• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب   موقع الدكتور حيدر الغديرد. حيدر الغدير شعار موقع الدكتور حيدر الغدير
شبكة الألوكة / موقع د. حيدر الغدير / مقالات


علامة باركود

أحزان إبليس (3)

أحزان إبليس (3)
د. حيدر الغدير


تاريخ الإضافة: 6/7/2022 ميلادي - 6/12/1443 هجري

الزيارات: 7392

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أحزان إبليس (3)

 

ظل إبليس يجوبُ الأرض التي حلَّت بها القافلة المباركة التي تتجه إلى مكة المكرمة لأداء الحج بصبرٍ عجيب، وعنادٍ ومثابرة، وبحثٍ لا يكلُّ عن أسرع الطرق لإيقاع الشر بين أصحاب القافلة، أولئك الذين كانوا ينتسبون إلى بُلدان شتى، لا يكادون يجتمعون في شيء سوى الإيمان الراسخ بالله تعالى ربًّا، وبمحمد صلى الله نبيًّا ورسولًا، وبالإسلام دينًا.

 

ظل يجوب الأرض التي حلَّت بها تلك القافلة الكريمة لتستريح بعض الشيء من وَعْثاء السفر، ويتنقل بين المضارب، ويمضي من خلفٍ إلى أمام، ومن أمامٍ إلى خلف، من يسارٍ إلى يمين، ومن يمينٍ إلى يسار، يتفحَّص القوم، ويطيل النظر، ويفكر ويدبِّر؛ لكنه لم يسمع قط بين الناس مَنْ يعتز بحسبٍ أو نسبٍ، أو مدينةٍ أو بلدٍ، أو وطنٍ أو أرضٍ، أو لونٍ أو لغةٍ، تجوَّل بين خيام القافلة ومضاربها؛ فما وجدَ أحدًا يُعَيِّرُ أحدًا بأمهِ أو أبيه، أو لونه أو بلده، أو عملهِ أو حِرفته، أو طولِه أو قِصَرِه، أو غِناه أو فقره، ولم يجد مَنْ يظلم أو يبغي أو يشتم أو يفجر.

 

طفِق يجوب مضاربَ القافلة، ومكانَ اجتماع القوم فيها، فما سمِع مفاضلة بين عدنان وقحطان، أو ربيعةَ ومُضر، أو قيسٍ وتميم، أو أبناء سام وأبناء حام، أو سكان الشام وسكان العراق، أو مسلمي التُّركِ ومسلمي الأفغان.

 

لم يسمع مساجلةً بين اثنين، أو مفاخرةً بين طائفتين، أو منافرةً بين جماعتين، بل وجد القوم جميعًا على العكس من ذلك، فهذا مشغولٌ بقرآنه، وهذا مشغولٌ بوضوئه، وذاكَ يُعِدُّ طعامَ القافلة، وآخرون ينظِّفون ساحةً صغيرة اتخذوها مسجدًا للصلاة، وطائفةٌ طفقت تُعْنَى بالمراكب، وتتأكد من صلاح حالها للاستمرار في السفر.

 

وحانت من إبليس التفاتةٌ مفاجئة فرأى رجلًا أسودَ طويلًا، تبدو عليه الهيبةُ والوقار، والثقةُ والرزانة، يجتمع إليه الناس بشتّى ألوانهم وبلدانهم، هم يسألونه وهو يجيب، ذلك أنه كان أعلمَ مَنْ في القافلة بأمور الدين عامة، وأمور الحج خاصة، فهو يجيبهم عمَّا يسألون من شؤون الحج المختلفة.

 

لم يستطِعْ إبليس احتمال هذا، فقد كان فوقَ طاقته على الصبر، فتدفق الحزن في قلبه، ونمت شجرته في فؤاده بسرعة بالغة، سقاها دمعُ عينيه، ودمُ فؤاده، وبكاءُ وجدانِه، ويأسُه المدمر، وحزنه العميق. نمت وارتفعت، حتى أعجزته عن الحركة والنشاط فاستسلم لحزنٍ طويل، وانزوى إلى جانبِ كلبٍ عقور قتيل، حيث المزبلة التي تُلقى فيها الأوساخُ والنفايات، وأخذَته إغفاءةٌ من النوم، فما أفاق إلا مرعوبًا محزونًا مع صوتِ المؤذن، يدعو الناسَ إلى صلاةِ الفجر، فهرب بعيدًا بعيدًا، وله بكاءٌ وصياح، ودموعٌ ووجيب.

 

وبعدَ ساعة من النهار عاد إلى حيث القافلة المؤمنة، فوجدها تستعد للرحيل بعد أن تجهز القوم أو كادوا يتجهزون، كان هذا يحمل الحقائب، وذلك يجمع المتاع. كان واحدٌ يفحص أحد المراكب، وآخر يجمع عددًا من الخيام، وثالثٌ يعالج مريضًا مُتْعَبًا، ورابعٌ يملأ أوعية القوم بالماء الفرات.

 

كان كل واحدٍ في القافلة مشغولًا بأمر من أمورها نافعٍ حميد، يسارع إلى التعب، ويُؤثِر الآخرين بالراحة، وهو سعيدٌ هانئ مغتبطٌ دون أن يكلفه أحدٌ بذلك، وأيُّ حاجةٍ للتكليف والأوامر، وكلٌّ منهم يكلفه إيمانهُ العميق، ويأمُره يقينه الصادق!

 

تساءل إبليس: ترى هل هُزِمَتْ قوتي إزاءَ هذه القافلة هزيمة منكرة؟ هل بطلَ كيدي وزالَ سحري وغارَ ذكائي؟ أين مكري ودهائي؟ أين تدبيري وتخطيطي؟ أين قدرتي على تزيين الباطل للناس لينغمسوا في حمأة الجاهلية؟ أين مهارتي في الإغواء والإفساد، والشر والأذى، وإيقاعِ الفتن والآثام؟

 

إن القوم في هذه القافلة عصائبُ شتّى، أقوامٌ متباينون من ديارٍ نائية، وألوانٌ مختلفة، وعاداتٌ لا تتقارب، وملابسُ لا تتماثل، أفلا أتمكنُ من إثارة الخلاف بينهم بأن أثيرَ بينهم نوازعَ العصبيات التي طالما كانت سلاحًا فتَّاكًا في يدي؟

 

لقد فتكتُ بالناس طويلًا طويلًا بسبب العصبيات التي أَثَرْتُها بينهم حتى كثرت بينهم الحروب، وسالت الدماء، وفشت الكُلوم والجراحات، وعظمت الكوارث والنكبات، وأنا سعيدٌ هانئ، مسرورٌ ضاحك، حين أجدُ قومًا يقتتلون لغيرِ دينٍ يحرصون عليه، أو يذبون عن حياضِه، أو يسعون إلى نشرِه، بل من أجل تخومٍ وحدود، ولغة وأرض، ولونٍ وجنسية، وعشيرةٍ ودار، وفخَارٍ كاذب، واعتزاز زائف، ودعاوى باطلة فارغة.

 

تُرى لِمَ لا أستطيع الآن أن أفعل في هذه القافلة ولو شيئًا يسيرًا مما كنتُ أفعله، ومما نجحتُ فيه نجاحًا كبيرًا في كثير من الأحيان؟ أأدركني العجز والكسل؟ أشاخَ عقلي وعقم؟ أشحَّت عزيمتي وخارت؟ كان هذا وأمثاله يتردد في خَلَدِ إبليس لكنه ما لبث أن عجز حتى عن تَرْدادِ هذه الخواطر في صدره، وامتقعَ لونُه، وشحب وجهه، واصفرَّ مُحيّاه، واشتد بكاؤه، وهرب بعيدًا بعيدًا، وذلك لأنه سمعَ حاديَ القافلةِ يردد، والآخرون وراءه يُنشِدون:

أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواهُ
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • إبداعات شعرية
  • مرئيات
  • قصائد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة