• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيريد. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري شعار موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
شبكة الألوكة / موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / خطب منبرية


علامة باركود

ما ينبغي للأب معرفته من الأحكام والآداب الفقهية

د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري


تاريخ الإضافة: 31/7/2016 ميلادي - 25/10/1437 هجري

الزيارات: 9006

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ما ينبغي للأب معرفته من الأحكام والآداب الفقهية


الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

إن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المؤمنين الموحدين، إن الله تعالى قد أكمل لنا الدين، وأتمّ علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً.

 

إن الله تعالى جعل هذا الدين ديناً قويماً، دين الوسطية والشمول والصلاحية لكل زمان ومكان؛ لذلك تأكد علينا - معاشر الإخوة الكرام - أن نتفقه في هذا الدين، "ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، لذلك وجب علينا - معاشر المسلمين - أن تعلم كل ما نحتاجه من أمور الدنيا والآخرة و "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً" هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

 

وقد جاءت هذه الخطبة لتكون رسالة إلى الآباء، فيما ينبغي معرفته من الأحكام والآداب الفقهية؛ تجاه أطفالهم وصبيانهم الذين لم يبلغوا الحلم.

 

اعلم - أيها المسلم الكريم - أن طلب الولد مستحب، فاحرص على طلب الولد، احرص على طلب الولد بالزواج، يقول عليه الصلاة والسلام: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة"، اطلب الولد بالزواج، فإن كنت متزوجاً؛ فاطلب الولد بالجماع، يقول الله: ﴿ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ﴾، قال أهل التفسير: ما كتب الله، أي من الولد.

 

إذا جامعت أهلك - يا عبد الله - إذا أتيت أهلك، فقل: (بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا)، فإن قُدّر بينكما ولد - كما في الصحيحين من حديث ابن عباس - يقول عليه الصلاة والسلام: "لم يضره الشيطان أبداً"، وعند الإمام مسلم: "لم يُسلط عليه الشيطان".

 

قال أهل العلم: لم يضر الشيطان هذا الحمل فخرج طفلاً حياً، وقال بعضهم: لم يضره في بدنه، وقال بعضهم: لم يضره في دينه؛ فلا يرتد عن الإسلام بعدها.

فاحرص - يا أيها الأب المبارك - على هذا الدعاء قبل كل جماع.

فإن حملت المرأة، تأكد قتل جنس من حيات البيوت، قال عليه الصلاة والسلام: "اقتلوا ذو الطفيتين والأبتر؛ فإنهما يطمسان البصر، ويسقطان الحَبَل"، وذو الطفيتين: جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان، وأما الأبتر: فهي الحية قصيرة الذنب، ذات اللون الأزرق، ما إن ترى الحامل هاتين الحيتين إلا وتلقي ما في بطنها، فاحرصوا على قتلهما.

 

أيها الكرام، إننا في هذا الزمان القريب، انتشرت بيننا ساحرة تعلم النساء السحر، فتكثر في بيوت المسلمين من مثل هذه الحيات والثعابين، التي أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتلها، فاحذروا، واتقوا هذا الأمر، فقد حذركم رسولكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم منه.

 

ويُشرع للحامل إذا خافت على نفسها أو على طفلها أن تفطر من رمضان، وكذلك يُشرع للمرضع، ثم بعد ذلك إما ن تطعم عن كل يوم مسكيناً، وإما أن تقضي ما فاتها من الأيام، فقد اختلف أهل العلم في ذلك على قولين أو أكثر، والمسألة شائكة، وأيّ شيء فعلت الحامل أو المرضع جاز عنها.

 

فإن رزقك الله سبحانه وتعالى بعد ذلك الولد، استُحب أن تعوّذه من الشيطان الرجيم، أما سمعنا قول الله: ﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]، فيعيذه من شر الشيطان.

 

ويحصن صبيانه الصغار صباح مساء بالتحصينات المشروعة: " أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"، وإن قرأ عليهم المعوذتين: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾؛ فهو أفضل وأكمل، يقرأ في كفه، ثم يمسح على صبيانه الصغار، أو يعلمهم قراءتهما في الصباح والمساء.

 

معاشر المؤمنين، فأما الأذان في الأذن اليمنى للمولود حين يولد؛ فقد جاء في ذلك حديث حسنه بعض أهل العلم وضعفه بعضهم، فإن فعل هذا الوالد أو غيره فلا حرج إن شاء الله.

 

وأما ما يفعله بعض الناس؛ حيث يضعون المرّ أو نحوه على صدر الصبي الصغير دفعاً للعين، أو دفعاً للجن - زعموا-، فهي من التعويذات غير المشروعة، والتي يجب اجتنابها.

 

فإذا كان يوم سابع ولدك، فاسمع ماذا يقول عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام - كما في حديث سمرة رضي الله تعالى عنه -: "كل غلام رهينة بعقيقته، تُذبح يوم سابعه، ويُحلق رأسه، ويُسمي"، ومعنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: "كل غلام رهينة بعقيقته"، قال أهل العلم: هو رهين عن الشفاعة، فلا يشفع لوالديه حتى يعقا عنه، وقال بعضهم: هو رهين عن الشيطان، فلا يُحمى من الشيطان حتى يُعق عنه، وقال بعض أهل العلم: هو رهين عن الانشراح والانبساط حتى يعق والداه عنه.

 

أيها الأخوة الكرام، إن كلام أهل العلم هذا يؤكد عاينا أن نحرص على سنة العقيقة، فنذبح عن الأنثى شاة واحدة، وعن الذكر شاتين مكافئتين، فمن لم يجد إلا واحدة فليفعل ولا حرج، فإن كان يوم السابع - كذلك - شُرع حلق رأس الذكر؛ لما في شعره من دم وأذى.

وهل يُشرع حلق رأس الأنثى؟

قولان اختلف عليهما أهل العلم، والأقرب - والله أعلم - أنه لا يُشرع حلق رأس الأنثى.

وهل يتصدق بوزن شعر الذكر فضة؟

حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه العلماء، فإن فعل ذلك فلا حرج إن شاء الله عليه.

فإن كان يوم السابع - أيها الكرام - سمى ولده: إن كان الأب مستعداً بالاسم، فليسمِ من اليوم الأول كما فعل عليه الصلاة والسلام قال: "إنه قد ولد لي اللية غلام فسميته باسم أبي إبراهيم"، وإن كان غير مستعد بالاسم فليشاور زوجه، وليشاور أهله، والاسم حقٌ لك أيها الأب، لكن في هذه المشورة جبرًا للخواطر؛ فإذا كان يوم السابع فليعلن اسمه.

 

أيها الكرام، يجب على الآباء أن يتخيروا أحسن الأسماء لأبنائهم ولبناتهم؛ كعبد الله وعبد الرحمن، وكل اسم عربي حسن المبنى، حسن المعنى لغةً وعرفاً وشرعاً، اتقوا الله عز وجل، واجتنبوا تسمية أولادكم بأسماء الدلع، أو بأسماء الفاسقين والفاسقات.

 

وقد انتشر عند بعض الناس - للأسف - أنهم يسمون بناتهم بأسماء الممثلات؛ فإذا ظهرت ممثلة انتشر اسمها على بنات المسلمين حتى يظهر بعد ذلك اسم ممثلة أخرى، اتقوا الله عز وجل، اتقوا الله سبحانه؛ فإننا ما أمرنا بالتشبه بهؤلاء الفاسقين أو بتلك الفاسقات.

 

ويشرع يوم السابع أيضاً، ختن المولود، سواء كان ذكراً أو أنثى؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل"؛ أيّ: ختان الرجل وختان المرأة؛ فأما ختان الرجل فهو واجب؛ لأن عدم الختان يؤثر على صحة طهارته وصلاته، وأما ختان الأنثى فإنه مكرمة، قال عليه الصلاة والسلام لبعض الخاتنات في المدينة: "اخفضي، ولا تنهكي؛ فإنه أنظر للوجه، وأحظى للزوج".

 

ويباح أيضاً - أيها الكرام - أن تُثقب أذنيّ البنت الصغيرة؛ رجاء تعليق القرط ونحوه على أذنها، وإن كان في هذا ضرر يسير، فإنها عادة عربية كريمة، وهي من الحلية والزينة المباحة.

 

وأما تطعيم الصغار، فأمر مباح، إن أكد الأطباء نفعه؛ فإنه من قدر الله تعالى، فإن الله عز وجل يقدر أسباباً يدفع بها البلايا.

 

أيها الأب المبارك، اعلم أن من حقوق ولدك عليك: أن تسعى في إرضاعه، وتمام الرضاعة حولين كاملين، ويجب على الأم أن ترضع ولدها، ويجب على الزوج أن ينفق على زوجته، فإن حدث بينهما فصال وطلاق فإن الأم أولى بإرضاع الولد، وعلى الأب النفقة عليها حال إرضاعها لولده، فإن أبت؛ فليختر مرضعة أخرى، فإن أرضعت الولد خمس رضعات فأكثر؛ أي خمس وجبات فأكثر، فقد أصبحت هذه المرضعة أماً له من الرضاعة، ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب.

 

ومن حقوق الابن على والديه: أن يهتما بحضانته ورعايته؛ فإن حدث بينهما فراق وطلاق؛ فإن الأم أولى بالحضانة ما لم تنكح، فإن تزوجت؛ نُظر لامرأة من قريبات هذا المولود أو من غيرهن هي أقرب له رعاية وأشد به عناية فرعته، حتى إذا بلغ سبع سنين، وبلغ سن الاستقلال عن الحضانة وعن الرعاية؛ خُيّر بعد ذلك هذا الطفل أن يختار أباه أو أن يختار أمه.

 

إن من أعظم حقوق الأولاد على الآباء: أن يهتموا بتربيتهم، هو قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، في الصحيحين من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه يقول عليه الصلاة والسلام: "ما من راعٍ يسترعيه الله رعية، ثم لم يحطهم بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة يوم القيامة"، فاتق الله - أيها الأب - اتق الله في تربية أبنائك، واتق الله في تربية بناتك، واعلم أن تربية البنات آكد، أكدتها الأحاديث الصحيحة، يقول عليه الصلاة والسلام: "من ابتلي بثلاث من هؤلاء البنات فأحسن إليهن، وفي رواية: فأدبهن فأحسن تأديبهن، ورباهن فأحسن تربيتهن؛ إلا كنَّ له حجاباً (ستراً ) من النار".

 

فاتق الله تعالى في تربية أبنائك، اتق الله تعالى في تربيتهم، ولتهتم بتربيتهم على قواعد الإسلام؛ على العقيدة الصحيحة، يقول عليه الصلاة والسلام لابن عباس: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"، هكذا ينقش العقيدة عليه الصلاة والسلام على فؤاد هذا الصبي الصغير، "واعلم أن الأمة لوا اجتمعوا على أن يضروك بشيء ما ضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".

 

أيها الأب المبارك، رب ابنك على الآداب الإسلامية العالية، ربه على آداب الأكل، قل له كما قال عليه الصلاة والسلام لعمر ابن أبي سلمة: "يا غلام: سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك"، علّمه على السلام، سلّم عليه حتى يقتدي بك في ذلك، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا مرّ بالصبيان الصغار سلّم عليهم - بأبي هو وأمي رسول الله-، علّمه آداب الاستئذان، واعلم أن الصبي الصغير الذي لم يبلغ الحلم له أن يدخل على والديه في كل الأوقات إلا في ثلاث: ﴿ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ ﴾ [النور: 58]، فعلموهم الاستئذان في هذه الأوقات الثلاثة: قبل الفجر، وفي وقت الظهيرة، وبعد صلاة العشاء؛ فإن بلغ الصبي الحلم وجب عليه أن يستأذن على والديه في كل وقت وحين.

 

أيها الكرام، إذا بلغ الصبي الصغير سبع سنين؛ وجب علينا أن نأمرهم بالصلاة، يقول عليه الصلاة والسلام: "مروهم بالصلاة لسبع"، فإذا بلغوا عشر سنين وجب علينا أن نضربهم على تركها، يقول عليه الصلاة والسلام: "واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع"، فإن بلغوا العشر فُرّق بين الذكر والأنثى في المضجع، وفُرّق بين الإناث بعضهن من بعض، وبين الذكران بعضهم من بعض، لكلٍ فراشه الخاص به، هكذا يعلمنا الإسلام كيف نربيهم على العفاف وعلى الحشمة.

 

أيها الإخوة، يجب علينا أن نربي أبناءنا على الأخلاق الكريمة: أخلاق الأمانة، والوفاء، وأخلاق الصدق؛ إياك أن تربيهم على الكذب، هذا عبد الله بن عامر يقول: كنت قاعداً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعتني أمي، وقالت: تعال اعطك، فقال عليه الصلاة والسلام: "ما أردتِ أن تعطيه"، قالت: أعطيه تمراً، قال: "أما أنك لو لم تعطه لكتبت عليك كذبة"، فلنتق الله عز وجل لنربيهم على الصدق.

 

لنتفقد ملابسهم، لنتفقد ملابس البنات، لنلبسهن ملابس الحشمة ملابس الحياء والعفاف، اتق الله عز وجل، إياك أن تربيها - بحجة أنها صغيرة- على ملابس التعري والتحلل والسفور، وانظر إلى ملابس ابنك فلا تلبسه ثوباً فيه صورة فتطرد عنه الملائكة، وانظر إلى شعر ابنك ولا تحلق له حلقة القزع فتشبهه بأعداء الله، وتربيه تربية المجّان والفسّاق.

 

معاشر الآباء الكرام، يستحب لكل أب أن يقبل أبناءه؛ كما كان عليه الصلاة والسلام يقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما، دخل عليه أعرابي فقال: أتقبلون صبيانكم؟ إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً - ظنها رجولة، ظنها نخوة وشهامة - فرفع صلى الله عليه وعلى آله وسلم عينيه إليه، وقال: "وما أملك لك إن نزع الله الرحمة من قلبك"، رواه البخاري ومسلم.

 

قبلهم، وقربهم منك، وضعهم على فخذك، وضعهم في حجرك، فإن بال الصغير في حجرك؛ فاسمع ما الذي حدث؟، في سنن ابن ماجه أن الحسين رضي الله تعالى عنه وعن أبيه بال في حجر الرسول صلى الله وعلى آله وسلم، فقالت لبابة بنت الحارث: يا رسول الله، اعطني ثوبك، والبس ثوباً غيره، فقال عليه الصلاة والسلام: "إنما يُنضح من بول الغلام، ويُغسل من بول الجارية"، فإن كان البول بول ذكر رضيع لم يأكل الطعام، بل غالب قوته من اللبن؛ فإنه يُكتفى في بوله بالرش والنضح ولا يجب الغسل، وأما بول الجارية بول الأنثى فإنه يُغسل أبداً.

 

وهنا يتساءل الكثير والكثير: عن بول الصبيان الصغار؟

والجواب - يا عباد الله -: من رأى شيئاً من هذا، وبدا له فيجب عليه أن يغسله، ثم لا ينبغي له أن يكثر من الوسوسة والشكوك، والأحوط له أن يتخذ له سجادة يفرشها، ويصلي عليها.

ولا حرج من حمل الأطفال - خوف إزعاجهم وعبثهم - أثناء الصلاة، فقد حمل صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.

 

وإذا كان الصبي مميزاً، فإنه يُشرع أن يصف عن يمين الإمام؛ كما صلّى عليه الصلاة والسلام بأنس وبابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

وإذا بكى الصبي الصغير في صفوف الجماعة شُرع للإمام أن يخفف الصلاة؛ رحمةً بأهله الذين يحزنون جرّاء بكائه.

 

أيها الكرام، يُشرع للآباء أن يلاعبوا صبيانهم الصغار؛ فيدلع الأب له حمرة لسانه، ويعليه على ظهره، أو يجعله يلعب مع الصبيان، فإذا أذّن المغرب وجب كفهم عن اللعب في الشارع، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا كان جنح الليل - أو أمسيتم - فكفوا صبيانكم؛ فإن الشيطان ينتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم"، متفق عليه.

 

ويُشرع للأم أن تصنع عرائس لعب للبنات، فتلعب بها البنت الصغيرة، وتتربى تربية كريمة على أن تعتني بتربية أولادها إذا كبرت، أما العرائس التي تنتشر بيننا؛ فإنها تمثال تشبه إلى حد كبير خلق الله تعالى؛ لها رموش تتحرك، ولها كلام ومنطق، فمن ابتلي بشيء من هذا فليطمس وجهه؛ حتى يخفي ملامحه، فيعود كعرائس القطن، التي أباحها صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعائشة رضي الله عنها لما كانت صغيرة.

وفّقنا الله وإياكم للخير، وجنّبنا وإياكم كلّ شر، وفقّهنا وإياكم في دينه، وجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

قلت: ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلاماً على عبده الذي اصطفى، وعلى آله وأصحابه وخلفائه أهل الوفاء، وعلى من سار على نهجهم فاتبع واقتفى.

معاشر المؤمنين، يخطئ بعض الناس فإذا سقط سِنّ ابنه الصغير عمد إلى الشمس فقذفه تجاهها، وخاطبها أن تعيد عليه سِنّاً خيراً منه؛ وهذه جاهلية جَهْلاء، وأمر منكر يجب علينا أن نجتنبه جميعاً.

 

فإذا مرض الطفل الصغير، فقد جاء في حديث السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالت: إن ابن أختي وجع، فمسح صلى الله عليه وسلم برأسه، ودعا له بالبركة، قال: ثم توضأ فشربت من وضوئه، فإذا مرض الطفل الصغير شُرع أن يُقرأ عليه القرآن، وأن يُدعى له بالأدعية المشروعة، وللأب أن يذهب بابنه للطبيب المختص، وله أن يقرأ في ماء ثم يشرب منه هذا الطفل الصغير، وأما التبرك بالأبعاض؛ فلا يُتبرك بأبعاض أحد بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

معاشر الكرام، ما تفعله بعض الأمهات الجاهلات، إذا فزع الصبي الصغير أو خاف صبّت الرصاص، ثم نادت: يا برور يا مبرر، الذي ضرّ فلان يتصور، ما هذه إلا دعوات منكرة لأسماء مجهولة، قد تكون من أسماء الشيطان، ويجب علينا اجتناب هذا كله.

 

فإذا كتب الله عز وجل أن تُصاب في ابنك فيموت، فاحمد الله، واصبر "واعلم أن الصبر عند الصدمة الأولى "، فإن فعلت ذلك فأبشر، يُبنى لك بيتٌ في الجنة، ويُسمى بيت الحمد.

 

وإن مات الصغير: فإن كان جنيناً في بطن أمه دون أربعة أشهر لم يُصوّر ولم يخلّق بعد فإنه يُدفن في بقعة طاهرة، ولا تُشرع الصلاة عليه، ولا تكفينه؛ لأن الروح فيه لم تُنفخ، فإن كان في أربعة من الأشهر أو أكثر ونُفخت فيه الروح استُحبّ غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا تجب الصلاة على الغلام الذي لم يبلغ الحلم؛ لأن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما صلّى على ابنه إبراهيم رضي الله عنه لما مات، وهو ابن ثمانية عشر شهراً، والله أعلم.

 

أيها الآباء الكرام، إن ما تقدمون من صبيانكم، وتحتسبونهم عند الله إنما هم شفعاء لكم يوم القيامة، فابشروا جميعاً بفضل الله عز وجل؛ ففي صحيح مسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: "صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه - أو قال: أبويه - فيأخذ بثوبه - أو قال: بيده - كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى - أو قال: فلا ينتهي - حتى يدخله الله وأباه الجنة"، فابشروا، وأملوا، واحتسبوا، واصبروا؛ فإن فضل الله سبحانه وتعالى عظيم.

 

إن أولاد المسلمين إذا ماتوا قبل الحلم كانوا من أهل الجنة؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الطور: 21].

 

معاشر الكرام، فإن بلغ الصبي مبلغ الرجال مبلغ البلوغ فاحتلم، أو خرج شعر عانته أو شعر إبطه، أو بلغ خمس عشرة سنة، فقد خرج من حيّز رفع القلم، وبدا القلم يكتب عليه "رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم"، فإن كان أقل من ذلك فإن أذانه على الصحيح من أقوال أهل العلم ما دام يحسن الأذان، ويؤذن على الوقت، أذان الصبي المميز صحيح على أصح أقوال أهل العلم، والأولى أن يؤذن البالغ العدل.

 

ودخول الصبي المميز للمسجد جائز إذا كان يحسن الصلاة، ويلتزم بآداب المسجد، وأما حديث: "جنبوا صبيانكم ومجانينكم المساجد"، فحديث فيه الحارث بن نبهان وهو متفق على تضعيفه.

 

وأما صومه، فصوم صحيح، ويُشرع للأب أن يعوّد ابنه الصغير على صيام رمضان، وعلى صيام يوم عاشوراء، ويأتي له بشيء يسليه حتى يكون عند الإفطار.

 

وأما زكاة ماله، فيجب إخراج زكاة مال الولد الصغير إن كان له مال قد بلغ النصاب وحال عليه الحول، وأما حجه فحج صحيح، لكن لا يغني حج المميز عن حجة الإسلام، ولوالديه في ذلك الأجر.

 

وأما بيعه - أيها الكرام - فإن كان صبياً غير مميز لا يحل بيعه، وإن كان صبياً مميزاً صح بيعه إذا أذن بذلك وليه، وأما تزويجه، فإنه يجوز للأب أن يزوج البنت البكر الصغيرة التي بلغت تسع سنوات، لكن ليراعي صحتها وقدرتها على الحمل وعلى الجماع.

وأما جناياته، فإن وليه يضمن كل جناية وإتلاف من هذا الصبي الصغير، ولا يقام عليه الحد؛ لأنه لم يبلغ بعد مبلغ الرجال.

 

وإذا التقط الصبي الصغير لقطة وجب على وليه أن يعرّفها التعريف الشرعي سنة كاملة، فإن لم يأتِ بعد ذلك صاحبها تملّكها هو مع ابنه الصغير.

أيها الأخوة الكرام، وجب علينا أن نتفقه في ديننا.

معاشر الآباء، وجب علينا أن تعلم كل ما ينفعنا من أمور ديننا.

 

إن هذا الدين ما ترك خيراً إلا ودلنا عليه، ولا ترك شراً إلا وحذّرنا منه، وقد حذّرنا عليه الصلاة والسلام أن نقتل وليداً ولو كنّا في حرب مع الكفار، ما جاز لنا أن نقتل صبيانهم، ولا أطفالهم، فقاتل الله الكفرة من اليهود ومن النصارى الذين طحنوا عظام أطفال المسلمين بمجنزراتهم، وأحرقوا لحومهم بصواريخهم، ويسعون في الأرض فساداً ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64].

 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انتقم لنا من كل كافر أفاك أثيم، اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم لا تترك لهم طائرة في السماء إلا أسقطتها ولا دبابة في الأرض إلا خسفت بها، ولا سفينة في البحر إلا أغرقتها، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فشل أركانه، وأخرس لسانه، وهُدّ بنيانه، واجعل الدائرة دائرة السوء عليه يا رب العالمين، يوماً كيوم عاد وثمود و الأحزاب الذين ظلموا، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وسلّمْ إخواننا المسلمين، اللهم احفظ عوراتهم، اللهم واشف جريحهم، اللهم وتقبل شهيدهم، اللهم وسدد رميتهم، واجمع كلمتهم، وانصرهم على عدوك عدو الدين.

لا إله إلا أنت سبحانك، أنت مولانا؛ فانصرنا على القوم الكافرين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • خطب منبرية
  • كتب
  • الأبحاث والدراسات
  • الشروحات العلمية
  • ردود وتعقيبات
  • محاضرات مفرغة
  • منظومات
  • فقه منتجات العمل ...
  • التفسير التربوي ...
  • أبحاث في فقه ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة