• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / عالم الكتب


علامة باركود

إلى حبيبتي بعد الغياب

عبدالله بن عبده نعمان العواضي


تاريخ الإضافة: 24/3/2018 ميلادي - 8/7/1439 هجري

الزيارات: 7834

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إلى حبيبتي بعد الغياب


إليكِ أعود على مركب الخجل، بعد فراق لم يكن بدٌّ منه، حُمِلتُ إليه وأنا لا أحب مفارقتك لحظة؛ فأنتِ الأنيس الذي لا يُمل، والجليس الذي لا يُسأم البقاء معه، والحضن الناعم الذي يطيب فيه السكون، والمرآة الصافية التي أرى بها علمي وعملي، والظل الظليل الذي أستريح فيه من عناء الحياة، والنافذة التي أطل منها على الأزمنة والأمكنة والأمم، فأجد عبرها متعة الروح، وغذاء اللب، ونسيان غموم الواقع الممضِّ.

 

إن تكلم الناس عن قِبلة سعاداتهم، ووجهات راحاتهم، فأنتِ لي مدينة السعادة التي أفر إليها من ضجيج الدنيا، وكدرِ الاختلاط الكثير بأهلها، وأنتِ مرفئ الراحة والطمأنينة التي أسكن إليها من اضطراب أمواج العناء بسفينة العمر.

عذراً على ذاك الغيابِ حبيبتي
ما كان هجراً قد قصدتُ ولا جفا
فضياءُ حبِّك في الفؤاد على السَّنا
لن يمَّحي بغيابنا أو يكسفا


لا تظني أنني نسيت سعادتي بين أحضانك، وهيامي بين أجفانك، ونعيمي في عناقك ومخاصرتك، وسروري وأنا أسبح في محيط وصالك، وشبعي وأنا أنقلب من بين نواحيك، ولذتي في النظر إلى قسمات حسنك، وحياة قلبي وأنا أستقيها من نمير جمالك، واتساع بالي وأنا أتنقل بين رياضك الفيحاء، وجِنانك الغناء، فأشتم عبيرك الساحر، ونسيمك الآسر.

 

لقد جربتُ ضرائرك العصرية، وهي الآنقَ منظرا، والأزهى مظهرا، والأخف محملا، والأسهل تناولا، غير أنني لم أجدها كحبيبتي العتيقة.

نقِّلْ فؤدكَ حيثُ شئتَ من الهوى
ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ
كمْ منزل في الأرضِ يألفه الفتى
وحنينُه أبداً لأولِ منزلِ [1]


لم أجد في تلك الضرات كفاية وغنى، بل وجدتها بُلغةً تسعف المحتاج، وتعين الراكب المسرع، وتنجد الباحث المستعجل.

 

أما من يريد البناء العلمي الرصين، والتكوين الفكري المتين، والعلاقة الذهنية الوطيدة فلن يجد لتحقيق هذه الغايات إلا القراءة في الكتاب؛ فإنها الحبيبة التي تزداد غرامًا بطول الوصال، وملالاً وسآمة بكثرة الغياب والانفصال.

 

فالقارئ النهم لا يزيده طول الملازمة للقراءة في الكتاب المحبوب إلا حبًا، وكذب -في القراءة- من قال:

زرْ قليلاً لمن يودك غِبَّاً
فدوامُ الوصال داعي الملال [2]

 

بل إن من عشق القراءة، وامتدت صلته بها فإنه لا يستطيع فراقها حتى عند كربته ومرضه، وانشغاله بعلَّة بدنه؛ يقول ابن القيم رحمه الله: " وسمعت شيخنا أبا العباس ابن تيمية رحمه الله يقول- وقد عرض له بعض الألم فقال له الطبيب: أضرُّ ما عليك الكلام في العلم والفكر فيه، والتوجه والذكر- فقال: ألستم تزعمون أن النفس إذا قويت وفرحت أوجب فرحها لها قوة تعين بها الطبيعة على دفع العارض فإنه عدوها، فإذا قويت عليه قهرته؟ فقال له الطبيب: بلى، فقال: إذا اشتغلت نفسي بالتوجه والذكر والكلام في العلم، وظفرت بما يشكل عليها منه فرحت به وقويت، فأوجب ذلك دفع العارض"[3].

 

ولا شك أن عصرنا الحاضر قد زاحم القراءةَ في الكتاب بما أنتجه من وسائل حديثة تحفظ المعلومات كالجوال والحاسوب، اللذين يحتويان على وسائل متعددة يعرض فيها العلم والثقافة، وليس للمرء العصري غنية عن المطالعة فيها، ولكنها لن ترقى في لذة القراءة فيها، وكثرة الفائدة الموثوقة منها، والأنس النافع بمجالستها؛ إلى مستوى القراءة في الكتاب المحبوب؛ فإن الكتاب أحسن جليس، وأفضل أنيس.

 

قال أبو الطيب:

أَعَزُّ مكانٍ في الدنى سرجُ سابحٍ
وخيرُ جليسٍ في الزمانكتابُ [4]



قيل لابن المبارك:

إنك تكثر الجلوس وحدك! فقال: أنا وحدي؟! أنا مع الأنبياء والأولياء والحكماء والنبي وأصحابه، ثم أنشد هذه الأبيات:

ولي جلساءُ ما أملُّ حديثَهم
ألبَّاءُ مأمونون غيباً ومشهدا
إذا ما اجتمعنا كان حسنُ حديثهم
معيناً على دفع الهموم مؤيّدا
يفيدونني من علمهمْ علمَ ما مضى
وعقلاً وتأديباً ورأياً مسدّدا
بلا فتنةٍ تُخشى ولا سوء عشرة
ولا أتقي منهم لساناً ولا يدا [5]


فيا معشر العقلاء،

إن القراءة في الكتب النافعة هي بساتينكم، وزاد عقولكم، ومصدر حياةٍ تضيفون منها حياةَ آخرين إلى حياتكم، وبها تعرفون دينكم، وتصلحون عيشكم.

 

فإياكم والبعدَ منها، وطولَ الانقطاع عنها بعد دوام الصلة بها؛ فإن التلذذ بها عند العودة بعد البيْن الطويل؛ يحتاج إلى زمن من الإرضاء، ورجوعِ المتعة والهناء.



[1] ديوان أبي تمام (ص: 745).

[2] الصداقة والصديق، لأبي حيان التوحيدي (ص: 25).

[3] مفتاح دار السعادة (1/ 250).

[4] شرح ديوان المتنبي (2/ 211).

[5] ديوان الإمام عبدالله بن المبارك (ص: 24).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة