• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم / سير وتراجم وأعلام


علامة باركود

خاتم سليمان

عادل مناع


تاريخ الإضافة: 7/7/2013 ميلادي - 29/8/1434 هجري

الزيارات: 6478

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خاتم سليمان


تل العقارب بالقاهرة عام 1800م:

وقف جمع من الشعب المصري يطالعون في أسى مشهد إعدام ذلك البطل السوري سليمان الحلبي، ذلك الشاب الذي لم يتجاوز عمره الرابعة والعشرين، والذي درس ثلاثة أعوام في الأزهر الشريف، وعشق تراب مصر وأهلها، ولم يهنأ بعيش وهو يرى مصر تئن تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، لذا قرر الإجهاز على رأس الحملة الفرنسية ورمزها الثاني: الجنرال كليبر.

 

وبالفعل أقدم على هذا العمل الفدائي رغم قناعته بضآلة احتمالات النجاة، وضرب ضربته واغتال زعيم الحملة، وقدم للمحاكمة، فكان الحكم القاسي، أن تقطع رقاب أصحاب سليمان الذين أخبرهم بالمهمة ولم يبلغوا الاحتلال، ويكون ذلك أمام ناظريه إمعانًا في تعذيبه وإيلامه قبل أن ينفذ فيه حكم الإعدام.

 

ها هي العيون ترى الرؤوس تتطاير على تل العقارب بالقاهرة، وأما الشاب السوري فقد أحرقوا يده اليمنى وهو حي، ثم قتلوه بطريقة بشعة؛ حيث أجلسوه على ما يعرف بالخازوق، فينفد إلى أحشائه ويظل ينزف لساعات قبل أن يموت.

 

ولكن عيونًا لشخص ما كان نصيبها من الدموع الحظ الأوفر، غلام يافع كان يعتصره الألم وهو يرى سليمان ينزف حتى الموت، كان الغلام يتفطر قلبه على ذلك الشاب الذي جاء من أرض غير الأرض لكي يقوم بهذا العمل الكبير، من أجل غرس بذرة شجرة الحرية للمصريين؟ ولكن لماذا يفعلها وهو من أرض أخرى؟

انتشله من شروده تألق خاتم فضي في يد سليمان، وعلى الفور التمعت في ذهن الفتى فكرة الاستحواذ عليه كذكرى يتلمس فيها عبير تلك الشخصية التي خلبت لبه وتمكن حبها من فؤاده.

 

فما هي إلا دقائق معدودات وقد انصرف الناس عن منصة الإعدام، وعلى حين غفلة من الحراس تقدم الغلام في خفة إلى سليمان الذي لفظ أنفاسه الأخيرة، وانتزع الخاتم، وسابق الريح في الهرب به بعد أن اكتشف الحراس أمره، لكنهم قد زهدوا في اللحاق به، خاصة وأن الأمر لم يتعد لديهم سرقة شيء تافه قام بها غلام لاهٍ.

 

وفي بيته كان الفتى أحمد القاسمي يغالب دموعه وهو يحدق في ذلك الخاتم، ومن خلفه والده الحنون يربت على كتفه قائلًا: يا ولدي إنها إرادة الله، وحسب الشاب أنه قد توجت حياته بهذا العمل البطولي، فقاطعه أحمد بلهفة: ولكن ما الذي يدفعه لهذا العمل يا أبت، وهو القادم من أرض غير الأرض؟

أجاب الوالد: هذا هو الإسلام يا بني، لا يفرق ولا يفصل بين أبنائه الحدود ولا المسافات ولا الأجناس، هم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

 

هز الفتى رأسه في رضا وهو يقول: لن أفرط في هذا الخاتم ما حييت إن شاء الله، بل إنني سوف أورثه أبنائي وأحفادي، وأعهد إليهم بالحفاظ عليه، فهو حقًا رمز لرابطة الإيمان بين كل المسلمين في شتى بقاع الأرض.

 

عاش أحمد متفاعلًا مع ذلك المنهج، وظل يتلمس الإسهام في أي قضية تتعلق بالمسلمين في أي بقعة في العالم الإسلامي، وأوصى أبناءه في سرية تامة بهذا الخاتم وعهد إليهم بتوريثه وتوريث قصته لأبنائهم من بعدهم.

 

سوريا عام 2012م:

في تلك الليلة الهادئة، بدا القمر في ليلة تمامه وهو يرسل أنواره الفضية وكأنه يسامر هذا الشاب الذي تبرق عيناه بالحزم، ويرابط في نوبة حراسته بمخيم إحدى كتائب الجيش السوري الحر.

 

داعبته الذكريات وجال بخاطره رحلة المخاطرة والوصول إلى سوريا لنصرة إخوانه، لا لشيء إلا لقناعاته بأنها أمة الجسد الأولى، فإذا سالت دمعة في سوريا جففتها يد مصري، وإذا تفجرت أحزان في مصر نضبتها يد سعودية أو خليجية أو تركية أو أفغانية.

 

لقد كان ذلك موروثًا تاريخيًا اجتماعيًا لدى ذلك الشاب، والذي لم يكن سوى أدهم، آخر من ورث خاتم سليمان من سلالة أحمد القاسمي، وها هو الآن يفرك الخاتم على أصبعه في حنان، وكأنه يلتمس منه تلك الجذوة التي تلهب قلبه لنصرة أمته.

 

لم يبح بهذا السر لأحد سوى لصديقه التركي الذي يجيد التحدث بالعربية، والذي اقترب من أدهم في نوبة حراسته، وجلس بجواره وهو يمازحه بلكنة مصرية خالصة، ثم أقبل بحديث جاد بعدما رسم البسمة على وجه أحمد:

أحمد، إذا ما كتب الله لنا النصر وتحررت سوريا، إلى أين تتجه؟

أحمد وهو يثبت نظره إلى عنان السماء: حيث قضية أخرى وجرح آخر لموطن آخر من جسد الأمة، إنها قضيتي الأولى يا حسن.

 

ابتسم حسن وهو يربت على كتف صديقه قائلًا: لا ريب أن قلبك يتقافز فرحًا ونحن يفصلنا ساعات عن عملية كبرى في قرية صديقك القديم.

 

بادله أدهم الابتسامة وقد فهم مراده: صدقت يا حسن، كنت أنتظر منذ مجيئي أن أتنسم عبير قرية "عفرين" التي ولد فيها سليمان الحلبي، أود أن أنال شرف الاستشهاد في تلك البقعة، أشعر أن شخصيته تسري في دمائي بكل ما تحمله من الشعور بأمة الجسد الواحد دون حواجز أو حدود، كم أتمنى أن أدفن هنا، ومعي الخاتم، كأنني سوف أسلمه إلى صاحبه.

 

وما هي إلا ساعات حتى كانت الكتيبة على موعد مع معركة شرسة مع العدو بمدينة حلب، وبالتحديد على مشارف قرية "عفرين" مسقط رأس سليمان الحلبي.

 

ها هو أدهم يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن مزقت الرصاصات الغادرة أحشاءه، وأسند حسن رأسه على ذراعه وهو يبكي بلوعة الأسى، فإذا بأدهم ينزع بما تبقى من قوته ذلك الخاتم، وهو يدفعه إلى صديقه التركي، والذي هز رأسه باكيًا، نعم يا صديقي، سوف أدفنه هنا، لا تنشغل بذلك.

 

هز حسن رأسه نافيًا وهو يقول في تهالك: لا يا حسن، بل هو لك، إذا ما كتب الله النصر فاستلهم منه تلك الروح الموروثة، اقفز وتجاوز الحدود، وضمد الجراح في بقعة أخرى.

 

قالها وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة مرددًا: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ثم فاضت روحه إلى بارئها، وصديقه يودعه بلوعة واحتراق ودموع بللت الثرى، احتضنه بقوة ثم أرسله برفق، وقد ارتسمت على وجهه أمارات الحزم والعزم وهو يطالع ذلك الخاتم، خاتم سليمان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة