• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيريد. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري شعار موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
شبكة الألوكة / موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / الأبحاث والدراسات


علامة باركود

التفاطير التي تعلقت بالختومات

د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري


تاريخ الإضافة: 8/9/2016 ميلادي - 5/12/1437 هجري

الزيارات: 8345

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التفاطير التي تعلقت بالختومات

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم، فهذا جوابٌ عن سؤال كثيرٍ من الأخوة عن حكم ما يتعلق بزيارة الأرحام في رمضان، وهي ما تسمى "بالخُـتومات"، وصورتها: ليالٍ وترية تُخص كل منطقة فيها بليلة، يزورهم فيها أهل المناطق الأخرى، كلٌ ينـزل عند قريبه أو صاحبه، ليفطروا عندهم، ولهذه الزيارات ارتباط ببعض الموالد المبتدعة أو الأفعال الشركية التي تقام من قديم؛ حيث يقام في مسجد المنطقة مولد أو تزار قبة قريبة منه في هذه الليلة.. فما حكم من يحضر مثل هذه الولائم قصدًا لصلة الرحم ودون مشاركة للمبتدعة في أعمالهم أو مساجدهم؟

والجـواب:

إن منهج تتبع عوائد الناس ومدى ارتباطها إيجابًا وسلبًا بالشريعة الإسلامية منهج قرآني ونبوي متقرر، ولك أن تتأمل حادثة من حوادث العادات الجاهلية التي لا يمكن أن تندرج تحت نقل، ولا أن يشهد لها عقل، بل وقد لا تتكرر، ومع ذلك يفندها القرآن، ويخلد في سورة البقرة تزييفها، فعن البراء رضي الله عنه قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ [البقرة: 189]، رواه البخاري، ويقرر النبي صلى الله عليه وسلم بقاء عادات الجاهلية في الأمة، وبقاء إنكارها، فيقول: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة"، رواه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.

 

ومن تقرر هذه القاعدة في نفوس الصحابة رضي الله عنهم تحرجوا من أشياء كانت في الجاهلية، لمجرد أنها من أمور وعادات الجاهلية؛ فتحرجوا من الطواف بين الصفا والمروة؛ لأن أصنام الجاهلية كانت عليها، وكانوا يطوفون بها، حتى أنزل الله تعالى قوله: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ [البقرة: 158]، وكانوا يتحرجون من التجارة في الحج؛ لأنها من فعل الجاهلية، حتى نزلت: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198]، رواه البخاري، وتعدى فهم الصحابة رضي الله عنهم إلى إنكار ما قد يبقى من ألفاظ أهل الجاهلية، فهذا ابن عباس رضي الله عنه يقول: "من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر، ولا تقولوا الحطيم، فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف، فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه"، رواه البخاري.

 

وإذا كان هذا هو نظر النصوص الشرعية، وفهم السلف الصالح لتقرير حكم العادات، فقد بحث كثير من العلماء مسائل تتعلق بعادات الناس، وبينوا حكمها من منعٍ أو إباحة، ولم يمنعهم كونها من العادات التي فشت في الناس من بيان حكمها؛ فمن ذلك عادة أهل بلدنا في تحنـية كفي وقدمي (العريس) ليلة زفافه، وهي مسألة بحثها علماء بلدنا، وكتبوا فيها، قال العلامة ابن حجر الهيتمي – عمدة الشافعية المتأخرين في بلدنا- في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر، ص(300): " وعلم من خبر المخنث المخضوب الذي نفاه صلى الله عليه وسلم لأجل تشبهه بالنساء بخضبه يديه ورجليه أن خضب الرجل يديه أو رجليه بالحناء حرام، بل كبيرة على ما ذُكر فيه من التشبه بالنساء، وأن الحديث المذكور صريح في ذلك، وقد وقعت هذه المسألة قريبًا من اليمن، فاختلف فيها علماؤها، وصنفوا في الحل والحرمة، ثم أرسلوا إليّ بمكة سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة ثلاث مصنفات؛ اثنين في حله مطلقًا، وواحدًا في حرمته، وطلبوا مني إبانة الحق في المسألة، فألفت فيها كتابًا حافلاً؛ سميته (شن الغارة على من أظهر معرة تقوله في الحناء وعواره)، وإنما سميته بذلك ليطابق اسمه مسماه، فإن بعض القائلين بالحل تعدى طوره إلى أن ادعى فيه الاجتهاد، وزعم أن القائلين بالحرمة؛ أي وهم الأصحاب قاطبة، بل والشافعي كما بينته ثَم، استروحوا، ولم يتأملوه؛ فغلطوا في ذلك، ثم أكثروا في الكلام من نحو هذه الخرافات والمجازفات، وسولت له نفسه أنه أبرز أدلة خفيت عليهم، وأن تقليده أو تقليد شيخه التابع له في الحل أولى من تقليدهم؛ فلعظيم ضرر هذه الحادثة، وسوء صنيع وطوية هذا المجازف، جردت صارم العزم، وباتر التنقيب والفحص والفهم، وأوريت زند الفكر؛ حميةً لأئمتنا غيوث الهدى، ومصابيح الدجى، وانتصارًا لإيضاح الحق الصراح، وإدحاض ذلك الباطل البراح"، وبعيدًا عن الصواب في المسألة، وانطباق ضابط التشـبه المذموم عليها من عدمه! – فلبسط الكلام عليها موضع آخر-، لكن قول ابن حجر الهيتمي رحمه الله يشير إلى أهمية أن نبحث في مسائل العادات، ونخضعها للراجح مما دل عليه الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم الراسخين.

 

وبعد هذه التوطئة، أقول: إن المسألة المعروضة للبحث من النوازل التي لا أعرف أحدًا من أهل العلم قد تكلم فيها بخصوصها في بحثٍ أو رسالة أو فتوى منشورة، وهي كذلك من المسائل التي تعم بها البلوى؛ فيحتاج للعلم بها أكثر الناس لحاجتهم للعمل بها أخذًا أو تركًا، وتبيينًا للمسألة بوسطية وتجرد أقول: قد يتردد حكمها بين المنع والجواز.

 

القول الأول: القول بالمنع من هذه الختومات.

أدلة هذا القول:

الذي ظهر لي أن جهات النهي عن هذه الختومات - من جهة القائلين بالمنع- تدور على أحد أربعة تخريجات:

التخريج الأول: أنها صورة من صور مشابهة المبتدعة.

ووجه هذا التخريج: ما يحصل من اجتماع في منطقة الختم؛ حيث يقيم المبتدعة موالدهم، وطقوسهم، ويجتمع معهم الحاضرون للختومات زمانًا ومكانًا.

 

ويستدل على منع هذه الصورة: بحديث بوانة، فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجلٌ أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يُعبد؟" قالوا: لا، الحديث، رواه أبو داود بسندٍ صحيح.

 

ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن بتخصيص البقعة بالنذر حتى تأكد من خلوها من أوثان المشركين؛ خوف مشابهتهم، وكذلك هذه الختومات خُصت زمانًا ومكانًا مع كونها كانت أو ما زالت موالد ومحال للمبتدعة.

 

ويعترض على هذا التخريج من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: أن حقيقة المشابهة هاهنا لا تتحقق إلا بالقصد لها، أو بالمشابهة في ظاهر الحال، أو في الزمان، أو في المكان، وكل ما سبق مفقود في صورة المسألة.

 

يوضحه ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاقتضاء (1/ 175) بعد ذكره لحديث بوانة قال: "ومعلومٌ أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها، أو لمشاركتهم في التعييد فيها، أو لإحياء شعار عيدهم فيها ونحو ذلك، إذ ليس إلا مكان الفعل أو نفس الفعل أو زمانه".

 

قال ابن حيدرة عفا الله عنه: وهذه الأمور الثلاثة منتفية من مسألتنا:

1- فأما نفس الفعل، فاعتباره في النهي مقصود، فالنهي في حديث بوانة عن الذبح حيث يذبح المشركون؛ لتشابه ذبح المسلم مع ذبح الكافر في الصورة، فتظهر المشابهة له في ظاهر الحال، ومثله النهي عن الصلاة في مسجد ضرار ﴿ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [التوبة: 108]؛ لتشابهها مع الصلاة في مسجد قباء، والنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها لتشابهها بسجود الكفار، يوضحه أن صورة الفعل إذا اختلفت اختلف الحكم، قال ابن عثيمين رحمه الله في القول المفيد (1/ 242): "أما بالنسبة للصلاة في الكنيسة؛ فإن الصلاة تخالف صلاة أهل الكنيسة، فلا يكون الإنسان متشبهًا بهذا العمل، بخلاف الذبح في مكان يذبح فيه لغير الله، فإن الفعل واحد بنوعه وجنسه، ولهذا لو أراد إنسان أن يصلي في مكان يذبح فيه لغير الله لجاز ذلك؛ لأنه ليس من نوع العبادة التي يفعلها المشركون في هذا المكان".

 

♦ وفي مسألتنا صورة الفعل مختلفة؛ فصلة الرحم والإفطار عند الأقارب يخالف في هيئته وصورته ما يفعله القبوريون في قببهم، أو المبتدعة في مساجدهم من موالد وطبول.. وهذا ظاهر.

 

2- وأما الزمان، فاعتباره مراد، من جهة أنه هو المقصود بالعيد هنا، وهو مختلف أيضًا، فالتفطير يحدث بعد المغرب وينتهي قبل الساعة الثامنة عادةً، بينما لا تبدأ المخالفات إلا بعد الثانية عشرة! فلم يتحقق الاجتماع في الزمان، ولا يبق عند حدوث المخالفات أحدٌ ممن حضر للإفطار إلا من تقصد البقاء للختم.

 

♦ ومثل هذا: جواز حضور وليمة العرس، ولو كان يعقبها منكر بساعات، ومشروعية اتباع الجنازة، وإن كان يتلوها اجتماع للطعام والعزاء..

 

3- وأما المكان، فاعتباره ظاهر في حديث بوانة، وهي اسم موضع أسفل مكة، وهو في مسألتنا مختلف كذلك، فالتفطير يقام في البيوت، والمخالفة في القباب، أو في مساجد المبتدعة، ومعلوم حرص أهل السنة على عدم الصلاة في مساجد أهل البدع، لذا لا نرى تكثير أهل السنة للسواد في مساجد المبتدعة في ختمهم!.

 

الوجه الثاني: أن النهي عن التشبه بالمخالفين إنما يتجه إلى ما هو من خصائصهم، قال العلامة محمد بن إبراهيم في فتاويه (6/ 231): "لا ريب أن ضابط التشبه بهم هو فعل ما هو من خصائصهم"، ومعلوم أن تفطير الأرحام والأقارب لا يختص بالمشركين ولا بالمبتدعة، ولا هو شعار لهم.

 

الوجه الثالث: أن كثيرًا من المناطق زالت عنها صورة ما ذُكر في السؤال، فليس فيها قبة تخص بزيارة في هذه الليلة المخصوصة، وليس فيها مسجد لأهل البدع! فلا وجه أصلاً للمنع، نبه لهذا المعنى العلامة ابن باز رحمه الله عند تعليقه على الحديث، حيث جوّز العبادة في مكانٍ زالت آثار الجاهلية عنه ونسي الشرك كما في هدم النبي صلى الله عليه وسلم اللات وبناء مسجدٍ مكانها، انظر التعليق المفيد على كتاب التوحيد،ص(85).

 

وكذلك أيضًا فقد أوجدت ختومات مستحدثة في أماكن جديدة لم يكن لها علاقة بشيء من البدع.

= ويتـنبه هنا إلى تأكيد حث الناس على الإنكار لما يحدث في مثل هذه الليالي من مخالفات، وإن لم يحضروها؛ تأكيدًا لمسألة البراءة من الطاغوت وما يتبعها.

 

التخريج الثاني للقول بالمنع: أنها من البدع المحدثة.

ولهذا التخريج وجهان:

الوجه الأول: أن تخصيص ليلة على الدوام لزيارة الأرحام، دون أن تتقدم أو تتأخر من البدع، إذ هو عمل يُخصص بزمان بغير مزية شرعية، والجهات التي يرد عليها الابتداع في العبادات من جهة التخصيص ستة؛ منها تخصيص زمانٍ بغير دليل شرعي، ومثلها العادات، قال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام، (2/ 74): "فإن تصور في العبادات وقوع الابتداع وقع في العادات؛ لأنه لا فرق بينهما، فالأمور المشروعة تارة تكون عبادية وتارة عادية، فكلاهما مشروع من قبل الشارع؛ فكما تقع المخالفة بالابتداع في أحدهما تقع في الآخر".

 

ويقول الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة، ص(341)، قال: "فكل كلام كان عامًا ظاهرًا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على ظهوره وعمومه، حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي- يدل على أنه إنما أريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجـملة دون بـعض"، وقال ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (20/ 196): "شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للعمل بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعًا بوصف الخصوص والتقييد".

 

والجـواب عن هذا الوجه من وجهين:

الوجه الأول: أن يُعلم أن صلة الأرحام من المسائل التي أمرت بها الشريعة ولم تحدها بحد، فيرجع في حدها إلى العرف - ما لم يخالف الشرع-، قال النووي رحمه الله كما في المجموع (10/ 271): "ما ورد به الشرع مطلقًا وليس له حد في الشرع، ولا في اللغة، يُرجع فيه إلى العرف والعادة، وأولى العادات ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم"، وقال ابن سعدي رحمه الله في كتابه القواعد والأصول الجامعة، ص(47-48): "القاعدة التاسعة: العرف والعادة يرجع إليه في كل حكمٍ حكم الشارع به ولم يحـده، ثم قال: ويدخل في هذا الأصل مسائل كثيرة جدًا: منها: أن الله أمر بالإحسان إلى الوالدين والأقارب والجيران واليتامى والمساكين، وكذلك أمر بالإحسان إلى جميع الخلق، فكل ما شمله الإحسان مما يتعارف الناس أنه إحسان فهو داخلٌ في هذه الأوامر الشرعية".

 

قال ابن حيدرة عفا الله عنه: وقد اعتاد الناس أن يجعلوا هذه (التفاطير) من المؤكدات في البر والصلة، كما في تخصيصهم يوم العيد بالزيارات مثلاً.

 

الوجه الثاني: أنه ينبغي أن يُفرق بين ما يخصصه الناس بغير الوارد، فيما يعتقدون فيه المزية الشرعية وما يخصصونه باعتبار الأمر الوفاقي أو العقلي، وضـابطه: ما خلا من مفسدة اعتقاد أفضلية هذا المخصص عن غيره مما يدخل في العموم، قال ابن تيمية رحمه الله في وجه النهي عن تخصيص المطلق: "لأنه لابد أن يتـبع هذا التخصيص اعتـقاد القـلب؛ إذ لولا قيـام هذا الاعتـقاد في قلبـه، لما انبـعث القـلب لتخصيصه؛ فإن الترجيح دون مرجح ممتـنع"، الاقتضاء، ص(283).

 

ويتـحقق الأمر الوفاقي العقلي: بأن يستند التخصيص إلى سبب معقول يقصد مثله أهل العقل، ومن أمثلة ذلك: تخصيص يوم الخميس لصلاة الاستسقاء؛ وذلك لفراغ الناس من أعمالهم وتيسر اجتماعهم، وتخصيص يوم الجمعة بمحاضرات أسبوعية؛ لتفرغ الناس فيه، وتخصيص مسجد يُكثر اجتماع الناس فيـه لصلاة الجنازة.

 

• ومسألتنا من هذا، حيث أن عامة الناس لا يقصدون من الاجتماع في هذا اليوم أن لهذا التاريخ أو لهذه الليلة في هذه المنطقة مزية خاصة - ولا يتصور اعتقاد هذا - وإنما أرادوا ما يوفره هذا اليوم من سهولة الاجتماع والتواجد والضيافة، عما لو تفرق الأمر، ولذا نجد أن من لم يحدد يومًا، يصعب عليه بعدُ أن يجمع أقاربه لتفرقهم على اختلاف الأيام.

 

الوجه الثاني للتخريج: وقد تدخل البدعية على العادات من جهة أخرى؛ وهي جعل العادة كالشرع المتقرب به أو الملزم به؛ فكونها متقربًا بها يصيرها كالعبادة، وكونها ملزمًا بها يصيرها كالدين، وهذا والذي قبله من الإحداث في الشريعة، قال الشاطبي في الاعتصـام، (2/ 134): "العادات إذا دخل فيها الابتداع فإنما يدخلها من جهة ما فيها من التعبد، لا بإطلاق".

 

والجواب: أن اعتقاد أن يصبح هذا كالدين له صفة القربة أو الإلزام مستقبلاً بعيد، لأن كل منطقة تختلف في أيامها عن الأخرى؛ كسيئون أو الحوطة أو القطن، فلا يتصور أن يظن أن هذا من الدين، إذ ليس هو بعام بين جميع المناطق، وكذلك فقد غيّر أفراد كثر لياليهم لما تعارضت مع تفرغ جميع أفراد الأسرة فيها، وفي هذا ما يدل على عدم استشعار القربة في تخصيصها، فضلاً عن الالتزام.

 

= ومع ذلك: فيتعين تركه أحيانًا أو التنبيه بالقـول أن هذا التخصيص ليس مرادًا على جهة المزية الشرعية، وإلا " فإن المداومة على المستحب والجائز مشبهة بالواجب، ولهذا أكثر هؤلاء المداومين على بعض الأنواع الجائزة أو المستحبة لو انـتقل عنه لنفر عنه قلبـه وقلب غيره، أكثر مما ينفر عن ترك كـثير من الواجـبات؛ لأجل العـادة التي جعلت الجائز كالواجب" عن مجموع الفتاوى لابن تيمية، (24/ 248)، فمتى وجد هذا تعين الترك بالفعل أو التنبيه بالقول، قال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام (2/ 31): "فكل عمل أصله ثابت شرعًا إلا أن في إظهار العمل به والمداومة عليه ما يخاف أن يعتقد أنه سنة، فتركه مطلوب في الجملة من باب سد الذرائع"، وقال (1/ 70): "وبحسب عظم المفسدة في الممنوع يكون اتساع المنع في الذريعة وشدته"، فلينتبه لهذا كذلك.

 

التخريج الثالث للقول بالمنع: ما يحدث في التفاطير من مخالفات للشرع.

ووجه هذا التخريج: أنه تحدث مخالفات شرعية كثيرة أثناء إقامة هذه الختومات، منها:

♦ الإسراف والتفاخر، حتى أننا سمعنا أن بعضهم يجعل يوم التفطير كوليمة العرس، ويرسل للناس الدعوات!.

♦ وكذلك ما يحدث من إضاعة الأوقات فيما لا ينفع، أو في أحاديث الغيبة والنميمة.

♦ ومنها كذلك: ما يصنعه بعضهم من دعوة الأغنياء دون دعوة الفقراء والمساكين، أو الحضور عند من أجاب دعوته دون غيرهم؛ ممن قد يكونون أقرب له وأحق بصلته.

 

ويعترض على هذا التخريج: بأن سائر ما ذُكر من المخالفات منفكة الجهة عن ذات مسألة البحث، فيتعين النهي عن ذلك بخصوصه مطلقًا، في هذا المسئول عنه وغيره، وهي - كما لا يخفى - منفكة عن أصل المسألة، مثلها مثل سائر المخالفات في الأعراس مثلاً، فينهى عن المخالفة، ولا يمنع الناس من أعراسهم، وتصحح مفاهيم الناس في الصلة والإحسان[1].

 

التخريج الرابع للمنع: وهو أقواها: كونه عيدًا للمشركين.

وحقيقة العيد: ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في الاقتضاء، ص(174) قال: "فالعيد: يجمع أمورًا: منها: يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة، ومنها: اجتماع فيه، ومنها: أعمال تجمع ذلك من العبادات والعادات"، وقال رحمه الله: " واتخاذ المكان عيدًا: هو اعتياد إتيانه للعبادة عنده أو غير ذلك"، الاقتضاء، ص(378).

 

ووجه التخريج: أن الأمور السابقة قد اجتمعت في صورة المسـألة؛ فهي أيام تعود كل سنة يحدث فيها اجتماع ذو عبادات وعادات، بل وفيها من الفرح والتزين ومد "البساط"، وإكرام الأولاد، وأهازيج "يا فلان هات الختـمة"، ما يؤكد حقيقة اتخاذه عيدًا!!

 

قال ابن تيمية رحمه الله: " العيد المشروع يجمع عبادة؛ وهو ما فيه من صلاةٍ أو ذكرٍ أو صدقةٍ أو نسك، ويجمع عادةً؛ وهو ما يفعل فيه من التوسع في الطعام واللباس، وما يتبع ذلك من ترك الأعمال الواظبة (الراتبة)، واللعب المأذون فيه في الأعياد لمن ينتفع باللعب، ونحو ذلك"، الاقتضاء، ص(179).

 

ثم جهة أخرى للمنع كذلك، وهي أنه ليس عيدًا مبتدعًا فقط، ولكنه أسس كعيدٍ للمشركين أو المبتدعة، وهذا ظاهر عند من عرف حقيقة القوم، وحرصهم على ربط محدثاتهم وبدعهم بمناسبات دينية؛ كالموالد، أو اقتصادية؛ كأسواق الناس (وعوادهم)، أو اجتماعية: من ختان أو عزاء أو حصاد وغير ذلك، والذي قبله كافٍ في المنع لكونه عيدًا مخترعًا، فكيف إذا كان عيدًا لأهل الضلالة!.

 

كما يُرسخون هذه المحدثات في نفوس الناس من خلال تعليق قلوبهم بما فيها من ملذات؛ كمد البساط، وأهازيج الشبواني، وما يكون فيها من ذبحٍ وقدحٍ، وسياحةٍ ونزهة، " ولا سيما وطباع النساء والصبيان، وكثير من الناس متشوفة إلى اليوم الذي يتخذونه عيدًا للبطالة واللعب؛ ولهذا قد يعجز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم؛ لقوة مقتضيها في نفوسهم، وتوفر همم الجماهير على اتخاذها"، عن الاقتضاء.

 

وفهم أصل العادة، ومقصد منشئها مهم، يقول الأستاذ عبد القادر محمد الصبان: "البحث عن عادات أو تقاليد أي مجتمع، والحديث في تلك العادات والتقاليد ليس بالأمر الهين أو السهل، فهو يستلزم بحثًا عن الأصول والنشأة؛ لذلك العرف أو التقليد، وعن مصدر ذلك، وتاريخ وجوده، ثم عن شمولية تلك العادة، وعموميتها، أو اختصاصها"[2].

 

وقد يعترض على هذا التخريج من وجهين:

الأول: أنه لا يطلق على هذه الأيام اسم العيد.

ويناقش هذا الاعتراض: بأن العبرة بحقيقة الأشياء لا بأسمائها، والحكم دائر على المعاني لا على المباني.

 

والثاني: أن كل يوم من هذه الأيام ليس عامًا بين جميع الناس، بل يخص طائفة محدودة.

وقد يجاب: بأن عموم نسبي، فهو عيد بين أهله.

القول الثاني: القول بجواز هذه الختومات.

 

أدلة المجيزين لهذه التفاطير: تدور حسب علمي على ثلاثة أوجه:

الأول من أوجه الجواز: أن الأصل في عادات الناس الجواز، "والأصل في العبادات أن لا يشرع فيها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أن لا يُحظر فيها إلا ما حظره الله"، الاقتضاء، ص(269).

ووجه ذلك: أن الدين جاء بحفظ الضروريات الخمس؛ فما حفظ الدين فهو من أمور العبادات، وما حفظ النفس والعقل فهو من أمور العادات، وما حفظ المال والعرض، فهو من أمور المعاملات، وهذا في الجملة، وزيارة الأرحام متعلقة بحفظ العرض، فهي من باب المعاملات، والأصل في المعاملات والعادات الإباحة حتى يرد الدليل الناقل عنها، ينظر: إعلام الموقعين، لابن القيم، (1/ 449)؛ خصوصًا مع دخول صورة المسألة في عمومات الأمر بالصلة والإحسان.

 

والجواب من وجهين: أن دخول المخالفة على هذه العادة، وخروجها من عمومات الإذن سبق بيان وجهه من كونها بدعةً، أو فيها تشبهٌ بالمبتدعة، أو بأعيادهم.

 

ثم الكلام على أن الأصل في العادات الإباحة إنما هو من جهة الكلام على أحكام جزيئاتها -كصورة المسألة-، أما أصول العادات وكلياتها فهي محكومة بأحكام الشرع، بل حتى تلك الجزيئات الأفضل فيها لزوم العادات الرشيدة السالفة، قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات (1/ 399): "العادات لها تأثير عظيم فيما يحبه الله أو فيما يكرهه، فلهذا أيضًا جاءت الشريعة بلزوم عادات السابقين الأولين في أقوالهم وأعمالهم، وكراهة الخروج عنها إلى غيرها من غير حاجة".

 

والثاني من أدلة المجيزين: رفع الحرج اللازم على الناس من منع مثل هذه الأمر، خاصة مع عدم إرادة المخالفة، ورفع الحرج يصحح بعض المعاملات التي يقع فيها الناس، وأمثلة ذلك في الفقه معروفة؛ كمسألة إباحة بيع العرايا، وفيه صورة ربا الفضل؛ لرفع الحرج العام، وإباحة الشريعة للبس الحرير والذهب للرجل المحتاج؛ لرفع الحرج الخاص.

 

والجواب: أن الحرج الواقع على الناس من منع هذا الأمر، لم يقع بمحض قدر الله، وإنما الناس هم الذين تقصدوا وقوعه لما خالفوا الأمر بلزوم السنة بما اتبعوا به أهل الضلالة، والمعصية لا تأتي بالنعمة، وما انبنى على المحدث محدث، ينظر: الاعتصام، (2/ 13).

 

قال ابن تيمية رحمه الله في معرض رده على أحد الأمراء لما أحدث بعض البدع؛ كتقديم الخطبة على صلاة العيد: "فيقال له: سبب هذا تفريطك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطبهم خطبة يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم، وأنت قصدك إقامة رياستك، ثم قال: فهذه المعصية منك لا تبيح لك إحداث معصية أخرى، بل الطريق في ذلك أن تتوب إلى الله وتتبع سنة نبيه"، الاقتضاء، ص(280).

 

• وإن كان وقوع الحرج الخاص لا بد أن يكون له اعتبار في هذه المسألة؛ كما سيأتي بيانه في القول المختار.

والثالث مما قد يستدل به القائلون بالجواز: أن مقصد الشريعة في تحقيق صلة الأرحام واجتماع المسلمين وإفشاء الرحمة بينهم، من أعظم المقاصد التي حرص عليها الشارع، وأُخر لأجلها بعض المهمات تحقيقًا لها؛ كأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح بصلة أسماء رضي الله عنها لأمها المشركة.

 

والجواب: أن مقصد الشريعة في سد باب الإحداث والشرك أعظم من المقصد السابق، كيف وقد تواترت النصوص والأحكام لإقامة هذا المقصد وترسيخه، وليس في قطع أواصر المحبة بين المهاجرين ودعاة الشرك وعقد المؤاخاة بين عصبة المؤمنين إلا تأكيد ظاهر لعظم هذا المقصد، ففرق بين صلة الفاعل وهو على معصيته أو خطئه، وصلته وهو على غير ذلك، ثم يعظم النظر إليه - من باب سد الذرائع - في مجتمع مثل مجتمعنا حيث تنتشر فيه البدع ودعاتها جهارًا، وتتجدد وسائلها دوامًا، وهذا ظاهر.

 

♦ وتأكيدًا لما سبق - إن احتاج إلى تأكيد - فلننظر لجهات الترجيح بين المصالح المتعارضة:

أ‌- فالفرح بهذه الأعياد المحدثة يضاد حفظ الدين، وقد يظن أنه يخدم حفظ العرض، وحفظ الدين مقدم على حفظ العرض.

ب‌- والمنع منها يتصل بحفظ الضروري من الدين، بينما الإذن بها يتصل - كما يُظن - بحفظ التحسيني من العرض؛ لأن ضروريه هو النكاح، وصورة المسألة قد تخدم صلة الأرحام المتعلقة من وجهٍ بعيد بحفظه، وحفظ الأول مقدم.

 

القول المختار في المسألة:

أقوى تخريج لصورة المسألة: كونها عيدًا للمبتدعة، وهذا التخريج يقوي جهة المنع، يدل عليه حديث بوانة، فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجلٌ أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يُعبد؟"، قالوا: لا، قال: "فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟"، قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوفِ بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم"، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح بمكانٍ كان الكفار يعملون فيه عيدًا، وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لا يتخذ المكان عيدًا، بل يذبح فيه فقط، فقد ظهر أن ذلك سد للذريعة؛ إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشية أن يكون الذبح سببًا لإحياء أمر تلك البقعة، وذريعة لاتخاذها عيدًا، مع أن ذلك العيد إنما كان سوقًا يتبايعون فيها ويلعبون، كما قالت له الأنصار: يومان نلعب فيهما في الجاهلية، لم تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم".

 

ويتعين كذلك تركها على جهة التقديم والتأخير؛ لئلا تصبح شرعًا ملزمًا أو مستحبًا؛ إذ الإلزام أو الاستحباب المشوب بشائبة التعبد شرع؛ و"العادات لا تتغير إلا بمغيرٍ يزيلها"، الاقتضاء.

 

لكن يتنبه أن منع هذه الظاهرة إنما هو على جهة سد الذريعة لوقوع الشرك أو البدعة، وما مُنع سدًا للذريعة يباح عند عظم المفسدة المترتبة على تركه؛ كتأكد وقوع القطيعة بين الأقارب عند عدم الحضور؛ رفعًا للحرج الخاص؛ خاصةً إذا لم يقصد الباطل، ولم يكن ثمة بدع ظاهرة بالمنطقة، وبُين وجه عدم قصد التعبد بالليلة، أو ضعف حال المنكر، "وسبب ذلك أن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه"، الاقتضاء، ص(163).

 

تنبيه: قد يخالفني فيما حررته بعض إخواننا الأفاضل، وما أظن هذا يرجع إلى أصل المسألة، وإنما ما يتعلق بتصور حقيقة الحال، وتنقيح المناط في المسألة، وهذا قد يتفاوت من منطقة لأخرى، والله المستعان.



[1] للباحث خطبة بعنوان: كيف تكون تفاطيرنا إسلامية، وهي مهمة في بابها، فراجعها غير مأمور.

[2] في كتابه عادات وتقاليد (الأحقاف مديرية سيئون)، ص(3)، مطبوع على الآلة الكاتبة، المركز اليمني للأبحاث والآثار والمتاحف، فرع م. حضرموت، قسم المنشورات، مؤرخ بتاريخ ربيع الأول 1400هـ، يناير 1980م .





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • خطب منبرية
  • كتب
  • الأبحاث والدراسات
  • الشروحات العلمية
  • ردود وتعقيبات
  • محاضرات مفرغة
  • منظومات
  • فقه منتجات العمل ...
  • التفسير التربوي ...
  • أبحاث في فقه ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة