• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
موقع العلامة محمد بهجة الأثريالعلامة محمد بهجه الأثري شعار موقع العلامة محمد بهجة الأثري
شبكة الألوكة / موقع العلامة محمد بهجة الأثري / مقالات


علامة باركود

تحرير المشتقات من مزاعم الشذوذ (1)

العلامة محمد بهجه الأثري


تاريخ الإضافة: 31/8/2013 ميلادي - 24/10/1434 هجري

الزيارات: 12714

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحرير المشتقات من مزاعم الشذوذ (1)


هذه اللغات البشرية جمعاء، لا ريب عندي في أنها - في أصلها - إلهامٌ وتوقيف، وليست مواضعةً واصطلاحًا وقعت لأجناس البشر بالحكمة، وغرست في جِبلَّتهم غرسًا، ونَمَت معهم في عهود التاريخ المتعاقبة، ثم استحدثوا إبَّان استبحارِهم في التمدُّن والعمران المواضعةَ والاصطلاح، وخرجوا إلى التصنيع والتفريع، ومضت كل أمةٍ - على تراخي الزمن وانبساطه - في الاتساع بلُغَتها على وَفْق طبيعتها وما تدعو حاجتها إليه من شيء، فاشتقَّت لفظًا من لفظ، وفرَّعت الفروع من الأصول، من غير أن تخرج عليها، أو تبتعد عن جذورها، جاريةً في ذلك على إلهام الفطرة، ووحي الشعور العنصري المستكِنِّ في غرائز الشعوب والأمم.

 

ومن شأن ذلك استبقاء الأصول والوقوف عندها، ومراعاتها مراعاة دقيقة، والتجافي عن الدَّخيل ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً في كلِّ ما يُراد الاتساع فيه من شيء.

 

وعلى حجم مادة اللغة - وطبيعتها في التصرف والمرونة - يكونُ حجم قواعدها وضوابطها التي تستنبطُ منها بالاستقراء والملاحظة والتحديد، كما يشهد لهذا (نَحْوُ) هذه اللُّغات في اتساعه وتبحُّره في لغة، وضيقه وتحجُّره في لغة أخرى.

 

ومما لا ريب فيه أن اللغة العربية - في حدود ما أعلمه - هي أوسع اللغات التي تتكلَّم بها أجناس البشر على الإطلاق، غَزُرَت مادتها غزارة تفوقُ الوصف، وتنوَّعت أوزانها في الأسماء والأفعال، وتعدَّدت فيها صور الاشتقاق وصِيَغُه، فلا جَرَمَ أن يكون (نَحْوُها) أوسعَ (نحوٍ) عرَفته اللغات.

 

ولقد بلغ صنع النحو العربي مداه في أقصر مدة تتاح لمثله ولمثل اللغة العظيمة التي استُنبط منها، وصِيغ صياغتَه الدقيقة البارعة الباهرة على غير مثال سابق، بفضل العباقرة العمالقة الأوائل الذين نبغوا إبَّان الانبعاث العربي الإسلامي، إلى جانب مَن نبغ من أعاظم قادة الفتح وساسته، فتباروا جميعًا في إقامة صروح الدولة العالمية الجديدة.

 

هؤلاء نشَروا الدعوة إلى الله، وأسَّسوا المُلْك العظيم، وأولئك أقبَلوا على لغة الدعوة والدولة يُدَوِّنونها، ويضعون مُعْجَمها، ويستنبطون نحوَها، ويبتكرون علومها وآدابها وفنونها، فلم تَكَدْ تنتصف المائة الثانية حتى بلَغوا الذروة في كل ما أثَّلوه من ذلك، ومنه هذا (النحو) الذي استنبطتْه قرائحُهم بالاستقراء والملاحظة، وظهر في صورته الفخمة الرائعة في (كتاب) أبي بشر سيبويهِ مولى الحارث بن كعب، وقد انصبَّ فيه جهد علماء العربية، منذ رسمت أوَّليَّته التي حصرت أجناس الكلم الثلاث - الاسم والفعل والحرف - إلى أن انتهى به مؤسسُه الحقيقي (الخليل بن أحمد الفراهيدي) إلى الذروة، ومنه في الأغلب استمدَّ تلميذه سيبويه مادة كتابه العظيم، الذي شهد أهل العلم أنه أكمل كتاب في بابه، وقد يكون - كما قال أبو العباس المُبرِّد - الكتاب الذي لم يُعمَل كتابٌ في علم من العلوم مثلُه، وإنه لكذلك حقًّا، تجلَّت فيه عبقرية هذه اللغة العربية تجلِّيَ عبقرية أهلها، ومستنبطي قواعدها وضوابطها في الاستقراء والملاحظة والتأصيل والتفريع.

 

على أن هذا النحو العربي، على ما بلغه من القوة والروعة في هذا الكتاب العظيم، لم يستغنِ إطلاقًا عن المتابعة والتعقب؛ لاتساع اللغة العربية وغزارة مادتها، فظلَّ العقل العربي يعتمل في تحديد مقاصده، وتبيين حدوده، حتى جاء زمان تقاصر فيه جهد الخَلَف عن جهد السَّلَف في كل شأن من شؤون الحياة، وغلب التقليد على الاجتهاد والإبداع، فوقف (النحو) في جملة ما وقف من الأشياء عند ما انتهى إليه، إن لم نَقُل: تراجَع عن عهده، واقتصر الجهدُ فيه على ترديد عبارات الأوائل وشرحها، وعلى مُماحكات لفظية لا طائل تحتها في الغالب ولا جديد.

 

وقد توهَّم ناس هالَهم ما تكدَّس من كتبه أن هذا النحو قد نضج واحترق، فلا سبيل لأحد إلى أن يجتهد فيه، أو يحرِّر شيئًا منه، أو يأتي فيه بنظر جديد.

 

ومن الواضح أن هذه النظرة إلى النحو العربي إنما تدلُّ على الاستغراق في إكبار جهد النحاة السالفين، كما تدل على جمود الفكر وعلى الجهل بطبائع الأشياء، فما عُرِف من سنن الله في الأشياء أن يبلُغَ شيء ما حدًّا من الكمال يقف الجهد عنده، وواقع النحو العربي - على جلالة ما انتهى إلينا من كتبه - لا يمتنع على التعقب والملاحظة والتجديد، فما تزال قوانين من قوانينه مفتقرة إلى استقراء جديد، وأنظار جديدة مستقلة؛ لتحريرها ووضعها في النصاب الصحيح.

 

ومَرَدُّ ذلك لا إلى عيبٍ في فقه صانعيه، ولكن إلى أمرٍ هو فوق قدرة الإنسان، ذلك هو تعذُّر الإحاطة التامَّة الشاملة بجميع لغات القبائل ولهجاتها، على عِظَم ما تلقَّفوه منها من الأفواه، فدوَّنوه، وبنَوا عليه هذا النحو.

 

يشهد لما أقول ما أُثِر عن الإمام محمَّد بن إدريس الشافعي من قوله: "لا يحيط باللغة إلا نبي"، أو كما قال، وما حدَّث به يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء، قال: "ما انتهى إلينا مما قالت العرب إلا أقلُّه، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير".

 

ومن ضياع هذه الكثرة الكاثرة من اللغة، كان منشأُ الاضطراب في أقوال النحاة ثم اصطراعهم وتعدُّد مذاهبهم، وكان من ذلك أن عزَلوا طوائف من الألفاظ عن القواعد العامة، وعدُّوها كغرائب الإبل لا تنضوي إلى سرب، ودوَّنوها على أنها شواذُّ على غير قياس، مفارِقاتٌ لما عليه غيرها في الحكم، وتناقَلها خالف عن سالف، وقلَّما حاولوا بحثها وضمَّها إلى جماعتها، وما بحثوه منها اضطربوا فيه اضطرابًا شديدًا، وذهبوا فيه طرائق قِددًا، ولم يلتقوا عند رأيٍ بعينه، ينفي عنها صفة الشذوذ، ويُضفِي عليها صفة القواعد الجامعة المانعة.

 

ولا ريب في أن بحث هذه "الظاهرة" - ظاهرةِ الشذوذ المنتشرة في كتب النحاة ودواوين اللُّغَويين - مطلبٌ صعب وعسير جدًّا، يدعو تذليلُه إلى جهد شاقٍّ وصبر عظيم، ولا بدَّ من احتمال ذلك فيما يجب أن يستأنف من درس النحو العربي، وبحثه مجددًا؛ للمِّ ما تشعَّث من أقوال النحاة فيه، وتصحيحها، وتبيين حدوده على نحوٍ أدقَّ وأعمق مما هي عليه.

 

ومن أهم ما استرعى نظري في كتب النحاة واللغويين من دعاوى الشذوذ، هذه المزاعم التي تلحق بالمشتقات.

 

وإذا جاز الشذوذ والاستثناء في بعض الحالات، وقُبِل عند انبهام معالم السبل إلى معرفة الأسباب، فليس طبيعيًّا ولا معقولاً أن يكون شيء منه في هذه المشتقات، إلا أن تكون هنالك علة مستكنَّة خافية، وهي مما يجب أن تبحث وتزاح؛ ذلك أن الاشتقاق قياس مطَّرد في النظام اللغوي، لا يُتصور تخلُّفُ فرد من أفراده، ولا بد له أن يتسق ويجري في مجراه إلى غايته، لا ينقطع عن نظائره، ولا يتحوَّل عن النظام.

 

يشهد لهذا قانونُه النفسي عند العرب، كما تشهَدُ له ضوابطه الوضعية المستنبطة من هذا القانون، وهو شيء كان متوارَثًا عندهم سليقةً ونَجْرًا، لا يُخِلُّون به، ويتناكرون ما يخلُّ به كما يتناكرون زيغ الإعراب.

 

حدَّث عبدالملك بن قُريب الأصمعي، قال: "سمعتُ أبا عمر الجَرْمي يقول: ارتبتُ بفصاحة أعرابي، فأردت امتحانه، فقلت بيتًا، وألقيته عليه، وهو:

كم رأينا من (مُسْحَبٍ) مُسْلَحِبٍّ
صاد لحمَ النُّسورِ والعقبانِ

 

فأفكر فيه، ثم قال: "رُدَّ عليَّ ذكر (المسحوب)" حتى قالها مراتٍ، فعلمت أن فصاحته باقية".

 

ويعني هذا أن الاشتقاق قانون نفسي مستقر لا يتغير، كان العرب يُحسُّونه بالطبع وقوة النفس ولطف الحس، ويُجْرون كل نوع منه على قانونه نسقًا واحدًا مطردًا متتابعًا، لا ينحرفون عنه ولا يغيرونه.

 

فهذا الأعرابي حين سمع (المُسْحَب) في البيت الذي صنعه أبو عمر الجَرْمي ليمتحنَ فصاحته قبل أن يأخذ اللغة منه - قد نبَّهَه حسُّه إلى امتناع اشتقاق (مُسْحَب)، اسم مفعول من سحب الثلاثي المتعدي، بدلاً من (مسحوب) الذي هو قياسه في نفسه، فأباه طبعُه، واستعصم بالقانون الذي فُطِر عليه.

 

وهذا هو القانون الذي يحكم لغة العرب، ولا سيما مشتقاتها، فلا مناص من ملاحظته، والاحتكام إليه فيما نتدارسه من قضاياها، فما نشز عليه وجاء على خلافه، لزم التوقفُ فيه إذا كان واردًا عن الفصحاء، وكان رواتُه ثقاتٍ أثباتًا، ووجب بحثُه وردُّه إلى قانونه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب
  • ديوان الأثري
  • قالوا عن الأثري
  • مراسلات
  • مقالات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة