• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم رحمه الله الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم شعار موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم / مقالات


علامة باركود

رمضان والقرآن (خطبة)

رمضان والقرآن (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم


تاريخ الإضافة: 27/4/2021 ميلادي - 15/9/1442 هجري

الزيارات: 66329

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خُطبة رمضان والقرآن

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].

 

و﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 1، 2].

 

والصلاةُ والسلامُ على مَن بَعثَه ربُّهُ هاديًا ومُبشِّرا ونذيرًا.

 

أما بَعْدُ:

فإنَّ شَهرَ رمضانَ هو شهرُ القرآنِ، ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

 

ولذا كانَ جبريلُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يُدَارِسُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ القرآنَ في رمضانَ، فيَظهرُ أثَرَ ذلك على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

 

قَالَ ابنُ عباسٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُما: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. رواهُ البخاريُّ ومُسلِمٌ.

 

وهكذا ينبغي أن يَظْهرَ أثرُ القرآنِ على صاحِبِهِ.

 

قَالَ ابنُ مسعودٍ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذِ النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنَهَارِهِ إِذِ النَّاسُ مُفَرِّطُونَ، وَبِحُزْنِهِ إِذِ النَّاسُ يَفْرَحُونَ، وَبِبُكَائِهِ إِذِ النَّاسُ يَخْتَالُونَ. رواه البيهقيُّ في " شُعبِ الإيمان ".

 

وقَالَ أيضا: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ بَاكِيًا مَحْزُونًا حَكِيمًا حَلِيمًا عَلِيمًا سِكِّيتًا، وَلا يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ جَافِيًا، وَلا غَافِلا، وَلا صَخَّابًا، وَلا صَيَّاحًا. رواه أبو نُعيمٍ في "حليةِ الأولياءِ".

 

قَالَ محمدٌ بِنُ كَعْبٍ: كُنَّا نَعْرِفُ قارئَ القرآنِ بِصُفْرةِ لونِهِ.

 

وكانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَتلو كِتابَ اللهِ ويَقومُ به حتى تتفطّرَ قَدماهُ في غيرِ رمضانَ، فَيُقَالَ لَهُ فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. كما في "الصحيحين".

 

وحدَّث حُذَيْفَةُ رضِيَ اللهُ عَنْهُ فقَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ. رواهُ مُسْلِمُ.

 

فقد قرأَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في ركعةٍ واحدةٍ ما يزيدُ على خمسةِ أجزاءِ.

 

فكيفَ بِهِ إذا شدَّ المئزرَ، وأيقظَ أهلَهُ، وأحيا ليلَهُ؟

 

وكانتْ قراءةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ للقرآنِ قراءةَ تدبُّرٍ وعَمَلٍ وخشوعٍ.

 

فقد تَلا النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) الآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلا نَسُوءُكَ ". رواهُ مُسْلِمُ.

 

وكانَ مِنْ هديِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أنه يُكررُ بعضَ الآياتِ، فقد قَامَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا، وَالآيَةُ: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾؛ رواهُ الإمامُ أحمدُ والنَّسائيُ وابنُ ماجَه، وقَالَ الألبانيُّ والأرنؤوطُ: حَسَن.

 

وبهذا عَمِلَ الصَّحَابةُ؛ فقد كانوا يقرأونَ القرآنَ، ويَعملونَ به، ويستحبّونَ تدبَّرَهُ والوقوفَ عندَ عجائبِهِ.

 

قَالَ ابنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُ: لا تَهُذُّوا القرآنَ كَهَذِّ الشِّعْرِ، ولا تَنْثُرُوه نَثْرَ الدَّقلِ، وقِفُوا عندَ عجائبِهِ، وحَرِّكُوا بِهِ القلوبَ. رواهُ ابنُ أبي شيبةَ.

 

وقَالَ رجلٌ لابنِ مسعودٍ: إِنِّي لأَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ. رواهُ البخاريُّ ومُسلِمٌ.

 

وقَالَ أَبِو جَمْرَةَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي سَرِيعُ الْقِرَاءَةِ إِنِّي أَهُذُّ الْقُرْآنَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لأَنْ أَقْرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَأُرَتِّلُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ هَذْرَمَةً. رواه البيهقيُّ.

 

وقَالَ محمدٌ بنُ كعبٍ القرظي: لَأنْ أقرأَ (إذا زُلزلتْ) و(القارعة) ليلةً أردِّدُهما وأتفكَّرُ فيهما أحَبُّ إليَّ مِن أن أَبِيتَ أهذُّ القرآنَ. رواهُ ابنُ أبي شيبةَ.

 

قَالَ ابنُ القيمِ: الأفضلُ في وقتِ قراءةِ القرآنِ: جَمْعِيَّةُ القلبِ والهِمَّةِ على تدبَّرِهِ وتفهُّمِهِ، حتى كأنَّ اللهَ تعالى يخاطِبكَ به، فتجمعُ قلبَكَ على فَهمِهِ وتَدبِّرِهِ، والعزمُ على تنفيذِ أوامرِهِ أعظمُ مِن جَمعيةِ قَلْبِ مَن جاءه كتابٌ مِن السلطانِ على ذلك. اهـ.

 

أيَّها المؤمنونَ:

قراءةُ القرآنِ وإدمانُ النَّظرِ في المصحفِ مِن أعظمِ أسبابِ نَيلِ محبةِ اللهِ عزَّ وَجَلّ.

 

جاءَ في الحديثِ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَلْيَقْرَأْ فِي الْمُصْحَفِ. رواهُ البيهقيُّ في شُعبِ الإيمانِ وغيرِه، وحسَّنه الألبانيُّ. (هل (غيره) معطوفة على البيهقي أم شعب الإيمان).


وقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُ: " أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ". رواهُ البيهقيُّ في شُعبِ الإيمانِ.

 

وقدْ عَقَدَ ابنُ القيم فَصْلًا في الأسبابِ الجالبةِ للمحبةِ والْمُوجِبة لها. قَالَ: وهِيَ عَشَرةٌ – فذَكَر منها -:

قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ لِمَعَانِيهِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ، كَتَدَبُّرِ الْكِتَابِ الَّذِي يَحْفَظُهُ الْعَبْدُ وَيَشْرَحُهُ. لِيَتَفَهَّمَ مُرَادَ صَاحِبِهِ مِنْهُ. اهـ.

 

عبادَ اللهِ:

عددُ أحرُفِ القرآنِ تزيدُ على ثلاثِمائةِ ألفِ حرفٍ، وآياتُه تزيدُ على سِتَّةِ آلافِ آية.

 

وفي الحديثِ: " يُقَالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرأْ وارْتَقِ ورَتِّلْ كما كنتَ تُرَتِّلُ في الدنيا، فإنَّ مَنْزِلتَكَ عندَ آخِرِ آيةٍ تقرؤها"؛ رواهُ الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ. وصحَّحَه الألبانيُّ والأرنؤوط.

 

وفي روايةٍ: يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالَ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً. رواه الترمذيُّ، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

 

فَكَثرةُ قراءةِ القرآنِ سببٌ لِرفعةِ الدرجاتِ، ولِرضا ربِّ الأرضِ والسماوات.

وكُلُّ حَرْفٍ بِعشْرِ حسناتٍ وتزيدُ.

قَالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا؛ لا أَقُولُ " الم " حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ. رواهُ الترمذيُّ.

 

مع أنَّ اللهَ يُضاعِفُ لِمَنْ يشاءُ.

 

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. رواهُ البخاريُّ ومُسلِمٌ.

 

فإذا وُفِّقَ العبدُ لِخَتمِ القرآنِ، وكان عَمَلُهُ خالصا مقبولا، فإنَّ له بِكُلِّ خَتْمةٍ ثلاثةَ ملايينِ حَسَنةٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ.

 

وَلقدْ رَفَعَ اللهُ بالقرآنِ أُناسا ووضَعَ به آخَرين.

 

روى الإمامُ مُسلمُ مِنْ طريقِ عامِرٍ بن واثلة أنَّ نافِعَ بِنَ عبدِ الحارثِ لَقِي عُمَر رضِيَ اللهُ عَنْهُ بِعُسْفَانَ - وكانَ عُمَرٌ يَستعمِلُهُ على مكةَ - فقَالَ: مَنِ استعملتَ على أهلِ الوادي؟

فقَالَ: ابنُ أبزى. قَالَ: ومَن ابنُ أبزى؟

قَالَ: مولى مِنْ موالينا!

قَالَ: فاسْتَخْلَفْتَ عليهِم مولى؟!

قَالَ: إنَّه قارئٌ لكِتابِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وإنَّهُ عالِمٌ بالفرائضِ.

قَالَ عُمَرُ: أمَا إنَّ نبيَّكُم صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قد قَالَ: إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بهذا الكتابِ أقواما، ويَضَعُ بِهِ آخرين.

 

إنْ مَلأتَ قلبَكَ ووقتَكَ بالقرآنِ رَفَعَكَ اللهُ بالقرآنِ.. في الدنيا بأعْيُنِ النَّاسِ.. وفي الآخِرَةِ في الدَّرجاتِ الْعُلَى..

 

إذا أرادَ النَّاسُ الوقوفَ بين يدي اللهِ في صلاةٍ.. فَمَنْ يُقدِّمُون؟!

إنما يُقدَّمُ صاحِبُ القرآنِ.. أكثرُهُم أخْذا للقرآنِ.

 

حَدَّثَ عمرو بن سَلِمَة أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قَالَ لِقَومِهِ: فإذا حَضَرتَ الصلاةَ فليؤذِّنْ أحَدُكُم، وليؤمّكُم أكثرُكُم قُرآنا، فنظروا فلَمْ يَكُنْ أحدٌ أكثرُ قرآنا مِنِّي لِما كنتُ أتَلَقَّى مِن الرُّكْبانِ، فَقَدَّمُوني بين أيديهم وأنا ابنُ سِتِّ أو سبعِ سنين!... الحديثُ. رواهُ البخاريُّ.

 

الخطبة الثانية

فإنَّ كِتَابَ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالَوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ [الجن: 1، 2] مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

 

وكانَ العُلماءُ يُولُونَ القرآنَ عنايةً بالغةً.

وكانوا يَطْوُون كُتُبَهُم في شهرِ رمضانَ ويُقبِلُون على القرآنِ.

 

فقد كان قتادةُ يَدْرُسُ القرآنَ في شهرِ رمضانَ. وكان الزهريُّ إذا دخَلَ رمضانُ قَالَ: فإنَّما هو تلاوةُ القرآنِ وإطعامُ الطَّعامِ.

 

قَالَ ابنُ عبدُ الحَكَمِ: كانَ مَالِكٌ إذا دَخَلَ رمضانُ يَفِرُّ مِن قراءةِ الحديثِ ومجالسةِ أهلِ العِلمِ، ويُقبِلُ على تلاوةِ القرآنِ مِنَ المصحفِ.

 

وقَالَ عبدُ الرزاقِ: كانَ سفيانُ الثوريُّ إذا دخَلَ رمضانُ تركَ جميعَ العبادةِ وأقْبَلَ على قراءةِ القرآنِ.

وكانتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عَنْهُا تقرأُ في المصحفِ أولَّ النَّهارِ في شهرِ رمضانَ فإذا طلعتِ الشَّمسُ نامَتْ.

وقَالَ سفيانُ: كان زُبَيْدٌ الْيَامِيُّ إذا حَضَرَ رمضانُ أحْضَرَ المصاحِفَ وجَمَعَ إليه أصحابَهُ.

 

قَالَ ابنُ رجبٍ: فأمَّا في الأوقاتِ المفضلةِ كَشهرِ رمضانَ خصوصا الليالي التي يُطلَبُ فيها ليلةُ القَدْرِ، أو في الأماكنِ الْمُفضلةِ كَمَكَّةَ لِمَنْ دَخلَها مِن غيرِ أهلِها فيُستَحَبُّ الإكثارُ فيها مِنْ تلاوةِ القرآنِ اغتناما للزمانِ والمكان. وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ وغيرِهِما مِن الأئمةِ، وعليه يَدُلُّ عَمَلُ غيرِهِم.

 

وقَالَ: واعلمْ أنَّ المؤمِنَ يجتمِعُ له في شَهْرِ رمضانَ جِهادانِ لنفْسِهِ: جهادٌ بالنَّهارِ على الصيامِ، وجِهادٌ بالليلِ على القيامِ؛ فمَنْ جَمَعَ بين هذينِ الجهادينِ ووَفَّى بِحُقوقِهِما وصَبَرَ عليهِما وُفيَّ أجْرَهُ بغيرِ حِسَابٍ. اهـ.

 

أيُّها الكِرامُ:

تعاهدوا تلاوةَ القرآنِ في رمضانَ وبعدَ رمضانَ، فو الله لَهُوَ حياةُ القلوبِ وشِفاؤها.

 

فإنَّ مَنْ قرأَ القرآنَ خالصا للهِ، هَداهُ اللهُ عزَّ وَجَلَّ وحفِظَه، وأبْعَدَ عنه الشقاءَ وعَصَمَهُ مِنَ الزَّيغِ والضلالِ، كما قَالَ عزَّ وَجَلّ: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].

 

قَالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: هُوَ حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلالَةٍ. رواهُ مُسْلِمُ.

 

وقَالَ ابنُ عباسٍ: مَنْ قرأَ القرآنَ واتَّبَعْ ما فيه هداهُ الله في الدنيا مِنَ الضلالةِ، ووقاهُ اللهُ يومَ القيامةِ سوءَ الحِسابِ.

 

وقَالَ رضِيَ اللهُ عَنْهُما: أجَارَ اللهُ تعالى تَابِعَ القرآنِ مِنْ أنْ يَضِلَّ في الدنيا، ويَشْقَى في الآخرةِ.

 

وفي القرآنِ الْهُدَى لِمَنْ طَلبَ الْهُدى، كما قَالَ عزَّ وَجَلّ: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].

 

قَالَ القرطبيُّ: أيْ: الطريقةُ التي هي أسدُّ وأعدلُ وأصوبُ.

 

وفيه الكِفايةُ لِمَنْ أرادَ الكفايةَ.

 

قَالَ تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51]، قَالَ ابنُ القيِّمِ: فَمَنْ لَمْ يَشْفِهِ الْقُرْآنُ، فَلا شَفَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكْفِهِ فَلا كَفَاهُ اللَّهُ.

 

وهو الشفيعُ لأصحابِهِ يومَ القيامةِ؛ قَالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ). قَالَ مُعَاوِيَةُ بن سَلاّمٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ: السَّحَرَةُ. رواهُ مُسْلِمُ.

 

وروى الإمامُ أحمدُ مِن حديثِ بريدةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلاَ يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلاَّنِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لاَ يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولاَنِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالَ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالَ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلًا.

 

قَالَ شُعيبُ الأرنؤوط: إسنادُهُ حَسَنٌ في المتابعاتِ والشواهِدِ. وأوردَه الألبانيُّ في "الصحيحة ".

 

في القرآنِ طُمأنينةُ القلوبِ، وريُّ النفوسِ.

قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلامِ رَبِّنَا، وَإِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ. رواه البيهقيُّ في شُعبِ الإيمانِ.

 

قَالَ الْحَسَنُ: وَمَا مَاتَ عُثْمَانُ حَتَّى خُرِقَ مُصْحَفُهُ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُدِيمُ النَّظَرَ فِيهَ.

 

ومَن ألِفَ قراءةَ القرآنِ فليُداوِمْ عليها، فإنَّ ذلكَ علامةَ الإيمانِ.

 

قَالَ عَمرو بن مالكٍ: سَمِعْتُ أَبَا الْجَوْزَاءِ يَقُولُ: نَقْلُ الْحِجَارَةِ أَهْوَنُ عِنْدَ الْمُنَافِقِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. رواهُ أبو نُعيم في " الحليةِ ".

 

وقَالَ وُهيبُ بنُ الوَرْدِ: نظرنا في هذا الحديثِ فلم نَجِدْ شيئا أرَقَّ لهذه القلوبِ، ولا أشدَّ استجلابا للحقِّ مِن قراءةِ القرآنِ لمن تَدَبَّرَه. رواهُ أبو نُعيم في " الحليةِ ".

 

وقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ: " دَوَاءُ الْقَلْبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ، وَخَلاءُ الْبَطْنِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ. رواهُ أبو نُعيم في "الحلية".

 

اللهم إنَّا نسألكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلوبِنا، وَنُورَ صُدورِنا، وَجَلاءَ أحزانِنا، وَذَهَابَ غَمومِنا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • محاضرات مكتوبة
  • مرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة