• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / فكر


علامة باركود

أوهام ديكارت

أوهام ديكارت
علي العولقي


تاريخ الإضافة: 28/7/2018 ميلادي - 16/11/1439 هجري

الزيارات: 5614

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أوهام ديكارت

 

كل ابن آدم خطَّاء، ولأنه كذلك فالأَحْرى به أن يتحرَّى عيوبَه قبل عيوبِ غيره، وقد تحرَّيتُ عيوبي، فوجدتُني ممن تَغلبه نفسُه، وقد أثقلتْه ذنوبُه، وزاد سهوُه، ولا عذرَ له إلا أن يتغمَّده الله برحمةٍ، ويتوب عليه، فلا ريبَ أن يكون هذا القولُ، إن بانَ فيه مِن الصواب، ونسأل الله من فضله أن يكون هذا الصواب بِمَنِّ الله وعطائه، ولا شأنَ لي فيه أبدًا.

 

ولأنني مُخطئٌ على الدوام، فقد عاملتُ نفسي بألا أَثِقَ بها بتاتًا، ورغم ذلك فإني أجدني أنساقُ لها من حين لآخر ضرورةً لا اختيارًا، غير أن هذه الضرورة قد باتت اختيارًا منذ الوَهلة التي اخترتُ فيها الحياةَ على الموت، فإن تذمَّرتُ كان العيب عيبي:

ونَهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ ♦♦♦ ولو نطَق الزمانُ لنا هجَانَا

 

وإن نفسي الخاطئة مهما ادَّعيتُ عمقَ إيماني، لا أراني أقوى على دَرْءِ شُبهاتها؛ كيف وكل اختبار أُجريه عليها لا يُثبت براءَتَها؛ إذ متى كانت النفس تعمَل لغير صالحها؟!


وعلى الأقل إن لم يَثْبُتْ عليها اتِّهامي، فما انتفَت عنها شكوكي، غير أني لو شَكَكْتُ بنفسي، فبِمَ عساي أثِق إن لم أعتصِم بحبل الله؟!


لقد رأيتُ ديكارت عندما لم يراهن على نفسه ولو بدانق، فقد شكَّ هو الآخر في الوجود بأسْره، ولكنه ما إن وصَل عند عتبات نفسه، حتى توقَّف[1]!


فهل هالَه المشهدُ، أم راعَه التفكيرُ، أم أخذتْه العِزةُ بالأثم؟ أم ماذا حلَّ به عند تلك اللحظة الفارقة التي أبصَر فيها شكَّه؛ لينعطف مباشرةً دون أيِّ تأمُّل، ويَجزِمُ بأنْ لا شكَّ في شكِّه!


لقد كان هيغل أقلَّ سوءًا منه عندما تكلَّم عن ديالكتيك الأفكار، وبيَّن أن كل فكرة تَلِدُ معها نقيضتها[2]، فبمصطلح هيغل، وقبل هيغبل بمصطلح الواقع، كل الظروف تؤكد أن شك ديكارت يَحتمل الشكَّ هو الآخر، فأي عصمةٍ توهَّمها ديكارت في نفسه عندما نصَب منها ميزانًا للحقيقة، وجزَم أن شكَّه مِفتاحُ اليقين!


قد يرى البعض ديكارت وشَعرَه المتدلي في تلك الصورة المنتشرة على صفحات الإنترنت، فيلسوفًا عريقًا أحدَث نَقلةً في مجال العلم والفلسفة، وأسَّس لفكرة محورية سار على نهجها كثيرٌ من المفكرين حول العالم، عندما شكُّوا في تلك الثوابت الراسخة.


غير أني أتساءل: هل نَسِيَ ديكارت أم تناسى قصورَ معرفته بذاته؟ فلو أنه سأل نفسَه وقال: مَن أنا؟ أكان يُحسِنُ أن يُجيبَ؟

وهل نَسِيَ غلبةَ المشاعر وتبدُّلَها الآني، وهو نفسُه الذي قال: ليس من الحكمة أن نَثِقَ بحواسِّنا؟

وهل تجاهل ديكارت أم نَسِي أيضًا عاملَ الظروف المحيطة بالإنسان؟ فهل هذا الشك الذي قرَنه بالحقيقة ليس إلا استجابة لواقع الحال؟


وماذا عن النزعات السوداوية التي تتأَرْجَح في نفس ابن آدم، وتغلب على ظنونه، تلك التي أسماها فرويد بالهو[3] (Id)، فهل خَفِيَ على ديكارت ذلك الجانبُ المستور من أنفسنا؟


وماذا عن الخوف من المجهول الذي يُساوره شبحُ الندم؟ فأي ذنبٍ نَسِيناه وتَنسَاه ديكارت؟

وماذا عن تلك اللحظة التي يتوقف معها الزمانُ عندما نلتمس الخطرَ؛ ليتبخَّر هذا اليقين الديكارتي، وكأن هذه الثقة المفرطة لم تكن إلا حُلمًا عابرًا؟


وأخيرًا وليس آخرًا: الموت، وهو اللحظة التي تُقهَر فيها هذه النفسُ، فتُسلَبُ إرادتُها وتُطوى صفحتُها، فهل كان يقينُ ديكارت نفسه إلا عُمرًا انتهى مع وفاته، وبَقِيتْ بذورُه عند أمثاله من المتشكِّكين؛ ليعيشوا هم عليه حتى يَموتوا وينتهيَ معهم؟


وبالرغم من هذا اليقين الديكارتي الذي لا أراه إلا صورةً مقتطفة لتلك العنجهية التي لطالَما تكرَّرت على وجوه الغربيين - فإنه بَقِيَ وما زال القلقُ الوجودي متجذرًا في الإنسان كسؤالٍ بلا جواب، ولقد رأيتُ من الوجوديين - مِن أمثال كريغورد وهايدغر - أنهم قد استشعروا شيئًا من حقيقة النفس، فقال هايدجر: "ما القلق إلا حالةُُ الخوف المطلق أمام العَراء المطلق"[4]، وعنَى بالعراء المطلق الوجودَ الذي تصوَّروه عدمًا، وليس العراء المطلق في حقيقته إلا هذه النفس التي تسعى بكلِّ حِيلةٍ لتبرير وجودها تبريرًا يضمَن لها الاستمرارَ في لذة الحياة، بعيدًا عن الألم الوِجداني الذي يُساورها كلَّما تكشَّفت سَوْءَاتُها!


فمتى تجاوز الإنسانُ نفسَه؛ لكي يفنِّد القول في غيره، وأعني هذا الوجود الذي لا نتلقَّاه إلا عن حواسِّنا القاصرة، ونتأمَّله بمصطلح مجازي اسمه العقلُ، فهل عرَفنا ما هو العقل حتى نُحكِّمه هو الآخر، ونصرِّح بكل اعتباطية بأن الوجود عدمٌ، ونحن الوجود؟ أليستْ خيانة للقيم وتواطئًا مع النفس مرَّرته الجماهير الثقافية في ظلِّ ظروف غامضة تُحتِّم علينا القول بأنهم إما أن يكونوا شركاءَ في هذه الخديعة، أم أنهم على درجة من اللاوعي تؤهِّلهم لأن تَنطلي عليهم فبركاتُ المتفلسفين؟


لقد مضى على تاريخ الغرب رجالٌ نُحِتَتْ صورُهم على الرخام والبرونز؛ تخليدًا لفرط دهائهم وإقدامهم على أعسر الأمور، ولكني لا أكاد اليوم أرى منهم واحدًا قد ملَك من الشجاعة ما يؤهِّله لأن يقفَ أمام نفسه وقفةً صادقة، باستثناء سقراط الذي لم يُطيقوا صراحتَه، فقتَلوه!


فلا يَغُرَّنَّك بُعدُ النظر ودقةُ الفَهم، ولسانٌ أجرى أساطيل البحار وجحافل الأرض، فقد غفَل مثل هؤلاء أو تغافلوا عن شُبهات هذه النفس، ولمن شاء أن يُعرب عن رأيه حينما يعلَم أنهم هم أنفسهم قد وصَل بهم الغرورُ إلى حد أن آمنوا بأنَّ مصدر أمجادهم يَنبُع مِن سليل أنفسهم، وهي في الحقيقة أقلُّ مِن أن تكون أمجادًا، امتدادًا مِن عصر الإسكندر المقدوني.


ولَمَّا كانت النفس لا تَفتُر عن نرجسيَّتها، فإن الإنسان ما زال محورَ الكون في ثقافتهم، ولأنه كذلك، وفي وقت من الأوقات عندما كان الجهل أقلَّ تركيبًا في أوروبا، آمَن بعضهم بأن الوحي ما أُنزل إلا ليَنسجمَ مع إرادة هذا الإنسان ويُحرِّره من عبوديته، وهي فِريةٌ يتداولها بعض مَن ينتمون إلى الإسلام اليومَ، غير أن هذا العبد ما لَبِثَ أن تَحرَّر، حتى كان أول قرارٍ له هو إلغاء الوحي مِن مُخيلتِه، ولكن هَيهات لمن انزاح عن عبادة الله لعبادة نفسه أن تَذَرَه نفسُه حرًّا، فإذا به يُسْلِمُ  شأنَه لرغباتها، وإذا بها - بمكر الليل والنهار - تَدفَعُه دفعًا ليحرِّر شرًّا أعظمَ، فإذا بالفاسق يأتيك بنبأ الإلحاد، ولم يتريَّث هذه المرة حتى تَستبين أمره، فقد أتى لك ومعه برهانُ العلم؛ لكي تعلمَ أنه لم يَعُدْ فاسقًا، بل صار كافرًا.



[1] يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة (٢٠١٢)،صـ٨٨، مؤسسة هنداوي للتعليم والنشر، المنصورة.

[2] د. جاسم سلطان، فلسفة التاريخ: الفكر الإستراتيجي في فهم التاريخ (٢٠٠٦)، صـ٨٩ مؤسسة أم القرى للترجمة والتوزيع، القاهرة.

[3] K. Cehrry (2017) What Are the Id, Ego, and Superego?, verywellmind Retrived from

[4] يوسف عدنان، الأنطولوجيا الوجودية بين مارتن هايدغر وجاك لاكان، يونيو 29, 2017.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة