• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / فكر


علامة باركود

التكبر الحضاري

التكبر الحضاري
مبارك عامر بقنه


تاريخ الإضافة: 13/5/2013 ميلادي - 4/7/1434 هجري

الزيارات: 4976

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التكبر الحضاري


الحضارة الغربية في شكلِها المادي قد استفادت بقدرِ ما تستطيع من القُوَى المادية المختزنة في البيئة، فسخَّرتها لخدمتها، فوثبت خطواتٍ كبرى مذهلة أصابتِ العقل الغربي نفسه بنكسةٍ في فَهْم طبيعة التطوُّر والتقدُّم؛ مما جعلته يعيش حالة استعلاء وغطرسة وتكبُّر، فظن أن الإنسان بيدِه أن يحقِّق ما يشاء، فلا حدود ولا غاية للتقدُّم، فما يراه اليوم غيرَ ممكن، هو واثقٌ أنه سيكون ممكنًا في المستقبل؛ فعجلةُ التقدُّم تسير إلى الأمام دون توقُّف، حتى إن القضايا المستحيلة بذاتها، والتي لا يمكن أن يقوم بها الإنسان مهما بلغ من القوَّة العلمية والفكرية - كالخَلْق والإحياء - أخذ يُعمِل فكره فيها، فيفكِّر في كيفية تكوين الخلايا، وكيف يتغلَّب على الموت؟!

 

التقدُّم العلمي لا عيبَ فيه، ولكن الخلل في التعالي والتكبُّر بأن ينسى الإنسان إنسانيته، وينكر وجود خالقه، فيعلن بكبرياء أنه لا إله، والحياة مادة،بل طغى بعضُهم وأعلن بجهلٍ وحماقة موت الإله، صورة بشعة يعيشُها الغرب في مجال الإيمان والدين، صورة فيها تقديس شائن للعقل والعلم واستخفاف بالإله، فبقدرِ ما اكتسب الغربي من حضارة مدنية، بقدرِ ما سقط في المستوى الإنساني القيمي، لقد فَسَدت فطرته وتلوَّثت، لدرجة أن يجعل كل ما في الوجود شيئًا ماديًّا، حتى الإنسان ينظر إليه أنه مادَّة مثله مثل قطعة الحلوى؛ فقيمة الإنسان ليست في ذاته وكينونته، بل في مقدار إنتاجه، فالتعامل مع الإنسان يكون وَفْق الحس المادي.

 

إن توصيف الحضارة الغربية والتركيز على أحد الجوانب السلبية أو الإيجابية فيها، هو خللٌ في الوصف، والتوازن في الرؤية يمنح المرء قدرةً في إدراك عوامل النهوض وأسباب السقوط؛ لأن الغاية من الوصف هو الاقتداء بالقضايا الإيجابية، والابتعاد عن المسارات المظلمة التي أسقطت الإنسان الغربي؛ فالمؤمن أحق بالحكمة أنَّى وجدها فهو أحق بها، فليس الحديث للتقليل من شأن الحضارة الغربية، ولكن من المزلق الخطير الذي سقط فيه الغرب، وهو التعالي الكاذب الزائف، التعالي على الإله، وجعل الإنسان هو المركز.

 

الغرب لو تأمَّل في طبيعة المعرفة التي لديه لأدرك أن مساحاتِ الجهل أكبر من مساحة العلم والمعرفة التي اكتشفها، فبقدرِ ما يكتشف من معارف، بقدرِ ما تزداد مناطق الجهل وتكثر الأسئلة المبهمة، فلو تأمَّل في أقرب شيء لديه وهو ذاته، فسيدرك أنه لا يزال يجهل الكثير والكثير عن هذا الإنسان، فبما بالك بالكائنات الكبرى؛ كالسموات والأرض؟! وما بالك بالكائنات الصغرى كالذرة وما دق؟! فهو حتمًا أكثر جهلاً وحماقة، ولكن هذه طبيعة الإنسان: ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

 

ورحم الله الشيخَ المسدَّد ابن تيمية؛ حيث يقول: "فالأصل فيه عدم العلم، وميله إلى ما يهواه من الشر، فيحتاج دائمًا إلى علمٍ مفصَّل، يزول به جهله، وعدل في محبته وبغضه، ورضاه وغضبه، وفعله وتركه، وإعطائه ومنعه، وكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى عدل ينافي ظلمه، فإن لم يمنَّ الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل، كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم"[1].

 

فهذا الاستعلاء الغربي هو نتيجةُ جهلٍ، وليس نتيجةَ علم؛ فالعلم يقود إلى إدراك الحقيقة، وأعظم الحقائق وأعلاها هو حقيقة وجود الله، وجهلُهم بهذه الحقيقة الكبرى هو أعظم الجهل، وحتمًا ستكون أحكامُهم وتصوراتهم عن الكون والحياة والإنسان أحكامًا خاطئة؛ نتيجةَ الظلم والجهل الملازم لمن أنكر الحقيقة الكبرى.

 

الإنسان عندما يتعالَى ويَستَنكِف عن عبودية الله والإقرار له بوحدانيته، فهو يعيش حالة أحطَّ قدرًا من البهائم، فالإنسان يصل للعلوِّ، عندما يكون مقرًّا بكونه عبدًا ذليلاً لله تعالى؛ فالعبودية لله هي أعلى المراتب الإنسانية، والاستعلاء عن العبودية هي أدنى المراتب الإنسانية، وهؤلاء الذين تعالَوا عن عبودية الله وتمركزوا حول ذواتِهم، هم في حقيقة الأمر أذلّاء صغار أمام قوانين الحياة وسنن الكون التي خلقها الله - تعالى - فهم يَحْيَون دون إرادتهم، ويموتون حتف أنوفهم، ويعيشون حياة لا يستطيعون التحكُّم في أقدارها؛ فهم صغار أمام أقدار الله - تعالى - فتعالِيهم زائفٌ ناقص، وهذه دلالة على كبر جهلهم وعمق ظلمهم.

 

ولك أن تسأل: أكان الشتاتُ والضياع والسقوط يمكن أن يكون في دوحة الإيمان؟ أكان يوجد ذلك في ضمير الإنسان، وهو يشعر بأنه ليس وحيدًا، وأنه ليس غريبًا في هذه الحياة؟ أكان يمكن أن يشعر بالتحطم والانهيار، وهو متَّصِل بربِّ الروح وخالق النفس؟

 

إن الإنسان الغربي - على ما أُوتِي من إمكانات مادية - يعيش في حالة بؤس وضياع وألم، وهذا أمر طبعي؛ فحينما يَخفِت صوتُ الإيمان في النفس، تنبعث أصوات الغربة والضياع؛ لتُهلِك الإنسان، وتُشعِره أنه لا غاية ولا هدف، وأنه حامل للألم، لقد قال "كامو" - وهو يعاني الملل والضياع - :"ما دُمْنا سنموتُ، فليس لأي شيء معنى، وإن مغامراتنا البشرية لا جَدْوَى منها"، فالموت عنده نهاية الوجود، فلا يرى وجودًا آخر يستحقُّ الحياة من أجله، وهي نتيجة طبيعية لمَن جَهِل معنى الحياة الحقيقية أن يقول: إن الحياة لا معنى لها؛ فهي عبث، وهنا الفرق الجوهري العميق بين المسلم وغيره، أن المسلم لا يعيش هذا القلق الوجودي، فإحساس الإرهاق وفَقْد الأمل لا يأتي للنفوس المليئة بالإيمان؛ بل هو في حالة استقرار واطمئنان مع ذاته ومع الوجود؛ لأن غايته تتَّسِق وتتوافق مع غاية الكون؛ فالكل مسخَّر لرب العالَمين، وهذه الصورة الرائعة التوافقية للموجودات تبعث في النفس الاطمئنان، فلا تناقضات ولا صراعات تصوُّرية؛ بل انسجام مع نواميس الحياة لتحقيق غاية العبودية لله تعالى.

 

الأسئلة الوجودية الكبرى عندما تُثَار في النفس، فإن الإنسان المتعالي عن الله - تعالى - يشعر بالتمزُّق والصراع الداخلي، وللخروج من مأساته ومحاولة عمل تصالح ذاتي، فإنه يتَّجِه لقَبُول أي جواب، حتى ولو كان جوابًا غير عقلاني ولا منطقي، وقد يحمل التناقض؛ وذلك من أجل الاستقرار الذاتي، حتى ولو كان استقرارًا زائفًا خادعًا، وهذا الهروب بالنفس من مواجهة الأسئلة الوجودية ليس حلاًّ؛ بل تأزيم المأساة، وتجريد النفس من المعاني الإنسانية، لدرجة أن يرضَى أن يعيش كبقية المخلوقات التي لا تدرك معنى الحياة سوى ملذاتها الجسدية.



[1] مجموع الفتاوى (22/401).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة