الشيخ عز الدين لما كان بدمشق وقع غلاء كبير حتى صارت البساتين تباع بالثمن القليل، فأعطته زوجته مصاغاً لها وقالت: اشتر لنا به بستاناً نصيف فيه. فأخذ المصاغ وباعه وتصدق بثمنه فقالت زوجته يا سيدي أشتريت لنا؟ فقال: نعم بستاناً في الجنة أني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمنه. فقالت: جزاك الله خيراً. وحكى أنه كان مع فقره كثير الصدقات، فربما قطع من عمامته، وأعطى فقيراً يسأله إذا لم يجد معه غير عمامته وهو الرجل الذي يهابه الملوك ويجلونه ويشترون رضاءه بأغلى الأثمان لو كان يباع.

 

وكان الشيخ يفقه واقع الناس ويعمل للصالح العام أي لمجموع أفراد الشعب، دليلنا على ذلك فتاويه فقد زحف التتار على مصر بعد تدمير بغداد عام (656هـ) وطلب السلطان «قطز» تمويل الجيش من الشعب لمواجهة العدو الزاحف وقد أحس الشيخ العز أن المماليك والسلطان سيتخذون من هذه الفرصة مغنماً للثراء وظلم الناس، وأن العبء كله سيقع على الشعب فأفتى: «إذا طرق العدو بلاد المسلمين، وجب على العالم الإسلامي قتالهم، وجاز للحاكم أن يأخذ من الرعية ما يستعين به على جهادهم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء من السلاح والسروج الذهبية والفضية.. ويقتصر كل الجند على سلاحه ومركوبه ويتساووا مع العامة، أما أخذ الأموال مع بقاء ما في أيدي الجنود من الأموال والآلات والزينة الفاخرة فلا». فامتثل الحاكم لأمر العز، وشارك العز في المعركة وكان النصر حليف الأمة، للفتوى القائمة على الحق والعدل.

 

صورة من أحكامه:

من الوقائع المشهورة عن عز الدين ابن عبد السلام بيعه لأمراء الدولة الذين اشتراهم السلطان نجم الدين أيوب، وهم صغار من أوساط آسيا وشمالها الغربي من مال بيت مال المسلمين، ودربهم على فنون الحرب والفروسية وثقفهم بالعربية، وعلمهم الدين الإسلامي ووثق فيهم، فولاهم أمور الدولة، وأصبح نائب الحاكم واحداً منهم وقد تبين للعز أن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين فحكم بعدم صحة بيعهم وشرائهم وزواجهم فتعطلت مصالحهم وعظم الخطب عليهم وفيهم نائب السلطان، فاستشاطوا غضباً، واجتمعوا وأرسلوا إليه فقال العز: نعقد لكم مجلساً، وننادي عليكم لبيت مال المسلمين، فرفع المماليك الأمر إلى السلطان طالبين تدخله وأن يحمل الشيخ على التنازل عما اعتزم وجرت من السلطان نجم الدين أيوب لعز الدين بن عبد السلام كلمة فيها غلظة وصاحبها الإنكار على الشيخ في دخوله هذا الأمر وأنه لا يتعلق به. إنها محاولة لعزل العلماء عن تنفيذ الشرع وإبعادهم عن الأمور العامة التي لها علاقة مباشرة بحكم الله ولجأ الشيخ عز الدين إلى سلاح الأقوياء وهو الانسحاب الهادي ودون ضجة أو إثارة تعطي للخصم فرصة للانتقام. وطالما أن الشيخ لا يستطيع أن يقيم حكم الله في مصر على شريعة الله، وإذا كان السلطان- حامي الحقوق- يتدخل لإبطال الحقوق فليس عز الدين الذي يرضى باستذلال المنصب وتحكم الجاه، وليس من حق أحد أن يجبره على الإقامة في بلد لا يرتضيه، وهكذا خرج الشيخ من القاهرة ولم يمض على دخوله إياها بضعة شهور، وضع أمتعته على حمار، وأهله على حمار، وتبعهم راجلاً آخذاً طريقه إلى الشام.. وأحست القاهرة أن قلبها الخفاق يغادرها فهاجت لما حل به، وعالجت الأمر بطريقتها التي في ظاهرها الضعف والمسالمة ولكن في حقيقتها تكمن القوة والثورة، ولم يكد يصل الشيخ إلى مسافة غير بعيدة عن القاهرة إلا وقد لحقه غالب المسلمين وخاصة العلماء والصلحاء والتجار وأمثالهم.

 

وفي ساعات قصار وجد الحاكم الأعلى نفسه في موقف لا يحسد عليه وحار ماذا يفعل؟ ولم يكد يجد من يهمس في أذنه تدارك ملكك وإلا ذهب بذهاب الشيخ، حتى انطلق في أثره، وتمسك به تمسكه بملكه الذي اهتز من حوله وأخذ يستعطفه ويترضاه، وأعلن موافقته على أن ينادي على أمراء الدولة في المزاد، ولكن لما علم نائب السلطنة ضج وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ، ونحن ملوك الأرض والله لأضربنه بسيفي هذا، فركب بنفسه في جماعته، ووصل إلى بيت الشيخ عز الدين والسيف المسلول في يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ، فرأى من نائب السلطنة ما رأى- فهرول إلى والده يصف الحال فما اكترث العز.وقال: يا ولدي: أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله ثم خرج. فحين وقع البصر على نائب السلطنة شاءت قدرة الله أن ترجف اليد ويسقط السيف ويصاب النائب في يده بعجز فترعد مفاصله ويبكي ويسأل الشيخ أن يدعو له.

 

ويقول له: افعل ما بدا لك قال العز: أنادي عليكم وأبيعكم. فقال نائب السلطنة: وفيم تصرف ثمننا؟ قال في مصالح المسلمين. قال: فمن يقبضه؟ قال: أنا.

 

وتم ما أراد العز ونادى على الأمراء واحداً تلو الآخر وباعه بالثمن الوافي وصرفت أثمانهم في وجوه الخير. أن الدرس المستفاد أن وعد الله حق أن يستخلف الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويمكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم ويمنحهم أمنا وسلاماً ترهبه الملوك.

 

• حكم آخر وقعت أحداثه في سنة 640هـ مع كبير أمناء السلطان نجم الدين أيوب فقد عمد صاحب منصب الاستادراه - كبير الأمناء-  فخر الدين عثمان إلى أحد مساجد مصر وأقام على ظهره قاعة موسيقى – طبلخانة – ظلت تضرب نهاراً فتعارض ذلك مع ما ينبغي أن يتوافر لأماكن العبادة من الجو الهادئ الذي يتناسب مع الجلالة والهيبة للعبادة فلما ثبت ذلك عند الشيخ عز الدين حكم بهدم البناء وأسقط شهادة فخر الدين.

 

وقام الشيخ عز الدين وأولاده بتنفيذ الحكم. ثم قام بتقديم استقالته للحاكم فقبلها السلطان. وظن فخر الدين وغيره أن  هذا الحكم لا أثر له.

 

واتفق أن جهز السلطان رسولاً من عنده إلى الخليفة المعتصم ببغداد.

 

فلما وصل الرسول إلى الديوان وقف بين يدي الخليفة وأدى الرسالة له. فخرج إليه وسأله هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟ فقال: لا ولكن حملتها عن السلطان فخر الدين بن شيخ الشيوخ فقال الخليفة: إن المذكور أسقط شهادته عز الدين بن عبد السلام فنحن لا نقبل روايته. هكذا من أسقطه ابن عبد السلام لا يرفعه السلطان نفسه.

 

آثاره:

يذكر لنا السيوطي مصنفات عز الدين بن عبد السلام فيقول: له تفسير القرآن، والفتاوى الموصلية، ومختصر النهاية، وشجرة المعارف، والقواعد الكبرى والصغرى، وبيان أحوال الناس يوم القيامة.

 

وقامت وزارة الأوقاف بالكويت ونشرت للعز بن عبد السلام كتاب الفوائد في مشكل القرآن محققاً للدكتور الندوي وهو إسهام مبارك في إحياء التراث الإسلامي.

 

ونخص حديثنا عن كتاب هام ارتبط به اسم عز الدين بن عبد السلام وجعله في المقدمة من علماء الفقه وأصوله هذا الكتاب وهو القواعد الكبرى والصغرى وطبع في مصر باسم «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» وتبدو قيمته في أنه تجميع لنظرية المصالح المرسلة- كقاعدة عريضة تتفرع منها آلاف المسائل الفرعية، وقد بين لنا سلطان العلماء في مقدمة كتابه الغرض منه فقال: بيان مصالح الطاعات والمعاملات وسائر التصرفات ليسعى العباد في تحصيلها وبيان مقاصد المخالفات ليسعى العباد في درئها، وبيان ما يقدم من بعض المصالح على بعض وما يؤخر من بعض المقاصد على بعض، وما يدخل تحت اكتساب العبيد دون ما لا قدرة لهم عليه ولا سبيل لهم إليه.

 

والشريعة كلها منافع أما بدرء المفاسد أو جلب المصالح.. وكل تصرف جالب لمصلحة أو دارئ لمفسدة فقد شرع الله له من الأركان والشرائط ما يحصل تلك الشرائط المعقودة لجلب المصالح أو لدرء المفاسد، فأحكام الإله كلها مضبوطة بالحكم محالة على الأسباب والشرائط التي شرعها وتطلب أدلتها من  الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر. وذلك بالنسبة لمصالح الدارين. أما لمصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها فمفرقة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات.

 

ونذكر بعض التطبيقات لهذه النظرية الوثيقة الصلة بأحكام القضاء. ونشهد له بفقه الشرع وفقه أحوال الناس:

1- من شهد بالزور ثم ظهر أن شهادته توافق الحقيقة أو من حكم بباطل ثم تبين أنه الحق، فبالرغم من أن المفسدة لم تتحقق فإن الحكم بفسقه ثابت عليه، فتسقط عدالته، وترد شهادته وتبطل ولايته التي تكون العدالة شرطاً فيها لأنه غير جدير بالثقة لجرأته على ربه وعلى الحقيقة كما كان يعيها وفي الصورة العكسية إذا شهد الشاهد بما ظنه الحق أو حكم الحاكم بما ظنه حقاً بناء على الحجج الشرعية فهم مثابون على أعمالهم وأفعالهم.

 

2- إذا سرق إنسان سرقة موجبة للقطع لم يجب عليه الإعلام بالسرقة بل يخبر مالك السرقة بأن له مالاً عليه ويقدر المسروق إن كان تالفاً ليستوفيه أو يبرئه ولا يتعرض لذكر السرقة لأن زاجرها حد من حدود الله فالأولى بمرتكبها أن يسترها على نفسه، وإن كان المسروق باقياً رده أو وكل من يرده من غير اعتراف بالسرقة فإذا كان الاعتراف بالحق فضيلة واجبة فإن النفوس مفطورة على الخوف والابتعاد من موطن الشبهات والتبرىء من العيب وإظهار خلافه.

 

3- اختلاف الزوجين في متاع البيت فإذا ادعاه كل واحد منهما أو ادعى أحدهما الاشتراك في الجميع، فإن الشافعي (204هـ) رحمه الله يسوي بينهما نظراً إلى الظاهر المستفاد من العادة الغالبة. ويضرب العز مثلاً فيقول: إذا كان الزوج جندياًَ فادعى أنه شريك المرأة في مغازلها وحقوقها وادعت المرأة أنها شريكته في خيله وسلاحه فإننا نجد في أنفسنا ظناً لا يمكن دفعه أن ما يختص بالرجال فله وما يختص بالنساء فللمرأة، ومن ذلك يتضح أننا على الرغم من كونه شافعياً إلا أنه مجتهد وقد خالف إمام المذهب في الرأي وإذا قابلنا ما قرره الشيخ العز بما نقضي به اليوم في أحكامنا لثبت لنا أن له فضل السبق بوضع المسألة وضعها الصحيح وفقاً لأحوال الناس.

 

ونختم بحثنا عن الشيخ عز الدين ابن عبد السلام بذكر بعض الأقوال التي وردت فيه فيقول الذهبي (748هـ) في العبر، انتهت إليه العلوم مع الزهد والورع وبلغ رتبة الاجتهاد.

 

ويقول ابن كثير (774هـ) انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي وقصده الناس بالفتاوى من الآفاق ثم كان آخر عمره لا يتقيد بالمذهب بل اتسع نطاقه وأفتى بما أدى إليه اجتهاده. وقال تلميذ العز ابن دقيق العيد: كان العز أحد سلاطين العلماء وقال: الشيخ جمال الدين بن الحاجب: (646هـ) ابن عبد السلام أفقه من الغزالي وقال صاحب كتاب مفتاح السعادة طاش كبرى زاده: إمام عصره بلا مدافعة القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه المطلع على حقائق الشريعة وغوامضها، العارف بمقاصدها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • حوارات
  • كتب
  • مقالات
  • أبحاث محكَّمة
  • أبحاث
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة