• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور صغير بن محمد الصغيرد. صغير بن محمد الصغير الدكتور صغير بن محمد الصغير عليه وسلم
شبكة الألوكة / موقع د. صغير بن محمد الصغير / خطب مكتوبة
لمراسلة الدكتور صغير الصغير


Tweets by d_sogher
علامة باركود

الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: وقفة شرعية (خطبة)

الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: وقفة شرعية (خطبة)
د. صغير بن محمد الصغير


تاريخ الإضافة: 31/7/2025 ميلادي - 6/2/1447 هجري

الزيارات: 1080

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير

وقفة شرعية

 

الحمد لله الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا، رحمةً وابتلاءً، ليقوم بحق الشكر والطاعة، ويجتنب طريق الكفران والمعصية. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان من طين، ونفخ فيه من روحه، وأمدّه بالعقل والعلم والقدرة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله هاديًا ومعلّمًا ومبشّرًا ونذيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمّا بعد:

فاتقوا الله عباد الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، إن من عظيم منن الله علينا في هذا الزمان أن سخّر لنا من العلوم والتقنيات ما يذهل العقول، وتُحار فيه الألباب، ومن أبرز ذلك ما نشهده من تطور في تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي باتت تدخل في أدق تفاصيل الحياة، وتُعين الناس على أعمالهم، وتيسر عليهم سبل العيش والتواصل والتعلم، فهي من جملة ما أشار إليه الحق سبحانه في قوله: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13]، ولا يكون شكر هذه النعمة إلا باستعمالها في أبواب الخير، ومصالح العباد، وما يعود بالنفع والبر والصلاح.

 

ولكن النعم إذا حُرّفت عن مواضعها، وانقلبت أدوات خيرها إلى أدوات شر، كانت فتنةً ووبالًا على من استخدمها في غير ما أُعدّت له.

 

وقد حذّر مجموعة بعض الخبراء والمتخصصين[1] في رسالة جاء فيها: "إننا ندعو جميع مختبرات الذكاء الاصطناعي إلى التوقف فورا لمدة ستة أشهر على الأقل عن تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر قوة من GPT4". وزعموا: "حتى تعطى الفرصة للحاق بقدرات الذكاء الاصطناعي ووضع بعض القواعد التي تضمن سلامة العالم منه".

 

وقد لاحظنا جميعاً انتشار أصوات بعض المشاهير من العلماء والمثقفين والقرّاء وغيرهم ممن هم في عداد الأموات -رحمهم الله- التي قد استخدم فيها الذكاء الاصطناعي، وهذا يظهر ضرر استخدام هذا التطور على كثير من الناس بصورة سلبية في محاكاة بصمة الصوت والصورة ونحو ذلك.[2]

 

وهذا مُشاهَد فيمن تعمد تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل لنشر الكذب، وتزوير الحقائق، واصطناع الباطل في صور تبدو للناس صدقًا، وهي كذب لا أصل له. لقد تفنّن البعض في تركيب الصور والمقاطع المرئية والصوتية، بما يحاكي الواقع ويخدع المشاهد، فيُظهر الشخص ناطقًا بما لم يقله، أو فاعلًا ما لم يفعله، ويُنسَب الكلام زُورًا إلى الأبرياء، وتُلفّق الفتاوى على العلماء، ويُختلق الباطل ويُلبّس على الناس باسم الإبداع أو قصد الفتنة، وهذا –والعياذ بالله– من أعظم أبواب الإثم، وخطره عظيم، وشرّه مستطير، وآثاره مدمّرة على الأفراد والمجتمعات.

 

لقد ظهر مصطلح الذكاء الاصطناعي عام 1956م[3]، وانتشرت تقنياته في عصرنا الحاضر، وحسب إفادة المختصين فلا يوجد حتى الآن تعريف له متفق عليه؛ ربما لعدم تحديد ماهية محددة للذكاء البشري، وربما للتطور السريع الخاص به وبأنظمته التقنية.

 

ولكنه بالمعنى العام: أنظمة تَسْتَخدم تقنيات قادرة على جمع البيانات واستخدامها للتنبؤ أو التوصية أو اتخاذ القرار بمستويات متفاوتة من التحكم الذاتي، واختيار أفضل إجراء لتحقيق أهداف محددة.[4]

 

وما يدعو للحديث عن هذا الأمر هو: كون تركيب المقاطع وتزييف الصور لا يقف أثره عند خداع العين؛ بل يتعدّى إلى هتك الأعراض، واغتيال السمعة، وترويج الفاحشة، والإضرار بالأبرياء، وإثارة الفتن، وزعزعة الثقة بين الناس، حتى كاد الصادق يُكذَّب، والكاذب يُصدَّق، فتنطمس معالم الحق، وتعلو راية الباطل، والله تعالى يقول: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، فكيف بمن يصنع القول على لسان غيره؟! وكيف بمن ينشر الكذب متعمدًا ويصطنع الباطل عمدًا؟!

 

وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من التساهل في نقل الأخبار قبل التثبت، فقال: "كفى بالمرء كذبًا أن يُحدّث بكل ما سمع"[5]، فكيف بمن يتعمّد اختلاق الأخبار، ويصطنع المقاطع ويُلفّق الأقوال؟! إنها جريمة مزدوجة: كذب وبهتان، وتضليل وعدوان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال"[6] وردغة الخبال: صديد أهل النار، عياذًا بالله.

 

وإن من الواجب على المسلم أن يكون نقيَّ اللسان، صادق البيان، سليم القلب، حريصًا على التثبّت من كل ما يسمع أو يُنقل إليه، فلا يكون بوقًا للإشاعات، ولا وسيلة لنشر الفتن، ولا شريكًا في الكذب والتزوير، وإن كان غير مباشر؛ فما يُنشر اليوم قد يخلّف جراحًا لا تندمل، وفتنًا لا تنطفئ، ورب كلمةٍ لا يُلقي لها صاحبها بالًا تهوي به في جهنم سبعين خريفًا.

 

فيا عباد الله، إن شكر النعمة يكون باستعمالها فيما يُرضي الله، ولا نعمة أعظم من العلم والقدرة والبيان إذا وُضعت في طاعة الرحمن، ولا فتنة أشد من هذه النعم إذا أُسيء استخدامها فكانت سبيلًا للإفساد والتزوير. فلنتق الله في ألسنتنا، وفيما نصنع بأيدينا، ولنراقب الله فيما نكتب وننشر، فإن الأمر جدّ، والعواقب وخيمة، والله لا يرضى لعباده الكذب ولا يُبارك في عملٍ فيه ظلم وبهتان.

 

أيها الإخوة: ومع ذلك فقد قرّر أهل العلم أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن الوسائل تأخذ حكم المقاصد، فإذا استُخدمت هذه التقنيات في أبواب الخير فهي خير، وإذا استُغلت في الشر كانت شرًّا محضًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله"[7] فكيف بمن سخّر أدوات التقنية لتعليم القرآن، ونشر الوعي، وتيسير الوصول إلى العلوم النافعة، ومساعدة المحتاجين، والتيسير على الناس في شؤونهم؟

 

إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون معينًا في العمل الخيري والاجتماعي، بتحديد الفئات الأكثر حاجة، وتحسين كفاءة التوزيع، وتحليل المشكلات الاجتماعية لوضع الحلول المناسبة، ويمكن أن يكون وسيلة لإيصال المعرفة الدينية والعلمية بلغة يفهمها العامة والخاصة، وبصيغ تتناسب مع مختلف الأعمار والثقافات. وهو كذلك أداة يمكن بها تخفيف المعاناة، وتحسين الرعاية الصحية، وتيسير التعليم، وتوفير فرص العمل، وكل ذلك يدخل في باب التعاون على البر والتقوى، وقد قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].

 

وفي المقابل، فإن من الجوانب الشرعية والاجتماعية التي يجب الحذر منها: أن يُستغل هذا الذكاء الصناعي في التجسس، أو انتهاك الخصوصية، أو الترويج للشهوات والمفاسد، أو نشر الفتن والأفكار المنحرفة، أو صناعة الأكاذيب ونشر الشبهات. وهذه الجوانب –وإن اتخذت طابعًا تقنيًا– فهي محرّمة شرعًا، ومفسَدة اجتماعيًا؛ تُدمّر القيم وتُشوّه الفطرة، وتُضعف الثقة بين الناس، وتفتح أبوابًا من النزاع والعداوة والظلم.

 

وفقه التعامل مع هذه النعمة يقتضي الموازنة بين المصلحة والمفسدة، والتمييز بين الاستخدام المشروع والممنوع، كما يتطلب تعزيز الوعي لدى الأفراد والمجتمعات بخطورة الانسياق وراء كل جديد دون وعي أو تقويم شرعي وأخلاقي. كما أن للمؤسسات العلمية والدعوية والإعلامية دورًا مهمًّا في تأصيل هذا الفقه، وتوجيه الناس إلى الاستعمال الرشيد، والتأكيد على مسؤولية الإنسان أمام الله فيما يقول ويفعل ويصنع، قال الله تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾ [الصافات: 24].

 

نسأل الله أن يجعلنا من عباده الشاكرين، وأن يرزقنا الصدق في القول والعمل، وأن يجنّبنا مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيها الإخوة: ينبغي تسخير كل أداة، كل وسيلة، كل علم، لخدمة المجتمعات والأوطان المسلمة خاصةً المنكوبة أو التي تمر بظروف قاهرة..

 

يمكن لهذه التقنيات أن تدرس احتياجات المعوزين لحظة بلحظة، وتقدّم خطط توزيع دقيقة للغذاء والدواء، وتُصمّم حلولًا مبتكرة لإيصال المساعدات عبر إشراف المسؤولين، يمكنها أن تبني ملفات قانونية دقيقة...

 

يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينشئ منصات تبرع موجهة تشرف عليها جهات رسمية مخولة من الدولة، تتفاعل مع سلوك المستخدم وتقترح عليه فرصًا موثوقة للمساهمة، مع تقنيات تحقق من شفافية الجهات المستلمة، بعيدًا عن أية شبهات أو عراقيل.

 

أما التعليم، في المجتمعات المنكوبة، فيمكن أن يجد في الذكاء الاصطناعي معينًا ثمينًا. فبإمكان تطبيقات تعليمية تعمل دون إنترنت دائم أن توصل المحتوى التربوي للطلاب بطريقة تفاعلية، كما يمكن للواجهات التعليمية الذكية أن تساعد المعلمين في تعويض النقص الحاصل في الكادر والمناهج، وتوفير بدائل مبتكرة تضمن استمرار العملية التعليمية في أحلك الظروف.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



[1] "رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف تجارب الذكاء الاصطناعي الضخمة" وكان من الموقعين عليها: إيلون ماسك، وعدد من خبراء شركة غوغل وغيرهم، انظر: https://bit.ly/3Uvlgze

[2] انظر: بحث التزييف العميق، أ.د. صغير الصغير.

[3] صاغه عالم الحاسوب الأمريكي جون مكارثي خلال مؤتمر "مشروع دارتموث الصيفي للبحث في الذكاء الاصطناعي".

[4]انظر: موقع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي: https://sdaia.gov.sa/ar/SDAIA/about/Pages/AboutAI.aspx

[5] أخرجه مسلم (5).

[6] أخرجه أبو داود (3597)، وأحمد (5385)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (6194).

[7] أخرجه مسلم (1893).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب وبحوث
  • مقالات
  • خطب مكتوبة
  • صوتيات
  • الاستشارات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة