• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويسأ. د. عبدالحليم عويس شعار موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويس
شبكة الألوكة / موقع أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات


علامة باركود

القسمات الحضارية للتكافل الاجتماعي الإسلامي

القسمات الحضارية للتكافل الاجتماعي الإسلامي
أ. د. عبدالحليم عويس


تاريخ الإضافة: 19/7/2014 ميلادي - 21/9/1435 هجري

الزيارات: 12491

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القسمات الحضارية للتكافل الاجتماعي الإسلامي


ليس التكافل الاجتماعي مجرَّدَ تنظيماتٍ اختيارية يُقيمها المجتمع المسلم، كما أنه ليس نافلة تطوعية يفعلها المسلم فيُثاب، أو يتركها فلا ثواب ولا عقاب، كلاَّ؛ فليس الأمر كذلك في التكافل الاجتماعي، وقد صور الرسول -صلى الله عليه وسلم- المجتمعَ المسلم بسفينةٍ ليس مِن حق أحد أن يَخرقها مهما كان موقعه؛ لأن في ذلك إغراقًا للجميع، وعندما لا يتحقَّق التكافل الاجتماعي فيختفي العدل، وينعدم التوازن، ويظهر الترف في جانب، والفقر الشديد في جانب آخر - تكون النتيجة انتشار الأحقاد، وظهور المذاهب الهدامة كالشيوعية والاشتراكية، وتتعرَّض سفينة المجتمع للهلاك، تقوم الثورات الحمقاء التي لا تُبقي ولا تذر.

 

وإذا كان الله - تعالى - يخاطبنا بقوله لنا: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، ويأمرنا أيضًا بمقاوَمة الترَف الذي يعده نذيرَ الهلاك: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16]، إذا كان الله يقول ذلك، فإنما يقوله ليَلفت أنظارنا إلى أهمية إزالة التناقض وعوامل الصراع في المجتمع؛ فالمترفون الذين لا يُعطون المستضعفين حقوقَهم يتحملون الوزرَ الأكبر في تأجيج عوامل الصراع؛ ذلك لأن الترف ممارسة مُدمِّرة، سواء للجماعة التي تَسكت عليها وتغضُّ عنها الطرف، وتغلو في انهزاميَّتها فتتملَّق وتتقرَّب وتُداهن، أو للمُترفين أنفسهم الذين يُعمي الثراءُ الفاحش - وما ينبثق عنه مِن ممارسة مرَضية متضخِّمة مُبالَغٍ فيها - بصائرَهم، ويَطمس على أرواحهم، ويَسحق كل إحساس أخلاقي أصيل في نفوسهم، ويَحجب عنهم - وهذا هو الأهم والأخطر - كلَّ رؤية حقيقية لدور الإنسان في الدنيا، وموقفه في الكون، وطبيعة العلاقات المتبادَلة بين عالم الحضور والغياب، والأرض والسماء[1].

 

لكن هل المُترفون وحدهم هم الذين يتحمَّلون وِزر إغراق سفينة المجتمع؟

كلاَّ؛ إنَّ الفقراء والمستضعفين يُمكن أن يكونوا شركاءَ لهم في الوِزر، فربما استمرأ هؤلاء المُستضعَفون الفقر، ورَضُوا به، وعاشوا يَنتظِرون معونة الدولة أو معونة الأمة، ناسين أن الإسلام يَنهى عن التسوُّل والكسل والعجْز وترك التكسُّب، ويأمر المسلمَ أن يَستعيذ بالله مِن العجز والكسل والفقر، وفي الوقت نفسه يأمر بالعمل ويَجعله عبادة، يُكرِّم العمال، ويَعتبر كسب الرجل مِن يده أفضلَ المكاسب؛ يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((ما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا له من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيَّ الله داود كان يأكل مِن عمل يده))[2].

 

وهكذا، فبينما يُقاوم الإسلام الترف والمُترَفين، ويُحملهم مسؤولية كبيرة في إغراق السفينة، يتَّجه - أيضًا - إلى الفقراء والمستضعفين القادرين على العمل، يَحثُّهم على عدم الاستسلام لواقعهم، والأخذ بأسباب الغِنى والقوة عن طريق العمل.

 

وفي الوقت نفسه يضع ضوابطَ لحركة الجميع في الحياة، بعيدًا عن الأثَرة والكِبر والفساد والانحرافات، بل يأمرهم بأن يلتزموا بوسطية الإسلام وعدله في كل أمورهم؛ لأنهم شرائح من الأمة الوسط، ولأنهم مُلزمون بالمنهج الوسط، وعندما يَعرض القرآن لقصة "قارون" - وهو النموذج الذي يضعه الإسلام في القمَّة مِن الترف الذي يَستحِق أشدَّ أنواع العقاب - يورد القرآن في ثنايا عرضه للقصة ونتائجِها بعضَ القواعد التي يتَّجه بها إلى الجميع استفادةً من هذا الدرس البليغ؛ يقول تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]، وفي الآية نلمح الوسطية والتوازنيَّة والعدل بين الدنيا والآخرة، وبين المُترَفين والفقراء، كما نلمح نهيَ القرآن عن استغلال المال للفساد في الأرض، وتنتهي بنا قصة "قارون" عند دروس أخرى تُقدِّمها لنا الآيتان التاليتان: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 82، 83]، فقد أصبَح المُنبهِرون بقارون مؤمنين بفضل الله عليهم، حين لم يجعلهم مثل قارون مُترَفين، وإلا لكان مصيرهم الخسف بهم.

 

وقد آمنوا بأنَّ بسْط الرزق بيدِ الله، وأنه يفعله لحِكمة، وهو ليس خيرًا دائمًا، وتُقدِّم الآية الثانية قانونًا ربانيًّا، بأن الدار الآخرة ليست لطلاَّب الاستعلاء والإفساد، بل للمتَّقين.

 

• ومِن جانب آخر يُعالج القرآن قضايا توفير الحاجات البيولوجية والغذائية للناس؛ عن طريق الحث على إنتاجها وتنميتها بالطرق الحلال، والابتعاد بها عن الطريق الحرام التي تودي بأصحابها؛ ففي حوالَي مائة موضع في القرآن الكريم تَرِد كلمة "الأكل" بتصريفاتها المختلفة، وفي حوالَي خمسين موضعًا تَرِد كلمة "طعام" بتصريفاتها المختلفة، وفي حوالَي ثلاثين موضعًا تَرِد كلمة "شراب" بتصريفاتها المختلفة، وفي حوالَي مائة وعشرين موضعًا تَرِد كلمة "الرزق" بتصريفاتها المختلفة[3]، وفي أكثر مِن ثلاثين موضعًا مِن القرآن الكريم ترد الدعوة لإطعام الفقراء والمساكين وسدِّ حاجاتهم الأساسية، وفي أكثر من أربعين موضعًا يرد التأكيد على فريضة الزكاة والصدقات، والثناء على دافعيها، والتنديد بمانعيها، وفي أكثر مِن سبعين موضعًا يتردَّد ذكر الإنفاق وتُسلَّط عليه الأضواء مِن كافة زواياه[4]، وفي مجال التكافل الاجتماعي يدعو القرآن المسلمين أن ينظروا إليه كقضية أساسية، حتى لو أدَّى الأمر إلى الجهاد إنقاذًا للمستضعفين مِن أيدي جلاديهم وظالميهم؛ يقول الله تعالى: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 74].

 

ويُقدِّم الإسلام عددًا مِن المبادئ ذات الأبعاد الدينية والحضارية؛ مِن أجل أن تكون وسائل أو آليات تَكفل تحقيق التوازن الاجتماعي، كما تكفل تحطيم الثراء الفاحش، الذي يؤدي إلى الخلل الاجتماعي.

 

إن الإسلام يجعل المال كله مالَ الله، ويخاطب المسلمين وهو يأمرهم بالإنفاق قائلاً: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33]، وهذا أول المبادئ.

 

وهو يجعل المال وسيلة لا غاية، أما الغاية، فهي تعمير الأرض وعبادة الله بالمعنى الشامل للعبادة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

وهو يُحرِّم الربا والمكاسب غير المشروعة، وسائر صور الاحتكار والغش وأكل الأموال بالباطل، والطغيان في حالة الثراء، كما توعَّد كل أصحاب الأموال بأنهم سيَسألهم الله عن أموالهم من أين اكتسبوها؟ وفيمَ أنفقوها؟

 

ونظام المواريث يقوم بتفتيت الثروات بين الحين والحين.

 

ومن المبادئ - أيضًا - تحريم اكتناز الأموال وعدم تشغيلها، وقد توعَّد الله هؤلاء بعذاب أليم.

 

ومِن المبادئ - أيضًا - محاسبة كل الناس على مصادر ثرواتهم عند اللزوم وفق قانون "من أين لك هذا؟"، وقد كان الخلفاء يُطبِّقونه مع وُلاتهم.

 

ومِن المبادئ - أيضًا - الحثُّ على الإنفاق العام في سبيل الله، والتحذير مِن البخْل وعواقبه؛ قال تعالى: ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180]

 

وبالإضافة إلى هذه المبادئ أوجب الإسلام بعضَ الفروض، وسنَّ بعض النوافل؛ مِن أجْل أن تكون روافدَ خيرٍ لتحقيق التكافل الاجتماعي، ومنها، وعلى رأسها: فريضة الزكاة، وصدقة الفطر، والكفارات، والأضاحي والنذور، والوقف، وواجب الضيافة، والوصيَّة، وحق الماعون، والهدايا أو الهبات في المناسبات المختلفة.

 

وقد أحاط الإسلام كلَّ ذلك بسياج مِن التربية النفسية والوجدانية، ووَصَلها بحبِّ الله وإيثار الآخِرة على الدنيا، ووعَد بالجزاء المضاعف عند خلوص النوايا وتحرِّي الحلال.

 

وكان مِن شأن هذه الآليات أن يَنطلق المجتمع الإسلامي في التاريخ مثل سفينة يَشعر جميع ركابها بمسؤوليتهم عنها - إلا الشواذ - مُقدِّمين مجتمعًا يقوم على التراحم والأخوة، والشعور بالهمِّ الإسلامي الواحد، وبالجسد الإسلامي الواحد، الذي يتأثَّر بحالة كل عضو فيه، ويَبرز التعاطف معه، ويُقدِّم له - مهما تناءت الديار - العَونَ والمساعدة.

 

إنه مجتمع يقوم في تكافله على العقيدة والشريعة والأخلاق، ويتجاوز نطاق الماديات، لكنَّه لا يتجاهلها، بل إنه يَمزج بين الماديات والمعنويات، كما يهتمُّ بالنيات والأهداف، وبالفرد والمُجتمع، وبالرجل والمرأة، وبالغنيِّ والفقير، والقويِّ والضعيف.

 

إنه ليس مجتمعَ تناقضٍ وصراع، بل هو مجتمع تكافل وتراحُم؛ ذلك لأنه مجتمع لا يفصل بين ما لله وما لقيصر؛ فكل شيء فيه لله، وكل الأعمال يمكن أن تكون دينًا وعبادة.

 

إنه مجتمع تَمتزج فيه الدنيا بالدين، والعلم بالعمل، والوحي بالعقل.

 

إنه مجتمع المعادَلة الحضارية السليمة، الذي يضع كل إنجازات أوروبا وأمريكا والحضارة المعاصرة في بوتقة الإيمان.

 

ولن تسعَد البشرية إلا إذا عاد هذا المجتمع لمكانته ودَوره، ورأتْ فيه البشرية النموذج الذي تَحتذيه، والذي يُنقِذها مِن فلسفة الصراع والتناقض، وطغيان المادة، وإهمال الروح، ويومَ يتحقَّق هذا يَتحقَّقُ التكافل الإنساني العام، ويتحقق العدل للجميع بكيل واحد، حتى لو اختلفت الأديان والمصالح، وهذا ما ينبغي أن يُجاهد في سبيله المسلمون والمُنصِفون من طلاب الحق والعدل والخير.



[1] د. عماد الدين خليل: العدل الاجتماعي (ص: 40)، طبع مؤسسة الرسالة، بيروت.

[2] رواه البخاري وأحمد وابن ماجه.

[3] د. عماد الدين خليل: العدل الاجتماعي، (ص: 62).

[4] المرجع السابق (ص: 53).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • حوارات خاصة
  • تفسير القرآن ...
  • قالوا عنه
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة