• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / فكر


علامة باركود

أغلى ما نملك

علي حسن فراج


تاريخ الإضافة: 12/5/2010 ميلادي - 29/5/1431 هجري

الزيارات: 8635

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في إحدى القرى كان هناك ثريٌّ يعيش في قصْرٍ منيف، به خدم وحشم، ثم هو مع غناه الفاحش وماله الوافر، سِكِّير عِرْبيد، داعر مستهتر، نذل خسيس، مرابٍ مُرْتش مقامر، لا مكان للقِيَم والمُثُل في رأسه، ولا وزن لها في تفكيره، بل هو عبد بطْنه وفرجه، لا يحيا إلا لهما، ولا يؤمن إلا بهما!

 

ولكن راع هذا الغني التافِه أنَّ ثَمَّ رجلاً فقيرًا مُعدمًا لا يملك شيئًا إلا بيتًا حقيرًا يؤويه هو وأسرته، ومع هذا فهو شامخٌ بأنفه لا يُطأطئ رأسه لأحد، غير محتقرٍ لنفسه ولا لحاله، بل هو ماضٍ في درب الحياة، ملتمس لُقمة العيش بلا خنوع ولا خضوع، ولا ذل ولا حقْد على أحد، معروفٌ عند الجميع بِنَزَاهته وعفَّته على فقْره المدْقع، أمينٌ على ما استرعي من عمل، صادق اللهجة، عظيم المهابة على ما هو فيه من ضيق ذات اليد، حتى صار الناس يحتكمون إليه فيما شَجَر بينهم من يسير الخلافات التي لا يخلو منها مجتمع، ثُم هو مضرب مثلهم إن أرادوا التمثيل على الصدْق والأمانة، والعفة وسلامة الصدر، حتى حل في قريته بمنزلة عظيمة، ومكانة جسيمة، رفعتْه إلى منزلة الأغنياء - وليس بغني - وإلى مرتبة الوجهاء وليس منهم، إنما لا يملك إلا أخلاقًا عالية، وصفات نبيلة، وتجسيدًا لمعانٍ عظيمة عجز الأغنياء عن امتثالها والتخلُّق بها، وصار الناس يرونها مجموعة في هذا الفقير فأحبوه وأجلّوه.

 

ونظر الغني الماجنُ التافه إلى نفسه وإلى نظر الناس إليه، فوجد نفسه منبوذًا مرذولاً، إنما يعظّمه الناس تعظيم الطامع في ماله، فإذا ما أدار لهم ظهره رموه بكُلِّ خسيسة مِن جشع وشره وسفول وانحطاط، ونجاسة وتفاهة، وخسة وحقارة، وكان عالمًا بموقفهم من ذلكم الفقير المعْدم وتعظيمهم له وتقديرهم إياه، فجعل ينظر في أسباب ذلك فرأى أن عظمة الفقير إنما جاءت من أخلاقه التي ينتهجها في سلوكه، وقيمه التي يجسدها في أفعاله، وأن الناس إنما ازدروه هو - على غناه - لغيِّه وسفول غاياته، وضحالة قيمه ومبادئه.

 

ثم أنعم النظر فإذا هو لا قبل له بأخلاق ذلك الفقير وقيمه ومبادئه، وأنه لا صبر له عن اللهو والمجون ومراتع الشهوة والهوى، وأنه لا طاقة له بأن يصبح امرأ نزيهًا عفيفًا، لا يرشو ولا يرتشي، ولا يكذب ولا يخون ولا يغش، فإنه متى فعل ذلك أفلس وافتقر، ومتى افتقر حيل بينه وبين شهواته ولذاته، وليس يطيق عنها صبرًا.

 

فجعل يفكِّر كيف يمكنه أن يهبط بذلكم الفقير صاحب القيَم والمبادئ إلى عالمه المنحط الوبيّ الوخم؛ فإنه متى ما نجح في ذلك لم يبقَ لذلك الفقير أية مزية عليه، وساعتها تسقط منزلتُه من أعيُن الناس، ويتساوى معه في الخسة والضعة الأخلاقية، فيعود الناسُ إلى تعظيم الغني لأجل ماله وجاهه.

 

انطلق ذلكم الغني الماجن إلى بيت الفقير، وعرض عليه أن يعمل عنده لتنفتح له أبواب من الرزق مغلقة، أغراه وأغراه، وأوضح له ما هو فيه من نعمة ونعيم ولذة وشهوة.

 

رد الفقير بكلمةٍ واحدة: "إن أقل مبدأ من مبادئي، أو خلق من أخلاقي - لَهُو أعظم وأغلى عندي من كل ما ذكرت من شهوات ولذات، إن قيمي وأخلاقي هي أغلى ما أملك وما يمكن أن أملك".

 

أظن أن الغرب بما عنده من تفوُّق مادي ليس يختلف حاله كثيرًا عن حال ذلك الغني، فيكاد يكون جل فضله الآن في قوته وغناه، وإن كان يرفع بعض شعارات التمدُّن؛ كالحرية، والمساواة، إلا أن قيمه ومبادئه تظل سافلة منحطة إلى غاية دركات الانْحِطاط والسفول.

 

إنه مجتمع نفعي بَحْت، ينحدر مع الرذيلة، ولكنه يخترع نظريات وفلسفات ليبررها ويُبرهن على أفضيلتها.

 

وأظن أيضًا أننا نملك ما يملك ذلك الفقير من قيَمٍ وأخلاق ومبادئ - وإن كنا فرطنا في الكثير منها - إلا أنها محفوظة في تُراثنا، ما علينا إلا أن نبعثها ونعيشها، ونمتثلها واقعًا في حياتنا.

 

إذا كان هذا حالنا وحال الغرب، فلماذا لا نعتز بقيَمنا وأخلاقنا وتراثنا أمام الغرب، كما يعتز ذلك الفقير بما يملكه أمام ذلكم الغني؟!


لا ريب أن أخلاقنا وديننا وقيمنا هي أغلى وأعلى من كل ما عند الغرب من تقدُّم مادي؛ فالقوة والغنى أعراض زائلة تذهب وتجيء، كما نراه في سقوط دول وقيام أخرى، ولا معنى للقوة والغنى بدون قيَم ومبادئ، أَلَم يجتح التتار الدنيا بقوتهم، فماذا كسبت الدنيا من ذلك؟!

 

أليس اليهود - عادة - أغنى الناس وأرباب المال أينما حلوا، فمَن احتذاهم - يومًا - مثالاً أو اتخذهم قدوة؟!

 

إنَّ القيَم والمبادئ هي الباقية التالدة الخالدة، والغرب صار قويًّا غنيًّا، ولكن بلا قيم ولا مُثُل ومبادئ، وغلب الدنيا بقوته وهزمها بغناه، ولم يبق له من أمرنا ما يأبه له إلا ديننا وتُراثنا وقيمنا وأخلاقنا، وهذا الغرب بعد مسْخه العقلي والفكري عاجزٌ أن يرتفع إلى موروثنا من أخلاق وقيم؛ لأنه صار كما يصرح منظروه بذلك "كائنًا اقتصاديًّا"، فلا هَمَّ له إلا جيبه يملؤه وينفق منه على فرْجه وبطنه، ومن ثَمَّ فمُهمته الحالية أن يستنزلنا عن قيَمِنا ومبادئنا وأخلاقنا؛ لنحيا بعُهْره ودنسه ونفعيته وأثرته وجفائه؛ لتتم له غلبته ونصره في كل الميادين، وليبدو أمام نفسه والعالم شريفًا نبيلاً متَحَضِّرًا فاضلاً، إلى جانب كونه غنيًّا ثريًّا قويًّا.

 

فمتى نفقه هذه القضية ونعتز بديننا وأخلاقنا اعتزاز ذلك الفقير بمبادئه وقيمه، ونطلب مع ذلك الغنى والقوة؟! وما أيسر سبيلَهما لو نفضنا عن رؤوسنا الكسل والتواكُل!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة