• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب   موقع  الدكتور حسني حمدان الدسوقي حمامةد. محمد منير الجنباز شعار موقع  الدكتور حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / موقع د. محمد منير الجنباز / مقالات


علامة باركود

قصة أهل الكهف

 قصة أهل الكهف
د. محمد منير الجنباز


تاريخ الإضافة: 25/10/2021 ميلادي - 18/3/1443 هجري

الزيارات: 14309

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة أهل الكهف


ورد في سورة الكهف عدة قصص فيها العظة والعبرة والموقف الإيماني، وما غبَر من أحداث التاريخ والأمم الماضية، وذِكرها في القُرْآن الكريم دليل أهميتها؛ لتكون مثلًا ونموذجًا لأحداث كانت تجري عبر حياة الأمم ومسيرتهم التاريخية عبر الزمن، وقد ورد أن سبب ورود هذه القصص في سورة الكهف أن اليهود في المدينة زودوا كفار قريش بعدد من الأسئلة ليطرحوها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتأكدوا من صدق نبوته، قالوا: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسَل، وإن لم يفعل فالرجل متقوِّل، فرَوْا رأيكم فيه، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان أمرهم؟ إنه قد كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طوَّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هي؟ وأتى الوفد من قريش مكة، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأسئلة، فقال لهم: ((أخبركم بما سألتم غدًا))، ولم يستثنِ - أي لم يقل: إن شاء الله - فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يومًا لا يُحدِث الله إليه وحيًا، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة، وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، وحتى أحزن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فبعد المقدمة بدأ ذكر أصحاب الكهف من الآية التاسعة: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ [الكهف: 9] خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بأن أصحاب الكهف لم يكونوا وحدهم من آيات الله العجب، بل إن كل آياته عجب، فيها العبرة والحكمة والعظة، فيها شد العزيمة لأهل الإيمان، وفيها التثبيت لأهل الحق، فلا يستذلون للباطل والعقيدة الوثنية الضالة؛ فالعزة لأهل الإيمان والنصر لهم والخاتمة لهم، فمن هم أصحاب الكهف؟ فتية من المؤمنين تأذَّوْا من مجتمعهم الوثني ومن إكراه الناس على عبادة الأوثان والشرك بالله من قِبل ملك طاغية زين الشيطان له هذا الفعل المنكر، ولكن فئة من الشباب المتنور الذي عرف الحق وتعلق قلبه بالله الواحد الخالق الرازق، وقد رسخ الإيمان في قلوبهم، فغدا أثبت من الجبال، وأما زمن هؤلاء الأصحاب فهو لا شك ضمن الفترة التي ابتعد الناس فيها عن شريعة التوراة الصحيحة من بعد داود وسليمان؛ حيث مرَّت فترة تشرذم وقيام ممالك انحرف معظمها عن الطريق السوي، وعبد بنو إسرائيل الوثن؛ فقد ذكر أن أبيّا أحد ملوك بني إسرائيل كان يعبد الأوثان، ولما مات ملَكَ من بعده ابنه أسا، فأعاد التوحيد، فاعترض قومه على العودة إلى الدين الحق، فوسطوا أمه، وكانت تقدس الأصنام، فتحملت لهم أن تكلمه وتصرفه إلى عبادة أصنام والده، فبينما الملك قاعد وعنده أشراف قومه ورؤوسهم، إذ أقبلت، فقالت: لست ابني إن لم تُجبني إلى ما أدعوك إليه، وتضع طاعتك في يدي حتى تفعل ما آمرك به، وتجيبني إلى أمر، إن أطعتني فيه رشدت، وأخذت بحظك، وإن عصيتني فحظَّك بخستَ، ونفسَك ظلمت، إنه بلغني يا بني أنك بدأت قومك بالعظيم، دعوتهم إلى مخالفة دينهم، والكفر بآلهتهم، والتحوُّل عما كان عليه آباؤهم.. وهكذا نرى في هذا الخطاب خبيئةَ نفسها المنطوية على تقديس الأصنام، والاندفاع بشدة لنصرتها، وحث ابنها على الامتثال لها طاعة لأوثانها، ولكن الولد أبى ذلك، وأمر بإخراجها والحجر عليها، أوردتُ هذا النموذج لتبيان ما حدث لبني إسرائيل من الانتكاسة الدينية والردة إلى عبادة الوثن، ورد في العهد القديم أن العبرانيين انصرفوا عن عبادة إلههم إلهِ موسى لعبادة آلهة آخرى "البعليم والعشتاروت"، وظلوا كذلك إلى أن ردهم صموئيل إلى عبادة الرب الأوحد.

 

وفي فترة من هذه الفترات ظهر الشبان المؤمنون الذين أبوا الانصياع إلى العبودية للصنم، وتمسكوا بمنهج النبوة، واتعدوا فيما بينهم أن يهجروا قومهم ويلجؤوا إلى أحد الكهوف لكي يروا أمرهم على روية ويفكروا فيما يفعلونه للنجاة من الردة القسرية التي يحملهم عليها الملك الضال، ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10]، والكهف في اللغة نفَق واسع داخل الجبل، وهو أكبر من الغار، وقد اختلف في مكان هذا الكهف الذي أوى إليه هؤلاء الفتية: ﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ﴾ [الكهف: 11]، فلما وصل هؤلاء الفتية المؤمنون إلى الكهف وكان في نيتهم أن يمكثوا فيه ليالي معدودة ليقرروا البقاء في هذا البلد أو الهجرة إلى غيره فرارًا بدينهم، ولكن عين الله التي تحرسهم وترعاهم جعلت منهم آية باهرة وحديثًا يروى؛ فقد ضرب الله عليهم النوم، وكان التعبير القُرْآني غاية في البلاغة: ﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ ﴾ [الكهف: 11]، وهذا يعني النوم الثقيل؛ فقد ضرب الله على آذانهم حجابًا ثقيلًا وعازلًا يمنع وصول الأصوات إليها لكي يناموا سنين طويلة ذوات العدد، فلما وصف السنين بالعدد دل على الكثرة، ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴾ [الكهف: 12]، وبعد النوم الطويل على غير المألوف أيقظهم الله تعالى لكي يتبين الناس هذه المعجزة، ومن الذي أحصى بشكل صحيح مدة مكثهم في الكهف، فيروي هذه المعجزة على جليتها، وأنها استغرقت سنين، وقد اختلف في الحزبين اللذين اختلفا في إحصاء المدة، والظاهر أن اختفاء هؤلاء الفتية - وهم أبناء الأكابر في بلدهم - قد أحدث ضجة وتساؤلًا عن سبب اختفائهم ففتشوا عنهم في كل مكان فلم يعثروا لهم على أثر، وهنا أرَّخ الناس بيوم اختفائهم في سنة كذا من حكم ملكهم فلان.. وهكذا دخل هؤلاء الفتية التاريخ، والفئة الثانية هي التي اكتشفتهم وقدرت مدة مكثهم في الكهف وَفْق ما رأت من هيئتهم وحالهم، ومع ذلك فالقول الفصل لا من الفريق الأول ولا من الفريق الثاني، وإنما هو بيان من الله تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]، بدأ التعريف بهم وتزكيتهم لإيمانهم بربهم وتمسكهم بشرعه الحنيف؛ فقد ازدادوا هدى؛ أي: علمًا يقينيًّا بشريعتهم وأحكامها الهادية التي تزيد المؤمن إيمانًا، ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف: 14]، وفوق الإيمان الذي اتصفوا به برباطة الجأش وقوة العزيمة على تحمل فراق الأهل والوطن، فقد آتاهم الله الصبر وقوة الإرادة لكي يتخذوا مثل هذا القرار بهجر بلد الشر على الرغم مما فيه من مكابدة الحنين إلى الوطن وما فيه من أهل وذكريات، فقدموا سلامة العقيدة ومحبة الله على كل شيء سواه، ثم ذكروا عقيدة قومهم الضالة، ﴿ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الكهف: 15]؛ فقد اتخذ ملكهم الأصنام آلهة يعبدونها من دون الله، وانساق معهم القوم غير مستنكرين، والحق ليس معهم، هلَّا أتوا بدليل قوي على صحة ما يعبدون؟ إنهم يفترون على الله الكذب، ويدَّعون التقرب إليه بهذه العبادة الضالة والخضوع للأصنام، وهم كاذبون يعبدون أهواءهم وشيطانهم الذي أضلهم عن سواء السبيل وعن عبادة الله الواحد، ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16]، والظاهر أن القوم كانوا على عبادة الله الواحد، فرأى الملك دقيانوس أن يضيف عبادة غير الله كالأصنام، وهذا ما جعلهم مشركين غير موحدين تنبغي مفارقتهم، ولقد هدى الله الفتية إلى التفكير السوي، وألقى في قلوبهم التوجه إلى الكهف تخفيًا فيه، وأنه سيمدهم بعونه وما يلزمهم من غذاء وماء؛ لذلك حبب إليهم الاعتزال والمفارقة وعدم السكنى معهم في مكان واحد؛ لأنهم بهذا سوف يؤثرون على عقيدتهم ويضغطون عليهم بشتى الوسائل حتى يردوهم عن دينهم؛ لأنهم فعلوا هذا مع غيرهم ولم يبقَ إلا هؤلاء الفتية جذوة متوقدة بالإيمان يقاومون الشر، ولكن إلى متى؟ فالقوى غاشمة قاهرة، وليس لهم إلا الهجرة ومفارقة الشر؛ كيلا يسقطوا فيه، وإن الكهف هو المخبأ الوحيد لهم، وفيه سيجدون الملاذ الآمن، تحفهم رعاية الله، وهكذا اتفقوا على الاختباء فيه فتسللوا إليه خفية، وقد روي أنهم دخلوا الكهف فرأوا عنده عين ماء جارية وثمارًا فأكلوا من الثمار وشربوا من الماء، فلما جنهم الليل ضرب الله على آذانهم النوم، فناموا، ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: 17]، ولهذا الكهف مواصفات جغرافية فلكية؛ فالشمس عند مطلعها صباحًا لا تدخل كهفهم مباشرة بل تميل عنه قليلًا إلى اليمين، وعند الغروب لا تقترب منهم أيضًا، بل تتركهم وتتجاوزهم، والمعنى أنه لا تصيبهم شمس الشروق ولا شمس الغروب، ففي أي اتجاه كانت فتحة الغار؟ فهي في الغالب منفتحة على الجنوب مع ميل نحو الغرب، فعند الشروق في فصل الشتاء تشرق الشمس موازية لهذه الفتحة وبالتالي فلا تدخل أشعتها في الغار وعند الغروب تكون الشمس قد تجاوزت مواجهة الغار بانحرافها قبيل الغروب شمالًا، وهذا ما عنته الآية بكلمة: ﴿ تَقْرِضُهُمْ ﴾ [الكهف: 17]، فإذا كان هذا في فصل الشتاء ففي الصيف يكون فم الكهف أكثر بعدًا عن الشمس؛ حيث تميل الشمس في هذا الفصل نحو الشمال، وبالتالي تمر من وراء فتحة الكهف، وقيل: فتحة الكهف نحو الشمال، وهذا يعني عكس التحليل السابق، ففي فصل الصيف يحدث التزاور والقرض، وفي فصل الشتاء لا يرى الكهف الشمس، والتحليل الأول ألطف، يستفيدون من شمس الشتاء، ولا يُؤذَوْن بشمس الصيف، ﴿ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]، وبالرغم من عدم دخول الشمس فمَ الكهف فإن مكان إقامة الفتية كان في فجوة في داخله، وبالتالي فمن غير الممكن أن تصلهم الأشعة مباشرة؛ فهم في ظلمة، وهذا الذي اختاره الفتية من أجل التعمية على من يطلبهم فلا يمكن رؤيتهم، وهذا الاختيار كان هداية من الله لهم؛ حيث شرح صدرهم له، وكانوا هم يقصدون التخفي عن عدوهم الضال، فإذا طلبهم فلا يستطيع رؤيتهم، ولكن الله تعالى هو العالم بمصيرهم والمقدِّر لجعلهم آية ومعجزة، فكان المكان بهذه المواصفات يخضع إلى التهوية الباردة التي تبقى طول أيام السنة، فأصبح مكانهم أشبه بالثلاجة الباردة الجافة التي تحفظ الأجسام من التفسخ، ﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ﴾ [الكهف: 18]، وعند النظر إليهم تحسبهم أيقاظًا؛ لأن العلامة التي تميز النائم عن الصاحي غير متحققة مع هؤلاء الفتية، وهي إغماض العينين، فالعيون مفتحة، فهم صاحون نائمون، يتقلبون كما يتقلب النائم، وإلا لأكلت الأرض من أجسامهم، فهذه حكمة الله فيهم؛ أن ضرب عليهم النوم الطويل، ولكن جعلهم في هذه المدة يتقلبون كما يتقلب النائم ذات اليمين وذات الشمال، فأرواحهم ترسل إلى أجسامهم بين فترة وأخرى، فهي ليست من الأرواح التي قضى عليها الموت فأمسكت أرواحهم عنهم: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [الزمر: 42]، وكان لكلب أصحاب الكهف ذكر؛ فقد عومل معاملتهم وذُكر كأنه واحد منهم، وكعادة كلب الحراسة يبقى خارج البيت في الفناء ويجلس جلسة المستريح اليقظان وعيناه باتجاه المدخل، وكانت هذه حاله عندما دخل الفتية الكهف، ﴿ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ﴾ [الكهف: 18] صورة رائعة من الواقع المشاهد لعادة كلاب الحراسة، وقد تكلم في الكلب أكان لأحدهم فتبعه أم كان عابر سبيل؟ وقيل: لما خرجوا ليلًا مروا على راعٍ عنده كلب فنبحهم فهربوا منه كيلا يعلم عنهم فتبعهم، ولما أووا إلى الكهف انتظر في الخارج على الحالة التي وصفه الله بها وهو ينتظر خروجهم، فأصابه ما أصابهم، وقيل: جعله الله ينتظر في الخارج فلم يدخل معهم الفجوة لئلا يمنع بوجوده دخول الملائكة؛ فالملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة أو كلب، وذكر أن اسم الكلب "حمران"، وقيل: "قطمورا"، ﴿ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴾ [الكهف: 18]، قيل: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لمن يراهم من الناس على مختلف العصور، فالخوف من رؤيتهم يكمن في مظهرهم؛ حيث الشعر الطويل والأظفار الطويلة، وقيل: لمهابة النظر إليهم؛ لأنهم محل المعجزة الدالة على قدرة الله تعالى في إبقائهم على قيد الحياة طول هذه المدة، ﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف: 19]، وبعد النوم الطويل هبُّوا جميعًا من رقادهم، وجلسوا يتكلمون، وتساءلوا عن مدة مكثهم في الكهف، فقالوا أول الأمر: ﴿ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف: 19]، ولعلهم في الوهلة الأولى لم يتبينوا أشكالهم للعتمة التي كانوا فيها، فقالوا: ﴿ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف: 19]، هكذا يظن النائم لأنه لا يشعر بكر الدهر؛ لانعدام الزمن عنده، ولكن حين بدأت أعينهم تتآلف مع الرؤية وتبينت حالتهم من حيث طول الشعر والأظفار والهيئة الغريبة التي كانوا عليها، ﴿ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ [الكهف: 19]، ولما اشتبهت عليهم المدة تركوا تقديرها لله، وشعروا بالجوع؛ فقد عادت إليهم متطلبات الحياة من طعام وشراب؛ لذلك عمدوا إلى اختيار أحدهم لتأمين الطعام لهم، ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا ﴾ [الكهف: 19]، لقد جمعوا له ما عندهم من دراهم - فضية - ليشتري لهم الطعام، مع التوصية بأن يختار الطعام الحلال؛ فهم عندما قاموا بالمفاصلة بينهم وبين قومهم لأنهم أشركوا بالله فما عادت ذبائحهم بالحلال؛ ولذلك كان على مبعوثهم أن يبذل الجهد لاختيار الطعام الحلال من غير الذبائح، وربما قصدوا السمك؛ فهو الوحيد من اللحم الذي يمكن أكله في ديار المشركين، ﴿ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 19]، وكانت الوصية الثانية بأن يتلطف في الشراء دون مساومة أو مجادلة، فليختصر من الكلام مع الباعة ما أمكن؛ حتى لا يتبينوا أمره؛ فكثرة الكلام والجدال معهم قد تكشف المستور، وعاقبة ذلك أليمة علينا جميعًا، ﴿ إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 20]، فإذا ما اكتشفوا أمرنا قبضوا علينا وأعادونا قسرًا إلى ملتهم الضالة، وفي هذا الخسران المبين الذي لا يجبر مدى الدهر؛ لأن مصير الكفار الذين يموتون على كفرهم إلى النار خالدين فيها أبد الآبدين، فأين الفلاح بعد هذا؟ إنه الخسران الأبدي، وربما أخذونا وقتلونا أو رجمونا حتى الموت، وفي كلا الحالين فإن اكتشاف أمرنا سيجلب لنا الأذى والضرر، فاحرص على التستر والتخفي؛ لذلك كان حرصهم على عدم انكشاف أمرهم أبلغ من حرصهم على تأمين الطعام، ولكن هم يخططون من واقع مشكلتهم والله له الأمر الفصل؛ فالأمور تجري وفق مشيئته عز وجل، ﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21]، وهذا الإيقاظ لأهل الكهف بداية التعريف بهم وإظهار أمرهم؛ لكي تتبدى المعجزة للناس، لقد كشف الله أمرهم من حيث الشكل والهيئة، ومن حيث العملة التي قدمها موفَدُهم لشراء الطعام؛ فالعملة قد تبدلت وتغيرت، وهي تثبت وقت دخولهم الكهف؛ فقد سُكَّتْ في عهد ملك مضى وغبر، وتجمهر الناس حول المخلوق الغريب، وانهالت عليه الأسئلة، ووصل أمره إلى الحاكم، وكانت المفاجأة الكبرى للناس، إنهم الفتية الذين هربوا من ظلم الملك "دقيانوس" الطاغية الجبار المشرك، وقد تغير الحال الآن، وأصبح الناس على دين صحيح؛ فاهتموا لأمر الفتية، وانطلقوا إلى الغار ليروا بقية الفتية، ولما دخل موفَدُهم ليخبرهم بما حصل معه، وأن هذا الزمن قد تقدم أكثر من ثلاثمائة عامة، وأن الناس ليسوا ممن يعرفوهم؛ فالعصر ليس عصرهم، والأهل ليسوا أهلهم؛ فلا حبيب ولا قريب ولا صديق ولا نسيب، فقالوا بصوت واحد: كم لبثنا؟ ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ [الكهف: 25]، فشهقوا لطول هذه المدة التي مكثوها عجبًا واستغرابًا، وعرفوا أن مكانهم الصحيح ليس مع أهل هذا الزمن، لقد عرفوا الحكمة، وعرفوا صدق موقفهم، وأن الله ناصرٌ أولياءَه، فلا يخشَ من كان مع الله أبدًا، مكثوا ثلاثمائة سنة وفق الحساب الشمسي، وثلاثمائة وتسع سنين وفق الحساب القمري نيامًا، ثم أعادهم الله إلى الحياة من جديد فكانوا مثلًا لمن رآهم في الصبر والإيمان، وعبرة لمن خلفهم للثبات على المبدأ، لكن لم يجرؤ أحد على الدخول إلى الفجوة التي كانوا فيها، وانتظروا خروجهم، فلم يخرجوا، لقد أماتهم الله الموتة الحقيقية، وهنا بنى عليهم أهل بلدهم جدارًا يمنع الوصول إليهم؛ ﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 22]، لقد وقع الجدال في حقيقة عددهم؛ لأن من اكتشفهم لم يجرؤوا على الدخول إلى مكانهم الذي ناموا فيه، وإنما لمحوهم من بعيد من خلال العتمة، فلم يتبينوا عددهم، فصار العدد خرصًا وتخمينًا، وليس مؤكدًا، ومنهم من اعتمد على رواية من ذكرهم يوم غابوا، فلم يثبتوا رقمًا صحيحًا، والقُرْآن - كما نرى - ركز على العدد الفردي لهم، لكنه عد الثلاثة والخمسة من باب الرجم بالغيب وسكت عن السبعة، ولعله هو الصواب، والله أعلم، ولما اختلفوا في كيفية تكريمهم، قال المتنفذون في البلد وهم على غير فقه: ﴿ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21] من باب التكريم والحب لهم.

 

ذكر المفسِّرون أن مكان الكهف كان في مدينة الرقيم، في منطقة أيلة في الأردن، وقيل: في نينوى في العراق، وقيل: في البلقاء، وقيل: في أفسوس بتركيا اليوم، وعندي أن مدينتهم لم تجاوز الأردن - أي البلقاء - ولم يذكر التاريخ أن بلاد أفسوس قد ظهر فيها النبوات، وقيل: إن زمان أصحاب الكهف كان بعد المسيح عيسى، وهذا خطأ، فلو رجعنا إلى أصل الخبر لرأينا أن اليهود هم الذين ذكروهم وقالوا: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر فلا يدرى ما صنعوا؟ فهم من اليهود وعلى دينهم، وإلا لما ذكروهم؛ فاليهود لا شأن لهم بدين عيسى، ولا يعترفون به أصلًا؛ لذلك فهم أبعد الناس عن ذكر معجزة تخصه، فالقصة وحوادثها لا تخرج عن نطاق بني إسرائيل؛ حيث تعددت فيهم النبوات واستمرت من النبي إسحاق إلى عيسى ابن مريم، وكانت ضمن مناطق الأرض المقدسة، إلا ما حصل في فترات داود وسليمان، قال ابن كثير: واعتناء اليهود بأمرهم ومعرفة خبرهم يدل على أن زمانهم متقدم على ما ذكره بعض المفسرين أنهم كانوا بعد المسيح وأنهم كانوا نصارى.

 

أقول: ولو كان الاضطهاد بعد المسيح في فترة الاضطهاد الديني للنصارى لكان ظهورهم في منتصف القرن الرابع الميلادي أو في نهايته، وفي هذه الفترة لم يكن في عرف النصارى مسمى المسجد على أماكن العبادة عندهم، وإنما كان هذا المصطلح في العصور السابقة للمسيح.

 

ورَد في القُرْآن الكريم إماتة الله لعزير مائة عام ثم بعثه ولما سأله: كم لبثت؟ ﴿ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [البقرة: 259]، وكذلك بالنسبة لأهل الكهف الذين لبثوا ثلاثمائة سنة، ولما أفاقوا سألوا بعضهم بعضًا، فكان الجواب: ﴿ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف: 19]، وفي سورة المؤمنون: ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾ [المؤمنون: 112، 113] ومن هذا نستنتج أن زمن الفترة وانتظار القيامة بالنسبة للأموات سريع؛ أي: لا يُحسون بطول الانتظار؛ فالذي أماته الله مائة عام والذين أماتهم الله ثلاثمائة عام والذين أماتهم الله حتى قيام الساعة كان جوابهم واحدًا، وعلى هذا فالوقت بالنسبة لمن مات قبل ألوف السنين ومن مات حديثًا واحد؛ "فقد تساوى في الثرى راحل غدًا وماض من ألوف السنين".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • قصائد
  • صوتيات ومرئيات
  • قصص الأطفال
  • إعراب القرآن
  • معارك إسلامية خالدة
  • كتب
  • بحوث ودراسات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة