• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ


علامة باركود

قصة وعبرة: ظلم التأريخ

قصة وعبرة: ظلم التأريخ
د. علي أحمد الشيخي


تاريخ الإضافة: 4/10/2017 ميلادي - 14/1/1439 هجري

الزيارات: 15763

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة وعبرة

ظلم التأريخ


التأريخ قد يظلم شخصًا أو أمةً أحيانًا، فيتعمَّد التعمية، وطمسَ الصفحاتِ المشرقة من تاريخ المشاهير، فيقلب الحقائق رأسًا على عقب، وينسُب للشخص أو الكيان من السوء ما يُشوِّه جمال المسيرة الناصع، وما ذاك إلا لحسدٍ أكَل قلوبهم، وحقدٍ دفين تغلغل في صدورهم، فأعمى البصائر عن الاعتراف بالحق، بل وجرَّأهم على الظلم والجور، وهذا ما حدث مع قراقوش الذي تُنسب له الأحكام الجائرة، والارتجاليةُ التي لا تستند إلى منطق ولا إلى عقل، وما أكثَرَ ما سمعنا عبارة "هذا حكم قراقوش"! التي غالبًا ما تُطلق عند رؤية أو سماع تصرُّف ظالم أو غريب، وقراقوش هذا الذي افترى عليه التأريخ هو: أحد قواد صلاح الدين الأيوبي، وقد كان من أخلص أعوانه، ومن أقربِهم إليه، كان جنديًّا أمينًا، ومهندسًا حربيًّا بارعًا، إذا تلقَّى أمرًا أطاع بلا معارضة أو تأجيل، وإذا أمر جنوده أمرًا لم يرضَ منهم بغير الطاعة الكاملة، كان أعجوبةً في أمانته، فقد أوكل له حِرَاسة قصر الفاطميين في مصر بعد زوال مُلكهم، وكان يحوي من الكنوز والنفائس والعقود والحلي النادرة ما لا يُحصيها العدُّ، فضلًا عن العرش الفاطميِّ الذي كان يحوي أرتالًا من الذهب، ونوادر الياقوت والجواهر، إلى جانب الجواري الفاتنات، فلم يفتنه الجمال، ولا أغواه المال، فما أخذ لنفسه شيئًا من محتويات القصر، وعندما وقع خلافٌ بين ورثة صلاح الدين بعد وفاته، لم يُصلِح بينهم إلا قراقوش، ولما مات الملك العزيز ابن صلاح الدين الأيوبي أوصى بالمُلك لابنه المنصور ذي التسع السنوات، وجعل قراقوش وصيًّا عليه، فكان الحاكم العادل، والأمير الحازم؛ أصلح البلاد، وأرضى العباد، وظلَّ الحارسَ الأمين الذي لم يُغْوِه الجاه والسلطان، حتى سلَّم المَلِكَ الصغير مُلْكَ أبيه عندما كبِر.

 

وقد وقع ظلم التأريخ لقراقوش نتيجةً لرسالة الكاتب البارع، الموظف في ديوان صلاح الدين، المدعو ابن ممَّاتي، الذي اشتهر بطول اللسان في الباطل، عندما قام بتشويه صورة قراقوش؛ لكونه لم يهادنه في خياناته، كما فعل الآخرون من العاملين معه في الديوان، الذين كانوا يتملَّقونه بالودِّ، ويدارونه اتقاءً لشرِّه، بينما قراقوش لم يأبهْ لتهديداته، ولا خاف شرَّه، لكنه لم يَدُر في خَلَده أن سنَّ القلم أقوى من سِنان الرماح، فقام ابن ممَّاتي بتأليف رسالة سمَّاها "الفاشوش، في أحكام قراقوش"، فصدَّقها الناس، ونسوا تاريخ هذا الرجل الناصع إخلاصًا وأمانةً، ومن هنا صار قراقوش في نظر التاريخ حاكمًا أهوجَ، لا يستند إلى عقل أو منطق، ومعلوم أن طعنة الرمح يُشفى جرحُها، أما طعنةُ القلم فلا يبرأ ألمها، ولا تنتهي بموت صاحبها، فما أقساه من ظلم!

 

ولم يكن قراقوش الوحيد الذي نال منه ظلم التأريخ؛ وإنما سبقه الكثيرون، وتلاه آخرون، وقد أساء قبله الشاعر الفحل أحمد بن الحسين المتنبي لكافور الأخشيدي، وألبسه وجهًا غير وجهه الحقيقيِّ؛ لكونه لم يحظَ بمنصبٍ لدى حكومة كافور بعد مدائحه الطِّوال، وكان كافور قد تولَّى الدولة الأخشيدية بعد وفاة محمد بن طغج؛ إذ كان وصيًّا على العرش؛ لكون ابن الملك لا يزال غلامًا، فعمد المتنبي إلى السخرية منه، وهجاه بقصيدة اشتهرت بهذا البيت الذي حُفظ في ذاكرة التاريخ، ولم يمحُه الزمن:

لا تشترِ العبدَ إلا والعصا معه ♦♦♦ إن العبيدَ لأنجاسٌ مناكيدُ

 

ومن هنا جاء ظلم التأريخ لكافور، رغم أن المؤرخين وصفوه بالحاكم العادل والمعتدل، وكان قد ملأ مكانه في الحكم، كما لم يملأه أحدٌ من قبله من حكام الدولة الأخشيدية، وقد أحاط نفسَه برجال الدين؛ لأخذ رأيهم عندما يحتاج الأمر إلى فتوى أو مشورة.

وما أكثر ما نسمع سخط الأتباع على المسؤول أو الوزير، بل وأحيانًا يشارك المجتمعُ في اتِّهامه بالصَّلف، وقلة المعرفة، والظلم والجور، وغيرها من الصفات المَشينة، بل وتُشهر ضده الأقلام في الصحف والمنتديات، ومع تسيُّد السوشيل ميديا لساحة الإعلام الجديد، برزت الهاشتاقات، وانساقَ بعضُ الأتباع كالقطيع خلف القوم دون معرفة الحقيقة، كما يقال: "مع الخيل يا شقرا"، وأنا هنا لا أنفي استحقاق بعضهم لهذه الحملات، التي قد تكون في كثير من الأحيان سببًا لإسقاطهم من أبراجهم العالية التي أحاطوا أنفسهم بها دون استحقاق، ولكن هناك في المقابل حملات ظالمة في بعض الأحيان، فلنتقِ الله في أنفسنا؛ فإننا مسؤولون عمَّا نقول، وعمَّا نكتب، ومن أراد معرفة الحكم الشرعيِّ لهذا الصنيع، فإن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه، قد كفانا مؤنةَ ذلك عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يُدخِله الجنة، ويباعده عن النار، فدلَّه الرسول صلى الله عليه وسلم على تلك الأعمال، ثمَّ قال له في نهاية الحديث: ((ألا أخبرك بمِلاك ذلك كلِّه؟))، فقال معاذ: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، وقال: ((كُفَّ عليك هذا))، فقلت: يا نبيَّ الله، وإنَّا لمؤاخَذون بما نتكلم به؟ فقال: ((ثكلتك أمُّك يا معاذ! وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائدُ ألسنتهم))؛ (سنن الترمذي: 2616).

 

ولم يُعفِ القولُ بلا علمٍ الكفارَ من لائمة العقاب، ودخول النار، عندما اعتذروا من ربهم عند سؤالهم، بقولِهم كما في قوله تعالى: ﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾ [المدثر: 45]، إلى قوله: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48].

ومعلوم أن غالبية الهاشتاقات تعبِّر أحيانًا عن مواقفَ فردية، تدفع صاحبها لاجتزاء جملة يتيمة من كلام مسؤول؛ بهدف تأليب المجتمع ضده، وهذه الجملة لا يمكن الحكم على نيات صاحبها قبل معرفة الظروف والسياق الذي قيلت فيه، حتى أصبحت عبارة "هشتقوه" سلاحًا فتَّاكًا يخافه المسؤولون كثيرًا، ويعملون لها ألف حساب.


وفي المقابل قد يُمجِّد التأريخ من لا يستحقُّ تأريخُه التمجيدَ، وينسب له ما يرفعه إلى عنان السماء، وهذا في الغالب لا يفعله إلا عُبَّاد الكرسيِّ الدوار، وهو في نظري لا يقلُّ عن سابقه، فهل نعي هذا؟!

أرجو ذلك، والله المستعان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الثقافة الإعلامية
  • التاريخ والتراجم
  • فكر
  • إدارة واقتصاد
  • طب وعلوم ومعلوماتية
  • عالم الكتب
  • ثقافة عامة وأرشيف
  • تقارير وحوارات
  • روافد
  • من ثمرات المواقع
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة