• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب   شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الدهاميالشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الدهامي
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي / خطب منبرية


علامة باركود

تعظيم الأجر في أيام العشر

تعظيم الأجر في أيام العشر
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي


تاريخ الإضافة: 15/9/2015 ميلادي - 1/12/1436 هجري

الزيارات: 23187

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تعظيم الأجر في أيام العشر

 

الحمد لله الذي جعل لعباده الصالحين مواسمَ يستكثرون فيها مِن العملِ الصالح، وأمدَّ في آجالِهم فهُم بين غادٍ في الخير ورائِح. وأشهد أن لا إله إلا الله، يهدي مَنْ يشاء ويُعافي فضلًا، ويُضِلُّ مَنْ يشاء ويخذلُ عدْلًا. فهذا خاسرٌ وذاك رابِح، ولا يهلِكُ على الله إلا هالِك.

 

وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، أعظم داعٍ إلى الله وناصح، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وأصحابه، الطيبين الطاهرين، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. أما بعد:

عباد الله: ما زال ربُّكم الرؤوفُ الرحيمُ يُوالي عليكم مواسمَ الخيرِ والبركات، ويتيحُ لكم الأوقاتِ لِفعْلِ الخيرات، فما أنْ خرجَ رمضانُ حتى دخلت أشهرُ الحجِّ إلى بيتِ الله الحرام، شهران منها حُرُم: ذو القَعْدة، وذو الحجة.

 

وخيرُ الأشهرِ الحُرم شهرُ ذي الحجة، لوقوعِ أعمال الحج فيه، ولكوْن خيرِ الأيام فيه، ففيه: يومُ عرفة، ويومُ النحر: يومُ الحج الأكبر.

 

﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].

 

ألَا، وإنَّكم في استقبال عشرٍ أقسَم اللهُ تعالى بلياليها في الكتاب، وأيامٍ عظَّم اللهُ شأنَها في محكم الخطاب، والقَسَمُ بالشيء دليلٌ على أهميتِه وعظيمِ نفْعِه، قال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2]. قال الحافظُ ابنُ كثير رحمه الله: «المراد بها عشرُ ذي الحجة»[1]، وهو قولُ ابنِ عباس وغيرِه.

 

وهي الأيام المعلومات التي أمر اللهُ بذكره فيها، قال تعالى: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]، «قال ابنُ عباس: واذكرُوا اللهَ في أيَّامٍ معلُوماتٍ أيَّامُ العشْرِ، والأيامُ المعدُودَاتُ: أيَّامُ التَّشريقِ»[2].

 

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللهِ عز وجل مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ». قالوا: يا رسولَ الله، ولَا الجِهادُ في سبيلِ الله؟ قال: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»، رواه البخاري، وأبو داود، واللفظ له[3].

 

وعن ابنِ عمر رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ»، رواه أحمد[4].

 

واسمع - رعاك الله - ما قاله أئمةُ الإسلام في قدْرِ هذه الأيام. قال الحافظُ ابن كثير رحمه الله: «فضَّلَه كثيرٌ على عشْرِ رمضانَ الأخير، لأنَّ هذا يُشرَعُ فيه ما يُشرَعُ في ذلك، مِن صلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ وغيره، ويمتاز هذا باختصاصِ أداءِ فرْض الحجِّ فيه»[5].

 

وقال الإمامُ ابن رجب رحمه الله: «والتحقيقُ أنْ يُقال: مجموعُ هذا العشْرِ أفضلُ مِن مجموعِ عشْرِ رمضان، وإنْ كان في عشْرِ رمضان ليلةٌ لا يفْضُلُ عليها غيرها. والله أعلم»[6].

 

وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أيامُ عشْرِ ذي الحجةِ أفضلُ مِن أيامِ العشْرِ مِن رمضان، وليالي العشرُ الأواخر من رمضان أفضلُ من عشر ذي الحجة»[7].

 

فالعجبُ، والله المستعان، مِنْ غفلةِ الأنامِ عن هذه الأيام، مع أنها غُرّةٌ في جبينِ الزمانِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله الكريمِ المنَّان.

 

فاحرص رحمك الله على مواسمِ الخير، فإنَّ الثواءَ قليلٌ، والرحيلَ قريبٌ، والطريقَ مَخُوفٌ، والاغترارَ غالبٌ، والخطرَ عظيمٌ، والناقدَ بصيرٌ، والله تعالى بالمرصاد، وإليه الرجوع والمآب.

 

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ [النجم: 39 - 41]، ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

 

فاقدروها رحمكم الله حقَّ قدْرِها، وعظِّموا شعائرَ الله فيها، إن بقِيتُم حتى أدركتموها ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]

 

استقبلوها بالتوبةِ النّصوح، فإنَّ الذنوبَ تَحرِمُ الإنسانَ فضْلَ ربِّه، وتحجبُ قلبَه عن مولاه، فما حُرِم أحدٌ خيرًا في الدنيا والآخرة إلا بسببِ ذنوبِه، فإنها تمحقُ بركةَ العمر، وبركةَ العلم، وبركةَ العمل، وبركةَ الرزق، وبركةَ الطاعة. فلا تجد أقلَّ بركةً ممَّن عصى اللهَ ورسولَه، ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

 

فالذنوبُ أوزارٌ وأثقال، تمنعُ السَّيرَ إلى اللهِ أو تُضعِفه، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام: 31].

 

أما آنَ أنْ تُقيَّد الأقدامُ عن الآثام، أما آنْ؟ وتُكفَّ الأكفُ عما لا يحِلُّ مِن الحرام، والألسنُ عن القيلِ والقالِ والهذيان، والغيبةِ والبهتان؟ ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21].

 

احذروا المعاصيَ في هذه الأيام؛ فإنَّ إثمَها عند اللهِ أعظم، ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].

 

• إنَّ إدراكَ هذه العشْرِ نعمةٌ كبرى ومِنَّة عظمَى، لا يعرفُ قدْرَها إلا الأفذاذ المشمِّرون، قال أبو عثمان النهدي رحمه الله: «كانوا يعظِّمون ثلاثَ عشَرات: العشْر الأُوَل مِن المحرَّم، والعشْر الأُوَل مِن ذي الحجة، و العشْر الأواخر مِن رمضان»[8].

 

ومَنْ لم يعرف شرَفَ زمانِه فسيأتي عليه وقتٌ يعرِف ذلك حين يقول: ﴿ يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]، ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100].

فلَوْ علِمَ المغْبُونُ أيَّ بضَاعَةٍ ♦♦♦ أَضَاعَ، لأمْسَى قلْبُه يتَلَهَّبُ[9]

 

فحريٌّ بمَن لنفْسِه عنده قيمةٌ أن يغتنمَ هذه الأوقات، ويَعمُرَ تلك الساعات، فإنها أيامٌ تتضاعف فيها الحسنات، وتُجابُ فيها الدعوات.

 

الخيرُ فيها عظيم، والوزرُ فيها ذميمٌ وخِيم، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]. أدركتموها

 

كان سعيدُ بن جبير- راوي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه - إذا دخلَ أيامُ العشْرِ اجتهدَ اجتهادًا شديدًا حتى ما يكادُ يقْدرُ عليه. رواه الدارمي[10].

 

وإنك لتعجبُ مِن اجتهادِ الناس في رمضان، وغفْلتِهم عن هذه الأيامِ، مع أنها أفضلُ أيام الدنيا، ومِن هنا يتبيَّن أهميةُ فِقهِ التجارةِ مع الله تبارك وتعالى.

 

قال الإمامُ البخاري رحمه الله: «وكان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ يخرجانِ إلى السوقِ في أيَّامِ العشرِ، يُكبِّرانِ ويُكبِّرُ النَّاسُ بتكبِيرِهما»[11].

 

«وكان عمرُ رضي الله عنه يُكبِّرُ في قُبَّتِه بمِنًى، فيسمَعُه أهلُ المسجدِ فيُكبِّرُونَ، ويُكبِّرُ أهلُ الأسواقِ، حتى ترْتجَّ مِنًى تكبيرًا»[12].

 

قال ميمونُ بن مهران رحمه الله قال: «أدركتُ الناسَ وإنهم ليكبِّرونَ في العشر، حتى كنتُ لأشبِّهُه بالأمواجِ مِن كثْرتِها. ويقول: إنَّ الناسَ قد نقصوا في ترْكِهم التكبير»[13].

 

هكذا كانوا أيها المسلمون؛ وهكذا يكون المؤمن حقًّا مفتاحًا للخير، وقدوةً في الحق، وإمامًُا في البر، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

 

فحريٌّ بنا نحن المسلمين أنْ نُحيي هذه السُّنةَ المباركةَ التي قد أُهمِلَت في هذه الأزمان، فإنها شعارُ المتقين أهلِ القرآن.

 

فاجتهدوا رحمكم الله بالتكبير، وواصِلُوا التهليل، والهَجُوا بالتسبيح والتحميد، وأشيعوا الذِّكرَ، وأكثروا مِن قولِ: «لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله»، فإنها كنزٌ مِن كنوزِ الجنة.

 

أيها المؤمن: كبِّر إذا دخلتَ بيتك حتى يسمعَك أهلُك وأولادُك فيكبِّروا بتكبيرك، وإذا دخلتَ السوقَ أو قابلتَ الرِّفاقَ فكبِّر؛ لتشهدَ لك البقاعُ، وتُذكَرَ في الملأِ الأعلى، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: «فإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ»، رواه البخاري ومسلم[14].

 

عباد الله: في عشْرِ ذي الحجةِ أعمالٌ فاضلة، وطاعاتٌ متعددة، وهي غيرُ منحصرة، فما يُشرَع في سائرِ الأوقات يزدادُ تأكيدًا في تلْكُم الأيام، فإنَّ العملَ يَشرُفُ بشَرفَ الزمانِ والمكان، مع تقوى اللهِ والإحسان، ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].

 

وأبوابُ الخير كثيرة، وطرقُ البِرِّ مُشرَعَةٌ، فأروا اللهَ مِن أنفسكم خيرًا، و«لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْـمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»، رواه مسلم[15] ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20].

 

ومِن أعظم ما تقرَّبَ به العبدُ إلى مولاه أداءُ الفرائض، وأعظمُها الصلاة، ففي الحديث القدسي: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»، رواه البخاري[16].

 

وعن عثمان بن عفان رحمه الله قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِـمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ»، رواه مسلم[17].

 

أكثروا رحمكم الله مِن النوافلِ يُحببْكُم الله، يقول اللهُ تعالى في الحديث القدسي: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ»، رواه البخاري[18].

 

ويقول سبحانه في الحديث القدسي أيضًا: «إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا - أو: بُوعًا - وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»، رواه مسلم[19].

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ»، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ»، رواه الترمذي[20].

 

وهذا فضْلٌ عظيمٌ، قال الحافظُ ابنُ عبد البر رحمه الله: «الفضائلُ لا تُدرَك بنظرٍ، ولا مدخلَ فيها لقياس، ولو أُخِذت قياسًا لكان مَنْ نوى السَّيئة كمَن نوى الحسنة، ولكنَّ اللهَ مُنعِم» [21].

 

ومِن الأعمال الصالحات ما جاء في قولِ خير البرية عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟». قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الـْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»، رواه مسلم[22].

 

حافظوا على السننِ الرواتبِ مع الفرائضِ، يُبنَ لكم بيتٌ في الجنة، فعن أمِّ المؤمنين أمِّ حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَي عَشْرَةَ رَكْعَةً، تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ»، رواه مسلم[23].

 

عليك يا عبدالله بكثرة السجود، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً»، رواه مسلم[24].

 

وقال أيضا: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ»، رواه مسلم[25].

 

أكثروا من الصَّلاة والسَّلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما في يوم الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»، رواه أبو داود، وابن ماجه[26].

 

وعند مسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»[27].

 

ومِن الأعمالِ الصالحةِ يا عباد الله ما يتعدَّى نفعه؛ كإطعام الطعام، وعيادة المرضى، ونحو ذلك. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللهَ عز وجل يقولُ يومَ القيامةِ: «يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي». قال: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟. قال: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي». قال: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟. «قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي». قال: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ «قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي»، رواه مسلم[28].

 

وعنه رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْـحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»[29].

 

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْـجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ»، رواه مسلم[30].

 

عظِّموا حرماتِ المسلمين، وأشفقوا عليهم، وارحموهم، ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88].

 

يقول صلى الله عليه وسلم: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ»، «وَكَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ»، رواه الشيخان[31].

 

وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ»[32].

 

صوموا ما تيَّسر مِن أيامِ العشْرِ، لا سيما يوم عرفة. قال الإمامُ النووي رحمه الله: «بل هي مُستحبَّة استحبابًا شديدًا، لا سيَّما التاسع منها، وهو يومُ عرفة»[33].

 

عن أبي قتادةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ»، رواه مسلم[34].

 

فاشكروا اللهَ على هذه الغنيمةِ الباردةِ، أجواءٌ باردة، وساعاتٌ قليلة.

 

يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»، متفق عليه[35].

 

وفي الحديث:«يَقُولُ اللهُ رحمه الله: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي. وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»، رواه الشيخان [36].

 

معاشر المسلمين: استبقوا الخيرات ونافسوا في الطاعات، فلقد سبق المفرِّدون، الذين لا تزالُ ألسنتُهم تلهجُ بذكرِ الله، قال صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ الْـمُفَرِّدُونَ»، قالوا: وَمَا الـمُفَرِّدُونَ يا رسولَ اللهِ؟، قال: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ»، رواه مسلم[37].

 

حقِّقوا الإيمانَ في قلوبكم وجدِّدوه فإنه يبلى كما يبلى الثوب، فإنَّ تحقيقَ الإيمان مِن أفضل الأعمال، ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17].

 

فمتى رسخ الإيمان في القلب انبعثت الجوارح كلها بالأعمال الصالحة، واللسان بالكلام الطيب، قال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْـجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْـجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْـجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»، رواه الشيخان [38].

 

فهذه العشرُ فرصةٌ، وأيُّ فرصة، لتزكيةِ النفس وطهارتها، قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].

 

بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه مِن الآياتِ والذِّكْرِ الحكيم. أقولُ ما تسمعون، واستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا كما أَمَر، وأشكرُه وقد تأذَّن بالزيادةِ لمنْ شَكَر، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وحدَه لا شريكَ له، إرغامًا لمن جحَد به وكَفر. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه سيدُ البشر، الشافعُ المشفَّعُ في المحشر، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه السَّادةِ الغُرر، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ ما بدَا الفجرُ وأنْوَر. أما بعد:

فاتقوا الله عبادَ الله وأطيعوه، و استكثروا مِن الأعمالِ الصالحةِ في تلكم الأيامِ الفاضلة، فإنها الباقياتُ الصالحات، واعمروها بما يقرِّبُكم إلى الله، واستقبلوها بخيرِ ما بحضرتِكم مِن التكبيرِ والتهليلِ، والتسبيحِ والتحميدِ، والاستغفارِ والدعاءِ، وقراءةِ القرآن، وصلةِ الأرحام، والصدقةِ، والصيامِ، والقيامِ، والأمرِ بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوةِ إلى الله، والإحسانِ إلى الخلق، والإيثار، ولِينِ الجانب، وطيبِ الكلام، والعفوِ والإصلاحِ، وحُسنِ القوامة على الأهل والذرية.

 

فالله اللهَ، أخي المسلم، في أهلِك وأولادِك، احملْهم على طاعة الله في هذه الأيام المباركات، رغِّبْهم فيما عند الله بقولك وفعلك.

 

ادع لهم بظهر الغيب وفي الشهادة وهم يؤمِّنون على دعائك لهم، ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].

 

أيها المؤمنون بالله ورسوله:

• مما يتأكد فِعلُه في يومِ النحرِ التقربُ إلى الله جلَّ وعَلا بذبْحِ الأضاحي، فإنها مِن أعظمِ الشعائر، ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ [الحج: 34].

 

وهي مِن نِعَمِ الله العظيمةِ على المسلمين أنْ شرعَ لهم ما يشاركونَ به الحجاجَ، فأهلُ الموسمِ لهم الهدايا، وأهلُ الأمصارِ لهم الضحايا، قال تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 36، 37].

 

ومَن أرادَ الأضحيةَ فليُمسِكَ عن الأخْذِ مِن شعْرِه وظُفْرِه وبَشَرَتِه، منذ دخولِ العشْرِ إلى أنْ يذبحَ أُضحيتَه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» [39].

 

والشعورُ التي يُمنع أخذُها جميعُ شعور البدن؛ ما حرُمَ حلقُه كشعر اللحية، وما استُحبَ أخذُه كالشارب، وما أُبيح حلقُه كشعر الرأس.

 

وتجنَّبوا، رحمكم الله، مِن الأضاحي ما لا يُجزئ، فقد سُئِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يُتَّقَى مِن الضَّحايا؟ فأشارَ بيدِه، وقالَ: «أَرْبَعًا: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي»[40]، قال الراوي: فقلتُ للبراء بن عازب رضي الله عنه: فإنِّي أكرَه أن يكونَ نقصٌ في الأُذنِ و القَرْنِ؟ قال: فما كرهتَ فدعْه، ولا تُحرِّمه على غيرك.

 

«وعلى هذا تُجزئ الأضحيةُ إذا كانت مقطوعة الأذن، ومكسورة القرن، وما ذهبت أسنانُها، إلا أن تكون كبيرةً لا مُخ فيها. وتُجزئ مقطوعةُ الذَّنَب من الإبل والبقر والغنم. وكلما كانت أكمل، كان ذلك أفضل، أما ما قُطِعت أليتُه من الضأن فإنه لا يُجزئ؛ لأنَّ الألَية لها قيمة ولها أهمية»[41]، ذكره العلَّامةُ ابنُ عثيمين رحمه الله.

 

ويجوزُ للمسلم أن يُضحي ولو كان قد قصَّر شعرَه وأظفارَه في العشر، فليُضحِّ، وليستغفر اللهَ عن فِعْله.

 

فاتقوا الله عباد الله، فمَنْ صدَق اللهَ صدَقه الله ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، وسدِّدوا وقارِبوا، وابشروا وأمِّلوا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].

 

هذا، واعلموا أنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفْسِه، فقال جلَّ مِن قائلٍ عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].



[1] «تفسير القرآن العظيم»، (8/ 390).

[2] ذكره البخاري تعليقا في «صحيحه» في العيدين، باب فضل العمل في أيَّام التَّشْريق.

[3] حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه: رواه البخاري في العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، رقم (969)، ورواه أبو داود، واللفظ له، في الصيام، باب في صوم العشر، رقم (2438).

[4] رواه أحمد، رقم (5446).

[5] «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير، (5/ 416).

[6] «لطائف المعارف»، (ص: 593).

[7] «مجموع الفتاوى»، (25/ 287).

[8] ذكره محمد بن نصر المروزي في «مختصر قيام الليل وقيام رمضان»، (ص: 247)، وينظر: «الدر المنثور»، (15/ 402-403).

[9]«طريق الهجرتين»، (ص: 423).

[10] ذكره الدارمي في «سننه»، رقم (1815)، والبيهقي في «شعب الإيمان»، رقم (3476).

[11] رواه البخاري في العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق.

[12] رواه البخاري في العيدين، باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة.

[13] ينظر: «فتح الباري» لابن رجب، (6/ 87 - 88).

[14] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البخاري في التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28]، رقم (7405)، ورواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم (2675).

[15] حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: رواه مسلم في البر والصلة، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، رقم (2626).

[16] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البخاري في الرقاق، باب التواضع، رقم (6502).

[17] رواه مسلم في الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه، رقم (228).

[18] رواه البخاري من حديث أبي هريرةرضي الله عنهفي التوحيد، باب التواضع، رقم (6502).

[19] «سبق تخريجه».

[20] رواه الترمذي في أبواب السفر، باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، رقم (586)، وحسَّنه الألباني.

[21] «التمهيد»، (19/ 26).

[22] رواه مسلم في الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، رقم (251).

[23] رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، رقم (728).

[24] حديث ثوبان رضي الله عنه: رواه مسلم في الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، رقم (488).

[25] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه مسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم (482).

[26] حديث أوس بن أوس رضي الله عنه: رواه أبو داود في الوتر، باب في الاستغفار، رقم (1531)،ورواه ابن ماجه في الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم، رقم (1636)، وصححه الألباني.

[27] حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: رواه مسلم في الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله له الوسيلة، رقم (384).

[28] رواه مسلم في البر والصلة والآداب، باب فضل عيادة المريض، رقم (2569).

[29] رواه مسلم في الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، رقم (35).

[30] رواه مسلم في البر والصلة، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق، رقم (1914).

[31] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البخاري في الأدب، باب الساعي على المسكين، رقم (6007)، ورواه مسلم في الزهد والرقائق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، رقم (2982).

[32] رواه البخاري في الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، رقم (6018)، ورواه مسلم في الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، رقم (48).

[33] «شرح مسلم»، (8/ 71).

[34] رواه مسلم في الصيام، باب استحباب ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة، رقم (1162).

[35] حديثُ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: رواه البخاري في الصوم، باب فضل الصَّوم في سبيل الله، رقم (2840)، ورواه مسلم، واللفظ له، في الصيام، باب فضل الصِّيام في سبيل الله لمن يُطيقه بلا ضرر، ولا تفويت حق، رقم (1153).

[36] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه البخاري في الصوم، باب هل يقولُ إِني صائم إذا شُتِم، رقم (1904)، ورواه مسلم في الصيام، باب فضل الصيام، رقم (1151).

[37] حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم (2676).

[38] حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: رواه البخاري في الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (52)، ورواه مسلم في المساقاة، باب أخذ الحلال، وترك الشبهات، رقم (1599).

[39] حديث أم سلمة رضي الله عنها: رواه مسلم في الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التضحية أن يأخذ من شهره أو أظفاره شيئا، رقم (1977).

[40] رواه أحمد، رقم ( 18675).

[41] ينظر: «الشرح الممتع»، (7/ 434 - 435).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب ومؤلفات
  • مرئيات
  • خطب منبرية
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة