تاريخ العمل الخيري في المملكة العربية السعودية

تاريخ العمل الخيري في المملكة العربية السعودية

يمتاز مجتمع المملكة العربية السعودية بعقيدته الإسلامية وتلازمه غير المنفك مع قيام الدولة السعودية، وقد بينت الشريعة الإسلامية في معرض حرصها على تكافل أتباعها وتراحمهم حقوق العباد بعضهم مع بعض، وكان من هذه الحقوق أن الله عز وجل أوجب الزكاة على الأغنياء والموسرين أن يبذلوا مقادير معينة من أموالهم للفقراء والمحتاجين، كما حثت الشريعة الإسلامية على بذل المال في وجوه الخير المتنوعة على سبيل التطوع بالصدقة المالية، وبينت عظم الأجر المترتب على ذلك، فعمل الخير والإنفاق في سبيل الله عز وجل متأصل في نفوس أفراد المجتمع غير أنه يأخذ أشكالاً متعددة حيث بدأت بالجهود الفردية في الإطار العائلي والقبلي ثم تطورت إلى ما عرف بصناديق البر حيث كانت تجمع الأموال والصدقات في المواسم ثم توزع على المحتاجين، وقد امتدت بعد ذلك لتشمل المرافق العامة والخدمات الصحية ومساعدات الزواج وغيرها من أعمال البر.

ثم إن المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز بصفتها دولة ناشئة تتسم طبيعة الحياة فيها ذلك الوقت بطابع البداوة، وتفتقد إلى الموارد الاقتصادية الكبيرة، والمؤسسات الاجتماعية المتخصصة، ولذلك فقد اتسمت الأعمال الخيرية بالبساطة، وبطريقة تتناسب مع طبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده، وكانت حاجة الناس لإشباع النقص الاقتصادي جعلت الملك عبدالعزيز يركز على تقديم المساعدات ذات الطابع الاقتصادي بالدرجة الأولى، وفي عام 1347هـ/1928م بدأ العمل يأخذ الوضع المؤسسي بوضع نظام لتوزيع الصدقات والإعانات أصدره الملك عبدالعزيز يرحمه الله يحدد غايات ومجالات الرعاية الاجتماعية (د. زيد الزيد،1423ه، ص:33 )، وفي عام (1348 هـ - 1929 م) تم تأسيس لجنة خيرية في مكة المكرمة باسم (لجنة الصدقات العليا) لتنظيم عملية جمع الصدقات والزكوات من الأغنياء، ومن ثم تنظيم عملية توزيعها على الفقراء، كما تم افتتاح دار لرعاية الأيتام في المدينة المنورة عام (1352هـ - 1934 م)، ثم افتتاح دار للعجزة والمنقطعين عام (1354 هـ - 1936 م) في مكة المكرمة، تلاها افتتاح دار أخرى لرعاية الأيتام بمكة المكرمة عام (1355هـ - 1937م)، ثم دار أخرى للأيتام في الرياض (1357هـ - 1939 م). ثم تتوالى هذه التنظيمات الاجتماعية التي تنم عن روح التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع السعودي، ففي عام (1374 هـ - 1954 م) تم تأسيس صندوق للبر في الرياض بجهود أهلية مجتمعية استشعاراً من أفراد المجتمع بوجود الحاجة له (د. السدحان ود. الجاسر، 1428هـ، ص:42)

وقد هيأت باكورة العوائد النفطية الصغيرة إمكانية مهمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية، وبدأت عملية التنمية بمفهومها العلمي الشامل بجهود حثيثة للدولة منذ عام (1380هـ - 1960م) حيث صدور الأمر الملكي رقم 122 بإنشاء وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وما يهمنا في كيان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هي وكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية التي أحدثتها الوزارة لتقوم برسم السياسة العامة للعمل الاجتماعي وإنشاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية في المملكة، وإصدار الأنظمة الخاصة بها إضافة إلى نشر الوعي الاجتماعي، والحث على إنشاء الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية وتعزيز الجهود الأهلية في ذلك، وقد أصدرت الوزارة عام 1384هـ نظاماً عرف باسم (نظام الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية الأهلية) كما قامت بوضع اللوائح الأساسية والتعليمات المتعلقة بهذا المجال، إضافة إلى اللوائح الخاصة بتأسيس الجمعيات الخيرية وطرق تسجيلها رسمياً ولوائح المساعدات المالية والمعنوية لها من قبل الدولة ووضع آليات لدعمها فنياً، وفي عام 1395هـ صدرت لائحة تقديم الإعانات للجمعيات الخيرية من قبل الوزارة لمساعدتها في تحقيق أهدافها، وفي عام 1396هـ صدرت لائحة تنظم عملية جمع التبرعات ويقصد بها (طلب المال من الجمهور نقداً أو عيناً لوجه من وجوه البر أو النفع العام).

هذا وقد بلغ عدد الجمعيات في ظل هذا النظام حتى عام 1402هـ خمساً وخمسين جمعية مسجلة رسمياً، وتباشر جميع هذه الجمعيات نشاطها بإشراف الوزارة، وقد بلغت المجالات التي تعمل فيها الجمعيات الخيرية في تلك الفترة واحداً وعشرين مجالاً من مختلف المجالات التعليمية والفنية والعونية والتدريبية والصحية والتأهيلية والتربوية وغيرها(د. زيد الزيد،1423ه، ص:38).

وامتداداً للعمل الخيري فقد أصدرت الدولة الأمر السامي ذا الرقم (2047 /8) بتاريخ 22/11/1400هـ بتكوين الجماعات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وإسناد الإشراف عليها إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقد بلغ عدد الحلقات في ذلك العام (376) حلقة وكان عدد الطلاب (16052) طالباً.

وقد كانت جهود التحفيظ قبل صدور الأمر السامي بتكوين الجماعات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم عام 1400هـ إما جزءاً من عمل الجمعيات الخيرية التابعة لوزارة العمل أو جهوداً تقوم بها جمعيات صغيرة لتحفيظ القرآن الكريم متفرقة مبثوثة في أرجاء مناطق المملكة المختلفة، أو جهوداً فردية، وكانت تقوم بأساليب الكتاتيب الصغيرة التي يتولاها شيخ متطوع.

ومع قيام وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد صدر الأمر السامي ذو الرقم (7 /5 /10737) عام 1414هـ موجهاً بنقل الإشراف على الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم إلى الوزارة بدلاً من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (د.زيد الزيد،1423ه، ص:42)، وقد بلغ عدد جمعيات تحفيظ القرآن الكريم حتى عام 1431هـ (146) جمعية في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية (الإدارة العامة للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن،1431ه،ص7).

وفي عام (1425هـ / 2004 م) صدر الأمر الملكي بفصل قطاع العمل عن قطاع الشؤون الاجتماعية (مجلس الوزراء: 1425هـ)، فأصبح هناك وزارة خاصة بالشؤون الاجتماعية وهي معنية بالدرجة الأولى بالشأن الاجتماعي، ووزارة أخرى معنية بقطاع العمل، ولاشك أن في هذا دلالة على أن القيادة السياسية في الدولة تستشعر أهمية الجانب الاجتماعي في حياة الدول وشعوبها، مما يوجب إفراده بوزارة مستقلة(د. السدحان ود. الجاسر، 1428هـ، ص: 22) حيث بلغ عدد الجمعيات عام 1423هـ(240) جمعية خيرية، وفي عام 1433ه بلغ عدد الجمعيات خمسمائة وإحدى وتسعين جمعية (موقع وزارة الشؤون الاجتماعية،1433هـ) حسب التصنيف المرفق في الجدول الآتي:

أعداد الجمعيات الخيرية حسب تصنيف النوع: