• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب   موقع  الدكتور حسني حمدان الدسوقي حمامةد. محمد منير الجنباز شعار موقع  الدكتور حسني حمدان الدسوقي حمامة
شبكة الألوكة / موقع د. محمد منير الجنباز / مقالات


علامة باركود

قصة موسى عليه السلام (4) مرحلة التخويف بالمعجزات

قصة موسى عليه السلام (4) مرحلة التخويف بالمعجزات
د. محمد منير الجنباز


تاريخ الإضافة: 22/2/2021 ميلادي - 10/7/1442 هجري

الزيارات: 13917

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة موسى عليه السلام (4)

مرحلة التخويف بالمعجزات

 

بعد المباراة المشهودة التي باء فيها فرعون بالفشل الذريع والخزي والخسران، فقتل السحرة وصلبهم على جذوع النخل؛ ليكونوا عبرة لمن يتفوه بالإيمان بما جاء به موسى عليه السلام، وقد حرضه خاصته ليقوم بعمل عنيف ضد موسى وأتباعه، ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127]، فعاد فرعونُ لأسلوبه القديم؛ بقتل الأطفال، وترك البنات، والتنكيل ببني إسرائيل، ولما رأى موسى عودة هذه الجرائم لم يكن في وسعه إلا طلب المزيد من الصبر من قومه، ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].

 

مع تقرير واقع معيش بأنه لا يدوم شيء في هذه الدنيا؛ فهي متقلبة، وهي ملك لله، يهَبها لمن يشاء من عباده، واعلموا أن العاقبة دومًا للمتقين، مع العلم أن عمر الأمم لا يقاس بعمر الأفراد، والتغيير قد يستغرق أجيالًا، وقد يحدث في بضع سنين، لكن صبر بني إسرائيل قصير متعجل، يحبون النصر العاجل، وهم على غير استعداد لأن يروا أبناءهم يقتلون؛ لذلك شكَوْا مِن هذا الإيذاء: ﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129]؛ فالحالة واضحة كالشمس، إيذاء من قبل أن يأتي موسى برسالته، وها هم اليوم ينكل بهم في ظل وجود موسى ودعوته.

 

فماذا استفادوا؟ بمعنى أنهم لو خنعوا لفرعون لسلِموا، أو لقل تعذيبهم وإيذاؤهم، هذا ما قصدوه، وهو قصور في النظر، ووهن في القوة، وخوَر وضعف أمام الشر، فلو أن كل شعب مال لهذا القول من الخنوع، لساد الظلم، ولما تحررت الشعوب من الاستعباد، ولكن لكل شيء ثمن؛ فثمن الحرية الدماء، والقتل في هذا السبيل شَهادة، وكان رد موسى عليهم ليزيل خوفهم؛ بالوعد بإهلاك عدوهم، والنصر على الظلم والكفر، والاستخلاف في الأرض طبقًا لسنن الله في هذا الكون؛ ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55]، وهنا نشط موسى بالدعاء، ومناجاة الخالق العظيم؛ ليحد من قوة فرعون وجبروته، ويسلبه ما عنده من قوة مادية ومعنوية، ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 88].

 

وبدأت بعد هذا محنة فرعون وقومه في أخذهم بالشدة والآيات المنهكة لقاءَ عنادهم واستكبارهم في الأرض، ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 130]، فكان مما عوقبوا به الأخذُ بالسنين؛ أي: بالقحط والجفاف والجدب، وهي كالسنين السبع العجاف التي مرت في عهد يوسف، ولكن شتان بين هذه وتلك؛ فسِنِي يوسف كانوا قد استعدوا لها وخزنوا طعامهم لتجاوزها بسلام، ولكن هذه السنين كانت مفاجئة لفرعون وقومه، وموجَّهةً لإذلالهم، ويتبع الجدب بالطبع نقص الثمرات، قد تثمر الشجرة، ولكن انعدام الماء يضعف الثمر، ويجعله يتساقط قبل اكتمال النضج، وعليه فالسنين العجاف مرهقة للناس، يتبعها نقص في الأرزاق والأموال، مع غلاء في الأسعار، ويتعرَّض الناس للأمراض نتيجة قلة الماء، وتكثر الحشرات والآفات، وتضعف الحيوانات، فلا تجد ما تأكله، فيصيبها الهزال، وبالجملة فإن العقاب بالسنين أمر مجهد، خصوصًا إذا استمر الجفاف عددًا من السنين؛ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 130].

 

فهذا العقاب المجهِد المقلق للناس، وهو بالطبع غير العقاب المستأصل، يكون عادة إنذارًا للردع والزجر، والعودة إلى الحق؛ فهو للتذكر والإقلاع عن الخطأ، ولكن هل تذكَّر آل فرعون أن هذا الجدب إنذار لهم ليرعَوُوا ويتركوا ما هم عليه من الضلال؟ أبدًا، لقد رفعوا عقيرتهم بالعناد، وأظهروا الصدود والتحدي لموسى، ﴿ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 132]، ما زالوا يتهمون موسى بالسحر، وأنهم لن يؤمنوا بما جاء به موسى مهما فعل وقدم من الآيات والمعجزات، ولكن هل يثبتون على هذا التحدي؟ إن الله القوي المتعال الذي أرسل موسى وأيده بكل أسباب التفوق على فرعون ليقضيَ على ظاهرة الظلم والإفساد في الأرض لن يدع هذه الطغمة تتحكم بمصير العباد وتفعل ما يحلو لها وفق هواها المدمر للنظام الذي أراد الله أن يسود.

 

فلما أظهروا العناد وانقطع الأمل منهم توالت عليهم المصائب؛ ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 133] لم تكن دفعة واحدة، وإنما أتت تباعًا، كلما تخلصوا من آفة دهتهم داهية أخرى، بعد الجفاف أتاهم الطوفان، فحاجتهم إلى الماء كانت ماسة ولكن ليس إلى حد الفيضانات المدمرة، فهي على هذه الحالة أكثر ضررًا وإيذاءً من الجفاف، وكلٌّ سيئٌ، والطوفان يأخذ الناس والأرزاق ويجرف التربة ويخرب المنازل على رؤوس أهلها، وما إن انتهى الطوفان وكادوا يهلكون جميعهم أتوا إلى موسى وطلبوا منه أن يدعو ربه لكشف هذا البلاء، ففعل ولكن القوم لم يقلعوا عن ظلمهم وعنادهم وكفرهم، وكان بعد الطوفان الجراد الذي أتلف محصولاتهم الزراعية، وفيه من الضرر ما يفوق الاحتمال، تعب وكد وفلاحة وزراعة ونماء للمحصول ثم قبل الحصاد تأتيه أرتال الجراد فتجعله أثرًا بعد عين، وفي كل بلاء ينزل يُهرَعون لموسى بدعاء ربه لكشف الضر عنهم فيفعل، وينكشف عنهم الضر ويلمسونه ويرونه رأي العين، ثم يعودون لما كانوا عليه من التكذيب، وهكذا حتى امتُحنوا بتسع آيات بينات متواليات، وهي: "العصا واليد والسنين - أي الجدب - ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم"، وأُعطوا فرصًا كثيرة للإيمان وترك ما هم عليه، ولهذه الآيات القاهرة لهم تفصيل عند المفسرين، وقد بينا بعضها، ولا تسل عن القُمَّل إذا فشا في المجتمع فإنه يضعف الجسم والذاكرة ويقلق الشخص المصاب به، ويسبب له حكة في الجسم والرأس، والضفادع لا تسل عن إزعاجها ونقيقها الذي يذهب النوم ويسبب الصداع، فضلًا عن أذاها في تلويث المياه إذا كثرت، ويسبب هذا الماء إذا ما شرب داء الاستسقاء، والدم المخالط لكل شيء دون أن يدروا ما مصدره، إنه مخيف يلوث ثيابهم وأطعمتهم وأشربتهم وفرشهم، أيحتمل هذا؟ لقد كان البلاء كبيرًا، ولكن الاستجابة لنداء الحق كانت وعودًا كاذبة خالطها الاستهزاء والسخرية، لكن الران قد غلف قلوبهم وأصبح حاجزًا يصد النور فلا يهتدون ولا يجدون إلى الإيمان سبيلًا.

 

وقد لعب بهم الشيطان فأبعدهم عن الإيمان بُعْدَ ما بين المشرق والمغرب فضلوا ضلالًا بعيدًا، وقد وصفهم الله تعالى بأصدق وصف، ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 133]، ثم أخذوا يعزفون على نغمة إطلاق سراح بني إسرائيل إن رفع عنهم العذاب، ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الأعراف: 134]، والرِّجز بمعنى العذاب، وهو يشمل هنا كل معجزة تصيبهم؛ أي إن أصابهم الجدب طلبوا كشف هذا الرجز عنهم، وإن أصابهم الدم طلبوا كشف هذا الرجز عنهم، وهكذا، وفي الآية تصريح منهم بأن الحق قد ظهر لهم وتبينوه، فقولهم هذا ينطوي على اعتراف بنبوة موسى وأن إلهه قادر على كل شيء، وأن موسى حبيب الله قد استودعه علمًا ومعرفة، كما اعترفوا باضطهاد بني إسرائيل، ومع هذه المعرفة التي صرحوا بها وأظهرت أنهم على علم ودراية بأمر موسى ورسالته وقُربه من ربه أبوا أن يؤمنوا، ولعل مرد ذلك إلى الصلف والاستكبار، ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 14]، ألم يكن النبي موسى من بني إسرائيل الشعب المضطهد عندهم والأجير المسخر لخدمتهم؟ فهو التابع وهم المتبوعون، ولا يصح في عُرفهم أن يصبح المتبوع تابعًا حتى أبد الآبدين، ولكن الله الذي خلق البشر كلهم من نفس واحدة له مشيئة في الاستخلاف لا تتناسب مع عقلية فرعون وأتباعه، ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 5]، وأن قانونه في الأرض: أن الذي يعطى القوة ولا يؤتمن على استعمالها في الإصلاح وإعمار الأرض بالسلم والتوحيد والمحبة وعدم سفك الدماء، والذي يستعمل قوته الغاشمة في التدمير والإيذاء فإن الله تعالى لا بد مستبدله، عاجلًا أو آجلًا، والذي يعطى القوة ويفسد في الأرض يكون قد دق إسفينًا في نعشه وعجَّل بانتهاء أمره وشرذمته وتقزيمه، والتاريخ شاهد على مضاء هذه السنة الإلهية؛ لذلك فإن مقولة: "العدل أساس الملك" لها دلالتها في قانون الله في الأرض، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ [الأنعام: 89]، ولكن فرعون ظن نفسه وقومَه مخلدين في الأرض، ونسِي مَن سبقهم من الأمم والملوك الذين غبروا، ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾ [الأعراف: 135]، لقد أعطَوا عهودهم لموسى بالإيمان وإرسال بني إسرائيل معه وهم على نية نقض العهود، وقد ظنوا أن بإمكانهم خداع موسى، ونسُوا أن الله يعلم سرهم وجهرهم، وأنه لا يخفى عليه أمرهم وما بيَّتوه؛ لذلك لم يكن كشف الرجز عنهم تامًّا، وإنما لأجلٍ وقَّته رب العالين ليسجل عليهم إضاعة فرصة أخرى منحت لهم للأوبة، وليضم نكثهم للعهود إلى سجلِّ أعمالهم المهين ليأخذهم أخذ عزيز مقتدر بما أعده لهم من الغرق مع فرعون.

 

وقد ذكرت الآيات التسع في سورة الإسراء: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [الإسراء: 101، 102]، فقد كانت - كما ذكرنا - آيات بينات، فيها إيذاء فرعون وقومه، وكانت هذه الآيات ترهق قوم فرعون ولا تزول عنهم إلا بجنوح فرعون وقومه إلى الحق ووعدهم موسى بذلك، فكان موسى يدعو ربه لكشف الرجز عنهم، لكنهم سرعان ما ينقضون عهدهم فتأتيهم مصيبة أخرى، وهكذا إلى أن استنفدوا فرص العفو كلها، فقد كانوا يدندنون وفق نغمة واحدة: بأن ما أتى به موسى هو سحر بيِّن ظاهر، ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 13، 14]، ولقد كان الخوفُ مِن فرعون شديدًا حتى بالنسبة لبني إسرائيل، وكان الواجب عليهم ألا يعبَؤوا بفرعون وتهديده، وأن يعلنوا إيمانهم بموسى، ويكون مثلهم السحرة المؤمنون، لكن الخوف سيطر على كثير منهم، وربما تريثوا ليروا نتيجة الصراع بين موسى وفرعون، ﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [يونس: 83]، فكان سبب تأخُّرهم في اتباع موسى الخوف من أن يفتنهم فرعون بتسليط العذاب عليهم، وقد آثروا السلامة من بطش فرعون وأعوانه، ولكن موسى أراد منهم المفاصلة والوقوف معه بوضوح، ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84]، فكان جواب المخلِصين من قومه الذين آمنوا إعلان المفاصلة والوقوف مع موسى بلا خوف من فرعون، ﴿ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 85]، والفتنة التي عنَوْها هنا هي تعرضهم للتعذيب من قبل فرعون، والضعف أمام تحمل التعذيب، وبالتالي الارتداد، وهذا ما كانوا يخشونه، فإذا ما ارتدوا كانوا نموذجًا للضعف وعدم رسوخ الإيمان، ومثلًا يتخذون للتراجع عن المبدأ؛ لذلك طلبوا من ربهم التثبيت وعدم امتحانهم بالشدة التي توقعهم في الارتداد، ومن هذا نعلم أن فرعون وأتباعه قد نشطوا ضد المؤمنين ولم ينفع فيهم النصح ولا الآيات، فما جزاؤهم الذي أعده الله لهم بعد هذا الجبروت؟





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • قصائد
  • صوتيات ومرئيات
  • قصص الأطفال
  • إعراب القرآن
  • معارك إسلامية خالدة
  • كتب
  • بحوث ودراسات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة