• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور علي الشبلالدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل شعار موقع الدكتور علي الشبل
شبكة الألوكة / موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات


علامة باركود

الرد على شبهة: تبرير الشرك

الرد على شبهة: تبرير الشرك
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


تاريخ الإضافة: 21/6/2015 ميلادي - 4/9/1436 هجري

الزيارات: 28056

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تبرير الشرك


الشبهة السابعة من شبهات المشركين، أو من يسوغ ويبرر لأهل الشرك شركهم، وذلك أنه يقول: أنا لا أشرك بالله - حاشا لله - وأنا أبعد الناس عن الشرك، ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك! فهذا وقع في أمرين:

الأول: أنه ما عرف الشرك ما هو؟ وكيف يقع؟ وهذا هو الخطأ الأول.

 

الثاني: والخطأ الثاني أنه برَّأ نفسه من شيء لا يعرفه، فيحتاج إلى أن يعرف الشرك، ويعرف أن هذا الالتجاء إلى الصالحين - الذي ادَّعاه وأقره على نفسه - أنه شرك بالله العظيم، وصاحب الشبهة والهوى إذا سمع قول الشيخ هنا "فقل له: إذا كنت تُقرُّ أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا"، قد يقول: إن الشيخ هنا يبيح الزنا؟ قد يقول ذلك صاحب الهوى أو مغالط ملبِّس، لكن هل هذا يفهم من كلام الشيخ؟

الجواب: أبدًا، الشيخ يقول هنا - بأفعل التفضيل - إن الله حرم الشرك أعظم من تحريمه الزنا؛ لأن الزنا حرام وكبيرة من الكبائر لا يحبط العمل، والشرك: محبط للعمل، فهو أكبر الكبائر كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم[1]، لكن صاحب الهوى إذا أراد أن يتصيَّد من الكلام ومن فَلَتات اللسان، وجد إلى متصيده سبيلاً، وهذه هي طريقة أهل الأهواء، لا سيما إذا تعدَّى هذا إلى تصيد الأخطاء القولية واللفظية، إلى أن يستطيل عليه ويتهمه بأنه يقصد في كذا يريد كذا، إذا قال: فلان يريد كذا يقصد كذا، ما أدراك أنه يريد ويقصد أمرًا، ما دل عليه عبارة لفظه، أو حال مقامه، وحال فعله؟ فالكلام بهذا كلام بالنيَّات، وهذا - والعياذ بالله - يُخشَى عليه أن يصل إلى منازعة الله جل وعلا في علم الغيب؛ لأن الذي يعلم السر وأخفى من السر هو الله جل وعلا، فإذا قلت: يقصد ويريد، وما دل كلامه على ما ذكرته من قصده وإرادته، فهذا والعياذ بالله ادِّعاء بالظن والجهل، ومنازعة لما غاب عنا علمه.

 

فيقول الشيخ: كيف تبرئ نفسك من الشرك؟ فما هو الشرك الذي نفيتَه عن نفسك؟ فأنت وقعت في خطأين عظيمين، كلاهما قبيح وخطير، والثاني أعظم من الأول.

 

قال رحمه الله: (فإن قال: الشرك عبادة الأصنام، ونحن لا نعبد الأصنام!

 

فقل له: ما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق، وترزق، وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذِّبه القرآن.

 

وإن قال: هو من قصد خشبة، أو حجرًا، أو بنية على قبر أو غيره، يدعون ذلك، ويذبحون له يقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى، ويدفع الله عنا ببركته، ويعطينا ببركته - فقل: صدقت، وهذا هو فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها، فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام؛ فهو المطلوب).

 

رجع الشيخ إلى الشبهة الثانية من الشبه الثلاث الكبار؛ حيث ذكر المخالفُ أن الشرك عبادة الأصنام فقط، ونحن لا نعبد الأصنام، وهذا خطأ في فهم شرك الأولين ما هو؛ فالمشركون الأولون ما اعتقدوا أن هذه الأخشاب، والأحجار، والأصنام، والرخام، والقبور، والجن، أنها تخلق وترزق، لم يعتقدوا ذلك؛ وإنما جعلوا هذه المظاهر - الحجارة - رموزًا على صالحين، إنما هم وسائط عند الله جل وعلا، يقربون إلى الله زلفى وشفعاء.

 

قوله رحمه الله: "وإن قال: هو من قصد خشبة، أو حجرًا، أو بنية على قبر"؛ يعني: بناء، قال: "بنية" على صفة التحقير لها "بنيَّة"، وليست "بنية".

 

فإذا قال المخالف: الشرك عبادة الأصنام، فهذا خطأ.

 

إن قال: هو من قصد هذه الأشياء يدعوها من دون الله، ويتقرب إليها، ويذبح لها، فهذا هو الشرك؛ فقد تكون الأحجار والأبنية على غير قبور، على "غِيْران" أو على موضع، أو على شمس، أو على قمر، ليس لازمًا أن تكون على قبور، لكنها على قبور أوضح وأظهر، وأكثر وأشهر؛ ولهذا بعض الناس يذمُّنا، ويدندن علينا أن ما عندنا إلا شرك القبور! وشرك القبور هو من أوضح مظاهر الشرك، لكن لا يختص الشرك بالقبور فقط، فالشرك متنوع: في القبور، وفي الأحجار، وفي الأشجار، وفي الشمس، وفي القمر، وفي تعظيم العلماء والأمراء والسادات، وفي شرك الطاعة: في تحكيمهم في غير شرع الله جل وعلا، هذه أنواع كثيرة من الشرك، لكن أظهرها في هذا الزمان والزمان الذي قبله هو ما يتقرب به إلى ذوي المقامات، والمزارات، والعتبات، والأضرحة، والقبور، والسادات، والأولياء، بأنواع العبادات والقربات؛ كالدعاء، والاستغاثة، والذبح، والنذور، والطواف، والحلف بها والتبرك... إلخ.

 

قال رحمه الله: (ويقال له أيضًا: قولك: "الشرك عبادة الأصنام" هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا؟ وأن الاعتماد على الصالحين ودعائهم لا يدخل في ذلك؟

 

فهذا يرُدُّه ما ذكر الله في كتابه من كفر مَن تعلَّق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين. فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحدًا من الصالحين، فهذا هو الشرك المذكور في القرآن؛ وهذا هو المطلوب).

 

وإذا قال المخالف: "إن الشرك عبادة الأصنام"، وأراد أنه مخصوص به، فهل هذا حق أو باطل؟ الجواب: بل باطل؛ لأنه أخرج دعاء الصالحين، وأخرج الاستشفاع بالصالحين، وأخرج التوسل بالصالحين، وأخرج - أيضًا - الذبح للصالحين... إلخ.

 

والصالحون ليسوا أصنامًا، فحصرُ الشرك عنده بالأصنام خطأ وباطل، بل الشرك اسم جنس لكل مَن جعل مع الله أحدًا في عبادة من العبادات - وإن لم يجعلها في سائر العبادات - أو في نوع واحد من أنواع العبادة كلها، في الذبح كله، فلو ذبح ذبيحة واحدة ولو عصفورًا أو نملة، أو دعا مرة واحدة غيرَ الله، كان بذلك مشركًا، والشرك عام.

 

وغلاة الصوفية - أهل وحدة الوجود - قالوا: إن المشركين كفروا لما خصصوا الشرك باللات، أو بالعُزَّى، أو بالأصنام، أو بفرعون، ولو جعلوا العبادة في عموم الأشياء لكانوا مؤمنين، كما قاله أساطينُهم: ابن سبعين، وابن الفارض، وابن عربي الصوفي، حتى جعلوا القرآن كتابَ شرك، ولم يجعلوه كتاب توحيد، وهذه مرحلة دنيا دنيَّة من مراحل الغَواية، ودركة عظيمة من دَرَكات الوثنية في التوحيد ما بلغها إلا عتاة هؤلاء، وما تأتَّى أن يبلغوها إلا لما درجوا على تعظيم السادات والأولياء والأضرحة، واستحسنوا ذلك واستمرؤوه، ثم تفلسفوا، وتذوقوا بالكفر البواح.

 

والآن يبين الشيخ الأصل في هذه المسألة، والسرَّ فيها، وهذا خلاصة ما سبق.

 

قال رحمه الله تعالى: (وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله، فقل له: وما الشرك بالله، فسِّرْه لي؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام، فسِّرْها لي؟ فإن فسرها بما بينه القرآن، فهو المطلوب، وإن لم يعرف، فكيف يدَّعي شيئًا وهو لا يعرفه؟!

 

فإن فسر ذلك بغير معناه، بيَّنتَ له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله، وعبادة الأوثان، وأنه الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه، وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا، ويصيحون فيها كما صاح إخوانهم حيث قالوا: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5].

 

قوله رحمه الله: "وسر المسألة" يعني: حقيقتَها، ولبَّها، وكُنهَها، والشيءُ إذا عُرفت حقيقته، سَهُل بعد ذلك معرفة أفراده وأنواعه، فكيف ينفي عن نفسه شيئًا وهو لا يعرف هذا الشيء المنفي؟ هذا في الحقيقة تناقض! أو أنه نفى عن نفسه شيئًا سمَّاه شركًا، وهو في الحقيقة ليس بالشرك، أو أقر لنفسه بشيء سمَّاه توحيدًا وهو في الحقيقة شرك وليس توحيدًا!

 

هذه الدرجات، وهذه المقامات في البحث والمناظرة، وكشف الشبهة معهم!

 

بمثل هذا ينتقل من الأمر الواضح إلى ما هو أقل وضوحًا وهكذا؛ فيرده إلى الواضح حتى يقرَّ به، فعندئذٍ ليس له إلا أمران:

إما: يوافق.

وإما: يعاند، ويكابر؛ فيجحد!

 

قال رحمه الله تعالى: (فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا هذا "الاعتقادَ" هو الشرك الذي أنزل الله فيه القرآن، وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عليه، فاعلم أن شرك الأوَّلين أخفُّ من شرك أهل زماننا بأمرين).

 

ولا يعني هذا - عند من لا يظن بالشيخ خيرًا، أو عند من ساء قصده - أن الشيخ يهون من شرك الزمان الأول، بل شرك الأولين أخفُّ من شرك أهل زماننا بمظهرين أشار إليهما الشيخ، ومرَّ التنبيه عليهما، مع عظم وشناعة الشرك عند الأولين والآخرين!

 

قال رحمه الله تعالى: (أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 67]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُون ﴾ [الأنعام: 40، 41]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا ﴾ [الزمر: 8]، وقوله: ﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [لقمان: 32].

 

المقصود: إذا مسَّكم الضر في البحر، وادلهمت عليكم الخطوب، ما عرفتم إلا ربًّا واحدًا، فهذه آية الإسراء وهي مكية مثل آية يونس:﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 22، 23]، هنا: ﴿ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 67]؛ لأنه لما نُجِّيَ وسُلِّم، جحَد من خصَّه بالدعاء والعبادة، وأشرك معه غيره في حال الرخاء، أما شرك زماننا، ففي حال الرخاء، وحال الشدة.

 

فمشرك زمننا إذا جاءته المصيبة، أو الكرب، أو الأمر العظيم، تجده - إذا كان ممن يعظِّم الحسين، أو العباس - نادى مستغيثًا: يا حسين، يا عباس، وإن كان ممن يعظم عبدالقادر، وجاء المرأةَ الطلقُ وهي حامل مثلاً، أو جاءه الغرق وهو غريق، أو الحرق، نادى مستغيثًا: يا سيدي عبدالقادر، في حال الشدة؛ فوقعوا في الشرك في الشدة، كما أنهم أشركوا في الرخاء، فأيهم أعظم؟! كلاهما عظيم، لكن أيهما أخطر؟! الجواب: الشرك في الشدة أخطر؛ لأن في الشدة في حال الكرب لا يعرف الإنسان إلا من يعتقد فيه هذا الاعتقاد؛ ولهذا يتجه إليه مباشرة، والمؤمن إذا اشتدت عليه الأمور: مَن يعرف؟ يقول: "يا ألله، يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث" يعرف ربَّه وخالقه الذي يعبده؛ فهذا يونس عليه السلام لما ادلهمَّت عليه الخطوب، وبقي في بطن الحوت التقمه - ابتلعه - ما كان دعاؤه؟ ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87] ما دعا، أو سأل، أو نادى، أو استغاث بغير الله!

 

وقوله تعالى: ﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 41]؛ يعني: في حال الضراء نسوا الشرك، ونسوا من اعتقدوا فيه، وفي حال السراء رجعوا إلى ما كانوا عليه، وأشد منهم وأخطر: هو المشرك في حال الضراء يلتفت إلى سيده، إلى من يعتقد فيه الهداية والولاية، ويعتقد فيه النفع والضر، كما أنه كذلك في حال السراء.

 

قال رحمه الله تعالى: (فمن فهم هذه المسألة التي وضَّحها الله في كتابه، وهي: أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدْعون الله ويدعون غيره في الرخاء، وأما في الضر والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وينسون سادتهم، تبيَّن له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهمًا راسخًا؟ والله المستعان).

 

نعم، إي والله، والله المستعان على ما يصفون، كما قال الأول:

عليَّ نحت القوافي من أعنَّتِها ♦♦♦ وما عليَّ إذا لم تفهم البقر

 

مع أن هذه واضحة، لكنها ليست واضحة على مَن على قلبه غشاوة، وفيه عمًى، فالآن الأعمى أو الأعشى ما يرى الشمس، فالبلاء فيه ليس في الشمس، فالذي لا يرى الشمس في رابعة النهار فإن البلاء والنقص فيه هو!

 

كذلك في هذه المسائل الواضحة في غاية الوضوح: من لم يفهمها، فالنقص والخطأ فيه، لا في كتاب الله المنزل، وليس في دين الله، وليس في توحيد الله تعالى.

 

قال رحمه الله تعالى: (والأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناسًا مقربين عند الله: إما أنبياء، وإما أولياء، وإما ملائكة، ويدعون أشجارًا أو أحجارًا مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناسًا من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحلون لهم الفجور من الزنا، والسرقة، وترك الصلاة، وغير ذلك، والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهونُ ممن يَعتقد فيمن يُشاهد فسقُه وفساده ويشهد به).

 

والمقصود: أن هناك - أيضًا - مظهرًا ثالثًا يبين لكم أن شرك الأولين أخفُّ من شرك هؤلاء؛ أن الأولين لو استحلفوا بالله لما حلفوا كاذبين، وهؤلاء لو استحلفوا بالله عز وجل ما تردد أحدُهم أن يحلف بالله كاذبًا، لكن لو استحلف بسيده الذي يعظمه، أو بوليه الذي يقصده، ويدعوه ويرجوه، لما حلف به كاذبًا، بل خَشِيَ أن تصيبه العقوبة من هذا الولي، أومن هذا السيد، أو من صاحب القبر والضريح الذي يعتقد فيه! فلو قلت للرافضي مثلاً: احلف بالحسين!

• فإنه لا يحلف كاذبًا.

ولو قلت للقادري: احلف بالشيخ عبدالقادر!

 

• لا يحلف!

وكذا إن قلت للنقشبندي: احلف بخالد النقشبندي!

 

• لا يحلف.

ولو استُحلف هؤلاء بالله، لما تردد أحدهم أن يحلف مائة يمين كاذبًا فاجرًا فيها؛ وذلك لأنه قام في قلبه من تعظيم هذا السيد أشدُّ مما قام من تعظيم الله وخوفه.

 

قوله رحمه الله: "والأمر الثاني" يعني: المثالَ الثاني الذي يبين أن شرك الأولين أخفُّ من شرك أهل زماننا، وأن شرك أهل زماننا أعظم من شرك الأولين، فمشركو زماننا شركُهم في أناس فاسدين فجرة، كفرة، ظلمة، أما الأولون، فشركهم في أنبياءَ ورسل، وفي ملائكة، وفي صالحين، أو في أحجار وأشجار هي مطيعة لله، لا يصدر منها معصية.

 

(وهذا تفاضل في دركات المُشْرَك به: في دركاته، وفي حضيضه؛ فإن من أشرك مع الله صالحًا خيرٌ ممن أشرك مع الله فاسدًا طالحًا فاجرًا؛ وذلك أن هؤلاء الذين يعتقدون فيهم الولاية عندهم اعتقاد خبيث ورَدَ عليهم من الأمم قبلنا: أنه إذا وصل إلى رتبة في التعبد سقطت عنه التكاليف، وعندئذٍ يقع في المحرمات: يسرق، يزني، يشرب الخمر؛ لأنه تجاوز القنطرة، بل يقع في نكاح محارمه، فقد يقع على أمه، أو أخته، أو بنته، أو خالته، أو عمته؛ لأنه جاوز القنطرة، كما يعتقد - والعياذ بالله - فيمن قد بلغوا بزعمهم الحقيقة، أو بلغوا اليقين، وهذا خروج أصلاً عن شريعة الإسلام؛ فكيف يعتقد فيه الولاية وهو خارج عن هذه الشريعة، هذه هي إباحية "مزدك"، وهي المجوسية، والمزدكية، والمانوية، هذه هي إباحيتهم التي حكم عليها العلماء بأنها زندقة، وأنها خروج عن الإسلام أصلاً، فكيف بعد هذا يعتقد فيهم الولاية وهم كفار بإجماع المسلمين؛ كما حكاه أبو بكر بن الطيب الباقلاني، وأبو حامد الغزَّالي، وأبو العباس بن تيمية وغيرهم رحمهم الله؟!

 

قال رحمه الله تعالى: (إذا تحقَّقتَ أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحُّ عقولاً، وأخفُّ شركًا من هؤلاء، فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شبههم، فأصغِ سمعَك لجوابها.

 

وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذِّبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون البعث، ويُكذِّبون القرآن، ويجعلونه سحرًا.

 

ونحن: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصدِّق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي، ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟).

 

المقاصد الساميات في كشف الشبهات



[1] من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ - ثلاثًا -))، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وكان متكئًا فجلس، فقال: ((ألا وقول الزور، وشهادة الزور))، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت؛ أخرجه البخاري (5/ 2239) ومسلم (1/ 191).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • مطويات
  • صوتيات
  • خطب
  • كتب
  • مرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة