• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / فكر


علامة باركود

للموت طعم آخر!

عبدالكريم علي جامع فايد


تاريخ الإضافة: 23/12/2013 ميلادي - 20/2/1435 هجري

الزيارات: 12597

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

للموت طعم آخر!


فرْقٌ كبير بين حياتين، بين إنسانين.

 

فرْقٌ بين من دخل الحياة يوم قذفَتْه أمه للحياة باكيًا، ثم شبَّ حتى شاخ وأتاه الموت، وبين آخر دخل الحياة يوم ولدَتْه أمه، لكنه ما زال يصنع كل يوم ما يجعل للحياة عنده معنًى غيرَ المعنى الذي عند الآخر.

 

فرْقٌ بين من يَهِيم فيها كما تهيم البهائم في المراعي، وبين من يبحث فيها عن غاية وجوده.

 

فرْقٌ بين من يدرك ما هي الحياة؟ فيمشي فيها واثقَ الخطى، صادق العزم، متنبِّهًا للخطر.

 

وبين آخر لا يعرف ما الحياة؟ يتخبط تائهًا.

 

فرق بين إنسان يقارع ليبني ويعمّر، وغاية ما يريده أن يمضي كما مضى أبوه من قبل، دون أن يترك إضافة حقيقية في سِفر الحياة.

♦ ♦ ♦ ♦

 

من يدركُ حقيقة الحياة يُقيم ميزانًا لكل أحداثها ولحظاتها، ميزانًا يضبطها ألاَّ تنحرفَ وتطيش ما يستحق الفرح، وما يستحق الحزن.

 

لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا، لو تعلمون!

♦ ♦ ♦ ♦

 

الموت ذاته لحظة من لحظات الحياة، جزءٌ منها لا ينفصل.

 

ليس جزءًا فحسْب، بل هو اللحظة الأهم، اللحظة الأكثر صدقًا، اللحظة الحاسمة التي لا تقبل المزاح!

 

الموت مخاض آخر لحياة أخرى، يشبه مخاض الولادة الأول، الفرق بينهما أن المخاض الأول يقذف للدنيا للحركة، للعمل، للكفاح، أما المخاض الثاني فيقذف للآخرة، للخلود، للجزاء، فالنعيم، أو الجحيم.

♦ ♦ ♦ ♦

 

والموت في فلسفة الصعاليك المنفيين من العالم، الناظرين إلى الشمس بأبصار حادة، المتسامين إلى السماء بأرواح طامحة، السائرين نحو المجد بخطى واثقة، الواقفين في وجه العالم بإيمان لا يتزعزع، القابضين على الجمر؛ في فلسفتهم الموت هو بوابة العبور نحو الفردوس المحجوب.

 

هو الباب الذي سيُغلَق دون النَّصَب، هو الباب الذي مَن عَبَرَه نحو النجاة لم يذكر شقاءً مرَّ عليه قط من قبل، مهما كان الشقاء حاضرًا بقوة في حياته.

 

علام الخوف من الموت إذًا؟

 

الكل ينتظر الساعة التي تأتيه، مهما اختلفت طريقة الانتظار.

 

لاهٍ يعبَثُ دون توقير للمنتظر: لابد أنه سيتأخر؛ لن يأتي قبل عشرين عامًا، أو ربما ستين، بل قُلْ: سبعين، فلِم العَجَلة؟

 

حتى إذا وقف برأسه لم ينفع حينها توقير، أو إصلاح ما مضى.

♦ ♦ ♦ ♦

 

عويل النساء، دموع الأحبة، سرادق العزاء، الملابس السوداء.

 

أهذا هو الموت؟ أم أن له معانيَ لا ندركها في غمرة تِيهِنا في دوامة الحياة العنيفة؟

 

إن بعض النقص روح الاكتمال.

 

لا بد أن ننقص ما دمنا نَحُث الخطى نحو الكمال!

 

لا بد أن نتخفف من بعض المتاع، كذلك الحياة، لا بد أن تتخفف من بعض الأحمال أيضًا.

 

المؤلم أننا نتخفف مما لا يلزمنا، لكنما الحياة في سيرها لا تقيم ميزاننا هذا، فكثيرًا ما ينقص من كنا نتوقع منه المزيد، فقط، لو أن الموت لم يحتضنه!

 

هكذا نتصور الموت، نهاية حزينة لفصول، رجونا لو أضيف إليها.

 

يرحل الإنسان، ولما يفرغ من إنجاز قائمة أحلامه، يرحل وما زال ممسكًا بالقلم يُسَطِّر أحلامًا أخرى ليضمن أن الحياة لم تنتهِ، أما الموت فلا يحدد موعدًا للزيارة الوحيدة!

 

لا بد من النقص حتى يأتي من يُكمل، فلن تستقيم الحياة أبدًا بساعد واحد، لا بد أن تختلط الألوان وتتشابك الأيدي لتكتمل اللوحة.

 

لا سبيل للكمال ما لم تسقط اللبات الضعيفة، لا سبيل لنمو أسنان الكِبَر ما لم تسقط اللبنية، حقًّا: إن بعض النقص روح الاكتمال!

 

يموت بعض الناس لتحيا الجماعة بخير، فيكون هذا النقص حقيقة الكمال - وإن قل العدد -!

 

الرفعة والكرامة والحرية هي حقيقة كمال الاجتماع الإنساني، وجوهر وجود الجماعة، فليس كثيرًا أن يذهب بعض الجماعة من أجله، ليس كثيرًا أن تنقص؛ ففي هذا النقص يكون الكمال.

 

بإرادته يختار المرء أن يبتر ساقه التي يمشي بها، أو يمينه التي يخط بها، ويترجم عن ذاته، لماذا؟

 

ليحفظ كمال وجوده.

 

تقطعت الأسباب، الحرص على عدم النقص يعني ألا يوجَد ما يجب ألا ينقص.

 

لا سبيل إلى الكمال إلا النقص!

♦ ♦ ♦ ♦

 

للموت طعم آخر، لا يتذوقه من لم يتعرف عليه.

 

هكذا دائمًا، من يجهل الشيء لا يحسن توصيفه وإنزاله منزله.

♦ ♦ ♦ ♦

 

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الأنعام: 91] .. هذا هو السر، هذه هي القضية.

♦ ♦ ♦ ♦

 

كذلك الموت والحياة، من لم يعرفهما لم يَقْدُرهما قدْرَهَما، لن يعرف أن للموت طعمًا آخر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة