• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ


علامة باركود

مقتل عبيد بن الأبرص وعجائب أمثاله

مقتل عبيد بن الأبرص وعجائب أمثاله
عامر الخميسي


تاريخ الإضافة: 2/12/2021 ميلادي - 27/4/1443 هجري

الزيارات: 13769

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مَقتل عَبيد بن الأبرص وعجائب أمثاله

 

في زمن الجاهلية الكثير من القصص التي تُنبئ عن جهالة أهلها وطيْشهم، ومن القصص المدوَّنة في كتب الأدب العربي قصةُ مقتل عَبِيد بن الأبرص، وعبيدٌ هذا هو أحد شعراء المعلقات، وقد قاده قدره لحتفه، وأضحت قصته مثلًا يُضرب به فيما بعد لِمن عثرت به رجلاه فهلك، فيقولون كـ(يوم بؤس عَبيد).

 

وكان الشاعر عَبيد بن الأبرص رحل إلى الحيرة للقاء المنذر، وكان الشعراء من قبل يفِدون على الملوك بغية إكرامهم، فطلع عليه في يوم بؤسه - الذي كان لا ينجو منه أحدٌ طلع عليه فيه، وبالمقابل فقد كان يُغدق بالكرمِ والنِّعم من لقيه في يوم نعيمه.

 

والمنذر هو ابن امرئ القيس بن ماء السماء (وهو جد النُّعمان بن المنذر): "وكان المنذر بن ماء السماء قد نادمه رجُلان من بني أسد، أحدُهُما خالد بن المضلل، والآخر عمرو بن مسعود بن كلدة، فأغْضباه في بعض المنطق عند ما ثَمِل، فأمر بأن يُحْفَر لكل واحد حفيرة بظهر الحِيرة، ثم يُجعلا في تابوتين، ويدفنا في الحفرتين، ففُعِل ذلك بهما، حتَّى إذا أصبح سأل عنهُما، فأُخْبِر بهلاكهما، فندم على ذلك وغمَّه.

 

ثم ركب المنذر حتى نظر إليهما، فأمر ببناء الغرِيَّين عليهما، فبُنِيا عليهما، وجعل لنفسه يومَين في السَّنة يجلس فيهما عند الغرِيَّين، يُسمي أحدهما يوم نعيم، والآخر يوم بؤس، فأول من يطلع عليه يوم نعيمه يعطيه مائة من الإبل شومًا؛ أي: سودًا، وأول مَن يطلع عليه يوم بؤْسِه يعطيه رأس ظِربان أسود، ثم يأمر به، فيذبح ويُغْرى بدمه الغرِيَّان، فلبث بذلك برهةً من دهْرِه، يقتل في يوم بؤسه مَن يطلع عليه[1].

 

• والغَرِيَّان: هما بناءان عاليان أقامهما المنذر على نديميه اللذين قتَلهما، وسُمِّيا الغريين؛ لأنه كان يغريهما بدم من يقتله، والظَّرِبان: أصغر من السنور منتن الرائحة.

 

ويظهر لنا جليًّا فيما سبق ما اشتَهر به العصر الجاهلي من الخضوع لقوة العاطفة وسطوة الانفعال دون الاحتكام إلى العقل والمنطق..

 

وكان الظلم في العلاقات الاجتماعية من أسباب الجهل العام في الحياة الجاهلية، لذا جاء الإسلام ليحتكم إلى العقل وينفي الظلم والجهل، ويقضي على مظاهر الزيغ والقهر والطيش والبغي، وفي قصتنا هذه ما يمكننا من الاستدلال به على بعض مظاهر العصر الجاهلي وقسوته وغياب القوانين والنُّظُم، وكيف أن القوي هو الذي يأمر وينهى ويقتل ويعدم، دون أن يعترض عليه أحد زمن الجاهلية.

 

لنتأمل سويًّا هذه القصة المؤلمة التي رسمت فيها نهاية هذا الشاعر الأسطورة من كتاب البغدادي: "خزانة الأدب" وغيره من كتب الأدب:

ثُمَّ إنَّ عَبيد بن الأبرص كان أوَّل مَن أشرف على المنذر في يوم بؤسِه، فقال:

هلاَّ كان الذَّبح لغيرِك يا عبيد؟

فقال: أتتْك بحائنٍ رِجْلاه، (والحائن الهالك، فأرْسلها مثلًا)، فقال له المنذر: أو أجلٌ بلَغ إِناه (أي موعده)، فقال له المنذر: أنشِدْني، فقد كان شِعْرك يُعْجبني، فقال عَبيد: "حال الجَريض دون القريض"، فأرسلها مثلًا، والمعنى أن الغصة تحول دون الشعر؛ لأني أرى الموت أحمرًا يقطر أمامي، و"بلغ الحِزام الطِّبْيين"، فأرْسلها مثلًا، والمعنى أن الأمر تفاقم؛ أي بلغ السيل الزُّبى، والطِّـبْي حلَمة الضَّرع)، فقال له النعمان: أسْمِعني!

 

فقال: "المنايا على الحوايا"، فأرْسلها مثلًا، والمعنى أن الموت يخيم على ما يحويه في بطنه، ونرى هنا كيف أن المنذر مُصرٌّ على الاستمتاع بشعر عبيد الذي كان رائجًا ذائعًا قبل أن يستمتع بذبحه، وهذا ما يدعوك إلى العجب، فقال له: ما أشدَّ جزعَك مَن الموت! فقال: "لا يرْحل رَحلك مَن ليس معك"، فأرْسلها مثلًا؛ أي الأمور هي التي تجري معك، وأنت صاحبها لا يشعر بها من ليس راحلًا معك.

 

فقال له المنذر: قد أمللْتني، فأرحني قبل أن آمر بك!

 

فقال عَبيد: "من عزَّ بَـزَّ"، فأرْسلها مثلًا، وبزَّ: غلب، ومعناها من قويَ غلبَ، وصار له القرار والغلبة.

 

ومما يلاحظ هنا قدرته العقلية على حباكة الأمثال البليغة التي استلهمها ساعة قتْله؛ مما جعل العرب ترددها في الحوادث والروايات، وجعلها مثلًا واعتبارًا لإيجازها البديع وثرائها بالمعاني..

 

فقال المنذر: أنشدني قولك: أَقْفَرَ مِنْ أَهْلِهِ مَلْحُوبُ (يقصد معلقته الشهيرة)، فقال عَبيد:

أقفرَ من أهله عَبيدُ
فَلَيْسَ يُبْدِي وَلا يُعِيدُ
عَنَّتْ لهُ عنَّة نكودُ
وحانَ منها له ورودُ

 

فقال له المُنذر: يا عَبيد، ويْحَك، أنشِدْني قبل أن أذبَحك:

فقال عبيد:

وَاللَّهِ إِنْ مِتُّ لَمَا ضَرَّنِي
وَإِنْ أَعِشْ مَا عِشْتُ فِي وَاحِدَهْ
فأبلغ بَنِيَّ وَأَعمامَهُم
بِأَنَّ المَنايا هي الواردهْ
لها مُدَّةٌ فَنُفوسُ العِبادِ
إِلَيها وَإِن جَهَدوا قاصِدَهْ
فلا تَجْزَعُوا لِحِمَامٍ دَنَا
فَلِلْمَوتُ ما تَلِدُ الوَالِدَهْ

 

فقال المنذِر: إنَّه لا بدَّ من الموت، ولو أنَّ النعمان عرضَ لي في هذا اليَوم لذبحتُه، فاخترْ إن شئت الأكحل (وريد في وسط الذراع)، وإن شئت الأبجل (وريد في الرجل)، وإن شئت الوريد (وهو في العنق)، فقال عَبيد: ثلاث خصال كسحابات عاد، وارِدُها شرُّ ورَّاد (أي هاطلها)، وحاديها شرُّ حاد، ومَعادها شر معاد، ولا خيْر فيه لمرتاد، فإن كنت لا مَحالة قاتلي، فاسْقِني الخَمْر، حتَّى إذا ماتت مفاصلي، وذهلتْ لها ذواهلي (غبت عن إدراكي)، فشأنك وما تريد.

 

فأمر المنذر بِحاجته من الخمر، حتى إذا أخذتْ منه مأخذها، وجرت في عروقه، دعا به المنذر، ليقتُله، فلمَّا مثَل بين يديْه أنشأ يقول:

وَخَيَّرَني ذو البُؤسِ في يَومِ بُؤسِهِ
خِصالًا أَرى في كُلِّها المَوتَ قَد بَرَق
كَما خُيِّرَت عادٌ مِنَ الدَهرِ مَرَّةً
سَحائِبَ ما فيها لِذي خيرَةٍ أَنَق
سَحائِبَ ريحٍ لَم تُوَكَّل بِبَلدَةٍ
فَتَترُكَها إِلَّا كَما لَيلَةِ الطَلَق

 

فأمر به المنذر، ففُصِد (شُقَّ وريده لاستخراج دمه)، فلمَّا مات غُرِّي بدمه الغريان"[2].

 

نعم، لم تشفع لعَبيد الحكيم الشاعر قصائده الذائعة الصيت، ولم يشفع له نبوغه ورفعة منزلته، وكونه أحد عشرة كانت تفتخرُ العرب بقصائِدهم، ولم تُثنِ المنذر أمثال عَبيد وحكمه، فلجَّ في بطشه وجهالته ليذبح أحد شعراء المعلقات بدمٍ بارد دون أي ذنبٍ، فقط لحبه سفك الدم واستمتاعه بمنظرِ مشهد الإعدام، ليجد عبيد نفسه وجهًا لوجه أمام مقصلة الذبح مستقبلًا الإعدام، وقد كان يرجو الإكرام، فقط ما يقدر عليه هو اختيار نوعية نهايته هذا غاية ما يمكن أن يصل إليه، ليستقبل طغيان المنذر بقدح خمر يَكرعه حتى يَثمَل؛ ليغيب عن عقله وحواسه قبل أن يودِّع الحياة.



[1] الأصفهاني: الأغاني، ج 22، ص 91؛ التذكرة الحمدونية، ج2، ص ٤٣١.

[2] خزانة الأدب، ج2، ص 217- الشاهد (116).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة