• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / مكتبة المخطوطات / التراث والحضارة
علامة باركود

تراث العرب السياسي في المشرق: قمم وتحولات

أ. عصام الشنطي

المصدر: ندوة قضايا المخطوطات (تراث العرب السياسي) - معهد المخطوطات العربية - القاهرة 2002 - ص 87: 126
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/1/2010 ميلادي - 30/1/1431 هجري

الزيارات: 27889

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(1)

توطئة:

سنلحظ حين التقدُّم في هذه الدِّراسة: أنَّ الكتب المتفرِّدة المتخصِّصة في الفكر السياسي المؤسَّسة على الفقه الإسلامي لم تظهرْ إلاَّ في منتصف القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، بظهور كتاب "الأحكام السلطانية" للماوردي، المتوفَّى 450 هـ 1058م.

وحين نعود إلى كتاب "الفهرست" للنديم، المتوفَّى 380 هـ/ خريف 990م[1]، لا نَلْقى فيه ذكرًا لمصطلح علم السياسة، ولا رصدًا للفِكر السياسي، المتمثِّل في كتب "الأحكام السلطانية"، أو "السياسة الشرعية"؛ وذلك لأنَّ مثل هذه المصطلحات لم تكن قد تبلورتْ إلى عهد النديم، ولا اتضحتْ حدودُها وقواعدها، وهو الذي سجَّل في كتابه جميعَ العلوم والمؤلفات التي عُرِفت إلى عصره، فذكر - على سبيل المثال - الكتب المؤلَّفة في الطَّبيخ، وفي التعاويذ والرُّقَى.

ونستدلُّ على ما نزعم أنه ألْحَق ما يتعلَّق بالفكر السياسي في الفن الثاني من المقالة الثالثة، الذي يحتوي على "أخبار الملوك، والكتَّاب، والخطباء، والمترسلين، وعمَّال الخراج، وأصحاب الدواوين"، ففيه رسائل عبدالحميد بن يحيى، وأخبار عبدالله بن المقفَّع، وأخبار سهل بن هارون، المتوفَّى 215 هـ/830م، الذي وضع كتابه "تدبير الملك والسياسة"، وكتابه إلى عيسى بن أبان في القضاء[2].

وطبيعي أن نجد بعدَ ذلك أنَّ هذا العلمَ ومصطلحه قد نما واتضح، فقد وجدْنا رصدًا له في كتاب "مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم"[3]؛ لطاشكبري زداه، المتوفَّى 968هـ/1560م، فذكره في علوم الحكمة العملية، وعدَّ منها معه عِلم الأخلاق، وعِلم تدبير المنزل، وجعل من فروع عِلم السياسة علمَ آداب الملوك، وعلمَ آداب الوزارة، وعلم الاحتساب، وعلم قوْد العساكر والجيوش.

أمَّا كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"؛ لحاجي خليفة، المتوفَّى 1067هـ/1657م، فقد عقد فصلاً بعنوان "علم السياسة" ذَكَر فيه ممَّا يعنينا هنا: "السياسة الشرعية في إصلاح والرعية"؛ لابن تيميَّة، المتوفَّى 728هـ/ 1328م، و"سياسة الملك"؛ للماوردي، المتوفى 450 هـ/1058م، ولم يذكر له في هذا الموضع كتاب "الأحكام السلطانية"، وكأنه سَرَد في الفصل الكتب التي تبدأ في عنوانها بكلمة "سياسة"، ولم يتلفتْ إلى مضمون الكتب في هذا العلم، بدليل أنَّه ذكر في هذا الفصل من الكتب أيضًا: "السياسة في علم الفراسة"[4].

وواضحٌ أن طاشبكري زاده قصَّر في الإلمام بفروع هذا العلم؛ لأنه لم يذكر منها إلاَّ آداب الملوك والوزارة، والحسبة والجيش، ولم يذكر من نُظم الدولة الأخرى القضاءَ والتشريع، والخَراج والجِزية وغيرهما، مما يعدُّ من عَصَب الدولة المالي.

ونخلص إلى تحديد مباحث علم السياسة: أنها المتعلقة عمومًا بالخلافة، أو الإمامة، ونُظُم الدولة، وإدارتها في الداخل، وعلاقتها بالدول الأخرى، وبهذا يمكن أن ينشطِرَ علم السياسة إلى جزأين: السياسة الداخلية، والسياسة الخارجية.

أمَّا دراسة تراث العرب السياسي، فالأصل فيه أن يُدرس جملةً واحدة في مشرقه ومغربه؛ ذلك لأنَّ الثقافة العربية واحدة، والإسلام - دون شك - هو مقوِّمها الأول، ولعلَّ العذر والتبرير في فصْل هذا التراث عند الدرس إلى قسمين، يرجع إلى الرغبة في إفادته، وإتاحة الفُرْصة لمزيد من العُمق، للأوبة بنتائجَ ملموسة، هي أقربُ إلى الصواب.

نضيف إلى ذلك: أنَّ نشأة هذا العلم في المشرِق مرتبطة بظروف ودواعٍ ربَّما تختلف عن ظروف ودواعي نشأته في المغرب والأندلس، جعلتْ لكلٍّ منهما خصوصيةً ما.

إلا أنَّ هذا التقسيم يوقع الباحثَ في حزمة من المحاذير والعقبات، فهناك قِمم مشرقية محضة لا خلافَ فيها، وهناك قمم مغربية وأندلسية خالِصة لا شكَّ فيها، ولكنَّنا نصطدم ببعض الأعلام التي يحارُ الباحث في عدِّها أللمشرق أم للمغرب؟ وإلى أيٍّ منهما تميل؟

فها هو الطُّرْطُوشي أندلسي الولادة والنشأة والثقافة، إلاَّ أنه غادَرَ الأندلس إلى المشرق وهو في سِنِّ الشباب، وتزوَّد من علومه، وتلمذ إلى شيوخ مشارقة، وقرَّ في الإسكندرية سِنين طوالاً، ووضع فيها عُظمَ مؤلفاته، منها كتابه المشهور "سراج الملوك"، وتوفي فيها عام 520 هـ/1126م، على أنَّ أوضاع الأندلس والمغرب السياسية والتاريخية التي خالطها، قد أثَّرت في كتابه.

ومهما يكن الأمر، فإنَّه لا مفرَّ للباحث أن يعدَّه من قِمم المشرق، والمؤثِّر فيه، وإنَّ حُقَّ لباحث المغرب والأندلس أن يعرج عليه في درْسه نموذجًا حيًّا لالتحام الثقافة العربية في المشرقَين على السواء.

وعكس هذه الاعتبارات متعلِّقة بشمس الدين الأزرق الغَرْناطي[5]، المعروف بقاضي الجماعة، المتوفَّى في بيت المقدس عام 896 هـ/1491م، وكان من أعلام العلوم والسياسة، وهو صاحبُ كتاب "بدائع السلك في طبائع الملك"، وكتب أخرى في السياسة والرِّئاسة وآداب الملوك، وكان قاضيًا بمدينة غَرْناطة بالأندلس، وخرج منها لَمَّا استولى الإسبان عليها، وانتقل إلى تِلِمْسان، ثم إلى مصر، يستنفر الملوكَ، ويستنهض عزائمهم لاسترجاعها، وحجَّ وزار مدينةَ الرسول الكريم، ثم عاد إلى مصر، فأرسل إلى بيْت المقدس قاضيًا، وقضى نحبَه فيه بعدَ نحو شهرين، ودُفِن في ثراه، وله من العمر نحو خمس وستين سَنة - مثل هذا العالِم لا نعدُّه إلا أندلسيًّا؛ لأنَّه لم يجئ إلى المشرق إلا في أخريات حياته، وأنَّ ثقافته ونشاطه العلمي، وتقلباتِه في الوظائف كانت كلُّها في الأندلس، متأثرًا ومؤثرًا.

ومِن الأمثلة الأخرى ابن خلدون، المتوفَّى 808 هـ/1406 م فهو مغربيُّ النشأة والإقامة، وله عَلاقة وُثْقى بالأندلس، ثم رحل إلى مصر، وقضى فيها زمنًا وتُوفِّي بها، ولا يستطيع الباحث في المشرق إهمالَه، لا لأنَّه جاء إلى مصر وعاش فيها أربعًا وعشرين سَنَة، ولكنَّ ما كتبه يُعدُّ النموذج الأمثل لالتحام الثقافة العربية في المشرقين، والمؤثِّر الفاعل فيهما معًا.

ونصطدم كذلك بنِظام المُلْك[6]، المتوفى 485 هـ/1092، والذي كان وزيرًا للسلاجقة نحو ثلاثين عامًا، وهو الذي وضع كتابه "سياست نامه" بالفارسية، وعالج فيه نُظمَ دول المشرق الإسلامي إلى أيامه، حيث الدول التركية ذات الصِّبغة الفارسية، والكتاب بمثابة مرشد للسلطان التركي الذي لا يعرِف إلاَّ الفارسية، وصبَّ المؤلِّف فيه تجرِبتَه كاتبًا في الدواوين، ثم وزيرًا.

ولم يصل إلينا في كتب التراث أنَّ الكتاب تُرجِم إلى العربية، إلاَّ أن بعض كتب التاريخ ذكرتْه بعنوان "سير الملوك" واقتطفتْ فقراتٍ منه، وسأكتفي حين أصل إلى الطرطوشي، المتوفى 520 هـ/1126م، بذكْر تأثُّره بالكتاب، ومدى هذا التأثر، دون أن أعدَّه من بين كتب التراث العربي السياسي، وبهذا استُبعِد هذا المؤلِّف قمةً من قمم هذا العلم في المشرق.

مسألة أخيرة نودُّ أن ننبه إليها، وهي أننا تجنَّبْنا الانتفاع بالكتب المشكوك في صحَّة نسبتها، ككتاب "التاج في أخلاق الملوك"، المنسوب إلى الجاحظ، المتوفى 255 هـ/869م، ومثله كتاب "الإمامة والسياسة" المنسوب إلى معاصره ابن قتيبة الدِّينَوري، المتوفى 276 هـ/889م، ذلك أنَّ بعض الباحثين المتخصِّصين شكَّكوا في هذه النسبة، ورجَّحوا أنَّ الكتابين ليسَا لهما، وقد استبعدْناهما من الدراسة حتى لا نضلَّ الطريق، وننتهي إلى استقراءات خاطئة.

في ما عدا ذلك، فإنَّ الباحث سيجد طريقه ممهدًا، لا عقبات فيه، ولا حواجز، وكذلك الحال بالقارئ المتخصِّص، فإنه سيلمس سهولة ووضوحًا، وهو ينتقل من تحوُّل إلى تحوُّل، ومِن قمَّة إلى أخرى.

(2)

النشأة والتطور:
نعلم أنَّ العرب في جاهليتهم الثانية، كانوا - بدوًا وحضرًا - يعيشون في مجتمعات قبليَّة، في نظام بسيط، تحكمه، في الغالب، قوانينُ القبيلة التي كانت تتناسب مع بيئاتهم وظروفهم.

ولَمَّا جاء الإسلام بدأ للعرب أنظمة، فصار لهم خلفاء، وبَيْت مال تُجمع فيه الزكاة وغيرها، وتوزَّع على مساربها المقنَّنة.

وحين اتسعت رُقعةُ الدولة بالفتوحات، وتعدَّدت مواردُ بيت المال، وتنوَّعت ظروف الأمم فيها، وضع الخليفة عمر بن الخطاب نظامًا، واستحدث ديواني العطاء والجند، وأصبح هذا النظام في البلاد المفتوحة أساسًا لِمَن جاء بعده من أئمة الفقهاء في شؤون الجهاد، ومعاملة أهل الذِّمَّة، والخَراج والعُشْر والجِزية.
وانتهت دولة الأمويِّين وهم غير بعيدين عن هذه الحال، مع محاولة تطوير الأجهزة الإداريَّة، مستفيدين من فتاوى الفِقه، وأحكام القضاء، وما كان عليه أهلُ الشام منذ حُكم البيزنطيِّين، دون أن تتعارض مع نصٍّ إسلامي من قرآن وسُنَّة، أو إجماع وقياس.

وقامتِ الدولة العباسية، وكان للفُرْس في قيامها تأثيرٌ جليّ، وبدأت الترجمة على أشدِّها للانتفاع من ثقافة الفرس والهند، والإغريق الذين سبقوا العربَ في دَوْرهم الحضاري، ولازمت هذه الترجمة، في خط متوازٍ، وحركة تدوين العلوم المختلفة، وأصبحتِ الدولة تحتاج إلى نظام سياسي وإداري، واقتصادي وعسكري يَحكُمها، ويُدير شؤونَها.

وحين نعود إلى الخلف قليلاً لنصل إلى آخِرِ العهد الأُموي نلقَى فيه رسائل عبدالحميد بن يحيى، الذي كان كاتبًا في الديوان الأموي، ومن خاصَّة مرْوان بن محمَّد، آخر خلفاء بني أمية في دمشق، وقد قتل معه على أيدي العباسيِّين عام 132 هـ/750م، منها رسالة في نصيحة وليِّ العهد، وأخرى في نصيحة الكُتَّاب، الذين يعملون في ديوان الإنشاء أو ديوان الأموال، أن يَلْتزموا بالأخلاق والآداب[7]، وهي نمطٌ من أنماط "نصائح الملوك"، أو ما اصطلح عليه الغربيُّون "مرايا الأمراء"[8]، التي تهدف إلى تحقيق العدْل واستقرار الملك ونجاحه.

وفي أوَّل نشأة الدولة العباسيَّة لم يكنِ الفِقه الإسلاميُّ قد نضج وتكامل، ولم تكن قواعدُ القضاء قد أخذتْ وضعَها من الاستقرار والوضوح، وفي هذه الحِقبة نَلْقى ابن المقفع، المتوفى على الراجح 142 هـ/759م، الذي لم تفتْه هذه الفوضى التي عمَّت الدولةَ الناشئة في الجند والقضاء والخراج، وسوء صُحبة الخلفاء من وزراء وعمَّال، فكتب إلى الخليفة أبي جعفر المنصور في هذه الموضوعات، وكان متأثِّرًا فيما كتب بالثقافة الفارسية.

غير أنَّ الخليفة لم يتلفتْ إليه؛ لأنَّه أراد أن تكون ضوابطُ نظمِ الدولة الجديدة إسلاميَّةً بَحْتة، لا اعتراض عليها من الفقهاء والقضاة ورجال الحديث، ولا مِن جمهرة الناس.

ويُعدُّ العهد العباسي أنشطَ العهود في التشريع الإسلامي، ففيه نجد الأئمَّة الأربعة يجتهدون في وضْع القوانين المالية والجنائية، ويوجِّه رجال الحديث جهودَهم نحو استخراج الأحكام السياسية وغيرها، وصِرْنا نجد في كتبهم أبوابًا في الخِلافة، والإمارة، والأئمَّة من قريش، والبَيْعة، ومن تصحُّ إمامتُه، وطاعة الإمام، وأعوان الأئمَّة والأمراء، والسِّيَر وفضائل الصحابة.

وكذلك فَعَل الفقهاء في كتبهم التي تعرَّضت لقضية الإمامة، وبعض نُظم الحُكم والإدارة، مثل أحكام الزكاة والجهاد، وموارد بيْت المال من فَيْء وخراج وجزية، وأحكام الأراضي المملوكة للدولة، وإحياء الأرض الموات والحِمَى، ومسائل تتعلَّق بالقضاء والحِسبة.

ولعلَّ من أقدم الكتب التي أُلِّفت في هذه الحِقبة كتاب "الخراج"[9]، الذي وضعه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاريُّ (المتوفى 182 هـ/798م) بناءً على طلب الخليفة هارون الرشيد، بدأ فيه بآراء في الفِكر السياسي، ونصيحة الخليفة أن يُقيمَ ملكه على الشُّورى والعدل، وكيفية التعامل مع الخاصَّة والعامَّة، ثم وضع نظامًا ماليًّا وَفقًا للشريعة الإسلامية، فعَرَض للخَراج والعُشور والزكاة، والجزية وقسمة الغنائم للجيش، وما يخرج من البحر، وشؤون الرَّيِّ، وبناء الكنائس، كما عَرَض لأمور أخرى، مثل الجنايات والعقاب عليها، والحُكم في المرتدّ، وأرزاق القُضاة والعمَّال، وقتال أهل الشِّرْك والبغي.

وأبو يوسف هذا من أصحاب الإمام أبي حنيفة النعمان، وقد تولَّى القضاء ببغداد في عهد الخليفة المهديِّ، والهادي، وهارون الرشيد، ولُقِّب بقاضي القضاة، ووَضَع كتابَه هذا مؤسسًا على "الرأي" المؤيد من الكتاب والسُّنة، وهو بعيد عمَّا فعله ابن المقفَّع في معالجته الخَراج وغيره، المؤسس على العقل، لا على أصول الدِّين والشريعة.

وكان الخليفة هارون الرشيد قد همَّ بأن يُعلِّق في الكعبة كتاب "الموطأ" للإمام مالك بن أنس (المتوفى 179 هـ/ 795م) ليتَّبعه الناس، ولكنّ مالكًا أشار عليه ألاَّ يفعل؛ لأنَّ المحدِّثين والفقهاء في أمصارهم لديهم من الأحاديث النبويَّة ما يلزمهم العمل بها، وكلهم مصيب.

ونذكر من أصحاب أبي حنيفة أيضًا محمَّد بن الحسن الشيباني (المتوفى 189 هـ/804م) الذي كان في كتابه "السير الكبير"[10] رائدًا في التأليف عن نُظم الحَرْب والعَلاقات الدوليَّة، وتدور مباحثه حولَ القانون الدولي العام، والقانون الدولي الخاص، الذي يوضِّح موقعَ الأجانب في الدولة.

وحين نصل إلى منتصف القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وكانت كُتُب الفقه والحديث قد نَضِجت واكتملت، نَلْقى كتبًا تعدُّ من كتب الأخبار والأدب والسَّمر، أو من كتب الثقافة العامَّة - كما نقول اليوم - وانتقَيْنا منها - بعد ابن المقفع - القمَّة الثانية، وهو ابن قُتَيبة الدِّينوري، (المتوفى 276 هـ/889م) واضع الكتاب المشهور "عيون الأخبار"، وقد كَسَره على عشرة أبواب، أوَّلها باب السلطان، وثانيها باب الحَرْب، وهما من صميم هذا العلم.

ونلقى في القرن الرابع أبا نصر الفارابي، الفيلسوف المشهور الذي لُقِّب بالمعلم الثاني[11]، المتوفى 339 هـ/950م، وقد ألَّف كتاب "آراء أهل المدينة الفاضلة"، الذي يعالج فيه تنظيمَ الدولة، متأثِّرًا بمؤثِّرات إغريقيَّة عامة، وكتاب أفلاطون "الجمهورية" خاصة.

لقد تناول الفارابيُّ الموضوع بطريقة فلسفيَّة استغرقتْ عُظمَ كتابه، وكان يهدف إلى الوصول إلى غاية الغايات، وهي "السعادة"؛ ولكنَّنا نجده في الثُّلُث الأخير منه يبيِّن الشروط التي ينبغي أن تتوفَّر في رئيس الدولة أو الإمام، وإذا عزت هذه الشروط في واحد، فلا بأسَ من اختيار اثنين أو أكثر، يكمل بعضُهم بعضًا، ويمثِّل الفارابيُّ اتجاهَ الفلاسفة الإسلاميِّين في التفكير السياسي.

وفي القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، نلاحظ أنَّ علم السياسة أخذ يتشكَّل في هيئة كتب متخصِّصة متفردة، تعالج نُظمَ الدولة في شمول، وأسست على الشريعة من فقه وقضاء وحديث، كما استفادتْ - في حدود - من كتابات ابن المقفَّع، والأبواب التي احتوتْها كتبُ الأخبار والأدب والسمر.

وأول هذه الكتب "الأحكام السلطانية"؛ لمؤلِّفه الماوردي، المتوفى 450 هـ/1058م، الذي عددناه قمَّة ثالثة، وكتابه هذا أوَّل كتابٍ منهجيٍّ وافٍ في موضوعه، ويتميَّز بدقته في عَرْض مسائله، على أنَّ المؤلِّف له كتب أخرى مفيدة، سنذكرها بشيء من البَسْط في بابه.

وفي أواخر هذا القرن ومطالع القرن السادس الهجري نَلْقى أبا حامد الغزالي، المتوفى 505 هـ/1111م، الذي ألَّف أكثر من كتاب في الفِكر السياسي، أشهرها "التبر المسبوك في نصيحة الملوك"، وقد وَضَعه بالفارسية، وقدَّمه إلى السلطان السلجوقي آنذاك، وتُرجِم إلى العربية، ويُسْلِمُنا تحليلُ الكتاب إلى أنه ينتمي إلى وعْظ الحكَّام وتذكيرهم، وهو من فصيلة "نصائح الملوك"، أو "مرايا الأمراء".

ومثله في أوائل القرن السادس الهجري نفسه، نَلْقى الطُّرطوشي، المتوفى 520 هـ/ 1126م، صاحب كتاب ذائع الصيت "سراج الملوك"، وهو وإن انتمى إلى الفصيلة التي ينتمي إليها كتابُ الغزالي "التبر المسبوك في نصيحة الملوك"، إلاَّ أنَّه عقَدَه على أربعة وستِّين فصلاً، وأفاض فيه وفصَّل على نحو لم يَرِد في كتاب الغزالي.

ونقفز بعد ذلك نحو قرنين من الزمان، لنَلْقى كتاب "الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية"، لصاحبه ابن الطِّقْطَقي (أو ابن الطِّقْطَقَا)، المتوفى 709 هـ/1309م، وهو كتاب من طراز فريد؛ أسَّسه علي تتبُّع نظم الدولة الإسلاميَّة وتطورها، كما هي في الواقع التاريخي، وهو منهجٌ اتَّبعه من بعده ابن خلدون بنحو قرن من الزمان.

وبعد نحو عَقْدين من القرن الثامن الهجري نفسه، نَلْقى ابن تَيْمِيَّة، المتوفى 728 هـ/1328م، المعروف بأنَّه داعيةُ إصلاح في الدِّين، وقد لاحظ واقعًا مريرًا، فألَّف غير كتاب في السياسة الشرعية ونظم الدولة، أبرزها كتاب "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية"، وهو مُقامٌ على الشريعة، وهدفه الأعلى إشاعةُ العدل، ورفْع الظلم عن الناس.

وفي نهاية المطاف ننتهي إلى ابن خلدون، المتوفى 808 هـ/1406م، الذي وَضَع في "مقدمته" الأسسَ الأولى لعلم جديد، وهو علم "العمران البشري"، وهو مزيجٌ من علوم ثلاثة: علم السياسة، وفلسفة التاريخ ومنهجه، وعلم الاجتماع.

وبهذا نكون قد أوْجَزْنا الحديث عن نشأة علم السياسة وتطوُّره، مدَّخرين البسطَ فيما تخيرنا من القمم التالية، ذاكرين حياةَ كلٍّ منها، ومؤلفاتها، وشيئًا من عرْضها أو تحليلها وبيان تأثيرها في الساحة، وإلى أيِّ الاتجاهات تنتمي.

(3)

ابن المقفع[12]:
نَعُدُّ عبدالله بن المقفَّع، المتوفى عام 142 هـ/759م، أولَ قمة من هذه القمم؛ لأنه من أوائل مَن كَتَب في آداب الإمامة وسلوكها، وما يتعلَّق بالولاية والإدارة، وعالجها معالجةً مباشرة، كان ابن المقفع فارسيًّا زرادشتيًا، نشأ في البصرة، ولم يُسلِم إلاَّ في أخريات حياته، واتُّهم بالزندقة، وقُتِل في عهد الخليفة العباسي الثاني أبي جعفر المنصور، ولم يجاوز الأربعين سَنَة.

وكان ذكيًّا فذًّا، ذا عقل نيِّر، واسع الثقافة الفارسية، متقنًا للثقافة العربية ولغتها، وقد عاصر أواخرَ الدولة الأُمويَّة، ومطالع الدولة العباسيَّة، فشاهَد سقوطَ دولة، ونشوءَ أخرى، ويبدو أنَّه لم ينشط في ما نحن بصدده إلاَّ في عهد العباسيِّين، لقد أخذ يُترجم كثيرًا من آداب الفُرْس وتاريخهم إلى العربية، وترجم أحوالَ الفرس وملوكهم وسياستهم ونُظمهم في الحُكم وعاداتهم وتقاليدهم، وألَّف رسائل عدَّة في كثير من حِكمهم وأمثالهم، ولعلَّ أشهر كتاب تَرْجمه من هذا القبيل، "آيين نامه"، ومعناها النظم والعادات والعرف والشرائع.

والحق أن له فضل الرِّيادة، وانتفع من كتابه كثيرٌ من الوُلاة، وكتب لأعمام الخليفتَين العباسيين السفَّاح والمنصور، وتوسَّط بين هؤلاء الأعمام والخليفة الثاني لخِلاف بينهما، وكان لديه الرغبةُ في إصلاح الراعي والرعية، ودفْع الظلم، وإشاعة العدالة بين الناس، وأهم مؤلفاته - وقيل مترجماته -: "الأدب الكبير"، و"الدُّرَّة اليتيمة"، و"رسالة الصحابة"، و"كليلة ودمنة".

أما "الأدب الكبير"[13]، فاستهلَّه بالحديث عن السلطان والولاة، ورأى من الواجب نصيحةَ أولياء الأمور، وإرشادَهم إلى مواطِن الضَّعْف في نُظم الدولة، وبيان طُرق العلاج، ورفْع الظلم عن العامَّة، وذكر أنظمة الساسانيِّين المتعلِّقة بولاية العهد، وكان عُظْم مادته مستمدًا من ثقافته الفارسيَّة، يُعمِل فيه العقل، بعيدًا عن الشريعة الإسلامية.

وفي تضاعيف كتابه "الدرة اليتيمة"[14] فصل بعنوان "مع الولاة وأصحاب السلطان"، استهلَّه بذِكْر الصِّفات السياسيَّة والأخلاقية التي ينبغي للسلطان أن يتحلَّى بها، كالعدل والصِّدق، والكَرم وسماحة النفس، والبُعْد عن الحِقد والكراهية والغرور، وضرورة أن يؤسِّس ملكَه على الرأي والعمل والحزم، إذا ما أراد لها القُوَّة والاستمرار، وأن يُدير جِسامَ الأمور بنفسه، ويفوِّض ما دون ذلك إلى ولاة كُفاة أوفياء.

أمَّا الوُلاةُ فينبغي أن يهتمُّوا بأمور الرعية، ويُقْصُوا عنهم المتملقين، ويكون هدفُهم صلاحَ الناس، والكِتاب مُفْعم كله بالحِكم التي لا تخلو من علاقة بالسلاطين والولاة ونُظم الدولة.

وعمل ابن المقفَّع الثالث هو رسالة "الصحابة"[15]، ويقصد صُحْبة الخُلفاء والولاة، لا صحابة الرسول الكريم على ما دَرَج عليه المصطلح العربي الإسلامي، وهي بمثابة تقرير مباشِر في نَقْد نظام الحُكم، وبيان وجوه إصلاح، قدَّمه إلى الخليفة أبي جعفر المنصور، بدأه بمَدْح الخليفة، وذكره بفَسَاد بعض الولاة.

وتناول من عيوب الدولة حالَ "الجند" أو الجيش، ورأى أن يكون لهم قانون يضبط أمورَهم، وأن تُوزَّع أعطياتهم في أوقات ثابتة، ممَّا يبعث على الطمأنينة والاستقرار، وأن يُعنى بتثقيفهم، وتعليمِهم الكتابةَ وأمورَ دِينهم، وأن يُفصل الجند وقادتهم عن جباية الخَراج في الولايات؛ لأنَّ المال يُفسِد المقاتلين، ويؤدِّي إلى ظلم الرعية، والخروج على الدولة.

وعالج في الرسالة "القضاء" الذي وصمه بالفوضى؛ لأنَّ القضاة لا يرجعون إلى قانون محدَّد معروف، والأمر متروكٌ لاجتهاد كلِّ قاض، مما يبعث على التناقُض في البلد الواحد، ومن ثَمَّ دعا إلى توحيد القضاء، وفصْلِه عن السياسة، طمعًا في الوصول إلى العدل في الأحكام.

وتطرَّق ابن المقفَّع إلى "الخراج"، وهو المال المفروض على الأراضي، ووصَمَه أيضًا بالفوضى، ونصح بأن يُقرَّر على كل وحدة من الأراضي مبلغٌ معيَّن يسجل في دفاتر الدولة، ويَعرِف كلُّ مالك ما عليه، وطالب بحُسن اختيار الولاة الأمناء، وإحكام الرِّقابة عليهم، وبهذا يتحقَّق صلاح الرعية وعمارة الأرض.

وفي تضاعيف انتقادِه للجند والقضاء والخراج، دعَا الخليفة إلى وضْع منهج قديم لاختيار الوزراء والقُوَّاد والكُتَّاب، على أن تتوفَّر فيهم الكفاية والأمانة والعدالة، وطاعة أمير المؤمنين، إلا فيما يخالف الدِّينَ الحنيف، وذَكَّر الخليفة أن يكون دائبَ التقصِّي لأحوال الدولة، وأن يرعى بعض نواحيها وأطرافها؛ لتتسعَ دائرة قوَّتها وترابطها، وخَتَم الرسالة بحِكمة بالغة، هي: صلاح العامَّة مرتبط بصلاح الخاصَّة، والخاصَّة لا تصلح إلا بصلاح إمامِها وخليفتها.

ولا شكَّ أنَّ معالجاتِ ابن المقفع في شؤون الدولة كانت معالجاتٍ مخلصة، إلاَّ أنَّ الخليفة لم يعبأ بها؛ لأنها أقرب إلى العقل منها إلى الشريعة، وكان يريد نظامًا يُرضِي الفقهاءَ والمحدِّثين والقضاة، مبنيًا على القرآن والسُّنة، والإجماع والقياس، فلجأ ابن المقفَّع إلى الحِيلة، وامتدتْ يده إلى "كليلة ودمنة"[16]، وهو كتاب هندي في أصله، ترجم إلى الفارسية، فنقله ابن المقفَّع إلى العربية، وحوَّرَه وزاد فيه بما يناسب حالَ الدولة الناشئة، يحدوه رفْع الظُّلم وإشاعة العَدْل، فخاطب الخليفة بألْسِنة الحيوانات والطيور، وفَتَح أعين الرعية على التمييز بين الظُّلم والعدل، ومطالبة السلطان بتحقيق الإنصاف بينهم، ولعلَّ الذي كتبه ابن المقفَّع وقدَّمه للخليفة والناس، جعل أبا جعفر المنصور يوافِق والي البصرة على الخلاص منه بقَتْله.

(4)

ابن قتيبة[17]:
بعد نُضج علوم الفِقه والقضاء، وبعدَ محاولة ابن المقفَّع بسنين طوال، صِرْنا نَلْقى كتبًا مختلفة غير متخصِّصة في عِلم من العلوم، وهي من كتب الأخبار والآداب والسَّمَر، يندرج بعض أبوابها في عِلم التراث السياسي، ونتخيَّر من هذه الكتب أقواها دلالةً على ما نزعم، وهو كتاب "عيون الأخبار"[18]، لمؤلِّفه أبي محمد بن قُتَيبة الدِّينَوري، المتوفى 276 هـ/889م.

كان هذا المؤلِّف فارسيَّ الأصل، إمامًا في اللغة والأدب والأخبار، نشأ في بغداد، وتثقَّف على أهلها ورجالها، وتُوفِّي بها، وأقام بالدِّينَور مدَّةَ ولايته القضاء، وكان من أهل السُّنة، جريئًا في رأيه، ثقةً في ما يقول، واسعَ الثقافة، وله مصنفات كثيرة، نذكر منها "جامع الفقه"، وكتابًا في التفقيه، و"تأويل مختلف الحديث"، و"المسائل والأجوبة"، وهو في الحديث.

لقد كَسَر ابن قتيبة كتابه "عيون الأخبار" على عشرة أبواب، استفتحَها ببابين من صَميمِ هذا العلم وجوهره، وهما: "باب السلطان"، و"باب الحرب".

وفي الباب الأوَّل[19] تحدَّث عن اختلاف أحوال السلطان، وسيرتِه وسياسته، وذكر صحبته، وما ينبغي أن يكونوا عليه مِن صفات، كالطاعة، والتلطُّف في مخاطبته، وإخلاص النصح له.

وذكَّر السلطانَ بألاَّ يتَّبع الهوى، وألاَّ يأخذ أحدًا بالظنّ، وأن يحسن اختيارَ عمَّاله وقُضاته، وحُجَّابه وكُتَّابه، وفي ثنايا ذلك ذكر خياناتِ العمَّال، وأحكام القضاة، والظلم ونزاهة الشهادات، والحبس.

أمَّا "باب الحرب"[20]، فكان عن آدابها ومكايدها، وأوقاتها الملائِمة، وأدواتها مِن سلاح وخَيْل وإبل، والصبر عند اللِّقاء، وحضِّ الناس عندَ الْتحام القتال، وذكر الحِيَل في الحروب، وأخبار الجُبناء والشُّجعان والفرسان، والطِّيرة والفأل عند العرب في جاهليتهم وإسلامهم، ومذاهب العجم في العِيافة[21]، وخَتَم الباب بأخبار الدولة، والخليفة أبي جعفر المنصور، وتمصير الأمصار، وبناءِ المدائن في أماكنَ مؤهَّلة للعمران.

وتُعدُّ مادة هذين البابين من عناصر عِلم السياسة، وإن كان المؤلِّف يُطعِمها بالنوادر والأشعار والأخبار، ويبدو أنَّ هذه المادة أخذتْ تُشكِّل في عصر المؤلِّف عنصرًا هامًّا في الثقافة العامَّة، ولم تكن صدفةً أنه استفتح أبوابَ كتابه العشرة بهما، وسنجد فيما بعدُ أنَّ هذه العناصرَ قد أفادت في وضع كتب متخصِّصة في هذا العلم.

لقد كانت تحدو هذه المادةَ رُوحٌ إسلاميَّة واضحة، يذكر المؤلِّف من خلالها الإمام العادل، ويربط السلطان بالدِّين، لا يقوم أحدهما إلاَّ بالآخَر، ويستبعد أن يكون السلطان امرأةً، أما مصادر مادته فواضحة؛ لأنه - في الغالب - ينسب كلَّ قول إلى صاحبه، ويقتبس أقوالَه من عهد الرسول الكريم، والخلفاء الراشدين، والدولة الأُمويَّة، والعباسيَّة، ويذكر الحجَّاج في اختيار الشرطة، وهارون الرشيد في اختيار القضاة.

ويتناول سوءَ أتباع الإمام، وأهميَّة العدل، وحُسْن السياسة في بناء الدولة، وإشاعة العُمران، ويأتي هنا القولُ المشهور، الذي نلمح أنَّه أفاد ابن خلدون بعدَ نحو خمسة قرون، وهو: لا سلطان إلاَّ برجال، ولا رجال إلاَّ بمال، ولا مال إلاَّ بعمارة، ولا عمارة إلاَّ بعدل، وحُسْن سياسة، ونضيف من مصادره الاستشهادَ بأمثال العَرَب وحُكمائهم وقضاتهم، وحروبهم وغزواتهم، وينقُل عن بعض كتب معاصرِه الجاحظ، ويُكثِر من الشعر الجاهلي والإسلامي، والطرائف المختلفة، وواضحٌ أنَّه يقصد من كلِّ هذا التثقيف والتعليم.

ويَعْقُب هذا المصدرَ العربي والإسلامي مصادرُ أخرى وافدة، أهمُّها المصدر الفارسي، فينقُل من كتب الأعاجم وسيرهم، ويذكر كسرى أنوشروان وأردشير، وأبرويز وشيرويه، ويزدجرد وفيروز، وعلاقاتهم برعاياهم، ويأخذ من كتاب "الآيين" الفارسي، الذي تَرْجمه ابنُ المقفع، ولم ينسَ أن يأخذ من كتب الهِند، وكتب أرسطو.

(5)

الماوردي[22]:
ثالثُ هذه القِمم أبو الحسن عليُّ بن محمَّد بن حبيب الماوردي، وهو من العلماء المعروفين في أُخريات القرن الرابع، والنصف الأول من القرن الخامس الهجري (العاشر، والحادي عشر الميلادي)، وُلِد في البصرة، ونشأ فيها، وتَلْمَذ على مشايخَ في الحديث والفِقه، وانتقل إلى بغداد، وتوفي بها (450 هـ/1058م)، ووَلِي القضاء في بلدانٍ كثيرة، ولُقِّب بلقب "أقضى القضاة" في عهد الخليفة العباسي القائم بأمر الله.

كانتْ مكانتُه رفيعةً عند الخلفاء، وبلغ منزلةً عالية عند ملوك بني بويه، وأثبت في غير مناسبة شجاعةً أدبيَّة، وقدرة على الوقوف في وجه الملوك، وقد أفتى بمنْع تلقُّب أحد ملوك بني بويه بلقب "ملك الملوك الأعظم"، في حين أنَّ كِبار فقهاء عصره أجازوا ذلك[23]، واتُّهِم بالمَيْل إلى مذهب الاعتزال، وهو مذهب يُحكِّم العقل في كلِّ الأمور، ولعلَّ اتجاهه العقلاني الذي جعلَه لا يقف جامدًا أمامَ نصوص الشريعة، ويتميَّز في أحكامه بالمرونة والاجتهاد، هو الذي ألْصق به هذا الاتهام، قيل: له: "أيُّها الشيخ، اتَّبع ولا تبتدع"، فأجاب: "بل أجتهدُ ولا أقلِّد".

وضع الماوردي مؤلَّفاتٍ كثيرةً في موضوعات شتَّى، دلَّت على سَعة ثقافته وعُمقها، فألَّف في اللُّغة والأدب، والتفسير، والأمثال والحِكم، وله في فقه الشافعية كتاب "الحاوي الكبير"، وكتاب "الإقناع" الذي ألَّفه بطلب من الخليفة العباسي القادر بالله، وكتاب "أدب القاضي" الذي كَشَف فيه عن أحكام القضاء، وشروطه وآدابه.

أمَّا في السياسة كالخِلافة ونُظم الدولة، فقد ألَّف أكثرَ من كتاب، وهي: "قوانين الوزارة وسياسة الملك"[24]، وقد صدر بعنوان "أدب الوزير"، وليس هذا عنوانَه، تحدَّث فيه عن منصب الوزير، وموقعه في النظام السياسي، والصِّفات التي ينبغي توافرُها فيه كالالْتزام بالدِّين والصلاح، والشورى والحزم، والعدل والإحسان، وتولية الأكفاء، والوفاء بالوعد والصِّدق، وبين معنى الوزارة وأصلها وأنواعها، وقسمها إلى وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ.

وكتاب "نصيحة الملوك"[25] الذي يتضمَّن نصائحَ للملوك والسلاطين في كيفية السلوك السياسي، بيَّن فيه أهميَّة نصيحة العلماء، وفضائل الإنسان، وفضائل الملوك التي تجعلهم أهلاً لهذا المنصب، وأسباب الخَلَل والفساد في الممالك، وكيفية إصلاحها، وناقَشَ قضايا تولية العهد للأبناء، وانتهى إلى ضرورة الحُكم بالعدل وإصلاح الرعيَّة، وفتح الأبواب أمامَهم، ويلحظ الباحث أنَّ الكتاب ألِّف على النمط الفارسي، على غير ما أُسِّس عليه كتاب "الأحكام السلطانية" الآتي ذِكْرُه.

وكتاب "تسهيل النظر وتعجيل الظفر"[26]، وهو في أخلاق الملك، وسياسة الملك، وأنواع الحكومات، يبدأ فيه بمفهوم الأخلاق، ويُبيِّن أسس الملك وقواعده، واختيار الأعوان ومحاسبتهم، وأسباب الفساد الراجعة إلى تقصير الأعوان وافتقاد الرأي والمشورة، وكَيْد الأعداء، ويتميَّز هذا المؤلَّف بأنه أوَّل كتاب في الفِكر السياسي الإسلامي الذي استقصى فيه أنواعَ السلطة، وأنواع الحكومات، وفصَّل فيها.

وأخيرًا، كتاب "الأحكام السلطانية"[27]، الذي أحلَّ الماورديَّ مكانةً عالية؛ لأنَّه أوَّل كتاب منهجي وافٍ في موضوعه، ودقيق في عَرْض مسائله، وأهَّله لوضع هذا الكتاب تبحرُّه في الفقه، وما أكسبتْه مهنة القضاء في بلدان كثيرة، من خبرة عميقة.

لقد كسر الماورديُّ كتابَه على عشرين بابًا، ذَكَر فيها الإمامة، وكيفية عَقْدِها وشروطها، والوَزارة وأنواعها، ومَن يصلح لها وضوابط عملها، والإمارة على البلاد، والإمارة على الجِهاد، والولاية على الحروب، والقضاء، والمظالِم، وإمامة الصلوات، والحجّ، والصدقات، والفَيْء، والجِزية، والخَراج، وإحياء الموات، واستخراج المياه، والحمى، والجرائم، والحِْسبة.

ونلاحِظ في كتابه استيفاءَ نُظم الدولة وأركانها المختلفة، وكان في مباحثه يقرِّر القواعد، ويحدِّد الأصول، ويذكر الحقوق والواجبات، ويجتهد دون أن يخالِف أحكام الدِّين، ويوافق - عمومًا - اتجاهاتِ أهل السُّنة والجماعة.

وقد أقام كتابَه على أساس فِقهي، وانتفع من نُضوج الفِقه الإسلامي، وأحكام القضاء على مدى قرنَيْن مَضيَا أو يزيد، وكان يذكر مصادرَه من أقوال الفقهاء والعلماء، على أنَّه لم يكن يتقيد بكلِّ أقوالهم، كما انتفع من تلك اللَّبِنات المبكرة التي شارك في وضْعِها ابن المقفَّع وابن قُتَيبة، ولكن الفضل الأكبر في بناء هذا الصَّرْح المتكامل يعود إليه.

لقد عرَّف في الباب الأول الخِلافةَ التي لم يَفْصل فيها الدِّين عن الدنيا، قال: إنَّها "موضوعة لخِلافة النبوَّة في حراسة الدِّين وسياسة الدنيا"، ثم ذكر الشروط العامَّة التي ينبغي أن تتوافر في الخليفة، وأنَّ اختياره من حق المسلمين جميعًا، فإنْ وفَّى بواجباته، تحتَّم على الرعية "الطاعة والنصرة"، وإن أخلّ، جاز لهم خلعُه، وساند في كتاباته الخِلافةَ والخليفة، وظلَّ على ولائه للخِلافة العباسية، مدافعًا عن شرعيتها، رمزًا لوحدة الإسلام والمسلمين، وفقًا لرأي السُّنَّة والجماعة، وذكر بإزاء ذلك "إمارة الاستيلاء" إشارة إلى حُكم البويهيِّين، والسلاجقة، الذين تسلَّطوا على الخلافة والخليفة، فأصبحتْ سلطاته محدودة، وقدرته على التصرُّف مقيَّدة[28].

ولَمَّا تحدَّث عن الوزير، أجاز أن يكون وزيرُ التنفيذ ذِميًّا: مسيحيًّا أو يهوديًّا، فدلَّل على رحابة نُظُم الإسلام في الإدارة وتسامحها.

وفي الباب الرابع اهتمَّ بإمارة الجِهاد وقتال المشركين، فوضع أصولَه وآدابه، ومِن هذه الآداب: أنَّ الإسلام ينهى عن قتْل النِّساء والولدان.

وفي القضاء قرَّر أن ليس للخليفة الجديد أن يَعزِل قاضيًا عيَّنه خليفة سابق، وشدَّد على أنَّ القاضي ينبغي ألاَّ يقبل الهدايا، حتى لا تتأثَّر أحكامُه، وكنَّا ذكرْنا أنَّ الماوردي وضع كتابًا منفصلاً في القضاء أسماه "أدب القاضي".

وتوجَّه في الحديث إلى الأراضي العامة التي ينبغي أن تبقى مِلْكًا للانتفاع العام، كمراع للماشية، وانتقد في الباب الأخير الحِسبةَ في عصره؛ لأنَّها أصبحت للتكسُّب وقَبول الرِّشوة، في حين أنَّ الحكَّام الأوائل كانوا يباشرونها بأنفسهم، ورأى لخطورة منصب "المحتسب" أن يعودَ تعيينه إلى الخليفة.

(6)

الغزالي[29]:
وُلِد أبو حامد الغَزَالي في خراسان، وتُوفِّي فيها عام 505 هـ/ 1111م، وكان قد رحل في حياته إلى نيسابور وبغداد، والحجاز، وبلاد الشام ومصر، ومرَّ بنا أنه درَّس في المدرسة النظاميَّة في بغداد، وكان واسعَ الاطلاع، كثيرَ التأليف، وضع نحوَ مئتي مصنَّف، منها ما هو في الفِقه والتفسير، ولُقِّب بحُجَّة الإسلام، واشتهر بالتصوُّف.

نذكر كتابه المشهور "إحياء علوم الدين"[30] الذي لا يعرف كثيرون أنَّه يتضمَّن في تضاعيفه أجزاءً تخصُّ علم السياسة، كالإمارة والإمامة، والبَيْعة والخروج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وله أيضًا كتاب "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية"[31]، قدَّمه إلى الخليفة المستظهر بالله، وهو في الإمامة ووظائفها، ونقد المعارِضين لها.

ومن أهمِّ كتبه السياسيَّة "سر العالَمَين وكشف ما في الدارَيْن"[32]، تحدَّث فيه عن كيفية الوصول إلى الحُكم، وتكوين العصبيَّة المسانِدة، وإقامة المُلك على العدل، وإعمار الأرض، وتنشيط الصنائع، ويُفيض في الحديث عن ترتيب الخِلافة والولاة، والصحبة والعساكر، وجميع المِهن التي تمسُّ حياة الناس، وكيفية جَذْب قلوبهم إلى الطاعة، واكتساب الشرعية، وتهذيب نفوس الرعيَّة، وتعليمها آدابَ التعامل، وواضح أنَّ بعض هذه المباحث قد أفادتْ ابنَ خلدون في "مقدمته".

وفي أواخر القرن الخامس الهجري، وضع كتابه "التبر المسبوك في نصيحة الملوك"[33] باللُّغة الفارسية، وقدَّمه إلى السلطان السلجوقي محمَّد بن ملك شاه، وتُرجِم إلى العربية، وجَعَله في مقدِّمة، ومقالتَين، وسبعة أبواب، تناول فيها أمَّهاتِ العناصر السياسية، كالعدل والشورى والتعمير، ومسؤولية الحاكم عن أتباعه، وإصلاح أحوال الرعيَّة، وحصوله على رِضاهم وَفْقًا للشَّرْع، ويختم حديثَه عن الوزراء وسياستهم، والكُتَّاب ونُظَّار المظالِم.

لقد حثَّ الغزالي السلطانَ والوُلاةَ على تقريب علماء الدِّين؛ ليتعلَّموا منهم طرق العدل، وأشار إشارةً واضحة إلى أنَّ عمارة الدنيا وخرابها راجعٌ إلى الملوك، فإذا كان الملك، أو السلطان عادلاً عمرتِ الدنيا، وأمنتِ الرعية، وإذا كان جائرًا كان خرابها محتمًا.

وربط في الكتاب تفكيرَه الأخلاقي بتفكيره السياسي ربطًا واضحًا، وكان منهجُه أن يأتي بما يقرِّره من مبدأ أخلاقي، ثم يُورِد من قصص الأقدمين وحِكمهم ما يُبرهِن على صحَّته.

وعُدَّ هذا الكتاب من كُتب وعظ الحكَّام وتذكيرهم، وفيه توجيهات عن السياسة المُثْلَى، وحكايات عن أفعال الحكَّام السابقين وأقوالهم، سِيقت للعِبرة والْعِظة.

(7)

الطُّرْطُوشي[34]:
أمَّا أبو بكر الطُّرْطوشي، المتوفَّى 520 هـ/1126م، فهو أندلسيٌّ من أهل مدينة طرطوشة بشرقي البلاد، وكان قد تفقَّه في شبابه على المذهب المالكي، وتَلْمذ إلى القاضي أبي الوليد الباجي (توفي 474هـ /1081م) شيخ الأندلس في وقته، ورحل وهو في الخامسة والعِشرين من عُمره إلى المشرق، فحجّ، وطلب العلم، فزار العراق، وبلادَ الشام ومصر، وقرَّ في الإسكندرية، وتولَّى التدريس إلى أن توفي بها، وعمره نحو سبعين عامًا.

كان يتميَّز - بجانب عِلمه بالفِقه على مختلف المذاهب، والحديث والتفسير - بالزُّهْد، والسعي إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعُرِف عنه أنه لم يتشبثْ من الدنيا بشيء.

له مؤلَّفات كثيرة، وَضَع أغلبها في الإسكندرية، التي عاش فيها نحوَ ثلاثين عامًا، منها: كتابه المشهور "سراج الملوك"[35]، الذي ألَّفه في أخريات حياته، وقد أشاد فيه بالسياسة العِلميَّة التي انتهجها نظامُ الملك في بغداد بتشييد المدارس، وأشهرها المدرسة النظاميَّة في بغداد، وكان الطُّرْطوشي قد زارها، وتلقَّى دروسًا فيها على بعض مشايخها.

ولم يكن الطرطوشي، وهو في الإسكندرية، غافلاً عمَّا يحدُث حوله، فكان يُصدِر الفتاوى التي يخالف فيها بعضَ القواعد والنظم القائمة في الدولة، وينتقد أحكامَ القُضاة المخالِفة للشريعة، ويعرِّض ببعض النُّظُم المالية المتَّبَعة.

أمَّا موضوع كتابه "سراج الملوك" فهو في عِلم السياسة، وفنِّ الحُكم، وما يجب أن يكون عليه الراعي، وكيفية تدبير أمور الرعية، وقد وَضَعه بعد أن رأى وسمع عن جبروت الوزير الفاطمي الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي، وعن قوَّته وسُلطانه، وسافَر إلى القاهرة، وقدَّم الكتابَ إلى الوزير الجديد المأمون البطائحي، نصَحَه فيه ووعظه، وطلب إليه الرِّفق بالرعية، وإشاعة العدْل بينهم، وفَتْح أبواب قَصْره لكلِّ شاكٍ أو متظلِّم، وأن يرفق بالعلماء؛ لأنَّهم السياج الذي يمنع الحكَّامَ من الظلم.

وحين نَعرِض للكتاب نراه قد عقَدَه على أربعة وستِّين فصلاً، جعلها في مواعظِ الملوك، ومقامات العلماء عندَ الأمراء والسلاطين، ومنافع السلطان ومضارِّه، وخِصاله التي ينبغي أن تكون قواعدَ له، والصِّفات التي يجب أن تَضبط علاقةَ الحاكم بالرعيَّة، والأسس التي حدَّدها الشَّرْع لتنظيم الدولة والملك، وتناول أسبابَ زوال الدُّول، ودواعي بقائها وصلاحِها واستقرارها، وضرورة بنائها على العِلم والعقل، والقِيَم الأخلاقيَّة، والعدل والشُّورى.

ويفصِّل القولَ في مؤسَّسات الدولة كالوُلاة، والقضاة والوزراء، وولاة الجُنْد، والخراج وبيت المال، ومختلف الدواوين، ويذكر صِفاتِ العمَّال، والشروط والعهود التي يجب أن تُؤخَذ عليهم، وخطورة قَبولهم الهدايا والرشاوى، وضرورة فَهْمهم أحكامَ أهل الذِّمَّة، واهتمَّ بالجُود والكرم، وخطورة الظلم والنميمة والسعاية.

وقد أشار ابن خلدون الذي جاء بعدَه بنحو ثلاثة قرون، في "مقدمته"، إلى كتاب الطُّرْطوشي هذا، وأشار بطريقته في تقسيم كتابه، وتحديد موضوعاته، ولكنَّه رأى أنه لم يحسن علاجَ هذه الموضوعات، ولم يستوفِ مسائلها، والحقُّ أنَّ لابن خلدون هدفًا يختلف عن هدف الطُّرْطوشي في كتابه.

ويبدو أنَّ الطرطوشي قد تأثَّر بكتاب "سياست نامه"، الذي وضَعَه نظام الملك (توفي 485هـ/1092م) بالفارسية، فبَيْن الكتابين توافقٌ في طريقة التبويب وبعض المادة، وربما سمع الطرطوشي عن الكتاب في المدرسة النظاميَّة في بغداد، حيث تلقَّى دروسًا فيها.

ويبدو كذلك أنَّ الطُّرْطوشي قد تأثَّر بكتاب أبي حامد الغزالي "التبر المسبوك في نصيحة الملوك"، الذي أتَيْنا على ذِكْره آنفًا، ويعدُّ الغزالي بمثابة شيْخ من شيوخه؛ لأنَّه من أوائل من درَّس في المدرسة النظاميَّة، وربما اطَّلع الطُّرْطوشيُّ على كتابه وهو في بغداد، وقد وصل إلينا أنَّه اطَّلع على كتاب الغزالي "إحياء علوم الدين"، وعارَضَه بكتاب كبير.

والذي حدَا بهذا الشكِّ أنَّ منهج الكتابَيْن، وطريقة العرْض واحدة، ويتوافقان في الربط بين السياسة والأخلاق، إلاَّ أن كتاب الطرطوشي جاء مفصلاً على نحو لم يَرِد في كتاب الغزالي، ولعلَّ توحُّد الهدف في الكتابَيْن هو الذي فرض عليهما التوحدَ في طريقة العَرْض، وربْط السياسة بالأخلاق، فالكتابان من كتب "نصائح الملوك"، أو "مرايا الأمراء".

وفي الكتاب كثيرٌ من الحِكم والأمثال والقصص المأخوذة من سِيَر الأنبياء والخلفاء، والملوك والحُكماء السابقين، من العرب والفُرْس والروم، واقتطف حِكمًا هنديَّة من كتاب "منتخل الجواهر"، لمؤلِّفه شاناق الهندي.

ونلاحظ عنايتَه بأحوال المغرِب والأندلس، ومِن الأمثلة براعتُه في عرْض واجبات قائِد جيش المسلمين عند فتْح إفريقيَّة، ووصفه ترتيب الجيش في الأندلس عندَ لقاء العدوِّ وصفًا حربيًّا دقيقًا، مبنيًّا على مشاهداته وسماعه في صَدْر حياته، ويشرح في موضع آخرَ كيف تفوَّق الرُّومُ في الأندلس على المسلمين.

لقد نال الكتاب شهرةً واسعة، وعُدَّ في الكتابات السياسيَّة المهمَّة في عصره، ودلَّل المؤلِّف فيه على سَعة اطِّلاعه، ومعرفته الشاملة في مسائل الفِقه والشريعة، والتاريخ والأدب، ويُذْكر أنَّ ابن الأزرق الغَرْناطي، المتوفَّى في القدس 896 هـ/1491م، نقل عنه كثيرًا في كتابه "بدائع السلك في طبائع الملك"، بجانب ما نقله عن ابن خلدون.

(8)

ابن الطِّقْطقي[36]:
في أواخر القرن السابع الهجري نَلْقى ابن طَبَاطَبَا، المعروف بابن الطِّقْطقي، ويقال ابن الطِّقْطَقا، المتوفَّى 709هـ/1309م، وقد وضع كتابه "الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية"[37]، في أخريات حياته (سنة 701 هـ)، وقدَّمه إلى فخر الدين عيسى، عامل السلطان المغولي غازان على المَوْصل.

وأخباره التي وصلتْنا في المصادر قليلة، ونعلم أنَّه من أهل المَوْصل، ومعروف بأنَّه مؤرِّخ، وكان ذا ميول شيعيَّة، ونقيبًا للعلويِّين بالحلة والنجف وكربلاء، خلفًا لوالده، ويُذكر أنَّه أخذ على نفسه - كما بيَّن في مقدمة كتابه - ألاَّ يُقحم فيه شيئًا من مذهبه، ولكنَّه غالَى في الثناء على المغول ودولتهم، بما أبعدَه عن إنصاف دول الإسلام الأخرى.

إنَّ هذا الكتاب فريدٌ في نَوْعه، اعتنى المؤلِّف فيه بتتبُّع نُظُم الدولة الإسلامية وتطوُّرها، كما هي في الواقع التاريخي، ومن ثَمَّ قَيَّم هذا التطوُّر، وكَشَف فيه عن نظرة الخلفاء لسلطتهم، وعن فترات الضعْف والقوَّة في الخِلافة، وعن تحولاتها، وذَكَر معلوماتٍ عن الوزراء والكتَّاب، والجيش والقُوى المضادة، وولاية العهد، والفتن الداخلية وأثرها في الخِلافة، وبيَّن العناصر التي أثَّرت في اتجاه سيرها[38].

وبهذا عُدَّ الكتاب من التراث السياسيِّ الذي يَعرِض لتاريخ نُظُم الدولة الإسلاميَّة، وتطوُّر هذه النُّظم في مختلف المراحل.

وقد أُسِّس منهجُ الكتاب على إطار نظري، ثُم تمَّ استعراض التاريخ السياسي لنظام الحُكم الإسلامي، وهو منهج اتبعه ابن خلدون بعدَه بنحو قرْن من الزمان، وقد أوْضح المؤلِّف في الفصل الأول أنَّه سوف لا يتناول في كتابه أصلَ الملك وحقيقته، وانقسامه إلى خِلافة وسلطنة وإمارة وولاية، وما كان منه على وجه الشَّرْع وما لم يكن، ومذاهب الآراء في الإمامة؛ بل هو موضوعٌ للسياسات والآداب، التي ينتفع بها في الحوادث الواقعة، والوقائع الحادثة، وفي سياسة الرعيَّة، وتحصين المملكة، وإصلاح الأخلاق والسيرة.

ومِن هذا المنطلق التطبيقي لدِراسة الظاهرة السياسيَّة، تناول المؤلِّف الخصائص والخِصال التي تصلح لمن يقود الدولة، والعدل الذي تستقرُّ به الأموال، وتُعمر به الأعمال، وتُسْتصلح به الرجال، وذَكَر حقوق المَلِك على الرعية، وحقوقَهم عليه، وأظهر قِيمًا مؤثِّرة في الدولة، كالعلم والشورى.

ولفَتَ النظر أنه عرَّف الوزير بأنَّه وسيطٌ بين الملِك ورعيته، ولا بدَّ أن يكون مِن طبعه شطر يُناسب طباعَ الملوك، وشطر يناسب طباعَ العوام؛ لينال منهما القَبول والمحبَّة، والحقُّ أنَّ هذا القول يطابق تمامًا ما ذكره ابن المقفَّع في بعض كتبه، قبله بما يقرب من ستَّة قرون.

على أنَّ ابن الطِّقْطقي كثيرًا ما كانت تظهر شخصيته المتميِّزة، ويناقش بعضَ ما يصل إليه من سابقيه، فحين وصل إليه أنَّ الناجح في سياسة أموره الخاصَّة، لا بدَّ أن يكون ناجحًا في سياسة الدولة، خالَفَه بقوله: "وأنا لا أرى هذا لازمًا، فكم من عاميٍّ حسنِ السياسة لمنزله، ليس له قوَّةُ سياسةِ الأمور الكِبار، وكم من مَلِك حسن السياسة لمملكته، ليس يحسن سياسةَ منزله"[39].

(9)

ابن تيميَّة[40]:
من المؤلَّفات الجامعة الموجَزة، المؤسَّسة على الفقه والشريعة كتاب "السياسة الشرعية في إصْلاح الرَّاعي والرعية"[41]؛ لتقي الدِّين ابن تيميَّة، الحرَّاني الأصل، الدمشقي النشأة، والمتوفَّى فيها عام 728هـ/1328م.

كان شيخُ الإسلام هذا داعيةَ إصلاح في الدِّين، وسُجِن غير مرَّة في قلعة القاهرة والإسكندرية ودمشق، وتوفي وهو معتقَل في قلعة عاصمة الشام، وكان مؤهَّلاً باقتدار إلى وضْع هذا الكتاب؛ لأنَّه كان واسعَ الاطلاع في مختلف العلوم، كالفِقه والإفتاء، والحديث والتفسير، مع التبحُّر في علم التاريخ.

على أنَّه لم يكن بعيدًا عن وضْع كتب تتعلَّق بنُظم الدولة الإسلامية غير هذا الكتاب، فقد ألَّف ثلاث رسائل في "الجهاد" و"الحسبة"، و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، اقتضتِ الظروفُ تأليفَها للدِّفاع عن بلاده من الغزاة التتر، والاهتمام بصلاح أمور الرعيَّة لِمَا رآه من انحرافهم.

لقد بنَى رسالته "الحسبة"[42] على أنَّ الإنسان مدنيٌّ بطبعه، ومن الضروريِّ اجتماعُ البشر وتعاونهم، وقيامُ نظام وإمارة، وولايات مختلفة، وبيَّن فيها مهمَّة "المُحْتَسِب"، ومسؤوليتَه عن أوجه الحياة المتعلِّقة بالناس من مكاييل وموازين وصناعات، ومنْع الاحتكار وتسعير الحاجات.

أمَّا رسالته "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"[43]، فيتوجَّه فيها بتعريف مفهوم هذا المبدأ الإسلامي، ويذكر قواعدَه وشروطه، ويقرِّر أنَّ مصائب الأمم وانهيارها مرتبطٌ بالمعاصي، وانتشار المنكر، وأنَّ أمور الناس لا تستقيم إلاَّ بالعدل.

كذلك لم يضعْ كتابه في السياسة الشرعية الذي ذكرْناه إلا بعد أن رأى الحاجةَ إليه؛ لتذكير الحاكم والرعية بتعاليم الإسلام في سياسة الحُكم وَفقًا للشريعة، وقد لَمَس الخروجَ عن نهجها، وكان هدفه إصلاحَ الواقع، والابتعاد عن الفساد، وإقامة العدالة الاجتماعيَّة، ونُصْرة المظلوم.

لقد أسَّس المؤلِّفُ هذه الكتابَ - كما ذكر في المقدِّمة - على مفهوم أداء الأمانات إلى أهلها، والحُكم بالعَدْل، وبهذا ذكر الولايات، وحدَّد قواعدها بتولية الأصلح في كلِّ ولاية وفق ظروفها، واختيار الأمثل فالأمثل، والحِرْص على أموال الدولة، وضرورة رفْع ظُلم الولاة عن الرعيَّة عند جباية الأموال، أو صرفها.

وتناول الأحكامَ الشرعيَّة المتعلِّقة بحدود الله، وبيَّن عقوبةَ السرقة، والزنا والقذف، والقتل والجراح.

لقد كان ابن تيمية في كتابه متأثرًا بالواقع الذي يعيش فيه، فيطرح ما يُناسِب الحياةَ في عصره، ومن الأمثلة: أنَّه رأى أنَّ أصلح مَن يشغل وظيفة عامَّة في الدولة هو "القوي الأمين"، وحين رأى تعذُّر اجتماعِ القوَّة والأمانة في كثير من الناس في أمنه، اجتهد فقدَّم في إمارة الحرب القويَّ الشجاع، وقدم عند الحاجة إلى حِفْظ الأموال في الولاية الأمينَ على مَن سواه.

وفي ولاية القضاء قدَّم "الأورع" عند الخوف من الحُكم بالهوى، وقدَّم "الأعلم" عند الاشتباه في الأحكام.

(10)

ابن خلدون[44]:
وفي نهاية المطاف نَعْرِض لآخِرِ القِمم، أبي زيد عبدالرحمن بن خَلْدُون المتوفَّى في مصر عام 808 هـ/1406م، ودُفِن في ثراها بعدَ إقامته فيها أربعًا وعشرين سَنَة.

ولد ابن خلدون في تونس منحدرًا من أسرة عربيَّة حضرميَّة عاشتْ في إشبيلية منذ الفتح العربي للأندلس في أواخِر القرن الأول الهجري.

وتثقَّف ثقافةً واسعة ومتنوِّعة، وعرف العلوم النقلية والعقلية، واشتهر بالفِقه والحديث والتاريخ، إلاَّ أنَّ الفِقه غلب عليه، وقرأ أعمالَ ابن رشد، منها تلخيصه كتاب "الجمهورية" لأفلاطون، وتفسيره كتاب "السياسة في تدبير الرياسة" لأرسطو.

تقلَّب في المناصب كاتبًا ووزيرًا ومفاوضًا، وكَثُر تنقلُّه في مدن المغرب الأوسط والأقصى، ودخل الأندلس مرَّتَين، وسُجِن غيرَ مرَّة، وفرَّ من سجنه، وتعرَّض في مدى ثلاثة وعشرين عامًا لتجرِبة سياسيَّة غنيَّة بالمفاجآت والتقلُّبات والملاحقات، تنقَّل خلالَها بين قصور الأمراء والملوك، ثم جاء إلى مصر، ودخل بلادَ الشام مع جيش مصر لصدِّ تيمور لنك عنها، واجتمع به.

ويعود عدم استقراره، وكثرة تنقُّله كالظل، إلى الوشايات والدسائس التي كانتْ تُحَاك حولَه، وإلى حبِّه المناصبَ العالية، وطمعِه في الظفر بها.

وكان يختزن في عقله قبلَ أن يفد إلى مصر مشروعًا ضخمًا، وهو وضْع تاريخ شامِل للدول الإسلامية، يُفرغ فيه رؤيتَه للتاريخ، ونظرياتِه فيه، ويقدِّم له بمقدِّمة هي موضوعُ دراستنا هذه، فلجأ في عام 776 هـ، إلى قلعة ابن سلامة في ولاية وهران بالجزائر، معتزلاً أهوالَ السياسة ومطامحَها، ووضع "المقدمة" في مدى عامَيْن، وتعرَّضت فيما بعدُ إلى تنقحيه وتهذيبه.

وعيِّن وهو في مصر مدرِّسًا وقاضيًا، وكان يُعزل من القضاء؛ لأنَّه كان لا يخشى لومةَ لائم، نزيهًا عادلاً في أحكامه، يأخذ بحقِّ الضعيف، ويرفع الظلمَ عن المظلوم، مُعرِضًا عن شفاعات الأعيان، فتألَّبوا عليه، وساءتْ علاقته برِجال الدولة، وكشف بهذا عن فساد القضاء في عهد المماليك، وتُوفِّي فجأةً وهو في منصب القضاء، بعدَ إعادته إليه للمرَّة السادسة.

ومهما قيل في إنجازه، فإنَّه اطلع على أعمال مَن سبقوه، وأشار في مقدمته إلى كثير منهم، فقرأ لابن المقفَّع كتبه في السياسة، والماوردي في "الأحكام السلطانية"، وأبي حامد الغزالي في "التبر المسبوك في نصيحة الملوك"، والطرطوشي في "سراج الملوك"، وغيرهم، وذكرْنا قبل قليل اطلاعَه على إنجازي أفلاطون وأرسطو في السياسة، وبهذا يمكن ردُّ بعض جذور أفكاره إلى هؤلاء.

والواقع أنَّ عصره كان مزدهرًا بعِلم السياسة، وأشهر الإنجازات فيه كتابُ أبي القاسم بن رضوان المالقي[45]، "الشهب اللاَّمعة في السياسة النافعة"، وقد صَحِب هذا المؤلِّفُ ابنَ خلدون في تونس، وبات عندَ الباحثين أنَّه اطلع على كتاب ابن رضوان، فمصادرهما واحدة، وتوافقَا في بعض المواضع؛ إلاَّ أنَّه لم يذكرْه في "المقدمة"، ربما لأنَّه كان ينفس عليه منصبَه العالي.

وحين تناول في "المقدمة" نُظمَ الدولة الإسلامية، جمع بين جانبي التأصيل الفِقهي والتطور التاريخي، وعلى الرَّغْم من أنَّ نظريته مترابطةٌ ومتلاحِمة، فإنَّه لفائدة الدَّرْس يمكن قسمة إنجازه إلى شطرين: شطر تقليدي لم يأتِ فيه بجديد، نفعه فيه مَن سبقوه، وعلمه بالفِقه والقضاء، والتشريع والحديث.

وفي هذا الشطر ذَكَر الخِلافة، أو الإمامة، والوزارة والكتابة، والحجابة والجباية، والسكة (النقود)، والفتيا والقضاء، والمظالم والحِسبة، والجيوش والشُّرَطة، وكان لا يغفل الاستشهادَ بالنصوص التشريعيَّة، والأحكام الفِقهيَّة، المتعلِّقة بهذه العناصر.

وقد اتَّبع في الخِلافة نظريةَ أهل السُّنة والجماعة، وتمسَّك بها، ولم يخرجْ عن الشروط التي ذكرتْها النظرية، وحدَّدت شرعيَّة الخليفة، أما شرط "القرشية"، فقد ذكر رأي المذاهب المختلِفة فيه.

وآمَنَ بأن تتمَّ توليةُ الخليفة اختيارًا لا وراثة، ولكنَّه لم يشككْ في شرعيَّة الوراثة عند الأُمويَّة والعباسيَّة، أو من بعدهم من ملوك الأُسر الحاكمة، ما داموا يُنفِّذون أغراض الشريعة.

وكذلك لم يأتِ بجديد حين ذكر بعضَ الشروط الأخرى التي ينبغي أن تتوفَّر في الخليفة من عدالة وكفاية، وحِلم ووفاء بالعهد، وكرم، وتعظيم للشريعة، وتقيُّد بفتاوى العلماء، وإنصاف المستضعَفين.

أما الشطر الثاني الذي علاَ فيه ابنُ خلدون، وجاوز جميعَ مَن سبقوه، فهي نظريتُه في العُمران التي رَبَط الحديث عنها بالبداوة والعصبيَّة والشرعيَّة الدِّينيَّة، واهتمَّ بنشوء الدول وأحوالها وأطوارها، وكيف يَسْري إليها الانحلال المؤدِّي إلى انهيارها، وانتهى إلى أنَّ الشرعيَّة الدِّينية أقوى من العصبيَّة، وهي التي استطاعتْ أن تمحوَ البداوة من طِباع العرب، وتقيم دولة عامَّة تمثِّل أوسعَ كِيان سياسي قائِم على العقيدة، واستشهدَ في ذلك، بقول رُستم القائد الفارسي عندَ الفتوح، حين كان يشاهِد المسلمين يجتمعون للصلاة: "أَكَل عُمرُ كَبدِي، يُعلِّم الكِلاب، الآداب"[46].

وقد اعتزَّ ابن خلدون بوضْعه هذه النظريةَ؛ لِمَا فيها من أصالة وعطاء وتجديد، وقال إنَّه ابتدَعها ابتداعًا دون أن يتأثَّر بأرسطو ولا موبذان، يريد أنه لم يتأثَّر بالإغريق ولا بالفُرْس.

والحقُّ أنَّه نَقَد كتاب أرسطو في السياسة، ولم يأخذْ منه، ولا من كتاب أفلاطون، ولا من كتب الفُرس، لسبب بسيط، وهو أنَّ هذه الكتب جميعًا أدخلُ في باب واجبات الساسة والدول، أما هو فلم يكنْ ينظر إلى الواجب، بل في ما هو واقع في التاريخ من أحوال الدول[47].

لقد كان يطبِّق نظريتَه على الدول الإسلاميَّة، ويحلِّل الأحداث، ويعلِّل المواقف، ويربط النتائجَ بالأسباب، ويصل الأحكامَ العامَّة بالفروع، والأعمالَ بالعواقب، واستطاع أن يحلِّل مفاهيمَ السياسة، على حدِّ تعبيره "بأوْعب بيان، وأوضح دليل وبرهان"، وطبيعي أن تغلب الرُّوح الدِّينيَّة في تفسيره وتعليله، ما دام يتحدَّث عن الدول الإسلامية.

ويمكن القول: إنَّه وضع الأُسسَ الأولى لعلم جديد، هو علم العمران البشري، الذي هو مزيجٌ من علوم ثلاثة: علم السياسة، وفلسفة التاريخ ومنهجه، وعلم الاجتماع.

(11)

خاتمة:
وهكذا ترى أنَّني عددتُ من هذه القِمم ثمانًا، هي: ابن المقفَّع، وابن قُتَيبة، والماوردي، والطُّرْطوشي، وابن الطِّقْطقي، وابن تيميَّة، وابن خلدون، وقد رتبتُها ترتيبًا زمنيًّا، وساعدني عرضُها وتحليلها على كشْف نشأة عِلم السياسة في التراث، وتطوُّره، واتخاذه سبلاً مختلفة، واتجاهاتٍ عديدة.

ولا أزعم أنَّني ذكرتُ جميعَ من ألَّف في الموضوع، فقد أحصوا، فبلغوا في جميع العصور والبِقاع 244 مؤلِّفًا، و307 كتب[48].

لقد تمَّ اختيارُ هذه القِمم والمؤلَّفات؛ لأنَّها تمثِّل مختلف القواعِد والأهداف والاتجاهات:
فمنها: ما أُسِّس على العقل، متأثرًا بالثقافة الفارسيَّة، بعيدًا عن الشريعة الإسلامية، وصاحب هذا الاتجاه هو ابن المقفَّع، الذي أخذ منه كثيرٌ ممن أتوا بعده.

والاتجاه الثاني: هو ما نجده في كُتب الأخبار والأدب والسمر، أو الثقافة العامَّة، فهي وإن لم تكن كتبًا متخصِّصة في الفكر السياسي، إلاَّ أننا نجد فيها أبوابًا ذات علاقة حميمة، ويرمز إلى هذا الاتجاه ابنُ قُتيبة في "عيون الأخبار".

والاتجاه الثالث: وهو أقواهم جميعًا، اتِّجاه الفقهاء، وقد كانوا - في الغالب قضاةً أو محدِّثين، أقاموا مباحثهم على الشريعة الإسلامية، ووجدنا في عهدهم كتبًا متفردة متخصصة، يمثلهم الماوردي في كتابه "الأحكام السلطانية"، وابن تيمية في "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية".

والاتجاه الرابع: يهدف إلى إصلاح الحاكم وأحوال مُلْكه، واتَّخذ شكلاً من أشكال الفِكر السياسي الموسوم بـ "نصائح الملوك"، أو "مرايا الأمراء"، ويمثل هذا الاتجاه الغزالي في "التبر المسبوك في نصيحة الملوك"، والطرطوشي في "سراج الملوك".

والاتِّجاه الأخير: ما بُنِي على تطوُّر نظام الحكم الإسلامي، بتتبُّع الحوادث التاريخيَّة الواقعة، ويمثِّل هذا الاتجاهَ ابنُ الطِّقْطقي في "الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية"، ومن بعده ابن خلدون الذي سَلَك هذا النهجَ، وانتهى إلى وضْع أُسس علم "العمران البشري".

وواضح من هذا التطواف، أنَّ التراث العربي لم ينسَ هذا العلم، فوجدْنا فيه كثيرًا من المؤلَّفات التي ضبطتْ ألوان الحُكم، ونُظم الدولة، ومهما قيل في التراث السياسي من تأثُّره بالثقافة الفارسيَّة، أو الهِنديَّة، أو الإغريقية، فقد ظلَّ في عمومه إسلاميَّ النشأةِ والنموِّ والتطور، منبثقًا من عباءة الفِقه والقضاء، والحديث والشريعة، ويمكن أن يُستخلص من أصوله وفروعه نظريَّةٌ سياسيَّة إسلاميَّة في الخِلافة، ونُظمِ الدولة الداخلية.

أمَّا السياسة خارجَ الدولة، وعلاقتها بغيرها من الدول، فلم تمتدَّ - فيما ذكرنا من مؤلَّفات واتجاهات - يدُ هذا العلم إليها بالقدر الكافي، وظلَّت مباحثُه قاصرةً على السفارة إلى الدول الأخرى.

والحقُّ أنَّ عناية هذا التراث بشقِّ السياسة الخارجية، يكشفه كتابُ "السير الكبير"؛ لمحمَّد بن الحسن الشيباني، المتوفى 189 هـ/804م، الذي كنَّا ألمعْنا إليه في أوائل هذه الدراسة. يُضاف إليه غيرُ كتاب، منها: "رسل الملوك ومَن يصلح للرسالة والسفارة"[49]، لابن الفرَّاء (القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي)، الذي عُنِي فيه بالعلاقات السِّلْميَّة، والاتصالات بالدول الأخرى.

المصادر والمراجع:
• الأحكام السلطانية، الماوردي، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1973م.
• الأحكام السلطانية للماوردي، بحث، د. سعيد عبدالفتاح عاشور، تراث الإنسانية، ط القاهرة، 1967م.
• إحياء علوم الدين، الغزالي، ط. الهند (لكهنئو)، 1308 هـ/1890م.
• الأدب الكبير، ابن المقفع، نشر في كتاب رسائل البلغاء، محمد كرد علي، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1954م.
• الأعلام، خير الدين الزِّرِكْلي، دار العلم للملايين، بيروت، الط. العاشرة، 1992م.
• الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ابن تيميَّة، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1976م.
• بدائع السلك في طبائع الملك، ابن الأزرق الغَرْناطي، تحقيق د. علي سامي النشار، وزارة الإعلام العراقية، بغداد 1977م.
• تاريخ موجز للفكر العربي، د. حسين مؤنس، دار الرشاد، القاهرة، الط. الأولى 1416 هـ/1996م.
• التبر المسبوك في نصيحة الملوك، الغزالي، تحقيق محمد مصطفى أبو العُلاَ، مكتبة الجندي، القاهرة، دون تاريخ.
• ترجمة ابن خلدون للمقريزي، في كتابه درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، د. محمود الجليلي، مجلة المجمع العلمي العراقي، 1385هـ/1965م.
• تسهيل النظر وتعجيل الظفر، الماوردي، تحقيق د. رضوان السيد، الدار العربية للعلوم، بيروت، 1997م.
• تطور الفكر السياسي عند أهل السنة - فترة التكوين، خير الدين بوجه سوي، دار البشير، عمان، الط. الأولى، 1413هـ/1993م.
• التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا، نشره محمد بن تاويت الطنجي، مط، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1951م.
• الحِسْبة، ابن تيميَّة، مطبعة المؤيد، القاهرة، 1318هـ.
• الخراج، أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، المطبعة السلفية، القاهرة 1353هـ.
• الدرة اليتيمة، ابن المقفع، نشره أحمد رفعت البدراوي، دار النجاح، بيروت، 1974م.
• رسالة الصحابة، ابن المقفع، نشرت في كتاب رسائل البلغاء، محمد كرد علي، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1954م.
• رسل الملوك ومَن يصلح للرسالة والسفارة، ابن الفرَّاء، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة.
• سِرَّ العالَمَيْن وكشف ما في الدارَيْن، الغزالي، تحقيق محمد مصطفى أبو العلا، مكتبة الجندي، القاهرة، دون تاريخ.
• سراج الملوك، الطُّرْطوشي، نشرة محمد فتحي أبو بكر، القاهرة، 1996م.
• سراج الملوك للطُّرْطوشي، بحث، د. جمال الدين الشيال، تراث الإنسانية، ط. القاهرة، 1964م.
• السياسة الشرعية في إصلاح الراعي الرعية، ابن تيمية، تحقيق محمد إبراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور، دار الشعب، القاهرة، 1971م.
• سياست نامه لنظام الملك، بحث، د. سعد زغلول عبدالحميد، تراث الإنسانية، ط. القاهرة، 1971م.
• شرح كتاب السير الكبير للشيباني، السرخسي، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، وعبدالعزيز أحمد، نشر معهد المخطوطات العربية، مطابع شركة الإعلانات الشرقية، القاهرة، 71 - 1972م.
• الشهب اللامعة في السياسة النافعة، أبو القاسم بن رضوان المالقي، تحقيق د. علي سامي النشار، دار الثقافة، الدار البيضاء، الط. الأولى، 1404هـ/1984م.
• ضحى الإسلام، أحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الط. السابعة، 1964م.
• عيون الأخبار، ابن قُتَيْبة الدِّينَوَري، المصوَّرة عن طبعة دار الكتب المصرية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة، 1963م.
• الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، ابن الطِّقْطقي، نشرة دار صادر، بيروت، دون تاريخ.
• فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية، الغزالي، تحقيق نادي فرج درويش، المكتب الثقافي، القاهرة.
• الفهرست، النديم، نشرة المكتبة التجارية الكبرى، المط. الرحمانية، القاهرة، 1348هـ.
• في مصادر التراث السياسي الإسلامي، نصر محمد عارف، نشر المعهد العالي للفكر الإسلامي، الط. الأولى، 1415هـ/1994م.
• قوانين الوزارة وسياسة الملك، الماوردي، تحقيق ودراسة د. رضوان السيد، دار الطليعة، بيروت، الط. الثانية، 1993م.
• كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مصطفى بن عبدالله، الشهير بحاجي خليفة، وبكاتب جلبي، الط. التركية - إسلامبول، 1360 - 1362 هـ، مصورة بالأفست، مكتبة المثنى - بغداد، بيروت.
• كَلِيلة ودمْنَة، ابن المقفع، نشرة دار صادر، بيروت، الط، الأولى، 1984م.
• مرايا الأمراء - الحكمة السياسية والأخلاق والتعامل في الفكر الإسلامي الوسيط، محمد أحمد دمج، بيروت، 1994م.
• معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الط. الأولى، 1414هـ/1993م.
• مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، طاشكبرى زاده، تحقيق كامل بكري، وعبدالوهاب أبو النور، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1968م.
• مقدمة ابن خلدون، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1391 هـ/1971م.
• من أصول الفكر السياسي الإسلامي، د. محمد فتحي عثمان، مؤسسة الرسالة، ط. الرياض، الط. الأولى، 1399هـ/1979م.
• مؤلفات ابن خلدون، عبدالرحمن بدوي، دار المعارف بمصر 1962م.
• نصيحة الملوك، الماوردي، تحقيق محمد جاسم الحديثي، دائرة الشؤون الثقافية العامة بغداد، 1986م.
• The fihrist Of Al -Nadim, Bayard Dodge (Editor and translator). Columbia university Press, New York , London, 1970.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (6/29)، و"معجم المؤلفين" (3/122-123)، والشائع في مصادره: أن وفاته 438 هـ/1047م.
وقد صححت وفاته من الفهرست" بالإنجليزية، (ص: 23) من المقدمة، وأشكر صديقي الأديب والأستاذ الجامعي الفذّ د. عبدالستار الحلوجي، الذي نبَّهني إلى هذا التصحيح.
[2] "الفهرست" (ص: 170، 172، 174).
[3] تحقيق كامل بكري، وعبدالوهاب أبو النور، دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1968م.
[4] (2/1011).
[5] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (6/289)، و"معجم المؤلفين" (3/534). وكتابه "بدائع السلك" صدر بتحقيق د. علي سامي النشار، وزارة الإعلام العراقية، بغداد، 1977م.
[6] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (2/202)، و"معجم المؤلفين" (1/565). وانظر: "سياست نامه"، بحث، المجلد 9، ص 171 – 212.
[7] في "مصادر التراث السياسي الإسلامي" (ص: 107).
[8] انظر كتاب: "مرايا الأمراء – الحكمة السياسة والأخلاق والتعامل في الفكر الإسلامي الوسيط"؛ محمد أحمد دمج، بيروت، 1994م.
[9] المطبعة السلفية، القاهرة، 1353 هـ.
[10] نشر معهد المخطوطات العربية شرحه للسرخسي، في خمسة أجزاء، بتحقيق د. صلاح الدين المنجد، وعبدالعزيز أحمد، مطابع شركة الإعلانات الشرقية، القاهرة 71 – 1972م.
[11] المعلم الأول: أرسطو.
[12] ترجمته ومصادره ومراجعته في "الأعلام" (4/140)، ومعجم لمؤلفين 2/301 – 302)، وانظر: "ضحى الإسلام" (1/195، وما بعدها).
[13] نشر في كتاب: "رسائل البلغاء"؛ محمد كرد علي، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1954م.
[14] نشرة أحمد رفعت البدراوي، دار النجاح، بيروت، 1974م.
[15] نشرت في كتاب: "رسائل البلغاء"؛ محمد كرد علي، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1954م.
[16] نشرة دار صاد، الط. الأولى بيروت، 1984م.
[17] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (4/137)، و"معجم المؤلفين" (2/297 – 298).
[18] المصوَّرة عن طبعة دار الكتب المصرية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة، 1963م.
[19] من (ص: 1 – 106).
[20] من (ص: 107 – 222).
[21] العِيافة – بالكسر -: زَجر الطَّير، والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها.
[22] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (4/327)، و"معجم المؤلفين" (2/499). وانظر: "الأحكام السلطانية"؛ للماوردي، بحث، المجلد 5، ص 16 – 30.
[23] لا أدري لماذا قسا د. حسين مؤنس عليه في كتابه: "تاريخ موجز للفكر العربي" (ص: 265)، قال: "فقيه لا يخاف الله، ويُحلِّل في كتابه "الأحكام السلطانية" ولايةَ اللصِّ والسارق، والفاسق والمجنون"، وانظر أيضًا (ص: 269).
[24] تحقيق ودراسة د. رضوان السيد، دار الطليعة، بيروت، الط. الثانية، 1993م.
[25] تحقيق محمد جاسم الحديثي، دائرة الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986م.
[26] تحقيق د. رضوان السيد، الدار العربية للعلوم، بيروت، 1997م.
[27] طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1973م.
[28] "قوانين الوزارة وسياسة الملك" (ص: 17، وما بعدها من المقدمة والدراسة).
[29] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (7/22-23)، و"معجم المؤلفين" (3/671 – 673).
[30] ط. الهند (لكهنئو)، 1308هـ /1980م.
[31] تحقيق نادي فرج درويش، المكتب الثقافي، القاهرة.
[32] تحقيق محمد مصطفى أبو العلا، مكتبة الجندي، القاهرة، دون تاريخ.
[33] تحقيق محمد مصطفى أبو العلا، مكتبة الجندي، القاهرة، دون تاريخ.
[34] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (7/133 – 134)، و"معجم المؤلفين" (3/762 – 763)، وانظر: "سراج الملوك للطُّرْطوشي"، بحث، المجلد 2، ص: 792 – 803.
[35] نشرة محمد فتحي أبو بكر، القاهرة، 1996م.
[36] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (6/283 – 284)، و"معجم المؤلفين" (3/539 – 540).
[37] نشرة دار صادر، بيروت، دون تاريخ.
[38] "تطور الفكر السياسي" (ص: 25).
[39] الفخري (ص: 50).
[40] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (1/144)، و"معجم المؤلفين" (1/163 – 164)، وانظر: "من أصول الفكر السياسي الإسلامي" (ص: 15، وما بعدها).
[41] تحقيق محمد إبراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور، دار الشعب، القاهرة، 1971م.
[42] مطبعة المؤيد، القاهرة، 1318هـ.
[43] تحقيق د. صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت 1976م.
[44] ترجمته ومصادره ومراجعه في "الأعلام" (3/330)، و"معجم المؤلفين" (2/119 – 121)، وانظر: "التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا"، نشره محمد بن ناويت الطنجي، مط. لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1951م، و"ترجمة ابن خلدون"؛ للمقريزي، (13/201 – 246).[45] المتوفَّى 783 هـ - 1381م.
[46] "مقدمة ابن خلدون" (ص: 127، وما بعدها).
[47] "مؤلفات ابن خلدون" (ص: 30، وما بعدها).
[48] "في مصادر التراث السياسي الإسلامي" (ص: 59، 230).
[49] تحقيق د. صلاح الدين المنجد، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مفهوم السياسة عند العرب (مقاربات أولى)
  • ظاهرة الدول الحربائية.. ما هو العلاج؟

مختارات من الشبكة

  • فضل العرب عامة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أخلاق العرب قبل الإسلام: عروة بن الورد (من أجواد العرب)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة إحقاق الحق وتبرؤ العرب مما أحدثه عاكش اليمني في لغتهم ولامية العرب(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • المثقفون العرب.. المزورون العرب(مقالة - موقع د. سعد بن فلاح بن عبد العزيز العريفي)
  • المصطلحات الصوتية في التراث اللغوي عند العرب(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • التراث والنبراس (4) ثبوت بدر القصة بجزيرة العرب(مقالة - حضارة الكلمة)
  • عيوب الكلام في تراث العرب (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأطباء العرب والمسلمون المكفوفون في التراث(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/10)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ظهور منظور المتلقي في التراث النقدي عند العرب (10/9)(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
1- تراث العرب السياسي في المغرب: قمم وتحولات لمحمود علي مكي
كريم - المغرب 09-03-2012 03:18 PM

السلام عليكم
نريد البحث الثاني تراث العرب السياسي في المغرب: قمم وتحولات لمحمود علي مكي ضمن بحوث الندوة
بحثت عنه طويلا فلو تكرمتم جزاكم الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب