• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / إدارة واقتصاد


علامة باركود

حين تذوب العقود تحت نيران التضخم

حين تذوب العقود تحت نيران التضخم
سيد السقا


تاريخ الإضافة: 13/11/2025 ميلادي - 23/5/1447 هجري

الزيارات: 453

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حين تذوب العقود تحت نيران التضخم

 

 

دروس من الأرجنتين والبرازيل وتركيا: كيف تُغيِّر الحكومات القوانين أو تبتكر السياسات لإنقاذ البنوك على حساب المواطنين؟

 

عندما يضرب التضخم الجامح المجتمعات، لا تكون الخسارة مجرد أرقام على الورق، بل كارثة تمس حياة الملايين. في مثل هذه الأزمات يظهر بوضوح ميزان القوى: البنوك تحتمي بالحكومات، والحكومات تنحاز للقطاع المالي، بينما المواطن البسيط هو الحلقة الأضعف.

 

هذا الانحياز تكرر مرارًا؛ ففي الأرجنتين والبرازيل قبل عقود، وفي أزمة 2008 المالية في الولايات المتحدة، ثم مؤخرًا في تركيا، كانت الأولوية دائمًا لحماية البنوك على حساب المواطنين.

 

الأرجنتين والبرازيل وتركيا تقدم أوضح الأمثلة على ذلك.

 

الأرجنتين: "تغيير العملة" الذي دمَّر المدخرات:

في مطلع الألفية، ومع انهيار البيزو الأرجنتيني أمام الدولار الأمريكي، وجد المواطنون أنفسهم عاجزين عن سداد القروض المقومة بالدولار. تدخلت الحكومة عبر ما عُرف بسياسة Pesificación (التحويل إلى البيزو)؛ حيث تم تحويل القروض من الدولار إلى البيزو.

 

مثال: مواطن كان يدفع 500 دولار شهريًّا لقرض منزلي، بعد القرار تم تحويل المبلغ إلى ما يعادل 500 بيزو فقط، لكن قيمة البيزو انهارت سريعًا، وأصبحت 500 بيزو لا تساوي أكثر من 100 دولار في السوق. البنوك رفعت الفائدة (Interest Rates) لتعويض خسارتها، ليتحوَّل القسط فجأة إلى ما يعادل 800 أو 1000 دولار بالقيمة الفعلية، كثير من الأُسَر عجزت عن السداد، وخسرت منازلها في المزادات.

 

لماذا قَبِل المواطنون بهذا الإجراء؟

ببساطة؛ لأن البدائل لم تكن موجودة: إما الامتثال أو مواجهة الحجز الفوري على المنازل.

 

البرازيل: الفوائد الثابتة التي لم تعد ثابتة:

في الثمانينيات والتسعينيات، تجاوز التضخم في البرازيل 1000% سنويًّا. المقترضون الذين ظنوا أنهم محميون بعقود Fixed Interest Rates فوجئوا بآلية جديدة فرضتها الحكومة تحت ضغط البنوك: Indexation (الربط بالتضخم).

 

مثلًا: موظف كان قد اقترض لشراء منزل، وكان القسط الشهري 1,000 ريال برازيلي بفائدة ثابتة. مع التضخم، كان يتوقع أن يظل القسط كما هو بينما راتبه يرتفع، لكن بعد تطبيق الربط بالتضخم (Indexation)، أصبح القسط يرتفع كل شهر تقريبًا. خلال عام واحد، قفز القسط من 1,000 ريال إلى أكثر من 5,000 ريال، بينما دخله لم يلحق بهذا الارتفاع. النتيجة: آلاف الأسر فقدت منازلها.

مرة أخرى، المواطن لم يملك خيارًا؛ فإما الدفع بالقوانين الجديدة أو خسارة منزله.

 

تركيا: التضخم الذي أكل الليرة:

في السنوات الأخيرة، شهدت تركيا واحدة من أعنف موجات التضخم في تاريخها الحديث، فمنذ 2018 وحتى 2023 فقدت الليرة أكثر من 80% من قيمتها أمام الدولار. كان الدولار يعادل نحو 4.5 ليرة في 2018، ثم تجاوز 18 ليرة في 2022، وقفز فوق 27 ليرة في 2023.

 

هذا الانخفاض الحاد في قيمة العملة انعكس مباشرة على حياة المواطنين؛ فأسعار المواد الغذائية تضاعفت مرات عدة، والرواتب بالليرة تآكلت قيمتها الشرائية بشكل متسارع، والمدخرات بالعملة المحلية تبخرت، فاتجه الناس إلى الدولار والذهب والعقارات لحماية ما تبقى من أموالهم.

 

أما البنوك، فوجدت نفسها أمام أزمة مركَّبة: أقساط القروض بالليرة لم تعد تغطي خسائرها الفعلية، والمدخرون سعوا للتحوُّط بالدولار؛ وهنا ظهرت صيغة جديدة ابتكرتها الحكومة: الودائع المحمية بالدولار (Dollar-Protected Deposits)، هذه الصيغة نجحت في تهدئة الأسواق نسبيًّا، لكنها نقلت العبء المالي إلى الخزانة العامة، فيما بقي المواطن- بدخله المحدود بالليرة- أول من ينهار تحت سيل الأسعار المتصاعدة.

 

تجربة تركيا تثبت أن التضخم المفرط لا يحتاج إلى تغييرات قانونية جذرية في العقود كما في الأرجنتين والبرازيل، بل يكفي أن تنهار العملة لتتغير المعادلة كلها. وفي النهاية، كما في غيرها من التجارب، خرجت البنوك بأقل الخسائر، فيما دفع المواطن الثمن الأكبر.

 

السيناريو الذي قد يتكرر في أي بلد.

 

تنويه: الأرقام التالية افتراضية للتوضيح ويمكن إسقاطها على أي عملة محلية.

 

ما حدث في الأرجنتين والبرازيل وتركيا ليس استثناءً أو حكرًا على اقتصادات هشة؛ فلا أحد في مأمن اليوم، فحتى الاقتصادات التي تبدو متماسكة قد تنهار تحت ضغط التضخم أو تقلُّب العملات (الدولار).

 

وهنا من المهم أن ندرك أن معاناة المواطن لا تبدأ عند بلوغ مرحلة التضخم الجامح، بل قبل ذلك بكثير، فالتضخم التدريجي وحده يكفي ليدمر ميزانية الأسر؛ لأن الدخل يظل ثابتًا بينما ترتفع الأسعار بلا توقف، وهذا ما يعيشه الناس اليوم فعليًّا؛ إذ يجدون أن رواتبهم لم تعد تكفي احتياجاتهم الأساسية، بينما مدخراتهم تتآكل ببطء. وتخيلوا إن كان هذا هو الحال اليوم، فكيف سيكون الغد عند انفجار التضخم الجامح؟!

 

وما دمنا نعيش اليوم بالفعل تحت وطأة ضغوط تضخمية خانقة في كل الدول، فإن السؤال لم يعد هل ستتفاقم الأزمة، بل متى وأين ستقع الكارثة الكبرى إذا فقدت العملات المحلية المزيد من قيمتها أو اضطرت الحكومات إلى تغيير القوانين؟

 

ولتقريب الصورة بشكل عملي، يمكننا استخدام مثال افتراضي يوضح كيف يتحوَّل التضخم وانهيار العملة إلى فخٍّ قاتل للمواطن العادي:

 

مواطن اشترى شقة في 2024 بسعر 2,000,000 بالعملة المحلية بالتقسيط على عشر سنوات، بقسط شهري ثابت 20,000. سعر الدولار في هذا المثال = 50 بالعملة المحلية.

 

فلو ظل القسط كما هو (بدون تغيير):

قيمة الشقة بالدولار = 2,000,000 ÷ 50 = 40,000 دولار.

 

القسط الشهري = 20,000 ÷ 50 = 400 دولار.

 

وإذا انهارت العملة (Currency Collapse) 10 أضعاف مثلًا، أي يصبح الدولار = 500، ستظل قيمة الشقة بالدولار 40,000 دولار، لكن القسط الشهري الذي كان يعادل 400 دولار سينخفض فعليًّا إلى 40 دولارًا فقط. في هذه الحالة تصبح الشقة شبه مجانية للمشتري، وهو وضع لن ترضى به البنوك.

 

لكن البنوك لن توافق على ذلك:

كما جرت العادة في أمثلة سابقة، ستضغط البنوك على الحكومات لتعديل القوانين أو إعادة تسعير العقود وربط الأقساط بالتضخم (Indexation) أو بالدولار (Dollarization). معنى ذلك أن الشقة ستعاد تسعيرها بالعملة المحلية الجديدة لتصبح قيمتها 20,000,000 بدلًا من 2,000,000، وأن القسط الشهري سيقفز من 20,000 إلى 200,000.

 

النتيجة:

ما كان في البداية التزامًا معقولًا (20,000 شهريًّا) يتحوَّل إلى عبء ساحق (200,000 شهريًّا). والمواطن الذي لم يرتفع دخله 10 أضعاف سيجد نفسه عاجزًا عن السداد؛ ومن ثم يكون معرضًا لفقدان مدخراته ومنزله، نفس دورة الخسارة التي شهدناها في الأرجنتين والبرازيل وتركيا.

 

مقارنة سريعة:

 

الأرجنتين: القسط 500 دولار → ارتفع فعليًّا إلى نحو 1000 دولار.

 

البرازيل: القسط 1000 ريال → قفز إلى 5000 ريال.

 

تركيا: الرواتب والمدخرات بالليرة تآكلت، والودائع حُميت على حساب الخزانة.

 

سيناريو عالمي (افتراضًا): مواطن يقسط شقة بقيمة 20,000 (≈400 دولار وقت العقد) → بعد انهيار عملة بلاده وإعادة التسعير يقفز القسط إلى 200,000. ورغم أن القيمة المحسوبة بالدولار تبدو قريبة من 400، لكن الكارثة تكمن في الدخل؛ فدخل المواطن بالعملة المحلية لم يتضاعف عشر مرات، فيجد نفسه عاجزًا عن السداد؛ وهكذا يخسر شقته وتتبدَّد مدخراته تحت مطرقة التضخم الجامح (Hyperinflation).

 

فخ التقسيط:

التجارب السابقة تكشف درسًا عمليًّا واضحًا: الاعتماد على الشراء بالتقسيط في زمن تضخُّمي يشبه السير في حقل ألغام. ما يبدو التزامًا مريحًا قد يتحوَّل مع انهيار العملة إلى فخٍّ مالي (Debt Trap) يسلب البيت والمدخرات؛ لذلك من الأفضل التفكير مليًّا قبل الدخول في التزامات طويلة الأجل الآن، بل والابتعاد عن التقسيط قدر المستطاع.

 

الدروس المستفادة: مَن الرابح ومَن الخاسر؟

 

البنوك: رغم الأزمات، غالبًا ما تخرج بأقل الخسائر؛ لأنها تحصل على حماية مباشرة من الحكومات.

 

الحكومات: قد تُقدم على تغيير القوانين أو ابتكار سياسات جديدة للحفاظ على استقرار النظام المالي، حتى لو كان الثمن تقويض الطبقة الوسطى (Middle Class).

 

المواطنون: الخاسر الأكبر؛ إذ تفقد مدخراتهم وتتحوَّل التزاماتهم إلى عبء يفوق قدرتهم على التحمُّل.

 

هنا تكمن خطورة ضرب الطبقة الوسطى: فهي العمود الفقري للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. فإذا تآكلت مدخراتها وتعرضت التزاماتها للانفجار، يصبح الانهيار ليس ماليًّا فقط، بل اجتماعيٌّ وسياسيٌّ أيضًا.

 

الخاتمة: العقد ليس مقدسًا في زمن الأزمات:

ما تكشفه تجارب الأرجنتين والبرازيل وتركيا، وما يمكن أن تؤكده انعكاسات محتملة في أي مكان في العالم، هو أن العقد بين المواطن والبنك ليس مقدَّسًا في زمن الأزمات. الحكومات قد تُغيِّر القوانين أو تبتكر سياسات في منتصف الطريق لحماية النظام المالي، تاركة المواطن وحده يدفع الفاتورة. وفي النهاية، يظل المواطن هو الحلقة الأضعف في معادلة لا ترحم.

 

ولا أستبعِد أن تكون الشرارة الكبرى في النهاية من الدولار ذاته؛ فالعملة التي كانت ركيزة النظام المالي لعقود قد تتحول إلى نقطة الانكسار (Breaking Point) التي تجرُّ معها باقي العملات. وإذا سقطت هذه الدعامة، فلن يبقى للنظام العالمي ما يسنده، وسنشهد انهيارًا شاملًا يتدحرج عبر القارات بلا توقف.

 

التاريخ يقدم مثالًا صارخًا من ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي، حين وصل التضخم إلى حد أن راتب شهر كامل لا يكفي لشراء رغيف خبز واحد.

 

إن دروس التاريخ تقول: لا تراهن كثيرًا على "ثبات العقود" (Contract Stability)، ففي لحظة الأزمة قد يذوب كل شيء إلا مصالح البنوك.

 

التاريخ سيعيد نفسه، لكن هذه المرة، قد لا يتوقَّف الثمن عند خسارة المواطن وحده، بل قد ينفتح الباب على فوضى لا تُبْقي ولا تذر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة