• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويسأ. د. عبدالحليم عويس شعار موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويس
شبكة الألوكة / موقع أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات


علامة باركود

الإنسانية والرحمة والعفو في الحروب

الإنسانية والرحمة والعفو في الحروب
أ. د. عبدالحليم عويس


تاريخ الإضافة: 24/1/2015 ميلادي - 3/4/1436 هجري

الزيارات: 16232

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإنسانية والرحمة والعفو في الحروب


من المتفَق عليه بين المؤرخين المسلمين والأوروبيين أن صلاح الدين الأيوبي - رضي الله عنه ورحمه رحمة واسعة - قدَّم صفحة رائعة من التسامح والكرم مع غير المسلمين، على العكس من شنائعهم المعروفة، التي قاموا بها في الحروب الصليبية عندما استولوا على أنطاكية (وقتلوا عشرة آلاف مسلم)، وعندما استولوا على بيت المقدس (وقتلوا سبعين ألفًا على الأقل)، ومع هذه الصفحة الرائعة من الكرم والتسامح مع الأعداء، ركل القائد الإنجليزي (اللّنْبي) قبرَ صلاح الدين بقدمه عندما دخل دمشق، وقال: "لقد عدنا يا صلاح الدين"!

 

وأظن أن كل عاقل من حقِّه أن يسأل: ماذا فعل صلاح الدين لينال هذا الجزاء؟

أم أن الأوروبيين يعدُّون التسامح، وفك الأسرى، وعدم مقابلة الموت بالموت والعنف بالعنف - نوعًا من الضعف والخور؟!

 

وعلى الرغم من التاريخ الدموي الفظيع للحضارة الأوروبية ضد الإنسانية، والمسلمين بخاصة، فقد دأبتْ هذه الحضارة الظالمة على تشويه دين المسلمين وحضارتهم، وترويج أنهم أهل السيف، وأن حضارتهم حضارة العنف! (والحق أنهم أصحاب الحق الوحيدون في الظلم والعنف عبر تاريخهم كله)!

 

لقد كان صلاح الدين الأيوبي - وآل زنكي من قبله - ثم الأسرة الأيوبية بعد صلاح الدين - هم - بحقٍّ - أبطال الدفاع عن الإسلام، وإنقاذ المشرق الإسلامي من الغارة الصليبية؛ ولهذا فهم مكروهون مهما قدَّموا من إنسانيات وأخلاقيات، ومن صور الكرم والتسامح البالغة، التي تزهو بها صفحاتُ التاريخ الإنساني!

 

ولقد قدَّم صلاح الدين - بحقٍّ - مع نفسه وسلوكه الخاص، ومع جنده ومَن حوله من المسلمين، ومع أعدائه - صفحةً أخلاقية راقية، تتجلَّى فيها قيم الإسلام السامية الرفيعة، لقد نسي صلاح الدين تمامًا أمورَه الخاصة، بل وعواطفَه نحو الأمور الشخصية، وآثَر ما عند الله ومصلحة الأمة على كُلِّ شيء، لدرجة أن ابنَ أخٍ له - وكان عزيزًا عليه - مات، فأخفى صلاح الدين الخبر؛ حتى لا يؤثِّر على مواجهة المسلمين للأعداء، ومن ثَمَّ أظهر الكتاب ووقف عليه، وبكى بكاء شديدًا حتى أبكانا من غير أن نعلم السبب، ثم قال صلاح الدين والعَبرة تخنقه: "توفِّي تقي الدين عمر ابن أخي"، فاشتدَّ بكاؤه وبكاء الجماعة؛ (كما يقول بهاء الدين بن شدَّاد).

 

وكان هذا الإعلان في مرحلة متقدِّمة من المواجهة، وقد بقيتْ بعض الأعباء، يقول ابن شدَّاد: "ثم عدتُ إلى نفسي (أي: ابن شدَّاد) فقلت: استغفروا الله - تعالى - من هذه الحالة، انظروا أين أنتم، وفيمَ أنتم، وأعرضوا عمَّا سواه"، وهكذا ينصح ابن شدَّاد السلطان ومَن معه؛ حتى لا تؤثر عليهم العواطف، وهنا يوافق فورًا صلاح الدين، ويقول مستدركًا: "نعم، أستغفر الله"، وأخذ يكرِّرها، ثم قال صلاح الدين: "لا يعلم بهذا أحد"؛ (حتى لا ترتبك أمور المواجهة)!

 

وطلب شيئًا من (الماورد) فغسل عينيه، ثم طلب الطعام، وحضر الناس، ولم يعلم ذلك أحد حتى عاد العدوُّ إلى يافا، وعُدْنا نحن إلى النطرون، وهو مقر ثقلنا؛ أي: مقر قاعدة الانطلاق؛ كما يقول ابن شدَّاد المؤرخ.

 

ولو تصفَّحنا تاريخَ صلاح الدين في مواجهة الحروب الصليبية، منذ وطئت أقدامه أرض مصر، وخلال توحيده للشام ومصر، لوجدنا أخلاقًا سامية، وإنسانية ورحمة، مع حكمة وعقل وذكاء، وغَيرة على دين الله.

 

لقد كان كثيرَ العفو عن المسيئين إذا ظهر له صدقهم في الندم، وكان كثيرَ العطف على الضعفاء - سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين - مكرمًا لكبار أعدائه إذا كانوا محترَمين في عداوتهم، غير منحطِّين في تعاملهم مع المسلمين أثناء الحروب؛ (مثل أرناط الذي كان ينوي هدم الكعبة، ويسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - علنًا أمام المسلمين)، وكان يستجيب لكلِّ استغاثة، وله في ذلك قصص معروفة مشهورة، ومن أشهرِها ما يروى من أنه كان للمسلمين سرايا تدخل إلى العدو فتأسر منه كلَّ شيء وجدته، وفي ذات ليلة أَسَرتْ سَرِيَّة طفلاً رضيعًا له ثلاثة أشهر، وسارت به حتى أتتْ إلى خيمة السلطان - رحمه الله - وعرضتْه عليه (وكان أفراد هذه السرايا يعرضون على السلطان كُلَّ ما يأخذونه أو يأسرونه، فيُثِيبهم ويعطيهم ما أخذوه)، لكن لَمَّا افتقدتِ الطفلَ أُمُّه باتتْ مستغيثة بالويل والثبور في طول تلك الليلة، حتى وصل خبرها إلى ملوكهم؛ فقالوا لها: "إن صلاح الدين رحيم القلب، وقد أَذِنَّا لك في الخروج إليه، فاخرجي واطلبيه منه؛ فإنه يرده عليك"، فخرجت تستغيث ببعض قادة المسلمين، فأخبرتْهم بواقعتها بترجمان كان يترجم عنها، فأطلقوها وأنفذوها إلى السلطان، فأتتْه وهو راكب، فبكت بكاء شديدًا، ومرَّغت وجهها في التراب، فسأل عن شكواها، فأخبروه، فرَقَّ لها، ودمعت عيناه، وأمر بإحضار الرضيع، فمضوا فوجدوه قد بيع في السوق، فأمر بدفع ثمنه إلى المشتري، وأخذه منه، ولم يزلْ واقفًا حتى أحضروا الطفل، وسُلِّم إليها، فأخذتْه وبكتْ بكاء شديدًا وضمَّته إلى صدرها، والناس ينظرون إليها ويبكون، فأرضعتْه ساعة، ثم أمر بها فحُملت على فرس، وأُلحقت بمعسكر الأعداء مع طفلها.

 

ويعلِّق ابن شداد على هذا الموقف قائلاً: فانظر إلى هذه الرحمة الشاملة لجنس البشر، اللهم إنك خلقتَه رحيمًا، فارحمه رحمة واسعة من عندك يا ذا الجلال والإكرام، وانظر كذلك إلى شهادة الأعداء له بالرقة والكرم، والرأفة والرحمة عندما وجَّهوا المرأة للذهاب إلى صلاح الدين، وكان صلاح الدين مع المرأة كما وصفوا، وهكذا كان صلاح الدين دائمًا آية من آيات الله في التسامح والعفو والرحمة، مع الشجاعة والزهد والقوة؛ فرحمه الله رحمة واسعة، والفضل ما شهدت به الأعداء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • حوارات خاصة
  • تفسير القرآن ...
  • قالوا عنه
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة