• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / فكر


علامة باركود

إعجاز هندسي !

إعجاز هندسي !
د. محمود عبدالجليل روزن


تاريخ الإضافة: 23/6/2014 ميلادي - 25/8/1435 هجري

الزيارات: 4015

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إعجازٌ هندسيٌّ!


عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن مرآة المؤمن"[1].


ليس بعجيبٍ في البلاغة النبويَّة هذه الكلمات الثلاث، فهي في الحكمة خلاصتها، وفي الدقَّة نظامها. أمَّا الحكمةُ فسيأتيك عن قريبٍ نبؤها، وأمَّا الدقة فانظر إلى لفظة (المرآة)، وسرِّحْ في حروفها مُتَّخذًا لنفسكَ موضع صورة الناظر فيها، وتخيَّل على جانبيها المؤمن، إن نظر من الداخل رأى نفسه، وإن نظر من الخارج رأى نفسه.

 

إنَّ سرَّ هذا الجمال الخفيِّ أنَّ اللفظة عمِلَت عمل الآلة التي هي المرآة، وهذا الجمال؛ أو سمِّه (الإعجاز الهندسيّ)؛ كان سيختلُّ كثيرًا لو قيل مثلًا : (المؤمنُ مرآة أخيه)؛ مع كَوْنِ المعنى مُؤَدًّى بكليهما.

 

والتماثل في الكلمتين على جانب (المرآة) اللفظية أَوفَى وأوقعَ في الذَّوقِ الراقي ممَّا تصنعه المرآة الحقيقية؛ إذ إنَّ الأخيرةَ تعكس صورة الناظر، ولكن مع إبدال اليمين بالشمال، وهذا ما لم يفعله لفظُها في الحديث، فالمؤمن على جانبي اللفظ هُوَ هُوَ، يمينُه يمينٌ، وشمالُه شمالٌ. وهذا التطابقُ يُنبئُ صاحبَ الفهم الثاقب والذوق الرفيع أنَّ المؤمنَ مِن أخيه المؤمنِ كالمؤمن من نفسه، لا فرقَ.

 

كذلك؛ فمن اللطائف التي توحي بها هذه الدِّقةُ الهندسيَّة الرائعة في تكرار لفظ (المؤمن) على جانبي المرآة؛ أنَّ المؤمنَ يُمارِس في كلِّ أوقات حياته الدَّوْرَينِ معًا: دَوْرَ الناصح الناقد، ودَوْرَ المنصوح له، فكما أنَّ أحدًا ليس فوق النقدِ، وليس أحدٌ بمستغنٍ عن النصيحةِ طَرْفة عينٍ؛ فكذلك؛ لا يعدمُ أحدٌ من نفسه خيرًا يُهديه لأخيه المؤمن في صورة نصيحةٍ أو نقدٍ بنَّاء. بل يمكن القول إنَّ المؤمن في الموقف الواحد يلعب الدورين معًا، فهو وإن كان ناصحًا إلا إنه لا ينفك عن نصيحة يناصح بها نفسه، معتمدُه في ذلك قول ربه - عز وجل -: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، وأمثالها من الآيات الدالَّات على المعنى عينه.

 

وبهذا - وبه فحسبُ - ينصلِح حال الفرد الذي هو عماد المجتمع؛ فينصلح المجتمعُ تبعًا. وحينها ينظُرُ المهندسون في البُنيان الإسلاميّ الشامخ؛ كلُّ لبِنَةٍ في نفسها قطعةٌ من الحسنِ، وجارَتُها الملاصقة لها من أيِّ جانبٍ تفسحُ لذيَّاك الحسنِ أبعادًا أُخرَ، فكأنَّ هؤلاء الناظرين يمتعون أبصارهم وقلوبهم بقطعة من الفسيفساء أو بجداريَّةٍ عبقريةٍ.

 

وأزيدك من الشعر بيتًا: إنَّ المؤمن مرآةُ المؤمن تعني أيضًا: المؤمن مرآة نفسه، فهو داخل في جنس المؤمنين الذي دلَّت عليه لفظة (المؤمن) الثانية، فنحن إذًا أمام ما يُعرف بنقد الذَّات، وهو من أصعب أنواع النقد وأوجبها، وترجع صعوبتُه لأنَّ المرء قد يعزُّ عليه الاعتراف بأنه أخطأ في كذا وكذا، فلا يزال شيطان كِبْرِه يُراوده عن صمتةِ النقيصةِ يُزيِّنها له، وقد يكون نقد الذات صعبًا لأنَّ المرء ألِفَ من نفسه وضعًا يصعب معه أن يكتشف ما به من خطأٍ؛ كالمقيم في غرفةٍ تألفُ عينُه نظامها، ويَستنكِهُ أنفه جوَّها، فإن كان فيها ما يقبح من منظرٍ أو ينفر من ريحٍ لم يسهل عليه نقدها، مع سهولته البالغة على أوَّل داخلٍ عليه. فهل تَرَك الحديث بألفاظه الثلاثة شيئًا؟

 

ومما يتعلَّق بالإعجاز الفيزيقيّ في هذا الحديث الجليل: أنَّ المرآةَ دائرةٌ على العُرف المعروف، وهي المرآة المستوية، وذلك أنَّ الأصلَ: أن يُحملَ الـمُطلقُ على الأصل. هذه المرآة المستويةُ حين تُترجَمُ للحالة البشرية فيسري في عروقها دمٌ وروحٌ؛ يصير استواؤها ظاهرًا وباطنًا، فأمَّا ظاهرًا؛ فإنَّ المرايا المحدبة تصنع صورةً مصغَّرةً، وإن المرايا المقعرة تصنع صورة مكبَّرةً، وقد نُهينا عن التكبير والتفخيم الـمُفضي إلى الكبْرِ، وهو المديح المذمومُ الذي شبَّهه الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم بقطع العنق، كما نُهينا عن احتقار الذاتِ، وحسبُ امرَأً من الشر أن يحقر أخاه المسلم. وأما باطنًا؛ فإن عدم الإخلاص والاستقامةِ في النصيحة يجعلها سُمًا زعافًا. وعلى كلٍّ؛ لن يكون المؤمن مرآةً صادقةً للمؤمن إلا إذا استوى ظاهرًا وباطنًا.

 

إنَّ هذه الثلاثةَ الكلماتِ نموذجٌ فريدٌ للبلاغةِ والإعجاز، قد يرى فيها الأسلوبيُّون إيجازًا، وقد يرى فيها البيانيُّون تشبيهًا بليغًا أو كناياتٍ لا تنتهي، وقد يرى فيها الألفاظيُّون ثراءً لا مزيدَ عليه، وقد يرى فيها الإعجازيُّون أنماطًا من الإعجاز الهندسي أو الفيزيقي، وقد يرى فيها الدُّعاةُ إعجازًا دعويًّا؛ فيستدلُّ بها المتكلِّمُ في موضوعاتٍ: كالإخلاص، وإصلاح ذات البين، والنصيحة، والنقد، والحبِّ في الله، وعلامات الإيمان، وعلاج أمراض القلوب...إلى غير ذلك من عشرات العناوين الأخرى. فأيُّ بلاغةٍ بشريَّةٍ تضاهيها؟!

 

وأنت حين تُحاولُ أنَّ تشرح الحديث، فترُومُ ذكر المعنى الإجماليِّ له؛ قد لا يتأتى لكَ ذلكَ، إذ لا يُمكن اختصارُه اختصارًا وافيًا إلا في سطورٍ، فهل نقول: المؤمنُ يبلغُ في شأنِ محبَّته لأخيه المؤمن أن يصيرَ بمنزلة المرآة التي ينظرُ فيها المرْءُ ليستطيع أن يرى ما لا يمكن رؤيته بدونها، حتى يتأكد من سلامة مظهره، ويُصلِحَ ما يجبُ إصلاحه منه؟ أم نقول: المؤمن ناقدٌ صادقٌ للواقعِ، يُترجمُ ما يراه من مميزات وعيوبٍ بموضوعية، كما تُترجم المرآة ما يقع في نطاقِها ترجمةً صادقةً؟

 

أم تُرانا نقول: المرءُ مُعرَّضٌ بدون المرآة لأن يظهر بمظهرٍ لا يليقُ به، كذلك المؤمنون بدون التناصُح بينهم مُعرَّضون للظهور بمظاهرَ لا تليقُ؟

 

يمكن أن نقول ذلك أو بعضَ ذلكَ أو غيرَ كلِّ ذلكَ، ولن يبخل الحديث بأضعافه، ولكن يبقى الـمُختصِرُ مُخلًّا، والـمُكثرُ المطنبُ مُقلًّا.

 

وحسبنا أنَّ الجملةَ تشبيهٌ بليغٌ، شُبِّه فيه المؤمنُ بالمرآةِ، فما الذي يسترعي انتباه الأريب في هذا التشبيه؟ وما الذي يجبُ عليه أن يتعلَّمه من المرآة؟ وكلُّ لبيبٍ بالإشارةِ يَفهمُ.



[1] أخرجه الطبراني في الأوسط، والضياء، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (926)، وفي صحيح الجامع (6655). وأخرجه عن أبي هريرة بإسناد حسن أبو داود (4918)، والبيهقي في السنن الكبرى (16458)، وفي شعب الإيمان (7645)، وزاد فيه: " ... والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة