• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع معالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملةأ. د. علي بن إبراهيم النملة شعار موقع معالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / موقع د. علي بن إبراهيم النملة / المقالات


علامة باركود

ثنائيات لا تلتقي

ثنائيات لا تلتقي
أ. د. علي بن إبراهيم النملة


تاريخ الإضافة: 18/8/2024 ميلادي - 12/2/1446 هجري

الزيارات: 1445

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ثُنَائِيَّاتٌ لا تَلْتَقِي

 

التمهيد:

وهناك ثنائيات تلتقي بطبعها؛ ليعمُرَ الكونُ بلقائها وتستقيمَ الحياة، وثنائيات أخرى أراد الخالق - سبحانه وتعالى - لها ألا تلتقي كونيًّا، وهذه من الثنائيات الضدِّيَّة. فالثنائيات التي لا تلتقي كونيًّا، وإذا التقت فسد الكون وانتهى كاختلاط الليل بالنهار والتقاء الشمس بالقمر، وطلوع الشمس من المغرب، وهي كونيًّا تطلع من المشرق. قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 40]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ [القيامة: 6 - 9]. وكذلك الالتقاء الحسِّي بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، فهي من حيثُ الجهة لا تلتقي؛ ليبقى الشرق جهويًّا شرقًا والغرب غربًا والشمالُ شمالاً والجنوب جنوبًا.

 

وكذلك ثنائية الحياة والموت، فلا الحيُّ ميِّتٌ ولا الميِّتُ حيٌّ حسًّا ولا يستويان، وإنْ قيل ذلك مجازًا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾[الأنبياء: 35] وقَالَ تَعَالَى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 57]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]، وإنْ سعى أقوامٌ وقامت فلسفات تتهرَّب من الموت، وتتبنَّى فكرةَ التناسُخ وتحضيرَ الأرواح وأفكارًا أخرى، فما يجدي ذلك كلُّه عن سنن الله تعالى في كونه شيئًا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 34]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 19 - 23].

 

وتقتضي سنَّة الله تعالى في الكون أنه لا بُدَّ من الحياة، كما لا بُدَّ من الموت، فلو لم يحيَ أحدٌ من البشر والحيوان والشجر كلِّها لخلت الأرض، ولم تتحقَّق عمارة الأرض والاستخلاف عليها. ولو لم يمُت أحد من المخلوقات من البشر والحيوان والشجر لامتلأت الأرض بالخلق ولفسد الكونُ أيضًا. وهذا يشمل الحياة في اليابسة وفي الفضاء والأنهار والبحار والمحيطات. قَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]، وهكذا تقتضي إرادة المحيي والمميت، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [آل عمران: 156]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 116]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يونس: 56]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 80]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [غافر: 68]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الدخان: 8]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحديد: 2].

 

وقد جعل اللهُ الحياةَ للعمل. وكلٌّ يعمل على شاكلته، وكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له، ولا عملَ بعد الموت.

 

التضادُّ الإيجابي:

وليس بالضرورة أنْ يكون افتعال التضادِّ بين الثنائيات دائمًا سلبيًّا، بل قد يكون فيه من الإيجاب ما تستدعيه حضارة اليوم، على اعتبار أنَّ هناك تقابُلاً بين السلب والإيجاب، مثل الشعور واللاشعور. كما هناك تقابُلٌ بين المتضايفين، مثل الأبوَّة والبنوَّة، وتقابُل الضدَّين، مثل السواد والعمى، وتقابُل العدم والملكة، مثل العمى والبصر[1].


وقد تعارف العالم في قوانين السير أنَّ الضوء الأحمر يعني دائمًا الوقوف، وأنَّ الضوء الأخضر يعني دائمًا السماح بالسير. وليس بين اللونين تضادُّ. ومع هذا فقد اقتضى قانون السير أنْ يجعل بينهما اللون البرتقالي حتَّى يتيح مجالاً للذهن البشري ليتهيّأ للانتقال من الأخضر (الإيجابي) إلى الأحمر (السلبي) في هذا المقام فقط. وبهذا اعتُبرَ هذا اللون في المنطقة الوسطى بين طرفي الثنائية المتضادَّة، أو الجزء الأوسط بين حدَّيها، كما هي نظريَّة فيلسوف البنيوية وعالم الاجتماع الفرنسي كلود ليفي شتراوس (1908 - 2009م) الذي يُعدُّ من ابرز من بحث في التنظيم الثنائي في المجتمعات[2].

 

ثنائيات كونية: النور والظلام:

والنور والظلام بوصفهما ثنائية متضادَّة لا يجتمعان في أصلهما ولا يستويان، وإنْ تمكَّنت تقنيات الضوء الحديثة في اجتماعهما منفصلتين لا متَّصلتين، وبينهما حدٌّ أو فاصلٌ حسِّي. ومع هذا فلا غنى للمخلوقات عن أيِّ منهما، يستوي في هذا الإنسان والحيوان والنبات. فلا غنىً عن النور بقدَر، ولا غنىً عن الظلمة بقدَر. قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [القصص: 71 - 72]. وقَالَ تَعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16] وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 19 - 23].

 

وتقتضي إرادة الله تعالى أنْ يكون النور والضياء للحركة والطلب، وتكون الظلمة للسكون والراحة. والحركة والسكون ثنائية متضادَّة، إذ الساكن غير متحرِّك، والمتحرِّك غير ساكن في الأحوال الطبيعية، وهذا هو الأصل. وإنْ وُجد خلاف ذلك فهو خلاف الأصل، وبما أنه موجود في أحوال، فهو خلاف الأصل. ومع هذا فقد يسكن المتحرِّك ويتحرَّك الساكن في أحوال غير طبيعية لا في الأصل. وتقتضي الحضارة الحديثة أنْ تكون هناك في حياة الناس خاصَّة حركة وطلب في الظلمة، وأنْ يكون في المقابل سكونٌ وراحةٌ في النور. وهذه - في غالبها - من ضرائب الحضارة المادِّية اليوم وتعقيداتها، التي اقتضت أنْ تتحوَّل الظلمة إلى ضياء، والضياء إلى ظلمة. ولذا فإنَّ هذا الوضع غير الطبيعي مفقودٌ غالبًا في حياة الحيوان والنبات.

 

ونعبِّر عن النور والضياء غالبًا بالنهار وفيه الحركة، كما نعبِّر عن الظلمة غالبًا بالليل وفيه السكون. فالنهار معاش، والليل سكنٌ ولباس. قَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [غافر: 61] وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 47]. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ [النبأ: 10 - 11]. ويرتبط الضياء بالشمس كما يرتبط النور بالقمر، قَالَ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 5].

 

ولهذه الثنائيات معانٍ أخرى ليست هي الغالبة على إطلاقها، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ﴾ [الصف: 8]. فالإيمان له نور وانشراح في الصدر وطمأنينة في العيش، والكفر له ظلمةٌ في النفس وقساوةٌ في القلب ونكدٌ في العيش. وللنور والظلمة معانٍ أخرى. وفي القرآن الكريم سورة كاملة باسم سورة النور، فيها بسطٌ للنور بمعانيه المتعدِّدة، بما فيه مفهوم الضياء. قَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 35].

 

وبين النهار والليل تداخل في بداية كلٍّ منهما حتى يطغى أحدهما على الآخر، إذ يدخل آخر النهار بأوَّل لليل، ويدخل آخر الليل بأوَّل النهار، ولكلٍّ من هاتين الصورتين في التداخُل تعبير باللغة العربية بين الغسق والشفق. قَالَ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 61] وقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 29]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴾ [فاطر: 13]، وقال تعالى: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الحديد: 6]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78].

 

ولقيمة النور والظلمة في حياة الإنسان والحيوان والنبات جعل الإغريق لكلٍّ إلهًا. فللشمس إله وللقمر إله وللنجوم إله، وللخير إله وللشر إله... وهكذا إلى ما لا نهاية، فكثُرت الآلهة التي تفشل دائمًا.[3] وجعلوا لكلِّ متناقضين في الظاهر إلهًا. أحد هذين الإلهين إيجابيٌّ والآخر سلبيٌّ. ومع هذا فقد أعطوا لكل منهما قدرًا من القداسة. ومنبع هذه الثنائية النظرة الإنسانية التي جعلت الحياةَ متكافئةً تقريبًا فهي حسنةٌ أو إيجابيَّةٌ، وهي ما يظهر عليها البُعد المضيء. وسيِّئةٌ أو سلبيَّةٌ، وهي ما يظهر عليها البُعد القاتم.

 

وهذا من تقدير البشر الذين لم ينظروا إلى منافع هذه السنَّة الكونية، ولم تتبيَّن لهم العلَّة في وجود هذه الظاهرة لمصلحة الإنسان والحيوان والطبيعة، فكان مبعث هذه التأليهات البحثُ عن قدرة خارقة تصرِّف هذا الكون، فلم يهتدوا إليها في إلهٍ واحد هو خالقُ هذا الكون ومليكه فكأنَّهم استكثروا أنْ يصرِّف هذا الكون كلّه إله واحد قادر قاهر. ولو كان هناك إلهان أو أكثر لفشلت الآلهة وتنازعت فيما بينها ولفسد الكون، قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴿ [الأنبياء: 22 - 23].

 

ثنائية البياض والسواد:

ومما يدخل في محيط النور والظلمة ثنائية البياض والسواد. وبغضِّ النظر عن البُعد العرقي الذي يفرِّق بين الأجناس من حيث ألوانُها، فهذه لها مجالها في الجانب العرقي في ثنائية الشرق والغرب والشمال والجنوب. أمَّا ثنائية البياض والسواد في هذه الوقفة فتُعنى بالنظر إلى الحكم على الأشياء التي تمرُّ بالمرء. فمن الناس من ينظر إلى أيِّ حدث نظرةً حادَّة، إما يراه أبيضَ أو يراه أسودَ، وليس لديه أنصاف حلول، ولا اعتبارات للظروف المحيطة بالحدث فأثَّرت هذه النظرةُ الحادَّةُ على مسيره.

 

ومن الناس من يجعل خانة تتَّسع أو تضيق بين الأبيض والأسود، أو البياض والسواد. وهي الخانة المسمَّاة الرمادية. وليس المقصود بهذه الخانة الغموض أو الإبهام في النظر إلى الحدث أو الضبابية حوله كما يُقال، بل المقصود أنَّ الشخصَ نفسَه - وفي الغالب كون هذا الشخص من أهل الحكمة - ينظر للحدث من أكثر من زاوية، فتزداد الخانة الرمادية الإيجابية في الحكم على الأشياء لديه. وقد ثبت أنَّ كثيرًا من علماء الشرع وعلماء التاريخ تتَّسع لديهم الخانات الرمادية الإيجابية، فتكون ردود فعلهم لأحداث عصيبة معاصرة أخفَّ بكثير من أولئك الذين ينظرون إليها بخانتي البياض والسواد.

 

وهنا يمكن القول إنه في مواجهة أيِّ حدث كلّما زادت الرقعة الرمادية الإيجابية زادت الحكمة عند من يواجهون الحدَث. ومن ثمَّ إذا اقتصر المرء على أنَّ كلَّ الأشياء لا تخرج عن كونها أبيضَ أو أسودَ فإنَّ في هذا دلالةً على ضيق أفق الشخص. إذ الحياة تميل إلى الخانة الرمادية أكثر من كونها على قدر من الحدَّة بين البياض والسواد. ولذلك قالت العرب: ما لا يُدرك جُلُّه لا يُترك كلُّه. وربَّما قالت الأعاجم: ما لا يُدركُ جلُّه يُترك كلُّه: All or nothing . في تفسيرها لمواقف الحدَّة في النظر إلى الأمور المحيطة.

 

ثنائية الذكر والأنثى:

وقد اقتضت إرادة الله تعالى أنْ تقوم الدنيا ويعمر الكون على الثنائية في سيْرِ الوجود وبناء الحياة. قَالَ تَعَالَى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود: 40]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد: 3]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأَنثَى ﴾ [النجم: 45]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴿ [القيامة: 36 - 39]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ [الليل: 1 - 3].

 

وهكذا تكون حكمة الله تعالى في تدبير هذا الكون وعمارته والاستخلاف فيه؛ ليقوم على ثنائية الذكر والأنثى من المخلوقات، فلو لم يكن زوجان من مخلوقات الله تعالى لما استقام الكون، ولو فُقدَ أحدهما على سبيل الفرض لتبعه الآخر، فلا بقاء بلا ذكور ولا بقاء بلا إناث. وقد وردت الآيات أعلاه التي تؤكِّد هذا المفهوم، منذ سفينة نوح - عليه السلام - إلى أنْ تقوم الساعة، بل يمتدُّ هذان العنصران من عناصر البقاء في الدار الآخرة، بصورة تختلف عمَّا كانت عليه في هذه الحياة الدنيا.

 

وتبقى الوحدانية الخالصة - لا الثنائية ولا الثلاثية ولا أبعدَ منهما - لله تعالى لا شريك له، فهو - سبحانه - المنزَّه عن الثنائية والإشراك به غيَره بأي صورة من صور الإشراك. قال تعالى: ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ﴾ [النساء: 116]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

 

ولا اعتبار لمن يقول بخلاف ذلك، مما يخالف نواميس هذا الكون، فيشرك مع الله تعالى بشرًا أو غيرَ بشر مما خلقه الله، أو مما صنعه الإنسان الذي هو من خلْق الله تعالى، أو يجعل هذا البشر بمنزلة تعلو على مقام الألوهية، كما تفعلُ بعض الطوائف الغالية مع بعض الأفراد الصالحين، فتؤلِّههم وترقى بهم إلى درجات تجعل الله تعالى في منزلة دون منزلتهم. وهذا من قمَّة الغلو.

 

ثنائياتٌ عاطفيةٌ: الفَرحُ والحُزنُ:

ولدينا من الثنائيات غير المتلاقية في الأصل والظاهر ثنائية الفرح والحزن، وثنائية الضحك والبكاء، وثنائية الرضا والغضب. فلا يحزن المرء ويفرح في آن واحد. ولا يضحك ويبكي في الآن نفسه. ولا يرضى ويغضب عن شيء محدَّد في الوقت نفسه، لكنه يفرح بعد الحُزن، وقد يحزن بعد الفرح، وقد يضحك بعد البكاء، وقد يبكي بعد الضحك، وقد يرضى بعد الغضب، وقد يغضب بعد الرضا، بعد أنْ تتبيَّن له حقيقة الموقف الذي من أجله جاشت عواطفه.

 

والغضب سمةٌ مذمومة، وهي نقطة نقص في سلوكيَّات الإنسان وفي تركيبته النفسية، إلا أنْ تكون فيما يُغضب الله تعالى. ولذا نجد التوجيه الشرعي في التخلُّص من الغضب حالاً إذا ما اعترى الإنسان حالٌ من الغضب، فيجلس إنْ كان واقفًا، ويضطجع إنْ كان جالسًا ويتوضَّأ إذا سيطر عليه الغضب. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «أوصني. قال: لا تغضب، فردَّد مرارًا قال: لا تغضب».[4] وعن أبي ذرّ الغفاري - رضي الله عنه - أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإنْ ذهب عنه الغضبُ وإلا فليضطجع».[5]


وهذا هو الأصل في هذه السمات النفسية العاطفية. وقد يتحوَّل الأمرُ إلى خلاف الأصل كأنْ يكون الحزن في الحال نفسها فرحًا ويكون الفرح حزنًا، ويكون البكاء ضحكًا ويكون الضحك بكاءً. ولهذا قد يبكي الفرحُ من شدَّة الفرَح. وقد يضحك الحَزِينُ من شدَّة الحُزْن، ولذلك قالت العرب: شرُّ البليَّة ما يُضحك. وموضع البلية الحزنُ المفضي للبكاء، لا الفرح المفضي للضحك. ولذلك فهو في هذه الحال ضحكٌ دون فرح، أو في حال مناقضة بكاءٌ دون حُزن. أمَّا الفرح دون ضحك والحزن دون بكاء فهو الشائع بين الناس، وهو ما ينبغي أنْ تكون عليه الحال.

 

ولا اعتبار هنا إلى حالاتٍ يتحوَّل فيها الفرح إلى حزن، ويتحوَّل الحزن إلى فرح، فتلك حالات لها مواقفها وظروفها الخارجة عن الإرادة. وهي تحصل أحيانًا في الحياة اليومية يكون الفرح فيها هو الدافع، ثم يحصل موقف مزعج فيتحوَّل الحال إلى حال مناقضة. والعكس صحيح.

 

ثنائية الخير والشرِّ:

ومثل هذا يُقال ي ثنائية الخير والشرِّ، وإلى حدٍّ أقلَّ وضوحًا في ثنائية الحقِّ والباطل. قَالَ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]. وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [لقمان: 30]. وعند جمهور علماء الإسلام أنَّ الحقَّ واحد والباطلَ متعدِّد. والخلاف في جانب الحق من حيث كونه واحدًا أو متعدِّدًا هو خلاف تنوُّع وتضادّ، مبني على الاختلاف في فهم النصوص، لا في الحقِّ ذاته.

 

والخير في عيون الناس قد لا يكون خيرًا محضًا، وكذا الشرُّ قد لا يكون شرًّا محضًا. وعليه فإنه ليس هناك عند البشر خيرٌ محضٌ ولا شرٌّ محض وإنْ بدتا لهم أنه كذلك. أي أنَّ الخير والشرَّ نسبيان، ولا بُدَّ من إدراك الحالين والتسليم بهما على حالهما. قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]. وقال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةَ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]. فكلاهما فتنة يبتلي الله بأيٍّ منهما عباده. قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ [المعارج: 19 - 21]. مع وجود استثناءات لهذا الموقف الإنساني من الخير والشر تسوقها الآيات التالية لهاتين الآيتين.

 

وفي اليوم الآخر يُستحضر عمل الخير كما يُستحضر عمل الشرِّ الذي عمله المرء في دنياه، ولو كان عملاً ضئيلاً فيُحاسب عليه الإنسان. إلا أنَّ الله تعالى بفضله ومنِّه وكرمه يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات، وليس العكس، فلا تضاعف السيئات وتصادر الحسنات. قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7 - 8].

 

ثنائيات نسبية: الحُسن والسوء:

ومما له علاقة بهذه الثنائية الخير والشر من حيث نسبةُ النظرة إليها ثنائية الحُسن والسوء في كون الفعل أو القول حسنًا أو سيِّئًا في ذاته أو اعتباره من المستهدف به، فالحُسن والسوء نسبيَّان في النظر إليهما من حيث الفاعل أو المتلقِّي. فقد يفعل المرء فعلاً يحسبه حسنًا وهو سيّئ، والعكس كذلك. ولا بدَّ من مقياس دقيق للحُسْن والسوء، ليس من رؤية ذاتيَّة ولكن من رؤية قِيْمية تفرِّق بين الحسَن والسيِّئ في ضوء ما لهما من تأثير فيما يقعان عليه أو يقعان منه. قَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 104] وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾[الكهف: 29 - 30] وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النمل: 10 - 11] وقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8].

 

والفعل السِّيئ يُدفع بالفعل الحسن لتنقلب العواطف والأحوال وردود الأفعال من السوء إلى الحسْن، وتتحوَّل العداوة إلى ضدِّها ولا يكون للشيطان بين الفريقين سبيل. وليس كلُّ الناس يحسنون هذا الموقف، ولكنه من الحظوظ العظيمة التي يهبها الله تعالى للصابرين المتأنِّين. قَالَ تَعَالَى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون: 96]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فُصّلت: 34 - 35]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 16]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النمل: 11]. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83]. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 22].

 

وفي الحُسن جمالٌ وفي السوء قُبحٌ. والجمال والقُبحُ ثنائية نسبية كذلك، فهما مسألةٌ ذوقيَّةٌ بحتة. ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع. والسلع هنا لا تقتصر على أوَّل ما يتبادر له الذهن من المبيع والمشتري، بل تشمل أشياء حسيَّةً وأخرى معنويَّة. والآثار في ذكر الجمال والقُبح كثيرة. وللشعراء باعٌ طويلٌ في وصف الحُسْن والجمال، وباعٌ أقصر في وصف السوء والقُبح، يطول المقام لو استُحضرت بعض هذه النصوص الشعرية أو الأقوال المأثورة في هذه الثنائية الذوقية من جهة، والقِيْمية من جهات أخرى.

 

ومن ثنائية الحسْن والسوء حُسن الخُلق وسوء الخُلُق، وهي ثنائية متمثَّلة في حياة الإنسان اليومية في بيته وفي عمله وفي السوق وفي خطابه للآخرين، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83]. وكلَّما كان المرء سمحًا كان حُسن الخلُق عنده عاليًا، والعكس صحيح. وأحسنُ الناس أخلاقًا رسولُ الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقِ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]. ولا أجد أجملَ تعبيرًا من قول أمِّ المؤمنين عائشة بنت الصدِّيق رضي الله عنهما في وصفها لخُلُق المصطفى صلى الله عليه وسلم لما سُئلت عن خُلُقه: «كان خُلُقه القرآن».[6] وعن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا». الحديث.[7] وعن صفية بنت حيي - رضي الله عنها - قالت: «ما رأيت أحسن خُلُقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم».[8]


ويصف الإمام أبو حامد الغزالي (450 - 505هـ/ 1058 - 1111م) في إحياء علوم الدين من يتَّصف بحُسْن على أنه من يجمع علامات السماحة بالعبارة الآتية: «أنْ يكون كثيرَ الحياء قليلَ الأذى كثيرَ الصلاح، صدوقَ اللسان قليلَ الكلام كثيرَ العمل، قليلَ الزلل قليلَ الفضول، بَرًّا وصولاً وقورًا صبورًا شكورًا رضيًّا حليمًا رفيقًا عفيفًا شفيقًا، لا لعَّانًا ولا سبَّابًا ولا نمَّامًا ولا مُغتابًا، ولا عَجولاً ولا حَقودًا ولا بخيلاً ولا حسودًا، بشَّاشًا هشَّاشًا، يحبُّ في الله ويبغض في الله ويرضى في الله ويغضب في الله، فهذا هو حُسن الخُلُق».[9]


وقد ذكرت في مقامٍ سابقٍ أنه قلَّما تجتمع هذه العلاماتُ كلُّها في البشر إلا في صفوة الخلق. واجتمعت في رسول الله محمَّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان على خُلُقٍ عظيم، وكان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم.[10] وسيأتي ذكر لهذا الحديث الشريف في ثنائية أخرى. وومن حُسن الخلُق التغافُل. ويُنقل عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: «تسعة أعشار حسن الخلق في التغافُل». فقد قيل له - رحمه الله - : «هل صحيح أنَّ التغافُل هو ثلث العقل؟ قال: بل تسعة أعشاره، تسعة أعشار حسن الخلق في التغافُل».

 

ثنائية السعادة والشقاء:

أما الحديث عن السعادة والشقاء بوصفهما ثنائية غير متلازمة في الظاهر فإنه يطول دون الخروج بالضرورة إلى نتيجة مشتركة، إذ إنَّ المرء قد يكون سعيدًا من وجه شقيًّا من وجه آخر، وربَّما في الوقت نفسه يكون سعيدًا وشقيًّا. وقد يرى آخرُ في نفسه أنه في شقاء بينما هو في سعادة. ويرى آخرون في غيرهم أنهم في سعادة وهم في شقاء. فكلٌّ يرى السعادة والشقاء من منظار ثقافي أو من حكم ظاهري، فهل السعادة في طاعة الله؟ وفي طاعة الله سعادة، أم في الثروة والمال أم في راحة البال أم في الحبِّ أم في الزوج الصالح من الجنسين أم في السكن الفسيح النظيف أم في المركب المريح... إلخ؟!.

 

ومفهوم السعادة والشقاء في الآخرة واضح، وهو آتٍ جزاء عمل الإنسان في دنياه، فيكون الناس في تلك الحياة الآخرة بين سعيد وشقي. ومن عدل الله تعالى ألا يشقى من عمل من أجل أنْ يسعد ووفَّقه الله تعالى إلى الإخلاص والصواب. ومن رحمة الله وفضله أنه قد يسعد من لم يوفَّق إلى تلمُّس أسباب السعادة في دنياه، فكان في ظاهر عماله إلى الشقاء أقرب. وفضل الله عظيم. والحكم في هذا لله تعالى لا يشاركه فيه أحدٌ من خلقه. قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود: 105 - 108].

 

وتكاد لفظة السعادة تطغى على معظم الفلسفات السابقة واللاحقة، ولها من التعريفات والضوابط ما لا يقبل الحصر، وفيها من الأقوال ما يملأ المجلَّدات. بل إنها أضحت مجالاً واسعًا للاجتهاد على مستويات متفاوتة ثقافيًّا، وكلٌّ يرغب بها، وليس كلٌّ يأخذ بأسبابها بالضرورة.

 

وتطالعنا وسائل التواصُل الاجتماعي الحديثة بأعداد هائلة من المنظِّرين الذين استهوتهم - ربَّما - الرغبة في التميُّز بالحكمة، فيلتقطون أقوالاً من هنا وهناك حول السعادة فيُعجبون بها صياغةً، ويقدِّمونها للمتواصلين معهم على أنها في هذه الصياغة الجميلة ذات الوقع الفلسفي هي ذلك الكنز المفقود في مفهوم السعادة.

 

ويأتي مفهوم الشقاء في درجةٍ أقلَّ، على اعتبار أنه من المتجاهَلات في فلسفة الحياة، رغم أنه حاضر بين الناس وبقوَّة مع الزمن ومع اختلاط المقاييس وطغيان النظرة إلى المادَّة ورسملة المجتمعات. ومن الممكن أنْ تكون السعادة حاضرةً مع قوَّة الإيمان، ومن ثمَّ فإنَّ الشقاء يكون حاضرًا مع ضعف الإيمان والتعلُّق بالدنيا على حساب الآخرة. وهنا يقف الحديث عن هذه الثنائية عند هذا الحدِّ. وفي السعادة يقول الحطيئة (توفِّي سنة 45هـ):

ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ
ولكنَّ التقيَّ هوَ السعيدُ

ثنائيات الجنَّة والنار:

ومن منطلق ثنائية السعادة والشقاء في الآخرة أنْ جعل الله تعالى مصير الإنسان بين ثنائية الجنَّة أو النار ولا ثالثَ لهما، فليس بين الجنَّة والنار منزلة أخرى بين المنزلتين، ولا تلتقي الجنَّة والنارُ في ذاتهما، فلو طغت الجنَّة على النار لأخمدتها، ولو طغت النارُ على الجنة لأحرقتها. وكلُّ ذلك بأمر الله تعالى. ومن دخل الجنة فقد فاز والخاسر مَن مصيره إلى النار، ولا يظلمُ ربُّك أحدًا. كما في الآية الكريمة 49 من سورة الكهف الآتي ذكرها لاحقًا.

 

كما في الآخرة ثنائية الثوابُ والعقاب قبل الدخول إلى الجنَّة أو النار، وهو الحساب، وذلك قبل أنْ تطوى الصحف وتجفَّ الأقلام ويتوجَّه أهل الجنَّة إلى الجنة من خلال أبوابها الثمانية. ويُدفع أهل النار إلى النار من خلال أبوابها السبعة. وفي الدنيا ثوابٌ وعقابٌ، إلا أنَّ التركيز في هذه الثنائية على ثواب الآخرة وعقابها.

 

وقد يلتقي الثواب والعقاب في الشخص الواحد، فيُثاب المرء وقد يُعاقب، وقد يُثاب ولا يُعاقب، وقد يُعاقب ولا يُثاب نظريًّا، وهذا الأخير في النادر إلا أنْ تشمله رحمة الله تعالى، فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ومن حقَّق التوحيد دخ الجنَّة بغير حساب ولا عذاب.[11] قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 171]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [التوبة: 120]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[يوسف: 90].

 

ومفهوم الثواب والعقاب ينحدر من الديانات التوحيدية القائمة على الوحي الإلهي، ولذلك فهي تعترف بالمسؤولية الإنسانية.[12] وتظلُّ مغفرة الله تعالى ورحمته وفضله تحكم هذه الثنائية فيمن يُثاب ومن يُعاقب، فيما عدا الإشراك بالله تعالى، فإنَّ الله تعالى لا يغفر أنْ يُشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

 

ولا يُوجد في هذه الحال من لا يُثاب أو لا يُعاقب، فذاك اليوم هو يوم الحساب. وربَّما يجرؤ المرء فيقول إنَّ مجرَّد عدم التعرُّض لأهوال ذلك الموقف هو نوع من الثواب. ولذلك فاحتمال التلاقي بين الحالين في الآخرة وارد. والتقاؤهما في حال الأشخاص، لا في ذاتهما وارد، فلا الثوابُ في الآخرة عقابٌ ولا العقابُ ثوابٌ. وتُترك التفصيلاتُ في حال اليوم الآخر وأهواله لأهل العلم والاختصاص من علماء الشريعة المعتبرين.[13]


وكل ذلك بالعدل والقسط، ولا ظلم، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]. قَالَ تَعَالَى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17]. وقد حرَّم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرَّمًا - كما في الحديث القدسي - فعن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه عزَّ وجلَّ أنه قال: يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّما فلا تظالموا...».[14]


ثنائية اليمين والشمال:

ومن الثنائيات التي تعود إلى الأحكام الإسلامية في باب الآداب التفريق بين اليمين والشمال في الدنيا والآخرة. ففي الآخرة هناك قومٌ يأخذون كتبهم بأيمانهم، وهؤلاء في النعيم ويفرحون ويتباهون. وآخرون يأخذون كتبهم بشمائلهم وهؤلاء في الجحيم ويندمون. وكلا الحالين نتيجة ما قام به هؤلاء وهؤلاء في حياتهم الدنيا. قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [الإسراء: 71]. وقَالَ تَعَالَى: ﴾فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19 - 29]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا ﴾ [الانشقاق: 7 - 12]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ * وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾ [الواقعة: 27 - 44]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ ﴾ [الواقعة: 8 - 9]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ ﴾ [البلد: 17 - 20]. والمشأمة جهة الشمال ،وأصحاب المشأمة هم الذين يأخذون كتبهم بشمائلهم.

 

أما في هذه الدنيا فهناك آدابٌ لها علاقة باستخدام اليمين والشمال. ففي الدخول للمساجد تقدَّم الرجل اليمني، وفي الخروج منها تقدَّم الرجل الشمال. وفي الدخول للخلاء العكس. والمصافحة تكون دائمًا باليد اليمنى إلا لعذر.[15] وفي الأكل والشرب والمناولة والأخذ تكون باليد اليمنى.

 

عنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ غُلامًا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ. فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ».[16] وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعجبه التيمن في تنعُّله، وترجّله، وطُهوره، وفي شأنه كلِّه». وهو لفظ البخاري. ولفظ مسلم: إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحبُّ التيمُّن في طُهوره إذا تطهَّر، وفي ترجُّله إذا ترجّل، وفي انتعاله إذا انتعل. وفي لفظ آخر لمسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ التيمُّن في شأنه كله: في نعليه، وترجُّله، وطُهوره».[17] وعَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ يَأْكُلُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ». قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «لا اسْتَطَعْتَ». قَالَ: فَمَا وَصَلَتْ يَمِينُهُ إِلَى فِيهِ بَعْدُ».[18]


وهذه الآداب لها شأنٌ في الإسلام، ومن ورائها حِكَمٌ وعللٌ قد لا تظهر لبعض الناس، ويُربَّى عليها الأولاد من الصغر، وإنْ سعى بعض المتذمِّرين من العقلانيين وغير المتديِّنين إلى التقليل من شأنها، على اعتبار أنها من السنن التي يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، ولا فرق بين تقديم عضو على آخر في أيِّ حال، بل ربَّما سخر بعض المتذمِّرين من أولئك الذين يركِّزون عليها، في ضوء الطوامِّ الكبرى التي تمرُّ بها الأمَّة. وربَّما ينطبق على هذه الفئة المقلِّلة من هذا الشأن القول بأنَّ من جهل شيئًا عاداه.

 

وقد لا تظهر لبعض الناس الحكمة أو العلَّة من وراء هذه الآداب، وأنها مجرَّد أحكامٍ لا ينبغي جعلها موضوعات الساعة. وليس بالضرورة أنْ تظهر الحكمة لكلِّ الناس، بل يدركها الراسخون في العلم ممَّن يؤتون الحكمة. ولا بُدَّ أنَّ وراءها عللاً من منطلق أنّ هذه السلوكيات ليست مجرَّد أوامر لتحقيق العبودية لله تعالى، مع أنها كذلك من حيث الإيمان المطلق بها، ثمَّ بعد ذلك يأتي البحث في العلل الجسمانية الفيزيائية «فيزياء العبادات» وراء التقديم والتأخير دون تمحُّلٍ أو تكلُّف أو لَيٍّ للنصوص أو تصيِّد عاجل للحكمة أو العلَّة وراء أيِّ سلوك شرعي على ما يفعله بعض المنبهرين في البحث عن العلَّة لكلِّ سلوك باسم الإعجاز العلمي أو أيِّ اسمٍ آخر. ويكفي العلمُ واليقين بأنَّ الأحكام الشرعية عمومًا لا تأتي اعتباطًا.



[1] انظر: سمر الديوب. مصطلح الثنائيات الضدِّيَّة. - عالم الفكر. - مرجع سابق. - ص 99 - 126.

[2] انظر: سمر الديوب. مصطلح الثنائيات الضدِّيَّة. - عالم الفكر. - المرجع السابق. - ص 99 - 126.

[3] انظر: إدوارد سعيد. الآلهة التي تفشل دائمًا/ ترجمة حسام الدين خضور. - بيروت: التكوين، 2003م. – 139 ص.

[4] رواه البخاري.

[5] انظر: مسند أحمد 5/ 152 وصحيح الجامع رقم 694 وفيض القدير، المناوي 408 وأبو داود 4782 وصححه ابن حبان 5688.

[6] رواه مسلم في صحيحه.

[7] رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.

[8] رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.

[9] انظر: أبو حامد الغزالي. إحياء علوم الدين. - 3 مج. - بيروت: دار المعرفة، 1402هـ/ 1982م. - 3: 70.

[10] رواه مسلم في صحيحه.

[11] من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُرضت عليَّ الأمم، فرأيت النبيَّ ومعه الرهط، والنبيَّ ومعه الرجل والرجلان، والنبيَّ وليس معه أحد، إذ رُفع ليس سوادٌ عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثم نهض فدخل منزله. فخاض الناس في أولئك. فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: فلعلَّهم الذين وُلدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئًا. وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيَّرون وعلى ربهم يتوكَّلون. فقام عكّاشة بن مُحصن فقال: ادعُ الله أنْ يجعلني منهم، فقال: أنت منهم. ثم قام رجل آخر فقال: ادعُ الله أنْ يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة». رواه البخاري ومسلم.

[12] انظر: محمد خليفة حسن. تاريخ الأديان: دراسة وصفية مقارنة. - القاهرة: دار الثقافة العربية، 2002م. – 342 ص. - (الباب الثالث: مجموعة الديانات التوحيدية).

[13] انظر: فرج الله عبد الباري، أبو عطا الله. اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام. - ط 2. - المنصورة: دار الوفاء، 1421هـ/ 1992م. - ص 226 - 287.

[14] رواه مسلم.

[15] انظر: طارق راشد. إلى متى ستعيش؟: قوَّة مصافحتك تنبئ بطول عمرك. - المجلَّة العربية. - ع 465 (شوَّال 1436هـ/ أغسطس 2015م). - ص 98 - 100.

[16] قال في الموقع: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَالٍ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَطْعِمَةِ، وَأَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ.

[17] حديث مرفوع.

[18] حديث مرفوع صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • البحوث
  • المقالات
  • الكتب
  • المرئيات
  • في مرآة الصحافة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة