• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب   موقع  الدكتور حسني حمدان الدسوقي حمامةد. محمد منير الجنباز شعار موقع  الدكتور حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / موقع د. محمد منير الجنباز / مقالات


علامة باركود

وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل

وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل
د. محمد منير الجنباز


تاريخ الإضافة: 2/4/2015 ميلادي - 12/6/1436 هجري

الزيارات: 116998

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوصية العاشرة

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

ذلكم وصاكم به (الوصايا العشر)


﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

 

الوصيةُ العاشرة جامعةٌ لِما سبَق من وصايا، مع زيادة عليها لِما لم يُذكَر بالنص؛ فقد شمِله الوصية بالتمسُّك بالدِّين كله، والظاهر أن النص أكد على الوصايا السابقة بالاسم؛ لأنها أساسياتٌ لا يجوز التهاونُ فيها، فيكون النصُّ عليها بهذا الشكل أدعى لتذكُّرِها والأخذ بالوصية فيها؛ لذلك خُتِمت بالآية الأولى بقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 151]، وبالآية الثانية بقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 152]، وبالآية الثالثة: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]، وهي جِماعُ ذلك كله؛ قال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [آل عمران: 15]، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]، فما الصِّراط؟ وما المقصود من اتِّباعه؟

 

الصراط: هو الطريق، والصراط المستقيم: هو الطريقُ الواضح الذي لا اعوجاجَ فيه.

 

فعن أبان بنِ عثمان قال: سأل رجلٌ عبدَالله بن مسعود: ما الصراطُ المستقيم؟ قال: ترَكَنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرَفُه في الجنة، وعن يمينِه جوادُّ - مفردها: جادَّة - وعن يساره جوادُّ، ثم رجال يَدْعون من مر بهم، فمَن أخذ في تلك الجوادِّ انتهت به إلى النارِ، ومَن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنَّةِ"، ومن حديث النواسِ بن سمعان عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ((ضرَب الله مَثَلاً صراطًا مستقيمًا، وعن جنبي الصراط سُورانِ، فيهما أبوابٌ مفتَّحةٌ، وعلى الأبواب سُتورٌ مُرخاةٌ، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس، ادخلوا الصراطَ المستقيم جميعًا ولا تفرَّقوا، وداعٍ يدعو من فوقِ الصراط، فإذا أراد الإنسانُ أن يفتحَ شيئًا من تلك الأبواب، قال: وَيْحَك، لا تفتَحْه؛ فإنَّك إن تفتَحْه تلِجْه؛ فالصراط: الإسلامُ، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتَّحة: محارمُ الله، وذلك الداعي على رأسِ الصراط: كتابُ الله، والداعي من فوق الصراط: واعظُ اللهِ في قلب كل مسلمٍ))[1]؛ رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسَن غريب.

 

وعن ابن مسعود قال: خطَّ رسولُ الله خطًّا بيده، ثم قال: ((هذا سبيلُ الله مستقيمًا)) ثم خط خطوطًا عن يمين ذلك الخطِّ وعن شِماله، ثم قال: ((وهذه السُّبل ليس منها سبيلٌ إلا عليه شيطانٌ يدعو إليه))، ثم قرأ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]؛ فالصِّراطُ المستقيم هو سبيلُ الله، المتمثِّل باتباع ما أمر الله ورسوله به، وبالبُعد عما نهى اللهُ ورسوله عنه، فمن فعَل ذلك كان سالكًا على الصراط المستقيم؛ فاتِّباع الصراط المستقيم يعني الأخذَ بالدِّين كله؛ لذلك يدعو المسلمُ ربَّه لهدايته وتوفيقه لهذا الصراط المستقيم: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]؛ فهو صراطُ الأنبياء وطريقهم، وطريقُ مَن سار على نهجهم ممن أنعَم الله عليهم، ووفَّقهم إلى هذا المنهجِ القويم، وأما صراطُ المغضوب عليهم والضالين فهو مختلف تمامًا، إنه ليس بمستقيمٍ، إنه السُّبل المتفرِّقة التي تتشعب لتضل في التِّيه عن يمين وشِمال.

 

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول اللهُ تعالى: قسَمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نِصفين؛ فنِصفها لي، ونِصفها لعبدي، ولعبدي ما سأَل، إذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال: حمِدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجَّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأَل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غيرِ المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأَل))[2]، وهذا الصراطُ المستقيم الذي تقدَّم عنى به اتِّباعَ الدِّين الإسلامي، وعدَمَ الميلِ عنه إلى غيره، وهو الذي دعا إلى اتِّباعه الأنبياءُ والرسل؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [يس: 60، 61]، وجاء على لسانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن اللهَ سبحانه وتعالى هداه إلى هذا الصراطِ؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 161]، وهذا الصراطُ هو الدِّين الثَّابت القائم الذي عليه إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام، وهو: "الحنيفية السَّمحة"، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أصبَح يقول: ((أصبَحْنا على ملَّةِ الإسلام، وكلمةِ الإخلاص، ودين نبينا محمد، وملَّةِ أبينا إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين))، ومن قبلِ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم هدى اللهُ أبانا إبراهيمَ إلى هذا الصراطِ المستقيمِ؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 120، 121]، وكانت الدعوةُ إلى الصراطِ المستقيم دعوةَ الأنبياء؛ لأنها دعوةٌ إلى الدِّين الحقِّ، فعلى لسان عيسى عليه السلام جاءت هذه الدعوةُ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [الزخرف: 63، 64]، ولقد بذَل إبراهيم كلَّ ما في وسعه لهداية أبيه، فكان من كلامه الرَّقيق له: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 43]، وعندما كذَّبت قريشٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وكاد عليه الصلاة والسلام يَيْئس منهم؛ لأنهم استعمَلوا كلَّ السبل المانعة لانتشار دعوته، وتوقَّف عدد المؤمنين عن الزيادة في مكة؛ لِما كانت تُظهِرُه قريشٌ من العداوة والتعذيب للمؤمنين، ثبَّت اللهُ نبِيَّه وقال له: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المؤمنون: 73]؛ أي: دعوتك هي دعوةُ الحق، فأنت تدعوهم إلى الدِّين الحق، والطريق السوي؛ فلا تبتئِسْ مِن عنادهم، واثبُتْ على دعوتك، أما هم فإنهم هم المُخطِئون؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ [المؤمنون: 74]؛ أي: مائِلون ومبتعِدون عن الصراطِ المستقيمِ؛ فلذلك سيضِيعون في التِّيه لبُعْدِهم عن هذا الطريق المستقيم، وإن الشياطينَ سينفرِدون بهم ويُضلُّونهم؛ وذلك من وعيدِ إبليس للبشر؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17]، فإنه سيقفُ في طريق البشر؛ ليجعَلَهم يميلون عن الصراط المستقيم، فيتلقَّفهم بالغوايةِ والإغواء والإضلال.

 

أما الصراطُ الحسي فهو الذي يُنصَب يوم القيامة فوق جهنم، فيعبُر عليه الناس؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72].

 

قال في فتح القدير: والورود هو المرورُ على الصِّراط؛ اهـ، والصراط هو الجسر الذي يُنصَب فوق جهنَّم فيعبُر الناس عليه إلى الجنة، فمنهم من يسقُط وهم الكفار، ومنهم من ينجو وهم المؤمنون؛ ففي صحيح مسلم عن حذيفةَ وأبي هريرة قالا: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يجمَعُ اللهُ تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم، فيقولون: يا أبانا، استفتِحْ لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنةِ إلا خطيئةُ أبيكم؟ لست بصاحب ذلك، اذهَبوا إلى ابني إبراهيمَ خليلِ الله، قال: فيقول إبراهيمُ: لستُ بصاحب ذلك، إنما كنت خليلاً من وراءَ وراءَ، اعمِدوا إلى موسى الذي كلَّمه الله تكليمًا، قال: فيأتون موسى، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمةِ الله ورُوحِه، فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيقوم فيؤذَن له، وترسَل الأمانة والرَّحم، فتقومان جنبي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمرُّ أولُكم كالبرق، قال: قلت: بأبي وأمي، أي شيء كالبرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمرِّ الريح، ثم كمرِّ الطير، وشَدِّ الرِّجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائمٌ على الصراط، يقول: رب، سلِّم سلِّم، حتى تعجزَ أعمال العباد، حتى يجيء الرجلُ فلا يستطيع السيرَ إلا زحفًا، قال: وفي حافَتَيِ الصراطِ كلاليبُ معلَّقة مأمورة، تأخذ مَن أُمِرَت به، فمخدوش ناجٍ، ومَكْدوس في النار، والذي نفس أبي هريرةَ بيده، إن قعرَ جهنَّم لسبعين خريفًا))[3].

 

فهذا هو الصراطُ الذي يُنصَب يوم القيامة ليمرَّ عليه جميع الخلائق من البشر، وتكون سرعتُهم عليه بحسَب أعمالِهم ولطفِ الله بهم، ومَن كان مِن أهل النار، سقَط عنه في النارِ، وفي رواية أخرى لمسلم، منها: ((وعلى جسر جهنم كلاليبُ وحَسَكٌ تأخذ من شاء الله))، وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((شِعار المؤمنين على الصراط يوم القيامة: ربِّ، سلِّم سلِّم))[4]؛ أخرجه الترمذي.

 

فهنا استعارة لعبارة (الصراط المستقيم) بمعنى الدِّين الحقِّ؛ وذلك للارتباطِ القوي بينهما؛ فالدِّين الحقُّ هو كالطَّريق المستقيم الذي لا مَيْلَ فيه ولا عوج، وكذلك فإن أتباعَ هذا الدِّين الحق سيجُوزون على هذا الصراطِ المستقيم الذي سيوصلهم إلى الجنَّة، وأما الناكبون عن طريق الحق، فإنهم لن يستطيعوا اجتيازَ الصراط المستقيم، فهناك إذًا ارتباطٌ وثيق بين الصراط المستقيم والطريق الحق، وهو الدين، فجاز استعارة الصِّراط المستقيم له؛ فالآية: ﴿ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [الفتح: 2] يصحُّ فيها: ليهديَكَ إلى الدِّين الحق، ويصح فيها: ليهديَكَ إلى الطريق المستقيم الموصل إلى الجنة، فلا يصل إلى الجنة إلا صاحبُ الدِّين الحق، ولا يصل إلى الجنةِ إلا مَن سلَك الصراط المستقيم؛ فالعبارتان تؤدِّيان إلى معنًى واحد، وإلى هدف واحد وهو الإيمان الحقُّ بالدِّين الحق، وقد ورد المعنيانِ في القرآن الكريم، فما ذكرناه سابقًا من آياتٍ يدلُّ على معنى اتِّباع الدِّين الحق، وما سنذكره الآن يدلُّ على معنى العبور الفعلي فوق الصراط؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: 66]، وهذا يفسِّره الحديثُ الطويل المرويُّ عند مسلم وفيه: ((ويُعطَى كل إنسان منهم - منافق أو مؤمن - نورًا، ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنَّم كلاليبُ وحَسَكٌ تأخذُ من شاء الله، ثم يُطفَأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون)) ويفسر الآية السابقة؛ فمن هولِ الموقف وإرادة الخلاص منه، يُنصَب الصراط، فيستبق الناس إليه، فيطمس الله أعينَ أهل النار، وذلك بإطفاء النور عليهم؛ لأن العينَ لا تُبصِر في الظلام، فكأنها أصبَحَتْ عمية، وذهَب بصرُها؛ قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]، وهذا أيضًا يبيِّنُ حالة الذين يعبُرون على الصِّراط يوم القيامة؛ فالمؤمنون - كما مر في الحديثِ السابق - منهم من يجُوز الصراط كالبرق، ومنهم كمرِّ الرِّيح، ومنهم كمرِّ الطير، ومنهم كجري الرجال، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من تخدشه الكلاليب فلا يقع، ومنهم من تخطَفُه الكلاليب فيهوِي في النَّار؛ لذلك دعاهم إلى الإيمان الحق؛ لكي يسيروا بشكل سويٍّ على الصِّراط المستقيم دون تأرجُّح أو عقَبات.

 

فعند مسلمٍ قال أبو سعيد: "بلغني أن الجسرَ أدقُّ من الشعرة، وأحدُّ من السيف"، فهكذا يراه العصاة.

 

ولا يظن ظانٌّ أن نار جهنم الملتهبة تضيء الصراطَ لأنه منصوب فوقها، فهذا تصوُّر باطل؛ ففي الحديث الشريف: "أنه قد أُوقِد على النار ألف سنة حتى ابيضَّت، وألف سنة حتى احمرَّت، وألف سنة حتى اسودَّت، فهي سوداءُ مظلِمة".

 

قال اللهُ تعالى يبيِّن حالة المنافقين الذين انقطع عنهم نورُ المؤمنين فوق الصراط: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13].

 

وفي الصحيحين عن أنَسٍ أن رجلاً قال: يا رسول الله، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾ [الفرقان: 34]، أيُحشَر الكافرُ على وجهه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليس الذي أمشاه على رِجْليه في الدنيا قادرًا على أن يُمشِيه على وجهه يوم القيامة))[5].

 

وورد في الصحيحين أن الذي يمرُّ على الصراط هم المؤمنون؛ بَرُّهم وفاجرهم، أما الكفار فإن كل فئة تتبَعُ ما كانت تعبد، فتُكَب في جهنم، ثم يتبعهم كفرة اليهود، ثم كفرة النصارى، ثم يأتي المؤمنون، فيسجدون لله، ثم يُضرَب لهم الجسر أو الصراط.

 

وهذا مذكورٌ في الصحيحين من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ، وهو طويل ومفصَّل.

 

وبعد، فأرجو أن أكونَ قد وفيت شرحَ هذه الوصايا، فما أحسنتُ فيه، فمن الله وتوفيقه، وما أخطأتُ فيه، فمن نفسي، ولا يسعُني إلا أن أقول: اللهم انفَعْني بما علمتني، وعلِّمني ما ينفعني، وزِدْني علمًا، وفقِّهْني في الدين، الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار، اللهم اجعَلْني أُعظِم شكرَك، وأُكثِر ذِكرك، وأتبع نصحك، وأحفَظ وصيتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار، وأدخِلْنا الجنة مع الأبرار، بعفوِك يا أرحم الراحمين، والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 



[1] جامع الأصول 61، قال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلم.

[2] صحيح مسلم، رقم 598/ الصلاة.

[3] جامع الأصول 8016.

[4] المصدر نفسه 8006.

[5] جامع الأصول 7949.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • قصائد
  • صوتيات ومرئيات
  • قصص الأطفال
  • إعراب القرآن
  • معارك إسلامية خالدة
  • كتب
  • بحوث ودراسات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة