• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / فكر


علامة باركود

كيف تهيأت الجزيرة العربية لميلاد الحضارة الإسلامية؟

محيي الدين صالح

المصدر: مجلة الحرس الوطني سبتمبر 2007م، العدد 304.

تاريخ الإضافة: 13/3/2010 ميلادي - 28/3/1431 هجري

الزيارات: 18247

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صفحات من تاريخ الحضارة العربية
كيف تهيأت الجزيرة العربية لميلاد الحضارة الإسلامية؟

 

قبل أن تعرف أوربَّا الحضارة معنى بمئات السنين، كانت الجزيرة العربية ترفل بالعزِّ والمنعة، وهي في أحضان واحدة من أقْدم الحضارات الإنسانيَّة الموثقة، وهي حضارة (سبأ) العربيَّة، وتحديدًا (مملكة بلقيس) سنة 990 ق.م، في أرض العرب العاربة جنوبي جزيرة العرب، ولا شكَّ أنَّ هذه الحضارة لم تكن وليدة لحظة، كما لم تكُن حكمة الملكة بلقيس من قبيل الوحي الإلهي، ولكنَّها كانت ثقافة تراكُميَّة لا بدَّ أنَّها استغرقت مئات السنين بالنِّسبة للحضارة، وعشرات السنين بالنسبة لنظام الحكم الَّذي اتَّبعتْه الملكة؛ أي: إنَّ هذه الحضارة مرَّت بمراحل عديدة من الارتِقاء والتطوُّر حتَّى ورثتها دولة بلقيس، كما هو الحال لكثير من الحضارات.

وكانت المنطقة التي تسمَّى جغرافيا الآن (الشَّرق الأوسط) تمور بكثير من الحضارات المختلفة في قديم الزَّمان، فكانت في وادي النيل كلٌّ من حضارة النوبة والحضارة المصريَّة القديمة، كما كانت حضارة بابل وآشور في الرُّكْن الشَّمالي من جزيرة العرَب، ويُجاورهما حضارة فارس، ولكن هناك فوارق بين تلك الحضارات، سواءٌ في قوَّتها أثناء وجودها، أو فيما خلَّفته للتاريخ بعد ذلك، أو فيما أورثتْه لمن بعدها من خلال التواصل بين الأجيال المتعاقبة، بصرف النظر عن الآثار والمعابد.

والفارق بين الحضارة العربيَّة القديمة وما عاصرتها من حضارات: أنَّ حضارة سبأ بقِيت بآثارها شاهدة على مرِّ السنين - مثلها في ذلك مثل بعض الحضارات الأُخْرى - كما بقِي موروثُها الفِكْري الَّذي خلَّده القرآن الكريم بعد ذلك، عندما تناول جانبًا من جوانب حوار أحدِ رموزها (بلقيس) مع نبي الله سيِّدنا سليمان بن داود - عليهما السلام - والمشْهد كما رواه القرآن الكريم لا يخلو من تزكية - ولو كانت غير مباشرة - لرأس الحضارة العربيَّة آنذاك في مرحلة من مراحل تاريخها، وهي الملكة العربية بلقيس التي استخدمت الدبلوماسيَّة والشورى والذَّكاء، مع استِعْراض القوَّة الاقتصاديَّة والعسكريَّة والسياسيَّة، كلّ ذلك في آن واحد؛ ولذلك فإنَّه عندما انهارت المعطيات المادّيَّة لحضارة سبأ بعد ذلك بسقوط دولتها، ظلَّت المعطيات الثَّقافيَّة شامخة متواصلة عبر الأجيال، وهناك سورة في القرآن الكريم تحمِل اسم هذه الحضارة وهي سورة (سبأ)، التي أشارت إلى أسباب انهِيارها عندما صدَّق إبليس عليهم ظنَّه، كما نصَّت الآيات؛ لنكتسب العظة والعبرة.

وأوَّل مظهر حضاري هو تولِّي امرأة أعْلى سلطة في البلاد - مع تحفُّظاتنا في التوجُّه الإسلامي على ذلك، حيثُ إنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة قد نسختْ هذا الأمر فيما بعد بجعل القوامة والولاية للرجُل - وهذا دليل على أنَّ المرأة العربيَّة قد نالت حقوقَها كاملة غير منقوصة بمفهوم الأوربيِّين (بل زائدة) في وقت كانت فيه المرأة الأوربيَّة ترزح تحت وطأة الدونيَّة والاستِعباد، وهذه الحقوق لا تتمثَّل فقط في أنَّ امرأة عربية صارت ملكة على قومها، بل أوتيتْ من كل شيء، بدون تقْييد لمعنى كلِمة (كل)؛ حيثُ قال الهدهد كما جاء في سورة النَّمل: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} النمل: 23].

المظْهر الحضاري الثَّاني: أنَّها عندما ألقى إليْها الهدهد كتاب سيِّدنا سليمان، لم تُخفِ الكتاب الَّذي وصل إليْها من خلال وسيلة غير معهودة عند النَّاس، بل جمعت الملأ من قومِها للتَّشاور، وكلمة (الملأ) توحي بالجماعيَّة والعموميَّة أو الطَّرح العامّ، وقد كانت صادقةً مع نفسها وهي تصِف هذا الكتاب بأنَّه (كتاب كريم)، ومع قومها وهي تقرأ عليْهم محتوى الكتاب: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 30، 31].

المظْهر الحضاري الثَّالث: أنَّها طلبت المشورة والنَّصيحة والفتوى من أبناء شعبها، ولولا وجود ثقة مُتبادلة بينها وبين رعيَّتها لما استطاعت أن تخطو هذه الخطوة، خاصة أنَّهم لم يكونوا من أتْباع ديانة سماويَّة تقنِّن أو تهذِّب أسلوب التعامل بين الحاكم والمحكوم، حيث كانوا يسجدون للشَّمس من دون الله، والملِكة تُعْلِن مسبقًا وقبل أن تعرف آراء القوم أنَّها ستلتزِم بما يروْنه من رأْي، وأنَّها لن تفرض عليهم شيئًا، ولم تزعُم أنَّها ملهمة، بل قالت بكلِّ صراحة: {مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل: 32]، وهذا دليلٌ على أنَّ ماضيَها في الحكم وفي إدارة شؤون دولتها سار على المنهاج نفسه، ولا بدَّ أنَّها توارثت هذا الأسلوب الرَّاقي من أجدادِها وأورثتْه أيضًا لِمَن بعدها من ولاة الأمر، ولو إلى حين.

المظهر الحضاري الرَّابع: يتَّضح من ردِّ الملأ عليها بكل اعتِزاز وثقة في النَّفس، وبدون تَهيُّب من الموقف، وأيضًا بدون تأثُّر برأيها المبدئي الَّذي وصفت فيه الكتاب (بالكريم)، فقالوا لها: {نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ} [النمل: 33]، ورغْم هذه المنَعة التي يتمتَّعون بها لم يُحاولوا فرض رأي محدَّد بالقطع، ولكن هناك استعداد تامّ لكلِّ الاحتِمالات {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]، وهذا هو النموذج الأمثل للتَّشاوُر والتَّناصُح.

المظهر الحضاري الخامس: هو ثقافة الملكة ومعرِفتها بالتَّاريخ المعاصر والسَّابق لها، وذكاؤها المتمثِّل في حسن التصرف، والتَّأنِّي الشديد ومحاولة التأكُّد من مجريات الأمور وقراءة الأحداث قراءة صحيحة، بالإضافة إلى استِعْدادها الفطري للبذْل والعطاء، والآية تتضمَّن ما يدلُّ على أنَّها معطاءة؛ {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ} [النمل: 35]، وانتظارها لما سيرجِع به رسلها قبل إصدار الرَّأي النهائي دليل أنَّها اتَّخذت بطانة ناصحة لها وزنها وصدقها وقدرتها على صنع القرار، أو المشاركة الفعليَّة في بلورته.

المظهر الحضاري السادس: عندما استطاع سيِّدُنا سليمان نقْل عرش بلقيس إلى مجلسه قبل حضورها، ونكَّره لها، وقيل لها عندما جاءت: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل: 42]، وهذا دليلٌ على رجاحة عقلها وتَحوُّطها التَّام من ملابسات الموقف، فاستِخْدامها لكلمة (كأنَّ) للتحفُّظ والاحتياط معناه: أنَّها تعرف أقدار الأنبياء، حتَّى لو لم يتَّضح لها بعض الجوانب.

المظهر الحضاري السَّابع (والأخير بالنسبة لهذا البحث): أنَّ الملكة العربيَّة لمَّا وجدتْ نفسها أمام تشريع إلهي، ومع نبيٍّ من قبل الله - سبحانه وتعالى - لم تُكابِر وتركب رأْسَها حفاظًا على عرشها، كما أنَّها لم تسوِّف وتماطل وتحسب حسابات الدُّنيا الفانية - كما فعل فرعون مثلاً - إنَّما قدَّمت النموذج الأمثل لحوار الحضارات، وأسلوب التَّعامل مع الرِّسالات السماويَّة والمرسلين، وبتواضُع العظماء؛ {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [النمل: 44] فيما سبق من عبادة الشمس من دون الله، {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [النمل: 44] فيما هو آت.

كلُّ هذه الأحداث وتوابعها، كانت في جزيرة العرب قبل حوالَي ألف سنة من الميلاد، فأين كانت أوربَّا في ذلك التَّاريخ؟! وأين بصائر السَّائرين في فلكها والمتشدِّقين المنبهرين لحدِّ الاستلاب بها وبحضارتها؟!

ولا شكَّ أنَّ الحضارة الإسلاميَّة ورثت الحضارة العربيَّة وقوَّمتها بتنقيتها من الشَّوائب التي علقت بها مع مرور السنين، وطوَّرتْها ببثِّ ما كان ينقصها من عقائد وأخلاقيَّات في ثناياها؛ كما قال المصطفى - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق))، ثمَّ أخرجتها إلى العالم كمثال يحتذى به.

أمَّا ما يقال عن التخلُّف العربي الَّذي تقاعس عن أصولِه وجذوره وحضارته، فذلِك أمرٌ آخَر يدين البشريَّة كلها؛ لأنَّ الصراعات التي حاكها الغرب - والتي لم تسلم منها الأمَّة العربيَّة - قد أتت على الأخضر واليابس (أو كادت أن تأتي) لولا العناية الإلهيَّة التي حفظت لنا الجوانب المشرقة من الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة، وتاريخ الأجداد الأقدمين من العرب العاربة والمستعربة.

وهذا يؤكِّد أنَّ العرب كانت لهم حضارة عظيمة من قبل الرِّسالة الإسلاميَّة بأكثر من 1600 سنة، وظلَّت هذه الحضارة تتطوَّر وتنضج في كلِّ مفرداتها، وبخاصَّة في بيانِها ولغتها التي أعدّت لحمل كلمات الله للعالمين.

وبذلك تأهَّلت تلك الحضارة لتكون نواة الحضارة الإسلاميَّة إلى أن يشاء الله، وصار أصْحاب هذه الحضارة وهم العرَب أوْلى النَّاس بحمل رسالة الله إلى البشريَّة، ولم يتمَّ تكليفهم بهذه الأمانة العظيمة بدون مقدّمات.
{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124].




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- الملأ هم الأشراف وسادة الناس
محمود توفيق حسين 14/03/2010 08:23 PM
السلام عليكم ورحمة الله
وتحية للكاتب وللموقع

ملحوظة هامشية ، في زاوية لغوية لهذا المقال الجميل

يقول الكاتب الكريم : وكلمة (الملأ) توحي بالجماعيَّة والعموميَّة أو الطَّرح العامّ،


وأعتقد أن الملأ هم أَشْرافُ القوم ووجُوهُهم ورؤَساؤهم ومُقَدَّمُوهم، الذين يُرْجَع إِلى قولهم

والتدبر في آيات القرآن وأحاديث الرسول يؤكد هذا المعنى


وشكرًا
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة