• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / فكر


علامة باركود

تحرير البناء الفكري للشخصية من سلطان الطباع

نائل إبراهيم زيدان


تاريخ الإضافة: 8/4/2009 ميلادي - 13/4/1430 هجري

الزيارات: 20506

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحرير البناء الفكري للشخصية من سلطان الطباع
(مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)



يُمكنُ تعريفُ البناء الفكري للشخصية بأنه "القاعدةُ التي ترتكز عليها تصرفاتُ الإنسان وتعاملاتُه وأقواله وخطراتُ نفسه"، فما من فعلٍ يقومُ به الإنسان، أو قولٍ يقولُه، أو فكرةٍ تجول بخاطره، إلا ويكون ذلك نابعًا من البناء الفكري لشخصيته، وهذا البناء قد يضم توجهات فكرية يدين بها، أو عقيدة يعتنقها، أو علمًا تعلمه، أو طرائق تفكير اعتادها عقله، أو رؤى محددة لشتى مناحي الحياة.

وهذا البناءُ الفكريُّ يتأثر بعاملين أساسيين؛ أولهما:
هو" العقل والمنطق"، والآخر هو الطباع الخاصة بالإنسان، فإذا اتفقت جميعُ طباع الإنسان مع العقل والمنطق وصلْنا إلى البناء الفكري السليم، وإذا اختلفت بعضُ الطباع مع ما يمليه العقلُ الرشيد، حدث صراعٌ بين الطباع والعقل، حتى تكون الغلبة لأحدهما، وهذه الغلبةُ هي الضابط الذي يحدد عملَ الإنسان ويفسر سلوكياته وطريقة استجابته في المواقف الاجتماعية المختلفة، والظن الشائع في مدارس علم النفس الغربية أن الغلبة تكون في أكثر الأحوال للطباع، لقوة سلطانها، وصعوبة مدافعتها، ولا ينتصر العقلُ إلا عند الأقوياء القادرين على ترويض أنفسهم ودفع هواها.
 
وفي الثقافة العربية نجدُ العربَ يعبرون عن سلطان الطباع بقولهم "الطبعُ يغلبُ التطبُّع"، وفي الأساطير الصينية توجد قصة طريفة تُروى كمثال لغلبة الطباع على العقل، إذ يُحكى أن عقربًا أراد عبور نهر وهو لا يستطيع العوم، فرأى ضفدعًا يعوم، فطلب منه أن يحمله على ظهره ويعبر به إلى الجهة الأخرى من النهر، فقال له الضفدع: إني إن حملتُك لدغتني، فقال العقرب: كيف ألدغك وأنت وسيلتي إلى العبور، وإن لدغتك غرقنا معًا، فرأى الضفدع قوة منطق العقرب، فحمله، وقبل الوصول إلى الضفة الأخرى من النهر لدغه العقرب، فسأله الضفدع وهما يغرقان: لماذا فعلت ذلك وأنت تعلم العاقبة؟ فأجابه العقرب: لم أقدر على مدافعة طبعي وكبح عادتي، مع علمي بما سيترتب عليها.

ونضرب مثلا آخر لبيان كيف تكون الغلبةُ لسلطان الطباع، إذ نجد أكثرَ المدخنين يعلمون مخاطرَ التدخين، وأضرارَه، وما فيه من إفساد للصحة وإهدار للمال، ومع ذلك يواظبون على التدخين ولا يلتفتون إلى نداء العقل لهم بالتوقف، وما كان ذلك إلا لغلبة طبعهم.
 
والقصص القرآني غني بأمثلة كثيرة لغلبة الطباع على العقل، عسى أن يكون في ذلك عبرة لنا، فلا نقع فيما وقع فيه الأولون، فقد قال الله تعالى مخاطبًا طائفة من بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]، فهؤلاء علموا الكتاب وأمروا الناس بما فيه من بر، ولكنهم لم يعملوا به، مع أن هذا ما يقتضيه العقل، بل كان طبعهم هو الغالب، لذا وبخهم الله تعالى بقوله: {أفلا تعقلون} إشارة إلى تغييبهم لعقولهم واستسلامهم لهوى النفس، وما جاءهم ذلك الهوى إلا من طباعهم التي اعتادوها.

والذين كفروا قد علموا الحق وأدركته عقولُهم، ثم أعرضوا عنه بعد أن اعتادوا الكفر والتحرر من التكليف وألفته طباعهم، فهؤلاء كالذين قال الله تعالى فيهم: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63]، فبعد إقرارهم بربوبية الله وُصفوا بأنهم لا يعقلون، إشارة إلى هزيمة العقل في صراعه مع الطبع.

ونرى طائفة أخرى من الكفار تميل طباعُها إلى تقليد آبائها، وهذه طبيعةُ أكثر الناس؛ فكل مولود يولد على الفطرة، ثم قد تشوه فطرتُه بما يجد عليه آباءه، ومن كان طبعه التقليد فإنه يصعب عليه اتباع أوليات المنطق السليم واستخدام عقله في التدبر والنظر قبل الحُكم على الأمور، فالعقلُ هنا مهزوم في صراعه مع الطبع؛ لشدة ضعفه، فيكون طبعُ اتباع المتبوع هو الحكم، وهؤلاء إلى الأنعام أقرب، وقد قال الله تعالى في فرقة من أصحاب هذا النهج: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 23-24]، فهؤلاء عطلوا عقولهم وأعرضوا عن النظر والتدبر استسلامًا لطبع التقليد، وهكذا نرى أن انتصار سلطان بعض الطباع على العقل كان المسبب للكفر.

ومما تقدم يمكننا أن نعلم أنه من الخطأ الظن بأن أفعال الناس يحكمها العقلُ وحده، أو أن أقوالهم -وإن صدقوا فيها- لا بد أن تتفق مع أفعالهم، ومن وقع في ذلك الظن فإنه يصدم كثيرًا بأفعال لم يكن يحتسبها ممن حوله، فقد تجد محرضًا على الجهاد في سبيل الله ومحذرًا من القعود، وعند لقاء العدو تجده أول الفارين، وقد نسمع الرجل فيعجبنا قولُه، ولكنه يفاجئنا بأفعال تخالف أقواله، فهو يعلم الخطأ ومع ذلك يفعله لغلبة أحد طباعه على عقله، وفي خطاب الله تعالى للمؤمنين نجد تنبيها على ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3].

والطبع قد يدفع صاحبَه إلى معصيةٍ، أو تركِ واجب، أو سوءِ خلق، أو غير ذلك، مع إنكار العقل في الوقت نفسه، والصراعُ بين العقل والطبع عند تعارضهما يشبه معركةً تدور في صدر الإنسان، والنصر فيها يكون للأقوى، وقوة الطبع تأتي من طول العهد به، ولكي ينتصر العقلُ فلا بد من تسلحه بما يمكنه من دفع الطبع، فكيف يكون هذا التسلح؟

الثابتُ طبيًّا أن خلايا المخ مثل خلايا العضلات؛ فهي تفقد قدرتها إذا لم تستخدم، وإعراض الإنسان عن التفكر والتدبر والحفظ يضعف قدرات عقله كثيرًا، لذلك جاء الإرشادُ القرآني مبينًا لنا السبيل؛ فقال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الزمر: 27]، فكل أسباب الخير والشر جاءت في القرآن مفصلة مبينة، وقال تعالى {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، فلكي يتسلح العقلُ فلا بد له من التدبر والتفكر في آيات الله والأمثال المضروبة في القرآن؛ فقد بينت كل أوجه الخير والشر، وكلما طال عهدُ الإنسان بالتدبر زادت قوةُ عقله، وزادت معها قدرتُه على مدافعة طبعه غير السوي، حتى يصير من أولي الألباب وهم أصحاب العقول القوية القادرة على تدبر آيات الله وأخذ العبرة منها، وليس مجرد الاكتفاء بمعرفة معناها، والعبرة تعني مجاوزة العلم بالأمر إلى أخذ الدروس منه وتطبيقها، لذلك قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111].
 
والحمد لله رب العالمين.
 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة