• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيريد. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري شعار موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
شبكة الألوكة / موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / خطب منبرية


علامة باركود

خطبة: آهات على بر الآباء

خطبة: آهات على بر الآباء
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري


تاريخ الإضافة: 25/9/2016 ميلادي - 22/12/1437 هجري

الزيارات: 33795

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: آهات على بر الآباء

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد عباد الله: فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أجارنا الله وإياكم من البدع ومن الضلالات والنار.

 

أيها المؤمنون عباد الله، يقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، كم من آية في القرآن قرن الله سبحانه وتعالى عبادته ببر الوالدين؟، وذاك لعظيم فضلهما، وكريم حقهما، كنا أيها المؤمنون عباد الله، قد تكلمنا فيما سبق عن حق الأمهات على أبنائهن، كنا تكلمنا فيما سبق عن وجوب بر الأبناء بالأمهات، وعاتبنا كثير من الآباء، وطلب منا بعضهم أن نتكلم كذلك عن وجوب بر الأبناء بالآباء، خصوصاً، وللأسف الشديد أننا أصبحنا في زمان انتشر فيه العقوق، وقلّ فيه البر؛ حتى سمعنا صرخات الآباء، حتى سمعنا آهات الوالدين؛ من جرّاء صنيع الأبناء.

 

أيها المؤمنون عباد الله، إنها الحقوق التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، فاتقوا الله تعالى، واتقوا سخط الوالدين، أتدري ما معنى أن يسخط عليك أبوك؟ يقول صلى الله عليه وسلم؛ كما عند الترمذي بسند جيد: "رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد"، أتدري ما معنى أن تُبكي والديك، جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم، يبتغي أفضل الأعمال، يبتغي الهجرة والجهاد، وقد ترك والديه يبكيان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع؛ فأضحكهما كما أبكيتهما"، إن بكاء الأب عند الله عظيم، أن يبكي الأب من جرّاء قسوة معاملة ابنه! أن تنهمر دموعه، ويعتصر قلبه؛ جرّاء صنيع أبنائه! أمرٌ عند الله كبار، فاتقوا الله تعالى، واتقوا بكاء الأب؛ فإنه يُغضب الرب، روى الطبراني بسند فيه شيء من الجهالة، لكن أصل الحديث صحيح، وقد جاءت له طرق كثيرة: أن ابناً من الأبناء، جاء يشتكي أباه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: "ائتني بأبيك"، قال الابن: يا رسول الله، إنا أبي أخذ مالي، فقال له عليه الصلاة والسلام: "ائتني بأبيك"، فانطلق يأتي بأبيه، يشكوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فنزل جبريل عليه السلام من السماء، فقال: يا محمد، إن الله تعالى يقرئك السلام، ويقول لك: إذا جاءك الشيخ، فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فجاء الأب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: "ما بال ابنك يشكوك، أتريد أن تأخذ ماله؟"، قال: يا رسول الله، سله في أيّ شيء أُنفق ماله، ما أنفقته إلا على إحدى عمّاته، أو إحدى خالاته، أو على نفسي، يا رسول الله؛ أي أنها في صروف النفقة الواجبة، فقال عليه الصلاة والسلام: "إيه، دعنا من ذلك، وأخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك"، فقال الشيخ: والله يا رسول الله، ما يزال الله يزيدنا بك يقينًا، لقد قلتُ في نفسي شيئًا ما سمعته أذناي، لكن سمع هذه المناجاة، وتلك الآهات الواحد الأحد سبحانه، ماذا قلت في نفسك؟، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قل، وأنا أسمع"، قال: قلت: فأنشد هذه الأبيات:

غدوتك مولوداً وعلتك يافعاً
تعل بما أجني عليك وتنهلُ
إذا ليلةٌ ضافتك بالسقم لم أبت
لسقمك إلا ساهراً أتململُ
كأني أنا المطروق دونك بالذي
طُرقت به دوني فعيني تهملُ
تخاف الردّى نفسي عليك وإنها
لتعلم أن الموت وقتٌ مؤجلُ
فلما بلغت السن والغاية التي
إليها بدا ما كنتُ فيك أؤملُ
جعلت جزائي غلظةً وفضاضةً
كأنك أنت المنعم المتفضّلُ
فليتك إذ لم ترعَ حق أُبوّتي
فعلت كما الجار المجاور يفعلُ

 

فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ بتلابيب ابنه، وقال: "أنت ومالك لأبيك"، يا الله دمعات علمها الله، وآهات سمعها الله، فماذا نقول لله سبحانه إذا جازينا آباءنا بهذه الغضاضة، وبتلك الفضاضة؟.

 

إنه الأب - أيها الابن الكريم - أتدري من أبوك؟ كنتَ له مجبنةً مبخلة، يكد ويسعى، ويلاقي صروف الأذى، يسافر في الأقطار، ويجوب الفيافي والقفار، ويتحمل الأخطار؛ بحثاً عن لقمة عيشك؛ لكي يربيّك، وينفق عليك ويصلحك، إذا نظر إليك بش، إذا أقبلت عليه هش، وإذا تعلّقت به ضمّك إلى صدره، ووضعك في حجره، يحوطك، ويحميك، حتى كبرت سنه، ورق عظمه، وذهب شبابه، وفنيَ فيك ماله، فنكرت له المعروف، وتناسيت له الجميل، وعاملته بالغلظة والفضاضة، ماذا تقول لله؟ والله الذي يقول: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، إنه أبوك، أتدري من أبوك؟ أبوك الذي ضحّى بكل شيء في سبيل تربيتك، في سبيل نشأتك وتعليمك، في سبيل زواجك وتأهيلك، ضحّى بكل شيء في سبيل ذلك، حتى ضحّى بذاته، فأصبح هرماً كبيراً، شيخاً ضعيفاً مريضًا، ما زلتَ تمتصه كما تُمتص النبتة الخضراء؛ حتى جعلت أباك كالفتات، امتصصتَ كل رحيق فيه، وكل جهد عنده، امتصصت كل شباب، وكل قوة، وكل صحة؛ حتى أصبح عندك في الشيخوخة، أتدري ما معنى عندك، قال ربي: ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ ﴾ [الإسراء: 23]، عندك؛ أي التجاؤهما إليك، واحتماؤهما بك، وحاجتهما لك، فما فعلت؟ إتقِ الله تعالى أن يكون جزاؤهما بعد كل هذا الجميل، وبعد كل تلك التضحيات والسنين؛ أن تتجرأ، فتقول لهما: أفّ، تدري ما معنى أفّ عند الله؟ معنى أفّ: نكران كل هذا الجميل، معنى أفّ جحود هذه التربية، معنى أفّ معصية الله سبحانه وتعالى الذي أوصاك بهما، واعلم أنك مهما فعلت لن تبلغ حقهما، في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه يقول عليه الصلاة والسلام: " لا يجزي ولدٌ والده"، ما يستطيع، ولايستطيع أن يجزي إحسانه، ولا أن يؤدي كامل حقه، "لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه"، أيها الأبناء، اتقوا الله تعالى في حقوق الآباء، تذكر أباك، تذكر أمك، يا من جرّعتهما غصص الفراق والبعاد، يا من أحزنتهما، وأسهرت ليلهما، يا من فارقت أباك، فما رآك الأيام والأشهر، يا من أغضبته، فما اعتذرت إليه السنين والدهور، اتقِ الله سبحانه وتعالى في أبيك وفي أمك، إذا لم ينظر إلى إحسانك تجرع الغصص، وإذا نظر إلى أقرانك فأحسنوا إليه من دونك تسابقت في أعينه الدموع، دموع السخط على عقوق الابن، فاتقِ الله تعالى فيه.

 

اتقِ الله في والديك، أبكيتهما عليك صغيراً؛ حذراً وشفقًا، ثم بكيا عليك كبيراً خوفاً وفرقًا، فارجع إلى والديك، وقابل العقوق بالإحسان، وبادر إلى رضا الله تعالى الرحمن، قبل أن يموت الأب وهو عليك غاضب، أو تفارقك الأم وهي عنك غير راضية، "رغم أنف امرئ أدرك والديه أحدهما أو كلاهما، ثم لم يدخل الجنة"، يقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم: العاق لوالديه، ومدمن خمر، والمنان بما أعطى"، يقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والدّيوث، والرجلة من النساء"، يقول صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: العاق لوالديه، والمنان، والمكذب بالقدر".

 

معاشر الأبناء، كونوا على ثقة أن هذه الحياة دار جزاء ومكافأة، فمن أحسن إلى والديه، وأسعدهما وبرّهما فسيجازيه الله سبحانه وتعالى أولاداً يحسنون إليه، ويرعونه في شيخوخته، ويحسنون إليه في ضعفه، ومن عقّ والديه، فأغضبهما، وأبكاهما، وهجرهما، وتناساهما فسيجزيه الله سبحانه وتعالى أبناءً يفعلون به كذلك؛ كما تدين تُدان، والجزاء من جنس العمل، واثنان، يقول صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني من حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: "اثنان يعجّلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين"، يذكر أهل العلم عن ابن عاق أخذ يهين والده، تجرأ عليه فضربه، ثم أخذ يجر والده؛ لكي يطرده من بيته، يجر والده في الأرض، يجره من رجليه، فأي قلبٍ في هذا الابن، أخذ يجرّه معاشر الأبناء حتى بلغ به باب البيت، فناداه أبوه: يكفي إلى الباب، يكفي يا بني، فقال الابن: لا، بل إلى الشارع، فقال: يا ابني إلى الباب ويكفي، فوالله ما جررت قدميّ أبي إلا إلى الباب، وكما تدين تُدان، ويذكر أهل العلم عن رجل أخذ أباه شيخاً طاعناً في السن، فذهب به إلى خربة، فقال الأب وهو ينظر إلى هذا المكان: لماذا أتيت بي إلى هنا يا بني؟ قال: لأذبحك، فقال الأب: لا تفعل يا بني، كيف تذبح أباك! فأقسم الابن أن يذبحه، فلما رآه كذلك، قال: يا بني إن كنت ستذبحني فاذبحني عند هذه الصخرة، قال الابن: وما عليك؛ أذبحك عند هذه أو عند تلك؟ قال: يا بني، إن كنت ستذبحني فاذبحني عند هذه الصخرة، ووالله ما ذبحتُ أبي إلا عندها، ولك بمثله، وكما تدين تُدان.

 

يا الله معاشر الأبناء، آن لنا أن نرجع إلى آبائنا فنقبل أقدامهم، ونقبل أيديهم، ونسعى في إرضائهم ما استطعنا، يكفينا شقاوة في حياة العقوق، أما آن لنا أن نَسعد بالأنس بطاعة الله تعالى في حياة البِر، جعلني الله وإياكم من البارّين، وجنبنا وإياكم مسالك العاقّين، قلت ما سمعتم، واستغفر الله؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر لله على توفيقه وامتنانه، أحمده ربي سبحانه تعظيماً لشأنه، وأصلي وأسلم على رسوله الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

معاشر الأبناء، وصية الله ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسعوا ما استطعتم في بر الأب، وفي بر الأم، وما أدراكم ما معنى بر الأب؟ في حديث أبي الدرداء فيما صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة"، الله أكبر! فإن شئت ضيعت هذا الباب أو حفظته، فإيّاك أن تضيّع باباً تدخل منه إلى الجنة، إيّاك أن تضيّع هذا الباب، احرص على رضا الأب، فز برضاه تفز بخير عظيم، ما بينك وبين برِ أبيك إلا أن تجاهد نفسك الأبيّة، وأن تفطم نفسك العصيّة، فتحملها على جناح الذل براً بالوالدين، ما بينك وبين أن تدخل الجنة من أوسط أبوابها إلا أن يرضى عنك ذاك الرجل الكبير، الذي خلّفته في البيت أو جئت قبله أو تركته من بعدك.

 

فإن سألت أيها الابن: فما السبيل إلى رضا الوالد؟ فالجواب: هي وصية الله لك: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]، هذه الخمس اعتصم بها؛ لتفوز برضا الله تعالى في رضا والدك، أحسن إلى أبيك ما استطعت، اسعَ في خدمته، قم بحقّه، نفّذ أوامره، اسعَ ما استطعت في أن تطيعه بالمعروف، وفي أن يرضى عنك، هي أيام قلائل تضحّي من أجل رضاه، وتطلب فيها رضا الله سبحانه وتعالى، ثم تفوز بعدها بالبركة في الدنيا، وبجنة النعيم في الآخرة، احسن إليه، بل انظر إلى الإحسان بالبارّين أين يبلغ؟ في صحيح مسلم أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يسير راكباً إلى مكة، كان يركب على حمار، يتروّح به إذا تعب من الركوب على الدابة، فبينما هو يسير على حماره، وإذا به ينظر لرجل أعرابي يسير في الطريق، تأمل وجهه، عرف نسبه، وما كان منه إلا أن وقف ونزل، ثم أعطاه الحمار، وقال له: اركب على هذا، ثم نزع عمامته، وقال: شدّ رأسك بهذه، فلما ذهب، قالوا: يا عبد الله، إنهم أعراب، ويرضون باليسير؛ أعطيته حماراً كنت تتروح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك، فمن كان هذا؟ أتظنون أنه كان أباه، أتظنون أن هذا كان أباه؟ لا، قال: إن هذا كان صديقاً لعمر، وإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ودِّ أبيه"، انظروا إلى البر إلى أين يصل؟ ليس فقط للإحسان للوالد، بل الإحسان لكل من كان الوالد يودّهم، ويحبهم؛ من زوجاته وأبنائه ورحمه وصداقته.

 

إن الفوز برضا الله في البر بالأب؛ يعني أن تقدّر أباك، أن تحترمه، أن تجلّه، في الأدب المفرد للبخاري أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه رأى رجلين يمشيان، فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ قال: هذا أبي، قال: لا تسمّه باسمه، ولا تمشِ أمامه، ولا تجلس قبله، هذا هو البر - أيها الإخوة - قلبٌ يتدفق بحنان التقدير، ومشاعر فيّاضة تعرف للأب حق الإجلال والاحترام، إرضاءً لله القدير.

 

إن من البر بالأب في حياته وبعد موته أن تكثر أخي الكريم من الدعاء له: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾، ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾، قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى كلمة عظيمة، قال: إذا صليت الصلوات الخمس فقد شكرت الله، وإذا دعوت لوالديك في أدبار الصلوات الخمس فقد شكرت لوالديك، ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ تكثر من الدعاء لهما، وخصوصاً دبر كل الصلوات المكتوبة، ثم تتصدق عن أبيك، خصوصاً إذا احتاج إلى صدقتك بعد موتك، في صحيح مسلم: يا رسول الله، إنّ أبي مات أينفعه أن أتصدق عنه؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم"، أيها الأبناء، اتقوا العقوق، والزموا البر، وهذه بعض معاني البر، ارجع لأبيك، فاسأله، ماذا يحتاج منك لكي يرضا عنك؟ ثم افعل ما يريد، يقول صلى الله عليه وسلم في وصيته لأبي الدرداء: "وأطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من دنياك فاخرج لهما".

 

إخوة الإيمان، لو ضحّينا بكل غالٍ ونفيس، وفزنا بدعوة الوالد فقد فزنا ببركة الدنيا وسعة الرزق فيها، وبر الأبناء، وجنات النعيم، "ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن؛ دعوة الوالد والمظلوم والمسافر"، رواه مسلم.

 

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم البر بآبائنا وبأمهاتنا، وأن يعيننا وإياكم على طاعته، وأن يبلغنا وإياكم جنته، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا يا رحمن يا رحيم، وإذا أردت فتنة قوم فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم أعنا على بر والدينا، اللهم أعنا على بر والدينا، اللهم أعنا على أنفسنا في أن نجاهدها في بر آبائنا وأمهاتنا حتى ترضى، اللهم أرزقنا برهما، اللهم ارزقنا برهما في حياتهما وبعد مماتهما، اللهم لا تميتهما إلا وقد رضيا عنا، اللهم إنا نسألك أن ترحمهما، اللهم ارحمهما، واحفظهما، اللهم ارحمهما، واحفظهما، اللهم من كان منهما حياً فأطل في عمره، وأحسن في عمله، واجعله راضٍ عنا، وادفع عنه البلاء والمكروه، اللهم وأحسن له الخاتمة، اللهم ومن كان منهما قد واريناه في التراب، وألحدناه في القبور، ففارقنا وجه بره، وفارقنا السعي في خدمته، اللهم فنوّر له في قبره، اللهم ووسع له فيه، اللهم واجعله روضة من رياض الجنة، اللهم في هذه الساعة المباركة أدخل على قبره الرضا والسرور، والبرد والعافية، فيتذكروننا فيدعون لنا بخير، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وعليك بأعدائك أعداء الدِّين، اللهم اجعل بلدنا هذا خاصة وبلاد المسلمين عامة بلاد أمن وإيمان، وسلامة وإسلام، لا إله إلا أنت سبحانك إن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • خطب منبرية
  • كتب
  • الأبحاث والدراسات
  • الشروحات العلمية
  • ردود وتعقيبات
  • محاضرات مفرغة
  • منظومات
  • فقه منتجات العمل ...
  • التفسير التربوي ...
  • أبحاث في فقه ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة