• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الأستاذ الدكتور فؤاد محمد موسىأ. د. فؤاد محمد موسى شعار موقع الأستاذ الدكتور فؤاد محمد موسى
شبكة الألوكة / موقع أ. د. فؤاد محمد موسى / مقالات


علامة باركود

تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن: التفكير الكلي والتفكير الجزئي

أ. د. فؤاد محمد موسى


تاريخ الإضافة: 16/10/2016 ميلادي - 15/1/1438 هجري

الزيارات: 31961

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن

"التفكير الكلي والتفكير الجزئي"


لقد خلَق الله الإنسان لمهمة حددها في قوله تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]؛ أي: قائدًا يقود الحياة (جماد، نبات، حيوان، نفسه، وغيره) بمنهج الله، لله،وفي قوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وفي قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]،فيجبُ أن تكون كلُّ سلوكيات الإنسان تحقِّق مرضاة الله،وهنا تكمُنُ سعادة المؤمن الذي يعمل في هذا الإطار الكلي، الذي يملأ على المؤمن حياته، عقله وقلبه ومشاعره،ولا يجد في عمله سوى تحقيق ذلك.

 

إنه الهدفُ الكليُّ للمؤمن الحق،وبالتالي فإن تفكيره في كل موقف يجب أن يكون واعيًا لتحقيق ذلك،ومن ثم يكون تفكيره تفكيرًا كليًّا من أجل ذلك،ولا يكون تفكيره جزئيًّا منعزلًا عن الهدف الكلي.

 

قد يكون هذا الكلام غيرَ واضح المعاني؛لذلك هيا بنا لنأخذ بعض المواقف في حياة بعض الأنبياء والصالحين؛ لنوضِّح معنى التفكير الكلي، والتفكير الجزئي، والعلاقة بينهما.

 

قصة إبراهيم عليه السلام وزوجته هاجر:

عندما عاد إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين كانت نفسُه تتُوق للولد، ولم يكنِ اللهُ قد رزقه أي أولاد من زوجته سارة، ومِن منطلق حرص المرأة على مشاعر زوجها وحُسن تفهُّمها وإدراكها للأمور، وحكمتها البالغة، وإخلاصها لزوجها - رأَتْ أن تختار له زوجة أخرى ينجب منها ما تحبُّه نفسُه من الولد والذرية، فاختارت له أن يتزوج (هاجر)، فتزوَّجها، وأنجب منها ابنه إسماعيل عليهما السلام، ثم إن الله تعالى أمره بأن يتركهما في وادي مكَّة، واستجاب الخليل لربه، وسافر بزوجته وفِلذة كبده، الذي عاش عمره يحلُمُ به.

 

هناك..في صحراءِ مكَّةَ القاحلةِ..حيث لا زرعَ ولا ماء..ولا أنيس ولا رفيق..تركها زوجُها هي ووليدَها..ثم مضى في طريق عودته، وترك لهم تمرًا وماءً.

 

فنادته زوجتُه وهي تقول: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي، الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فلم يلتفت إليها الزوج.

فقالت الزوجة - وكأنها أدركت أن أمرًا ما يمنَع زوجَها من الرد عليها -: آلله أمَرك بهذا؟

فيرد الزوج: نعم.

 

فقالت: إذًا لا يضيعنا،وانصرف إبراهيمُ عليه السلام،فلما اختفى وراء الجبل، التفت ودعا الله عز وجل ورفع يديه وقال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]،ثم تولَّى عنهم وتركهم.

 

بتحليل هذا الموقف نجد ما يلي:

• أن إبراهيم عليه السلام عندما وصل مكة ترك زوجتَه ووليدها..ثم مضى في طريق عودته دون أن يتحدَّث.

 

لماذا؟

إن تفكيره منصبٌّ على تنفيذ أمر ربه (تفكير كلي)، ويخشى أن يغلِبَه التفكيرُ الجزئي بعاطفته تجاه زوجته وولده عن تنفيذ أمر ربِّه،وهنا كان صمتُه.

 

أما هاجرُ رضي الله عنها فعندما انصرف إبراهيم عليه السلام عنها وولدِها، انشغلت بمصيرها وابنها (تفكير جزئي)، وقالت: لِمَن تتركنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها بشيء، ولم يلتفت إليها،هنا عدَّلت تفكيرها لتفكيرٍ كلي؛ حيث أدركت أن إبراهيم عليه السلام نبيٌّ، وأن تصرفه هذا لن يكونَ إلا بوحيٍ مِن الله، وهنا جاء قولها: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم،قالت: إذًا لا يضيعنا (تفكير كلي).

 

• أن إبراهيمَ عليه السلام رغم حرصه على أن يكونَ تفكيره كليًّا، لم يمنَعْه ذلك من التفكير الجزئي، ولكنه نابعٌ مِن التفكير الكلي، فلم ينسَ زوجتَه وابنه؛ لذلك لما اختفى وراء الجبل، التفت ودعا الله عز وجل ورفع يديه وقال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37].

 

كما أن هاجرَ رضي الله عنها عندما نَضَبَ الماءُ معها لم تتواكل، بل قامت وسعَتِ الأشواط السبعة بين جبلَيِ الصفا والمروة، وأخذت بالأسباب، فكانت عنايةُ الله تراقبُها وابنَها؛ ففجَّرَ لها ماءَ زمزمَ.

 

• أن ربطَ المؤمن تفكيرَه الجزئي بتفكيره الكلي يحقِّقُ له هدفَه الجزئيَّ مع بلوغِه غايتَه الكلية.

 

قصة زواج زيدِ بن حارثة مِن زينبَ بنت جحش:

أما قصةُ زواج زيدٍ بزينبَ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تولى ذلك له؛ لكونه مولاه ومتبنَّاه، فخطَبها مِن نفسها إلى زيد فاستنكفَتْ، وقالت: أنا خير منه حسَبًا، وكانت تطمح في الزواج مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم،ولكن عندما نزلت هذه الآية: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، استجابَتْ طاعةً لله، وتحقيقًا لرغبة رسوله صلى الله عليه وسلم في الزواج مِن زيد،وقد عاشت مع زيد ما يقرُبُ مِن سنة، ثم وقع بينهما ما يقع بين الرجل وزوجته، فاشتكاها زيدٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لمكانتهما منه؛ فإنه مولاه ومتبنَّاه، وزينب بنت عمَّته أميمة، وكان زيد قد عرَّض بطلاقِها؛ فأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإمساكِها، والصبر عليها، مع علمه صلى الله عليه وسلم بوحيٍ مِن الله أنه سيطلقها، وستكون زوجة له صلى الله عليه وسلم، لكنه خشِيَ أن يعيِّرَه الناسُ بأنه تزوَّجَ امرأةَ ابنه، وكان ذلك ممنوعًا في الجاهلية؛ فعاتَب الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم في ذلك: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [الأحزاب: 37]؛ يعني - والله أعلم -: تخفي في نفسك ما أعلَمك الله بوقوعِه مِن طلاق زيد لزوجته زينب، وتزوُّجك إياها؛ تنفيذًا لأمرِه تعالى، وتحقيقًا لحكمتِه، وتخشى قالةَ الناس وتعييرَهم إياك بذلك، واللهُ أحقُّ أن تخشاه، فتُعلن ما أوحاه إليك مِن تفصيل أمرك وأمر زيد وزوجته زينب دون مبالاة بقالةِ الناس وتعييرِهم إياك،أما زواجُ النبي صلى الله عليه وسلم من زينبَ، فقد خطبها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء عدتها من طلاق زيد، وزوَّجه اللهُ إياها بلا وليٍّ ولا شهود.

 

وبتحليلِ ما حدَث نجد أن تفكيرَ زينب عندما رفضت الزواجَ مِن زيد في أول الأمر، وقولها: أنا خير منه حسبًا، كان تفكيرًا جزئيًّا محضًا، ولا علاقة له بالتفكير الكلي البتة،ولكن بعد نزول الآية: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، عدَّلت مِن تفكيرها فأصبح تفكيرًا كليًّا؛فاستجابت طاعة لله، وتحقيقًا لرغبة رسوله صلى الله عليه وسلم في الزواج من زيد،فكانت النتيجة النهائية أنْ طلَّقها زيد، وزوَّجها اللهُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم،فكانت تفخَر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: "زوَّجكنَّ أهلُكن، وزوَّجني الله مِن فوق سبع سموات"،وهذا كان نتيجة تفكيرها الكلي الذي ابتغَتْ به رضا الله، فأرضاها.

 

قصة جُلَيْبِيبٍ الصحابيِّ الجليل:

جُلَيبيب شاب صالح، لكنه دميمُ الخِلقة، قبيح المنظر، كان كلما تقدم لبنت لكي يخطبَها ويتزوج منها ترفضه، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الناسَ قد رفضوني، يا رسولَ الله، زوِّجْني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اذهَبْ إلى بيت فلان، واطرق عليهم الباب، وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يزوِّجَ ابنتكم لي))، فذهب وطرق الباب، ففتح الباب، فقال: يسلِّم عليكم النبي عليه الصلاة والسلام، ويقول: زوِّجوني ابنتكم، فقال الأب: يا جُلَيبيبُ، لا مال ولا جاه، فكيف نزوِّجك؟! وصاحت الأمُّ على زوجها: أيزوج جليبيب وهو على هذي الحال، ولا مالَ ولا جاهَ، وابنتنا في موقعها وموضعها الذي هي فيه؟!وتسمع الفتاةُ فتصرُخُ على والديها من الداخل، كيف هذا؟! أترُدَّانِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟!والله إني أجزت زواجي، وإني قبلتُ به زوجًا،قالوا: يا ابنتاه، انظريه، انظري شكله، انظري هندامه، انظري ثوبه، لا مال ولا جاه، قالت: والله لا أردُّ خاطبًا أرسله النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

 

وفي ليلة الزفاف، قبل أن يدخل عليها، سمع بمنادي الجهاد: يا خيل الله، اركبي، حيَّ على الجهاد، ففزِع إلى الجهاد في سبيل الله، وبعد المعركة، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: أتفتقدون أحدًا؟ قالوا: لا يا رسول الله، بحثوا عن القتلى، فقال لهم: أتفتقدون أحدًا؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: ولكني أفقد أخي جُلَيبيبًا، قال: فبحث عنه النبي صلى الله عليه وسلم بين القتلى، فوجده قد قتل سبعة من المشركين وقتلوه، فأخذه ووضعه بين ذراعيه، ثم مسح التراب والدم عن وجهه، ثم قال: ((قتل سبعة من المشركين وقتلوه،هذا مني وأنا منه،هذا مني وأنا منه))،فدفنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحين انتهى من دفنه إذا به بشيح بوجهه عن القبر بسرعة، فسأله الصحابة عن هذا الأمر، فقال: رأيت زوجاته من حور العين يتسابقن عليه، فأدرت وجهي استحياءً منه ...رحم الله الصحابيَّ المجاهد الجليل جُلَيبيب رضي الله عنه.

 

بتحليل هذه القصة نجد:

• أن جُلَيبيبًا كان يرغب في الزواج (تفكير جزئي)؛ ليُعِفَّ نفسه (تفكير كلي)، ولم يمارس الحرام في ذلك، رغم رفض النساء التزوجَ منه، فلجأ إلى رسول الله،وهذا يعني أن تفكيرَه الجزئي كان مرتبطًا بتفكيره الكلي،ومما يؤكد تمسُّكَه بتفكيرِه الكليِّ قبل الجزئي، انطلاقُه للجهاد في سبيل الله (تفكير كلي)، وتركُه عروسَه يوم زفافه (تفكير جزئي).

 

فكانت النتيجة مضاعفةً مِن الله؛ فنال الشَّهادة، وتزوج مِن الحور العين،يا له مِن فوز وفلاح!

 

وأما عروسُه فكان تفكيرها كليًّا؛ حيث قبِلَتْ بالزواج من جُلَيبيب - الذي رفضَتْه النساءُ، ورفضه أبوها وأمها - طاعةً لله ورسوله، فكانت النتيجة أنْ جنَّبَها الله ما قد تكره نفسُها البشرية من الزواج مِن جُلَيبيب، وكان رضا الله عليها لطاعتِه ورسولِه.

 

مِن هنا ندرك أن التفكيرَ الكلي ينطلق لتحقيق الهدف الكلي، أو الغاية الكلية، وهي مرضاةُ الله عز وجل.

 

وأن التفكيرَ الجزئي المرتبط بالتفكير الكلي ينطلق لتحقيقِ هدفٍ جزئي في نطاق الهدف الكلي، أو الغاية الكلية، وهي مرضاةُ الله عز وجل.

 

وهذا ما تعبِّرُ عنه الآيةُ الكريمة في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

 

ما أحلى أن يعيشَ الإنسانُ وفكرُه معلَّقٌ بالله تعالى!، مثل ما عبَّر عنه حارثةُ في هذا الحديثِ:

عن الحارث بن مالك الأنصاري: أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا، قال: انظر ما تقول؛ فإن لكل قول حقيقة، قال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا؛ فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، فكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوون فيها، فقال له: أبصرت فالزم، عبد نور الله الإيمان في قلبه، فقال: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد).

 

إنها سعادةٌ ممتدة داخل النفس البشرية في الدنيا والآخرة؛لذلك كان دعاؤهم: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [البقرة: 201، 202].

 

أما التفكير الجزئي المحض الذي ليس له علاقة بالتفكير الكلي، فهو ينطلقُ لتحقيق هدفٍ جزئي مبتور،لا يخرُجُ عن كونه إشباعَ شهوات حيوانية، تنتهي اللذة بها بانتهاء تحقيقها، وتكون التعاسةُ بعدها؛ فهم: ﴿ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12].

 

لذلك كان دعاؤهم: ﴿ آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ [البقرة: 200].

 

إن أكبرَ مَثَل لهؤلاء هم مشاهير الدنيا، الذين كانت نهايتُهم الانتحارَ:

الكاتب الأمريكي (دايل كارينجي) صاحب أروع الكتب في فنِّ التعامل مع الناس، وصاحب أكثر الكتب مبيعًا في العالم؛ حيث بِيعت ملايين النسخ من كتبه، وتُرجمت إلى أكثر اللغات العالمية؛ فهو صاحب كتاب "كيف تكسِبُ الأصدقاء وتؤثر في الناس؟"، وكتاب: "دَعِ القلقَ، وابدأَ الحياة" - لم يمنَعْه ذلك مِن القلق والانتحار.

 

وكريستينان أوناسيس؛ فهي ابنة الملياردير اليوناني أوناسيس، صاحب الجزر والأساطيل البحرية، والطائرات والمليارات، الذي يُعَدُّ مِن أكبر أثرياء العالم ..ولأن كريستينان وريثتُه الوحيدة، فقد ورِثَتْ عن أبيها كل ثروته الهائلة، إلا أن ذلك لم يحقِّقْ لها السعادة التي تبحث عنها؛ فقد تزوَّجَتْ عددًا من المرات، وكان زواجها الأخير مِن أحد الشيوعين، ثم كانت نهايتها الانتحار.

 

والكثير، مثل المغنية داليدا، مايكل جاكسون، أدولف هتلر، والقائمة لا تحصى ولا تُعَد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
65- شكر وتقدير
منار عادل شحاته إبراهيم - مصر 21/09/2025 11:34 PM

جزاك الله خير يادكتور
هذا المقال يبين الفرق بين التفكير الكلي والتفكير الجزئي .أوضح أهمية التفكير الكلي حيث أنه يرتكز علي الإيمان بالله مع ربط الأفعال بالغاية الكبرى ،أما التفكير الجزئي يركز علي أهداف دنيويه محدوده ينتهي بالتعاسة.

64- التفكير الكلي والجزئي
بسملة ياسر - مصر 21/09/2025 09:58 PM

المقال قدّم رؤية واضحة حول الفرق بين التفكير الكلي والجزئي، وأهمية أن يكون للإنسان هدف أسمى يوجّه تفاصيل حياته اليومية. لفتني كيف أوضح أن الربط بين القرارات الصغيرة والغاية الكبرى يمنح الإنسان طمأنينة ومعنى أعمق. أشكرك يا دكتورنا العزيز على هذا الطرح القيّم والمفيد.

63- الفرق بين تفكير المؤمن وتفكير الغير مؤمن
حنين أحمد سعد - مصر 21/09/2025 09:42 PM

المقال يطرح فكرة عميقة حول الفرق بين تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن، حيث يربط بين "التفكير الكلي" الذي ينطلق من رؤية شاملة للحياة مرتبطة بالخالق، وبين "التفكير الجزئي" الذي يقف عند حدود الظواهر دون ربطها بمصدرها الأعلى هذه المقارنة تُبرز قيمة الإيمان في توسيع أفق الإنسان وربط الجزئيات بمنظومة كلية تمنحه معنى وطمأنينة.

62- شكر لدكتور فؤاد
وفاء عمرو - مصر 21/09/2025 02:09 AM

شكرا يا دكتور على مجهودك وعلى المقال كان طرح حضرتك واضح ومفيدا، ووضّح لنا الفرق بين التفكير الكلي والجزئي بأسلوب جميل وسهل الفهم.

61- التفكير الكلي والتفكير الجزئي
Rawan Abdelaziz - مصر 20/09/2025 08:27 PM

إن التفكير الكلي شيء مهم جدا وأن التفكير الجزئي يرتبط بالعاطفة ولكن التفكير الكلي يكون أننا نسمع كلام الله ورسوله دول تفكير حتى لو ضد رغبتنا في هي من الله ويوجد فيها الخير.

60- شكر وتقدير
شهد إسلام - مصر 20/09/2025 03:25 PM

شكرًا جزيلًا للدكتور فؤاد موسى على هذا المقال القيّم، أكثر ما شدّني هو توضيح حضرتك لفرق التفكير الكلي والجزئي من خلال الأمثلة القرآنية والقصص الواقعية، خاصة قصة إبراهيم عليه السلام وهاجر رضي الله عنها. بالفعل، لفت انتباهي كيف أن ربط الجزئيات بالغاية الكبرى (رضا الله) يحوّل حياتنا اليومية لمعنى أعمق ويمنحنا توازن وسعادة حقيقية.

59- شكر وتقدير
ندي صيام - مصر 20/09/2025 03:05 PM

جزاك الله خيرا يا دكتور
المقال في غاية الأهمية ورائع جدا ربنا يجعله في ميزان حسناتك والمقال ينص على الفرق بين التفكير الكلي والتفكير الجزئي ويجعل الإنسان يفكر في منهج الإسلام في كل مواقف حياته.

58- العلاقة بين التفكير الكلي والتفكير الجزئي
امنية محمد عبد المنطلب - مصر 20/09/2025 01:02 PM

دكتورنا العزيز تحدثت عن أهم شيء في حياة الإنسان القصيرة وهو رضا الله ورضا الله يأتي أولا ثم تتحقق جميع رغبات الإنسان ولا تتحقق إلا برضا الله وتأكدنا من ذلك من خلال قصص الأنبياء والرسل الذين فضلوا رضا الله وأتباعه في كل أمور الدنيا ثم أتى بعدها رضا أنفسهم.

57- شكر وتقدير لمقال الدكتور
نيرة محمود - مصر 20/09/2025 03:03 AM

شكرًا جزيلاً للدكتور فؤاد على مقالته الرائعة، ومجهوداته العظيمة. لقد قدمت رؤية قيمة وثرية في هذا الموضوع، واستفدتُ كثيرًا من قراءتها. جزاك الله خيرًا على مجهودك العظيم والمتميز، وبارك الله فيك وفي علمك.

56- شكر وتقدير
أسماء مصطفى - مصر 20/09/2025 12:44 AM

جزاك الله كل الخير دكتورنا الفاضل
مقال في غايه الأهمية حيث يبرز المقال قيمة الإيمان في توجيه التفكير نحو الشمول والعمق، ويبيّن كيف أنّ غياب العقيدة يحصر العقل في حدود الجزئيات.

1 2 3 4 5 6 7 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب وأبحاث
  • عروض تقديمية
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة