• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / عالم الكتب


علامة باركود

أديب.. ومكتبة!

خاص شبكة الألوكة


تاريخ الإضافة: 1/12/2007 ميلادي - 22/11/1428 هجري

الزيارات: 10766

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
بأسلوب جَمَعَ بين الحزن والطرافة.. يحدّثنا الأديب الناقد "إبراهيم الكيلاني" عن "معاناته" مع مكتبته، متمماً بذلك مسيرةَ من سبقه من العلماء والأدباء في وصف مكتباتهم ومعاناتهم الحلوة – المرة معها فيقول:


مكتبتي
لعل أشدَّ المحن، التي يُبتلى بها المرء في هذه الأيام المثقلةِ بالأعباء والتكاليف، حبُّ الكُتب. وهي محنة تزيد وطأتها بتقادم الأيام، واستحكام غريزة التملك، وكثرة المطبوع، وضيق المساكن الحديثة، التي تكاد أن تشبه في ضيقها، والتصاق أجزائها علبَ المقوى (الكرتون)؛ حتى بات اقتناءُ الكتب، ورصفها، والحفاظ عليها، وبقاؤها في وضعٍ يمكن الإفادة منها عند الحاجة، علةَ العلل، ومن المنغصات الصغيرة للعيش.

إن مهنتي وهوايتي تقتضيان البقاء على صلة بالنتاج العلمي، وحركة التأليف والتصنيف، وتفرض تلك الصلة عليَّ شراء الكتب، والمجلات والصحف باستمرار، وليس كل الكتب والمجلات؛ بل المصطَفَى منها، وذو القيمة الوثائقية، وما أتوسَّم فيه نفعًا عاجلاً أو آجلاً في دراساتي وبحوثي؛ حتى تَكَوَّنت عندي على مر الزمن مكتبةٌ، جُمِعَتْ بعرق الجبين والحرمان.

كان عليَّ - في البداية - أن أقتطع غرفةً من الدار، أَطْلَقنا عليها اسم المكتبة، فوُضعتِ الكتب - كالعادة - في الخزائن، ثم على الرفوف، والطاولات، ثم غرفة الطعام، فكدست على المقاعد، وحشرتْ في خزائن الثياب، ودُسَّتْ بين الأثاث؛ حتى لم يبقَ فراغ إلا ملأته. كل هذا يجري في شكل وباء بطيء، لا سبيل إلى مكافحته؛ إلا بالانسحاب أمامه، وتمكينه من الاحتلال، وكنت كلما ازدادتِ الحالة حرجًا ازددتُ اقتناء للمطبوع؛ تحدِّيًا وإصرارًا، حتى أشبهتُ المدْمِنين، الذين يداوون العلة بالعلة، أو كما قال الشاعر:
وَدَاوِنِي بِالَّتِي كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ

ولا ريب في أنَّ عاقبة هذه الحالة لا تؤدي إلى شعور الأسرة بالحرج وضيق المدى الحيوي فحسب؛ بل إنَّ زوجتي - وقد أيأسها هذا البلاء، والوقوف دون امتداده، التي ترفع يديها إلى العلاء كلما رأتني متأبطًا رزمة، صائحة: "أشبعك الله كُتُبًا، أنَّى لنا بالمكان الذي يسعُ كل هذا؟!" - قد دبَّ في قلبها القنوط من إيجاد حدود واضحة، وخطوط فاصلة بين المكتبة وبقية أقسام الدار، حتى كادت هذه أن تتحول إلى مستودع أو دكان ورَّاق، ويئستُ أنا أيضًا من الإفادة من هذه الكتب على وجه يُسوِّغ وجودها، وعناء اقتنائها، فما أكثر ما يَعِزُّ الوصول إلى ما أبتغي بين هذه الكتب المكدسة، وما أكثر ما أدس بين الرفوف؛ سعيًا وراء ضالتي، وقد أعود من هذه الرحلة أشعثَ، أغبر، مخدش اليدين، مغيظًا، محنقًا؛ لعجزي وإخفاقي، وما أكثر ما كنت أشفق من الجهد الذي يلزَمُنِي لِلْعُثور على كتاب، فأتغاضَى عن ذلك، والحسرة تملأ نفسي، وقد ألجأ إلى المكتبات العامَّة، أو الإعارة من الأصدقاء.

وقد بدأتْ طلائع الأزمة في الغرب، حيث تصور الكتب على أفلام صغيرة، تُقرأ عند الحاجة إليها بواسطة آلات يدعونها "القارئات". ولا أدري اسم ذلك العبقري، الذي نصح قارئ عصره بأن يقرأ الكتاب وبيده مقص، كلما مرَّ بصفحة استجادها، أو عبارة نالت إعجابه، أو فصلٍ توسم فيه فائدة أو متعة، قصَّه ورمى ببقية الكتاب في سلة المهمَلات. ولو عملنا بهذه النصيحة لَمَا وقعنا بهذا الضيق، ولأضْحَتْ مكتباتُنا قصاصاتِ ورقٍ، تضمها مصنفات وأضابير، تشغل حيزًا صغيرًا في الأبعاد الثلاثة! ولولا احترامي للكِتَاب، وتقديسي للحرف، وإكباري كلَّ مَن كَتَبَ سطرًا؛ لعملتُ بهذا الرأي فأرحت واسترحت. وهذا لا يعني بأني لم أضق ذرعًا بتلك الكتب، فقد عزمت أكثر من مرة على الخلاص منها كلها، أو قسم منها على أقل، ثم لا ألبث أن يتملَّكني الذعر، فأقول في نفسي: كيف أضيع هذه الثروة التي هي جزء من كياني؟!

ثم يدور في خلدي بأن أصطفي الجيد منها، وأتخلص من البواقي، فتأخذني عندئذ الوساوس، أي الكتب أبيع؟ وما يدريني أنني سأحتاج يومًا إلى هذا أو ذاك؟! ثم يبدو لي حل وسط، أخفّف فيه من سأمي، فأُجري بعض "التنظيم" في المكتبة، فأقدِّم الثمين والمهم واللازم، وما لا يستغْنَى عنه إلى الصفوف الأولى، وأكدس الكتب من النوع الثاني والثالث والرابع، مما لم يُتح لي الإفادة منه حتى الآن إلى الوراء، أو أصفّها في الصناديق لتُرفع إلى السقيفة، حيث ترقد في منفاها المظلم الرطب، ولكن حتى هذه العمليَّة الاصطفائية التصنيفية صعبة التنفيذ، على ما فيها من إجهاد للأعصاب، وكدّ للبدن؛ فقد تحملني الحاجة إلى إبراز ما حقّه التأخير، وتأخير ما حقّه البروز.

ومكتبتي مؤلفة من قسمين يجعلانها صعبةَ التصنيف، قسم عربي وآخر أجنبي، وكان كل قسم إلى حين منفصِلاً عن الآخر؛ عملاً بالقول المأثور: "الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا"، إلا أن ضيق المكان، وانعدام الوسائل جعلهما يلتقيان في ميدان الفكر، وصعيد العلم، فصرتَ ترى شكسبير إلى جانب الجاحظ، وابن الرومي جالسًا القرفصاء على أكتاف فولتير، فكيف تريد مني بعد هذا أن أستغني عن تلك النفائس الكريمة، وأن أُحرم من مطالعة تلك الوجوه الحبيبة المؤنسة، وأن أبعد عن معاشرة هذه العبقريات الخيِّرة، التي لولاها لأصبحت حياتنا فراغًا مؤنسًا؟!

وبعْدُ، فلي في نوابغ أدبنا العربي؛ كالجاحظ والتوحيدي والمتنبي وغيرهم، أسوةٌ حسنة، فقد كانوا يَكْتَرُون دكاكين الوراقين؛ يبيتون فيها للقراءة، وإشباع نهمهم للمعرفة، يوم كان الكِتَاب أندر من كل شيء نادر. أفلا تدري - أيها القارئ - أن الجاحظ مات من جراء انهيار رفِّ الكُتُب عليه؛ فَقَضَى في سبيل الكتاب الذي أحبه، وأفنى العمر في صقله، والدعوة إلى الاستمتاع به؟! فيالها من مأساة محزنة، وخاتمة شريفة!




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- هل نعاني من الكتب أم العكس؟!
مؤيد بن صالح البوحنيه - السعودية 13/12/2007 02:53 PM
لله درك أيها الأديب الرائع ، في الوقت الذي تعاني فيه من عدم وجود مكان لوضع كتبك وترتيبها ، مع احترامك لها وحرصك عليها... نجد في المقابل أن الكتب أصبحت هي التي تعاني من عدم مبالاتنا بها ، فهذا يسمع أن هناك كتباً تباع في المكاتب ولكنه لم يكلف نفسه عناء شرائها وقراءتها، وهذا يشتري الكتب ويرميها على الطاولة و لايقرؤها ولا ينظر ما محتواها أصلاً ...ولا حول ولا قوة إلا بالله.

شكراً على هذا الموضوع الجميل ...


وتقبلوا تحياتي...
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة