• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / فكر


علامة باركود

ضحولة مفرطة لآمال مغرقة

عمر محمود الصغير


تاريخ الإضافة: 11/5/2009 ميلادي - 17/5/1430 هجري

الزيارات: 13065

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ضحولة مفرطة لآمال مغرقة
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)

 

كحالِ أيِّ قضيَّة تأجَّجت، فارتقت لتصيرَ إحْدى قضايا المنطقة العربيَّة والإفريقيَّة تحديدًا الأكثر استشكالاً وإيلامًا، فأجهدت الأذهان، وأرَّقت المعنيِّين، واستنزفت حبر الأقلام، ونسخت طموحات الشباب الإفريقي، إنَّها الهجرة لأوربَّا عبر البحر الأبيض المتوسّط، بالشكل الذي يجعل المهاجر مجابهًا لأعداء من الطبيعة والبشَر؛ ذلك لأنَّه اختار الهجرة السِّرِّيَّة، أو كما تسمَّى غير الشرعيَّة، التي قاعِدتها الهلاك أو الشتات، واستثناؤها النجاة والفلاح.

لطالما عهدنا الهجرة على مرِّ العصور طلبًا للرزق، أو الأمان في الحروب، أو الكوارث الطبيعية، ويكون النازح فيها مكرهًا على ترْك موطِنه الذي نما فيه، مهما لقي على أرضه من متاعب أو شقاء، حتَّى ظهرت في عصرنا هذا نزعةٌ جديدة للمقامرة تتعدَّى المغامرة بالمال أو المقتنيات، إلى المقامرة بالكيان البشري، والاستقرار النفسي الأسري، إنَّنا نصعق دومًا بأرْقام القتلى والغرقى والمضبوطين،أكلّ هذا العدد انطلق إلى مصير غائم؟! يغلب الظَّنُّ فيه بالسوء قبل الخير، أي حمق، وأي منطق هذا؟!

هو شابٌّ قانط باتِّساع بحر قرَّر أن يقطعه،لم يشغل باله بالتَّفكير بكلمات: كيف، ولم؟ المهمُّ أنَّه أزمع أن يحدِّد موقِفَه مع الحياة، إمَّا أن تحضر له أو يحتضر منها، ركب ما ظنَّها سفينة نوح، وانطلق لا يلوي على شيء، قاصدًا ومن معه الطوفان، لكن لا جوديّ هنالك، إنَّما هو طوفان موج يليه طوفان من خفر السَّواحل، مزوَّدة بمدافع قويَّة على لنشاتها، وأجهِزة رادار لا تشفق على بؤْس ولا ضنك، ولن يُجْدِي نضال مصابيح سفينتِه وسط حصار الدُّجى نفعًا، مجرَّد بقع على ثياب اللَّيل العملاق، ولعلَّه ينزلق إلى مِعَى التيه، حيث الأفق يلبث دائريًّا، فلا يشي بالبلوغ، وحيث النجوم خرساء لا تُرْشد مسلكًا، ومن دونه أمواجٌ ضارية على عاتقها طعمة أبنائها من القروش والحيتان، وما يعجُّ بالقاع بحثًا عن وجْبته، ولاسيَّما لو جاءت ساخنة!

من أرسل طعامًا للقرش؟!

تباينت الرُّؤى، وتغايرت ردود الفِعل، والجميع يسأل، والجميع يُجيب، مَن المسؤول عمَّا يجري؟ الأحوال الاقتِصادية السيِّئة، أم الروتين الذي قوَّض مشروعات الشَّباب، فأحال أمنيَّاتهم ركامًا؟ أم الوضْع برمَّته؟ وكان لكلِّ رأْيٍ فلسفته الخاصَّة الَّتي رسَّخها انتماؤه إلى أي جيل، وغالبًا ما نَجد جيل الشَّباب متعاطفًا مع زملاء البطالة، أو بالأحْرى يرى لهم عذرًا أوضح من ذنب، وإن لزم الأكثريَّة منهم الرَّفْض للمشروع (الهجرة سرًّا)، نعم؛ لأنَّ فيهم من لا يملك ثمن تهريبه، لكن ما زال كثرة ظاهرة لم يكرهوا الحياة بعد إلى هذا الحد.

ونفقات التَّهريب الَّتي يتكبَّدها الحراق (المبحر) باهظة للغاية، ولعلَّه يقع فريسة لمحتال، وكانت تكفي وتفيض لشراء أفضل وأجزى عقود العمل بالخليج العربي، وبالشَّكل الرسمي الأكثر ضمانًا وأمانًا، فلِمَ إصراره على قصْد أوربا دون غيرها؟ إنَّما هي العجلة المضيعة، ولنَكُنْ منصفين ولا نعمِّم رميهم بالجشع، فالشبَّان في بلادنا شبُّوا فشابوا من هول وطأة المعيشة، وُئدت أحلامُهم في مهدها، ولم يبقَ لهم غير ضحضاح من حلم: لقمة العيش، الزَّواج، المسكن، ولكم آمالهم زهيدة ومشروعة! ولكم هي صعبة المنال! يحتاجون ثروة صغيرة لنيْلها، في وقت يندر العمل ويبخس المقابل عنه فرضًا إن وجد.

ولا نُنحي تمامًا دافعًا لرحلة الانتِحار تلك، كشَغف البعض لمُعاينة الآخر وحضارته، ولا بأس بحضانته، خصوصًا وقد أضحى الآخَر هو الأوَّل تقدمًا ورقيًّا - على الأقلِّ علميًّا - وتتمتَّع مدنُه بالبهاء والرونق، الذي يتطلَّع كثيرون لمشاهدته، بل والعيْش هناك لو أمكن.

إنَّ السَّواد من الدُّول المدَّعية النماء تجهل السُّبُل المثلى للإدارة، من نواحي توظيف الإمكانيات وهِبات الخالق لهم، وتفتقد النَّظرة إلى كلِّ شيء على أنَّه مورد يُمكنها استثماره؛ فبديهي تفشي أزمات؛ كتراكُم العاطلين، والاختناق السكني، والغلاء، ممَّا كدَّر الحياة بها، وصنع ضغوطًا على الشعوب، حتى باتت يائسة من المستقبل الذي استشرفتْه لبنيها.

وثمَّة بيِّنة: بأنَّ الظروف المجتمعيَّة في هذه البلدان ليستْ سببا جذريًّا، أو نقول: وحيدًا للإقبال المفزع على الهجرة غير المشروعة، بما تشتمِل عليه من موبقات وضياع، ففي مصر - وبصفتي شاهد عيان - ألوف الأسر البسيطة غزيرة الأبناء، والتي تضاهي خليَّة نحل، لكنَّها لا تنتج عسلاً، فهي تكدح طيلةَ النَّهار لتتحصَّل على الخبز الذي تأكُلُه، أرأيت نَحلاً ينتِج خبزًا؟!

ورغم هذا أبى أحدُهُم إلا أن يكون ختم التَّأشيرة على جواز سفرِه جليًّا غير باهت، ربَّما لأنَّه لا يُخبر أمَّه بأنَّ شوكة شاكته؛ لكي لا تتألَّم هي أكثر مما يعانى هو، كلُّنا عاشرنا هذه النماذج، بل نحن منهم، ومع ذلك لا نعتقد بأنَّ الموت في جوف سمكة أفضل الخيارات المتاحة!

لا يخفى بأنَّ من نجت رحلتُه وعاد سالمًا، وحطَّ على وطنه محمَّلاً باليوروهات - يمثِّل الدعاية والحافز لغيره من نافذي الصَّبر والحكمة، وكم هي دعاية سلبيَّة مشينة، تسربل الجحيم بطلاء زائف، لجنَّة صراطها لا يوصل إليها، والأداة لها قارب متهالك قد يلفظ آخِر أنفاسه بين الفينة والأخرى.

أمَّا من اعتُقل، أو بمعنى ثان: أنقِذ، ثم أَعْلَن بجرأة عدَمَ ندمِه على ما اقترف، وأنَّه سيعيد الكرَّة متى سنحت له الظروف، يُعْفَى دور التوعية عن ذنبه، فمادامت رؤية الموت مباشرة لم تَثْنِه، أو تفتر عزمه، أو تكبح جِماحه، فأنَّى للإعلام إقناعه؟!

لو ثمَّة تقصير إعلامي نسبي يحسب، يبلوره من تمَّ ضبطُه من قبل قوات البحريَّة أو حرس السَّواحل، فخرج على الشَّاشات هلعًا يصف أهوالاً، وأبْدى ندمًا شديدًا عن ركوبه نعشًا خالَهُ زورقًا، فكيف بالوسائل الإعلاميَّة لم تصل إليه قبل تورُّطه، وتوضِّح له خطورة وفداحة ما هو مقبل عليه؟! فإذا استعصى الأمر على الإعْلام بكافَّة أجهزته وأدواته، إذًا فهو الذي يحتاج إلى الهجرة بغير عودة!

ويكمل الواجب الإعلامي الفريضة الأمنيَّة، يجب إسماع كل أذن وشدِّها إن لم تستمع، والجانب الأمني له أثر حيوي وفعال إذا تمَّ بوجهه الصحيح، شريطة أن يدوم اكتراثًا بمصير بني الوطن والجوار، لا بغية إرضاء العواصم السَّاخطة في الجنوب الأوربي، يلزم تبادل و تكريس الخبرات والتجارب؛ للسيطرة على الظَّاهرة المروعة والحدِّ منها.

مسؤوليات التَّشديد الأمني على السواحل والموانئ قاطبة، وكذا المجهودات التوعوية، كلُّها مثبتة وتسأل في حال التَّقصير والتَّراخي فيها؛ لكنَّها لا تستقطع من مسؤوليَّة المهاجر ذاتِه في حال هلاكه؛ لأنَّها ليست مسؤوليَّة قتله، إنَّما مسؤولية منعه قتْلَ نفسه، فهو الذي أراد لنفسه نتيجة كهذه.

وينبغي للإعلام وهو يخاطب الشعوب التِزامُ المصداقيَّة، وشرْح الوضْع برمَّته بلا تَحجيم أو تهويل، فليس منطقيًّا وهو يبغي إقناع الشَّابِّ بالبقاء بالوطن، ويحدِّثه عن رخاء ينقصه تلسكوب كي يبصره! إنَّها مدعاة لإثارة نقمتِه وثورتِه ضدَّ نفسِه أوَّلاً، وقد تفقده الثِّقة في كل ناصح أو واعد.

يُحيرني تساؤل: ماذا سيفعل ذاك المنتحِر إذا لقيَ ربَّه؟! بمَ سيردُّ عندما يسألُه: لم ألقى بنفسِه في اليم؟!

أيقول: يا ربِّ، ضاقت الأعضاء مني في البر، ووجدت في البحر متَّسعًا لأشلائي؟! أحقًّا هو يُقنع؟! ومن يبرر له أنَّ هناك رخصةً لأن يزهق روحه بيديْه؟! ليته يُجيبني، ويا ليتَه وهو يعدُّ حقائبه لرحْلته، يتخيَّل - ولو للحظة - أسرته المسكينة، تنعت بالحظِّ؛ لأنَّ جسمان الفقيد ولدها عاد بعد عناء مبين، قبل أن تقتات به ضواري البحر، فضلاً عن عوالقه وديدانه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- مقال الحق أنه رائع
عبد الرحمن - مصر 10/07/2009 09:15 PM

مقال رائع يتناول أزمة فتاكة, المشكلة أن كثير من الشباب ينساق خلف إغراء الهجرة نحو الغرب, وفى مخيلته أن الكنوز تنتظره على حدودها, إنه وهم وحلم زائف سرعان ما ينقلب كابوسا.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة