• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع محمد بريشد. محمد بريش شعار موقع محمد بريش
شبكة الألوكة / موقع د. محمد بريش / مقالات


علامة باركود

قبض العلماء وواجب إعدادهم واستنباتهم

د. محمد بريش


تاريخ الإضافة: 27/2/2014 ميلادي - 26/4/1435 هجري

الزيارات: 10763

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قبض العلماء وواجب إعدادهم واستنباتهم[1]

 

من الفواجع أن يموت العالم القدوة، ومن المصائب أن يهلك العالم المدرّس، ومن المهلكات أن تقطف المنايا العالم المعلم، ومن البلية أن يتوفى العالم القرآني الصادع بالقرآن والأرض عطشى لمعين علمه، ولما يبرز بعد خليفته في ثغره!

 

ويصعب على مثلي أن يفجع بانتقال أحبة له في الله إلى جوار الله يشكل متلاحق، يلحق بعضهم ببعض سراعا، كأن سنة الله في قبض العلماء قد آذنت من جديد بالتجلي وعلى نحو مثير وفق الحديث الذي قال فيه الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا". (رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". وابن ماجة). فلله ما أخذ وله ما أعطى، وإنا لفراقهم جميعًا لمحزونون.

 

ففي أقل من ثلاثة أشهر فقدنا دعاة وعلماء كثراً، أخص منهم بالذكر:

1- رجل لا يعلمه إلا القليل، مغربي الأصل حموي الموطن، تتلمذ على الشيخ الحامد رحمه الله عالم حماة وفقيهها، لكنه تخصص في الطب وبرع فيه، ألا وهو الدكتور البارع عبد الكريم الزعيم تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جناته.

 

لما حلت الفتنة بحماة قبل ثلاثة عقود تقريبا هاجر إلى باريس ثم الرباط، وفيها عرفته، كان طبيبا متميزا في تخصصه، مثقفا ثقافة عالية، ومتخلقا بأخلاق نبيلة، متحملا للصعاب في سبيل دينه وتمسكه بعقيدته. استقر بمدينة نابل (تونس) وبها مات حيث كان طبيبها المتميز، بعد هجرة للإمارات والسعودية لم تدم إلا سنوات.

 

لما كان في مستشفى باريس وهو في أمس الحاجة إلى الممارسة والعمل، صادف في إحدى ليالي حراسته في جناح الولادة أن إحدى المسلمات التي اشتد بها الوجع كانت تصيح من الألم وتقول "يا من أرسل لنا محمدا"، وكان قد نصح أحد الأطباء الفخورين بخبرتهم بأن تجرى لها عملية قيصرية على الفور فرفضت، فلما سأل ذلك الطبيب وهي تستغيث عن ما تقوله أخبروه إنها تدعو محمدا، فأجاب متهكما على رفضها للقيصرية: فليأت محمد إذن ليولدها!

 

فما كان من الدكتور الزعيم إلا أن تجند طيلة الليل لتلد المرأة بشكل طبيعي، فلما وضعت ولدها سالمة ذهب إلى مكتب الطبيب ذي المكانة والسمعة، فقال له بلغة فرنسية بليغة: "إن رب محمد أجاب المرأة المستغيثة به فولدت بشكل طبيعي، والولد في صحة جيدة!". فبهت الدكتور وقال بصوت منكسر: كنت أترقب ذلك!

 

مات في صمت لم نسمع بمرضه حتى بلغنا نعيه، وكم فرطنا في وصاله والاتصال به!

 

رحمك الله أبا الحسن وأحسن مثواك.

2- رجل آخر غادرنا منذ شهرين ونيف، جاري العزيز بمدينة الشارقة وأخي الفقيد في الدعوة، وصاحبي المخلص في إقامتي بكل من الرباط وبروكسيل والإمارات، الشيخ الداعية سعيد الزياني رحمه الله. كان لا يخطئ صلاة بأحد مساجد حينا إلا أن يكون مسافرا، ولا يسمح لأهله وبناته بإطالة الجلوس في بيت إلا بيتي، رجل ظلت الابتسامة على وجهه، ولصقت بمحياه، فلم تغادره لا حيا ولا ميتا، ظل ينطق بالعلم ويدعو بالحكمة.

 

من حكمه المأثورة وصفه لمن لا يبتسم في وجه أخيه، ومن يرى أنه من الهمة أن تكون فظا، بقوله: "ويكأنه يرى أن الأسنان عورة من عظيم الإثم كشفها!!"

 

كانت جنازته رحمه الله مشهودة وموته فاجعة.

 

فرحمك الله أبا سلمان وجعل الجنة مثواك.

 

3- ثم بعد شهر تقريبا غادرنا إلى ربه ومولاه أخونا وزميلنا وحبيبنا الأستاذ الدكتور والعلامة الرباني والباحث الأصولي فريد الأنصاري تغمده الله برحمته. وما زلت أذكر آخر زيارتي له ببيته بمكناس حيث لم يتردد في استقبالي لما علم بقدومي رغم أنه حرم على نفسه لما كان يشكو منه من المرض زيارة إخوانه وأصدقائه حتى المقربين منهم إليه.

 

أصر رحمه الله أن يستقبلني بحفاوته، ويكرمني على عادته، فبسطنا في الحديث حتى انشرح وكأنه لا يشكو من شيء، وودعته وأنا كلي اطمئنان إلى أنه سيشفى بإذن الله.

 

وكان مما دار بيننا من حديث سؤالي عن جديد عطائه، واستغرابي لصدور كتابه "الأخطاء السبعة للحركة الإسلامية" وهو الذي انغمس كلياً في علوم القرآن وانتدب نفسه لها، وأنا أعرف أنه امتنع ومنع أن يعاد طبعه ويراه شهادة عابرة أملاها وقتها وسياقها التاريخي، فذكرني مصححاً أن عنوان الكتاب "الأخطاء الستة" لا السبعة، فقلت له مازحاً وملاحظًا: السابعة إصدارك له! فضحك ضحكًا شديداً كمثل ما كنا نعرفه في سلامة جسمه وقوة شبابه.

 

فرحمك الله أبا يحيى وجعل الجنة مأواك، فلقد كانت جنازتك مشهودة وفريدة، وددت لو كنت بالبلد فحضرتها، وموتك فاجعة يا هول أثرها! ووقعها.

 

4- ثم فجعنا بموت عالم كان يحبنا في الله، ويحرص على لقائنا كل ما زرنا بلدنا سوس، ولي أبناء خال في آيت ملول كلما حللت هناك وقد طال بي العهد إلا كان الفقيد من المرحبين والحاضرين المتتبعين، ألا وهو العلامة الدكتور مولاي الحسين ألحيان رحمه الله رحمة واسعة.

 

كان كما هو طبع أهل سوس علامة يرى نفسه على الدوام طالبا، خدوما لمحبي العلم ورجاله وأهله، أصوليا متميزا، عاش شابا في العلم ومات فيه شابا، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جناته.

 

ومما يطمئن القلب له على مرارة الفواجع، أن هؤلاء العلماء وغيرهم من علماء المغرب أصبح لهم اليوم ذكر وصيت بالمشرق غير مدوّ ولا عال النبرة، لكنه موجود غير مفقود. فقد مضى زمن لا تكاد نجوم المغرب تسطع إلا في دوائرها الجغرافية الخاصة وحدودها الإقليمية الضيقة، يعبر عنهم ابن حزم رحمه الله أجمل تعبير في قوله الذائع الصيت:

أنا الشمس في جو العلوم منيرة ولكن عيبي أن مطلعي الغرب

ولو أنني من جانب الشرق طالع لجد على ما ضاع من ذكري النهب

ولي نحو أكناف العراق صبابة ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب

فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم فحينئذ يبدو التأسف والكرب

هنالك يدرى أن للبعد قصة وأن كساد العلم آفته القرب

 

نسأل الله أن يحفظنا في علمائنا، وأن يبارك في خطواتهم، ويهيئ لهم الخلف الصالح والتلامذة الكثر، بما يحيي به الدين، ويرفع به راية المسلمين، وأن يتقبل الذين قضى عليهم الكتاب منهم في عليين.

 

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 23-24].

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



[1] نشر بملتقى أهل الحديث في 16-2-1431هـ الموافق 1-2-2010م تعليقاً على موضوع: خبر: وفاة أستاذنا الدكتور مولاي الحسين ألحيان رحمه الله لمصطفى الشكيري المالكي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • مرئيات
  • لقاءات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • مواد مترجمة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة