الجمع بين وقفي هلال والخصّاف لعبدالله بن الحسين الناصحي

الجمع بين وقفي هلال والخصّاف

لعبدالله بن الحسين الناصحي

صدر حديثًا كتاب "الجمع بين وقفي هلال والخصّاف"، تأليف: قاضي القضاة "أبي محمد عبدالله بن الحسين الناصحي الحنفي" (ت 447 هـ)، تحقيق وتعليق: "تركي محمد حامد النصر"، نشر: "الأمانة العامة للأوقاف" بالكويت.

وهذا الكتاب هو باكورة مشروع تحقيق المخطوطات الوقفية، وهو مشروع علمي رائد، تبنته الأمانة العامة للأوقاف بالكويت، يعمل على جمع وحفظ تراث علماء الأمة وجهودهم في مجال الوقف الإسلامي وأحكامه وعلومه ودوره الحضاري، ودراسة وتحقيق المخطوطات والكتب التراثية القديمة، والتي بحثت في الوقف وعلومه وذلك حفظًا للتراث العلمي المتعلق بالوقف الإسلامي، وإكمالًا لمسيرة الأمانة العامة للأوقاف في خدمة الوقف وعلومه.

وهذا الكتاب جمع لكتابين هامين في نظام الوقف الإسلامي وأهميته؛ هما:

1- كتاب (أحكام الوقف) للعلامة هلال بن يحيى بن مسلم البصريِّ، الفقيه الحنفيِّ، المتوفَّى سنة (245 هـ) رحمه الله.

2- وكتاب (أحكام الأوقاف) للعلامة أحمد بن عمرو الخصَّاف، الفقيه الحنفيِّ، المتوفَّى سنة (261 هـ) رحمه الله.

ولأهميَّة هذين الكتابين قام العلامة عبد الله بن الحسين النَّاصحي النَّيسابوريُّ الحنفيُّ، المتوفَّى سنة (447 هـ) رحمه الله، بالعناية بهذين الكتابين الجليلين، فجمعَ بينهما، واختصرهما وأودعهما كتابه هذا الذي قال في مقدمته: "لقد همَمتُ باختصار كتاب "الوقف" لهلال بن يحيى، فتردَّدتُ فيه زمانًا؛ لحُسن تصنيفه، وقلَّما وجدتُ فيه كلمةً ساقطةً أو خاليةً عن معنى فائدةٍ، ثمَّ استعنتُ بالله تعالى على اختصار كتابي أَبَوَي بكرٍ هلالِ بن يحيى وأحمدَ بن عمرٍو الخصَّاف البصريَّين رحمهما الله تعالى، وأضفتُ إليهما ما وجدتُّه في كُتُبِنا، والله تعالى وليُّ تيسيرِه، والإعانة عليه، والنفع به، وإياه أسألُ أن يجعلَه لوجهه خالصًا وهو الموفِّق بمنِّه وفضله".

وعرف هذا الكتاب أيضًا باسم: "أوقاف الناصحي"، يعرض الكتاب لموضوع من أهم موضوعات الفقه الإسلامي والتراث الإنساني، وهو من أكبر الأبواب التي لجأت الأمَّةُ إليها؛ لتُحقِّق من خلالها فروضَ الكفاية الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة بمختلف صورها وأشكالها، ألا وهو موضوع الوقف وأحكامه.

ومن أبرز المسائل التي ناقشها الكتاب:

1- ألفاظُ الوقفِ والصَّدَقة، وما يجوزُ وقفُه وما لا يجوز.

2- شرائطُ الوقفِ، والوقف على النفس.

3- ما يدخلُ مع الأصلِ في الوقفِ وما لا يدخلُ.

4- وَقْفُ أهلِ الذمَّة وأهلِ الحرب والمرتدِّين.

5- الوقف على الفقراء، والموالي، والجيران.

6- الولَايةُ في الوقف.

7- إجارةُ الوقفِ وأحكامها وما يتعلق بها.

8- الوقفُ على الأولادِ والذُّريَّة، وذوي القربى.

9- الوقف على الوجوه.

10- غصب الوقف.

11- الشهادة على الوقف.

12- اشتراط الواقف.

ولم يَسر الإمام النَّاصحي على ترتيب واحدٍ من الكتابين السابق ذكرهما في تلخيصه؛ فخرج كتابُه مستقلًا برأسه عن ترتيب كتاب الإمام هلال، وكتاب الإمام الخصَّاف؛ فاشتمل كتابُه على ثلاثين بابًا، وسبعة فصولٍ، ومسائل من بابَ اختارهما من كتاب الإمام الخصَّاف، ومسائل أخرى مروية عن الحسن بن زياد ممَّا رواه أبو بكر الخصَّاف.

وقد ختمَ الإمامُ النَّاصحيُّ كتابَه بذكر مسائل مُتفرقة مرويَّة عن أبي يوسف، وأبي القاسم، وأبي بكر، ونصير بن يحيى، وأبي جعفر رحمهم الله تعالى جميعًا.

ولم يتعرَّض الإمام النَّاصحيُّ رحمه الله تعالى إلى الخلاف العالي بين المذاهب، بل اقتصر على حكاية ذلك ضمن المذهب الحنفيِّ فقط، وفي بعض المسائل أيضًا لا كلها.

وقد نقل من هذا الكتاب لأهميته وقيمته العلمية كثير من الكتب المعتمدة في المذهب ككتاب: لسان الحكام في معرفة الأحكام، لابن الشِّحْنَة، والبحر الرَّائق شرح كنز الدَّقائق، لابن نُجيم المصري، ورد المحتار على الدُّرِّ المختار، لابن عابدين.

وقد تميز هذا الكتاب بجمعه أبواب الوقف وما يتعلَّق به من أحكام - من متنين عظيمين - بأسلوب مختصر لا حشو فيه ولا إخلال.

كما تميَّز بالدِّقَّة في ترتيب الكتاب، حيث بدأ ببيان ألفاظ الوقف وما يكون به الوقف، وما لا يكون، متَّبعًا في ذلك "هلال بن يحيى" في كتابه (أحكام الوقف)، ثمَّ بين ما يجوز وقفُه وما لا يجوز، ثمَّ شرائطَ الوقف... إلخ.

ونجد أنه يحَصر الكلامَ على المسألة الواحدة وجزئياتها في مكان واحد، ولا يكرر الكلام عليها إلا إذا اقتضى المقام ذلك.

وللكتاب عدة نسخ خطية (10 نسخ خطية) قابل المؤلف بينها، وأثبت بها متن الكتاب المحقق، وقدم بدراسة ماتعة عن الإمام الناصحي، وعصره، وقيمة الكتاب العلمية.

ومن تلك النسخ نسخة مكتبة داماد إبراهيم برقم 507، ونسخة مكتبة فاتح برقم 1469، ونسخة مكتبة حفيد أفندي برقم 146.

وصاحب الكتاب هو قاضي القضاة "أبي محمد عبدالله بن الحسين الناصحي" (ت 447 هـ)، ترجم له "الزركلي" في "الأعلام" فقال: "عبد الله بن الحسين، أبو محمد النيسابورىّ، المعروف بالناصحي: قاضي القضاة بخراسان.

وشيخ الحنفية في عصره. ولي القضاء للسلطان محمود بن سبكتِكين ببخارى. ومرَّ ببغداد حاجًا سنة 412 هـ وحدث بها.

قال ابن قاضي شهبة: وطال عمره.

بعد حياة مليئة بالتَّدريس، والتَّصنيف، والإنجازات العلميَّة، والرَّحلات التوعويَّة الطويلة، والمشاركات الفعَّالة في شؤون قضاء الدَّولة الغزنويَّة؛ توفي الإمام عبد الله النَّاصحيُّ سنة: (447 هـ)، وقد عاصرَ الإمامُ النَّاصحيُّ خلال فترة حياتِه الممتدَّة قرابة قرن من الزَّمان - من منتصف القرن الرَّابع الهجري تقريبًا إلى آخر حياته - أربعةً من خلفاء الدَّولة العباسيَّة.

له من المصنفات:

1- تهذيب أدب القاضي للخصَّاف، وهو من أقدم المؤلفات في مجال القضاء.

2- دُرَّة الغوَّاص في علوم الخواص.

3- المسعودي في فروع الحنفيَّة، وهو كتاب ألَّفه النَّاصحيُّ لأحد أولاد الملك محمود بن سبكتكين، ملك الدَّولة الغزنويَّة، المسمَّى (مسعود)، وهو أكبر أبناء الملك.

وهو كتاب مشهور، قال عنه ابن الشحنة: (كتاب وجيز مختصر اللفظ، كثير المسائل، أورد فيه مسائل كثيرة من عامَّة كتب الأصل).

4- الجمع بين وقفي هلال والخصاف، أو ما يُعرف بـ: (أوقاف النَّاصحي).