• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / الرسائل العلمية / رسائل ماجستير
علامة باركود

مثارات الغلط الإعرابي من خلال كتاب مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري

أمين قادري

نوع الدراسة: Masters
البلد: الجزائر
الجامعة: جامعة الجزائر
الكلية: كلية الآداب واللغات
التخصص: اللغة العربية وآدابها
المشرف: د. محمد الحباس
العام: 1429 هـ - 2008 م

تاريخ الإضافة: 10/9/2022 ميلادي - 13/2/1444 هجري

الزيارات: 6540

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص الرسالة

مثارات الغلط الإعرابي

من خلال كتاب مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري


المقدمة:

الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمد الشاكرين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

انتقلت العلوم نقلة نوعية حين تبينت أهمية الجانب النظري التجريدي المتمثلة في قدرته على ضم الأعيان والنظائر غير المنحصرة في شكل كليات ومقولات عامة، بمعنى قدرته على جمع المنفتح في إطار المنغلق. وكان اليوم الذي اكتشف فيه أن أعيان الظواهر الطبيعية يخترقها في أكثر الأحيان سمة واحدة؛ هو يوم ولادة المعرفة الإنسانية في شكلها المنظم.

 

لقد كان هذا الاكتشاف المثير يتضمن في ثناياه أمرًا لا يقل عنه إثارة، وهو ما تشتمل عليه هذه الكليات من قدرة على توليد أعيان جديدة غير تلك التي استقرئت من أجل وضع القانون الكلي. ولكن السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل كل قانون كلي مستنبط من الاستقراء، مضبوط بلغة المنطق، قادر على التوليد؟ إن الإجابة عن هذا السؤال هي معيار القبول لأية نظرية من النظريات، بل لأية فكرة من الأفكار العلمية. فأن تكون النظرية صحيحة شيء مهم، ولكنه-في المنظور البراجماتي- ليس أهم ما في القضية، إذ أهم منه أن تكون إجرائية، أي قابلة للتطبيق-بحسب تعبير جورج ماتوري-، كما يجب أن تكون مفيدة عائدة بالنفع على المطبِّق.

 

وما أكثر ما شدت نظريات علمية انتباهنا من جهة دقة ضبطها وشمولية وصفها للظواهر التي هي موضوع لها، وبقدر ذلك كانت غفلتنا عن مدى إجرائيتها وإمكانية الاستفادة منها في تعميق معرفتنا بالنطاق التخصصي لها، واستثمارها عمليًا من أجل تطوير المعرفة الإنسانية. ذلك أن البحث العلمي يحتاج إخلاصًا وتضحية وتدقيقًا-لا ريب في ذلك-، ولكنه يحتاج أيضًا فطنة وذكاء ومعرفة بأولويات النظر فيما يدفع بالإنسان نحو مزيد من الخبرة بعالمه الذي يعيش فيه.

 

كانت هذه الأفكار النظرية هي التي تقودني للبحث في ميدان الدراسات اللغوية عن قضية ليس أهم مميز لها أنه: يمكن دراستها، بل كونها: يجب دراستها، وبصفة مستعجلة. هذا النوع من قضايا الدرس اللغوي يستقي شرعيته وضرورته مما يلابس المعرفة الإنسانية اليوم من تطور رهيب على مستوى المفاهيم والإجراءات، وهنا يقع الدارس العربي في فصام، بل في مفارقة عصيبة بين المعرفة العلمية العربية الإسلامية كما يقدمها تراثنا الحضاري الفكري، والمعرفة المتنامية التي يطرحها البحث العلمي المعاصر. هي مفارقة عصيبة، لأن حلولها الابتدائية تضع بين أيدينا اختيارات صعبة:

• إما التمسك بالمعطيات العلمية التراثية، على أنها النموذج التفسيري الوحيد للعالم، وغض الطرف عن كل جديد مهما كانت أدلته وبراهينه مقنعة.

• وإما الانسلاخ من التراث-مع أننا جزء منه: تكوينا ومرجعية-واعتماد المعرفة في نموذجها الغربي، مع علمنا أن نظريتها المعرفية التي قامت عليها، مخالفة لكثير من قناعاتنا الفطرية والعلمية الموضوعية.

• وإما الجمع بينهما، وإن كانت عملية الجمع هذه تتراوح بين التوفيق والتلفيق، -كما يقول أستاذنا الدكتور محمد العيد رتيمة-. واختيار الجمع هو أصعب الاختيارات، لا من حيث إنه إعلان عن انتماء كلي إلى معسكر من المعسكرين، ولكن من جهة أنه عمل يطرح إشكاليات منهجية جمة، تحتاج هي نفسها إلى بحث طويل قبل اختيار إحدى طرقه:

• هل طريقة الجمع هي إسقاط الجهاز الاصطلاحي القديم على الجهاز المفاهيمي الحديث أو عكس ذلك؟

• هل طريقة الجمع هي إعادة قراءة التراث كما يقترحها مشروع أحمد المتوكل؟

• هل هي عرض القديم والجديد على منطق الرياضيات والحاسوب كما يقدمه مشروع عبد الرحمن الحاج صالح؟

• هل هي طريقة المجال التداولي في التقريب والتبعيد كما يراه طه عبد الرحمن؟

 

إن البحث في أنجع هذه المشاريع يعد في نفسه مشروعًا علميًا نقديًا ضخمًا، لم ير كاتب هذه السطور نفسه في يوم من الأيام أهلًا لمقاربته فضلًا عن الخوض فيه. ولكن حسبنا في هذا البحث ونظائره أن نعد المادة الأولية التي ربما يستفيد منها من تؤهله إمكانياته العلمية لدراسة المسألة الآنفة الذكر. إن هذه المادة الأولية هي وضع معطيات الدراسات التراثية والدراسات المعاصرة وجها لوجه، في محاولة لتحديد مواطن الموافقة والمفارقة بينها، على أن ترجأ المقارنة الترجيحية إلى حين الاتفاق على منهج أو رؤية شاملة تحكمها، حتى تكون نظرتنا -نحن المعاصرين- إلى تراثنا نظرة منسجمة.

 

يعالج هذا البحث نموذجًا من نماذج التحليل التي أبدعها العلماء العرب، في سبيل دراسة الكلام العربي، وذلك بوصفه استنادًا إلى الجهاز الاصطلاحي والمفاهيمي لعلم النحو. هذا النموذج هو المسمى في كثير من الدراسات اللغوية العربية: "الإعراب"، والذي طُبق بصفة مركزة ومتواترة على جملة من النصوص العربية، وعلى رأسها القرآن الكريم، وجملة من الأشعار العربية كالمعلقات وغيرها، كما طبق على نصوص أخرى بشكل أقل، كالحديث النبوي وبعض المنظومات، هذا بالإضافة إلى الكتب التي لم تستهدف الإعراب غاية لها، وإنما جعلت منه آلية من آليات التفسير المساعدة كمصنفات تفسير القرآن وشروح المجاميع الشعرية.

 

وللنموذج التحليلي المسمى إعرابًا استثمارات أخرى عرفها تاريخ الدراسات اللغوية العربية، من أهمها أنه تطبيق نحوي كان معلمو النحو قديما يهدفون منه إلى تدريب الطلبة على تطبيق القواعد النحوية النظرية في تحليل النصوص، ولذلك اعتبر هذا التطبيق عند بعض المعاصرين تطبيقًا مدرسيًا exercice scolastique، منتميا إلى مرحلة الدراسات التقليدية المعيارية، وهذه نظرة أخرى يحاول هذا البحث في غاياته البعيدة وغير المباشرة سبرها واختبار صحتها.

 

ولكن الملاحظ من خلال رصد التطبيقات المختلفة للإعراب في تاريخ التراث اللغوي العربي؛ هو وجود حركة نقدية تصحيحية كبيرة بين ممارسي الإعراب على اختلاف مدارسهم ومشاربهم وتوجهاتهم، وأهمَّ من ذلك كله على اختلاف تصوراتهم للإعراب ماهية ووظيفة وغاية. فقد طبعت مؤلفاتهم في هذا الشأن أعمال نقدية كثيرة اتخذت موضوعًا لها الأعاريب المختلفة التي يقترحها المعربون لتفسير النص المحلل، وكانت الغاية منها تقويم هذه الأعاريب وتعديلها: إما من جهة قصورها عن مطابقة معطيات علم النحو الذي هو المصدر المفهومي والاصطلاحي للوصف الإعرابي، وإما من جهة عدم مراعاتها للمحددات الدلالية المختلفة التي تلقي الضوء على المقصود من النص المعالج. وهذا يشعر ابتداء أن الغلط في الإعراب ناتج عن مراعاة للنص على حساب آلة الوصف، أو بالمقابل مراعاة قوانين الوصف مع الغفلة عن معطيات النص. فالغلط في العلوم التطبيقية عمومًا ناتج إما عن ضعف الدارس عن إحكام المنهج المطبق، وإما عن ضعفه عن تصور الأعيان الخاضعة للتطبيق من جهة الماهية والخصائص.

 

ولذلك وجدنا في التراث العربي أن عالمًا من علماء القرن الثامن الهجري-هو ابن هشام الأنصاري-، وقف أمام مكتبة ضخمة من الأعمال الإعرابية، واستنتج الكم الكبير من التحليلات التي لا تتوفر فيها الإجراءات العلمية للإعراب، إلا أنه افترض أن العمل النقدي لهذا التراث يتطلب ابتداء وضع لائحة بأهم المغامز المعرفية والمنهجية التي تعتور عمل المعرب. بعبارة أخرى؛ كان لا بد من تقنين الإجراءات النقدية حتى لا يصير العمل عشوائيًا وصادرًا عن حدس الناقد. وقد أدى به اجتهاده إلى صياغة الأسباب التي تؤدي إلى الغلط في التحليل الإعرابي في عشر جهات أودعها الباب الخامس من كتابه: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب".

 

إن الإشكالية التي يرمي هذا البحث إلى دراستها ومعالجتها هي تقويم الصياغة التي اقترحها ابن هشام الأنصاري لمثارات الغلط الإعرابي: ما هي هذه المثارات؟ وما قيمتها من جهة إحاطتها بكل الأغلاط الإعرابية؟ ما قيمة النتائج النقدية المحصلة من تطبيقها على بعض التحليلات الإعرابية التي أغفلت إجراء من الإجراءات، في تصحيح منحى التحليل الإعرابي جملة؟ هل يمكن أن نجعل من صياغة ابن هشام النقدية معيارًا عامًا لقراءة التراث الإعرابي؟ هذه مجموعة أسئلة فتحت على البحث جبهات متنوعة ومنتمية إلى تخصصات لغوية مختلفة، لم يكن في الإمكان تأجيل النظر فيها إلى مشروع علمي آخر، لأنه لا يتصور تقويمٌ علمي موضوعي لعمل ابن هشام من غير عرضه على التخصصات المختلفة التي استعان بها لمقاربة التحليل الإعرابي من جهة معطيات النص ومعطيات الصناعة النحوية.

 

إن صورة البحث النظرية التي تصورتُ إحاطتها بأهم المحطات فيه أسفرت عن وضعه في ثلاثة فصول:

كان موضوع الحديث في الفصل الأول المفاهيم الأساس في علم الإعراب، بالنظر إلى أنه المنظومة المعرفية التي سيقع التحليل والنقد على ضوء مفاهيمها وإجراءاتها، واستتبع ذلك بالضرورة محاولة ضبط دلالات المصطلحات الموظفة في هذا العلم بهدف كشف التباس مفاهيمها المقصودة في سياقنا الخاص الذي هو علم الإعراب بمفاهيم أخرى لها مرجعيتها في علم النحو، وكانت هذه المرحلة من البحث ضرورية جدًا، لتفادي أي تداخل معرفي على مستوى دلالات المصطلحات. لذلك عالجت في المبحث الأول من هذا الفصل مصطلحات الإعراب وعلم الإعراب، وحاولت أن أتتبع دلالاتها في جملة من الكتب التراثية لتحديد استعمالاتها المختلفة، والوقوف على ما يتعلق منها بهذا البحث، كما اجتهدت في بيان الفوارق الكبرى بين التحليل النحوي والتحليل الإعرابي من جهة آليات كل واحد منهما وغاياته. وأما المبحث الثاني؛ فقد كان دراسة وصفية وتحليلية لكتاب مغني اللبيب، وقد استهدفت من خلاله تحديد التصنيف المعرفي الصحيح للكتاب، ودراسة منهجه من أجل إعطاء تفسير لصورة وضعه تنسجم مع موضوعه وغاية مؤلفه منه. واعتمدت لتحقيق ذلك تحليلات لبعض أبواب الكتاب التي وجدت أنها كانت السبب المباشر في اضطراب أقوال كثير من الدارسين المحدثين في تصنيفه، وأتبعت ذلك بدراسة تحليلية للباب الخامس الذي كانت محتوياته موضوع الفصلين الآخرين من البحث.

 

وأما الفصل الثاني، فقد كان محطة للحديث عن مثارات الغلط الإعرابي المتعلقة بمادة المعالجة-وهي النص-باعتباره مجموعة من المعطيات الدلالية والأسلوبية بالمفهوم الواسع. وقد كان هذا الفصل شديد الأهمية، بالنظر إلى الإشكاليات الجمة التي تطرحها معطيات النص المختلفة. فتفسير الحقائق اللغوية هو صلب عمل اللساني، وتفسيرها على ضوء نموذج تفسيري معين كعلم الإعراب مثلًا هو محاولة لتحديد المطابقة بين البنية النحوية الملفوظة والبنية الدلالية الموازية، أي محاولة لتحديد المطابقة بين المحسوس والمعقول، وهو وجه الإشكال الذي أشرت إليه. لقد كان موضوع المبحث الأول عن الأغلاط الإعرابية الناتجة عن عدم تحقيق المطابقة بين صورة اللفظ الناتجة عن صيغة الإعراب، وحاصل المعنى المفهوم من مكوناته وقرائنه المختلفة، كالمعنى العام والدلالات الإفرادية المعجمية والمعاني السياقية وغير ذلك، وقد عالجت في هذا المبحث جملة من أسباب هذه الأغلاط مما ذكره ابن هشام مع مقارنة صياغاته النظرية بأمثلته التطبيقية التي أوردها عقب الصياغة. وأما المبحث الثاني؛ فقد كان معالجة للأغلاط الإعرابية المتعلقة بالمعطيات اللغوية اللفظية للنص، وتعرضت فيه لإشكاليات الإعراب المتعلقة بالسمات اللهجية والأسلوبية، محاولًا-من خلال أمثلة ابن هشام-؛ استنباط قاعدة لاستثمار المميزات المتعلقة بلغة النص وخصائصه الأسلوبية في تحديد الإعراب الصحيح للبنى التي تحتمل تفسيرات مختلفة.

 

وكان الفصل الثالث موضع بحث في علاقة الغلط الإعرابي بقوانين الصناعة النحوية، بالنظر إلى أن علم النحو هو آلة الوصف التي يعتمد عليها علم الإعراب، وكان الحديث عن هذه المثارات في حقيقة الأمر حديثًا عن ملكة المعرب النحوية، أي عن مقدار معرفته بقوانين النحو النظرية، وطريقة تطبيقها على النص المحلل. فكان الحديث في المبحث الأول عن أنماط التفسير الإعرابي المختلفة ومعايير قبولها في إطار الشكل العام لعلم النحو، وكان أكبر ما حاز اهتمامي في هذا المبحث دراسة الغلط الإعرابي الناتج عن اختلال النسبة بين الوصف النحوي والوصف الدلالي والوصف الإعرابي، وعدم إمكانية تحقيق المطابقة بين هذه الأنماط الثلاثة، فكان أن أدى بنا هذا النظر إلى تحقيق معلومات أخرى حول تصور ابن هشام لوظيفة علم الإعراب، خاصة فيما هو من قبيل موضع التحليل الإعرابي بين حاصل المعالجتين النحوية والدلالية. وأما المبحث الثاني فقد كان موضع نظر في الغلط الإعرابي على مستوى آليات التخريج الإعرابي، وقد عالجت فيه الأغلاط الناشئة عن توظيف قواعد التخريج بصفة لا تخضع لمعايير محددة بينها ابن هشام بصفة أكثر صراحة في الجهات الخاصة بها، خاصة ما يتعلق بآلية التقدير المرتبطة بظاهرة الحذف، وحاولت من خلال إشارات ابن هشام النظرية وتطبيقاته النقدية على بعض الأمثلة أن أتلمس معالم طريقة توظيف قواعد التخريج ومواضعها ومراتب هذه القواعد في الاستعمال بعضها بالنسبة إلى بعض.

 

وأفضيت بعد كل ذلك إلى خاتمة أودعتها نتائج البحث: الإجمالية منها والتفصيلية على الترتيب.

 

لا شك أن مجموع الأسئلة التي تطرحها إشكالية البحث تستدعي تطبيقات منهجية متنوعة تنوع الغايات المرجوة من هذه الأسئلة نفسها، ولذلك تنوعت المناهج التي وظفت في دراسة قضايا البحث، إلا أنه يمكن إجمال ذلك بأن الدراسة كانت: تحليلية تأصيلية نقدية، فقد قمت بتحليل كلام ابن هشام في الموضوع بهدف مقاربة تصوراته عن الخطة النقدية كما وضعها في المغني، وحاولت قدر المستطاع الجمع بين إشاراته المختلفة في الكتاب إذ كان بعضها يشرح ويبين مقاصد بعض.

 

ثم قمت بعد ذلك بعملية تأصيلية للقواعد المستنبطة بعرضها على تنظيرات أخرى عند بعض علماء العربية-وأخص بالذكر ابن جني الذي استفدت أيما استفادة من إشاراته النظرية في الخصائص-، واستتبع هذا العرض مقارنة وتقويمًا لأصول ابن هشام في ميزان ما أصل له غيره من علماء النحو والإعراب، إضافة إلى المتخصصين في علوم أخرى حيثما دعت الحاجة إلى ذلك كعلماء التفسير وعلوم القرآن، إضافة إلى بعض المقاربات اللسانية الحديثة حيث لحظت أوجه شبه أو تقارب بين أصول ابن هشام وتطبيقاته وبعض النظريات المعاصرة في العلوم التي تخدم بمعطياتها الوصف الإعرابي.

 

وأخيرا قمت بتقويم إجمالي لهذه الأصول وطرائق تطبيقها عند ابن هشام، مع تركي التقويم النهائي الشامل لخطته النقدية إلى نهاية البحث.

 

وأما بالنسبة لما اعتور البحث من صعوبات، فإنني أقتصر منها في هذا الموضع على صعوبات الموضوع، حيث يمكن القول إن علم الإعراب بالتصور المتميز والمتفرد الذي حاولت شرحه في الفصل الأول، لم يتناول بالدراسة بصفة دقيقة، بل كان في الأغلب الأعم ملحقًا بعلم النحو أو فرعا من فروعه، إلا أنني أستثني من هذا الإجمال ذلك العمل الكبير والمهم الذي قدمه الدكتور أحمد بلحوت تحت عنوان: "علم الإعراب في التراث اللغوي عند العرب من القرن الثاني إلى القرن السابع الهجري: دراسة لسانية تاريخية"، حيث بسط فيه القول في نظرية علم الإعراب، وقد كان هذا العمل رافدا مهما بالنسبة لي في دراسة النظرية التي هي موضوع العمل.

 

كما أنني استفدت أيما استفادة من أعمال أستاذنا الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح حول النظرية الخليلية، إذ كانت أعماله قاعدة متينة لتصور القسم النحوي من علم الإعراب.

 

هذا وقد اجتهدت في أن أبتعد قدر الإمكان عن إسقاط أي نوع من الذاتية المغرقة في تفسير أعمال ابن هشام الإعرابية، وإن كنت أعترف يقينًا لا اعتذارًا-كما يعترف كثير من الباحثين- بأن القراءة التراثية لا تسلم من تأويل الباحث-قل أم كثر-لملء بعض الفراغات المفهومية أو المعرفية، وما من حكم يصح على هذه التأويلات إلا بعد الرؤية الكلية لتصوره الناتج عن المقروء، أهو متناسق منسجم يجري في مجرى واحد، أم هو نشاز نافر بعضه عن بعض، ليس إلا صورة مشوهة عن الحقيقة الغائبة.

 

وأحب في الختام أن أدين بالعرفان لمن كانت لهم يد في إثراء هذا البحث وتقويمه، وأخص بالذكر الأستاذ المشرف الدكتور محمد الحباس الذي رعى هذا البحث بالتوجيه، ولاطفه بالتقويم، وكان لي والدًا رؤوفًا رحيمًا وناصحًا كريمًا، فجزاه الله تعالى عني وعن أبنائه من الطلبة والباحثين كل خير، ووفقه لمزيد من العطاء لهذه الأمة ولغتها. كما أشكر الأستاذ الدكتور أحمد بلحوت الذي لم يبخل علي بتوجيهاته وتوضيحاته في موضوع البحث، فقد أعانتني على فهم ما استغلق علي من جوانبه ومسائله، فله موصول الشكر والثناء.

 

وبعد؛ فهذا الذي بلغه علمي القاصر من النظر، وفي مثله تتدبر الحكمة من تفاضل الفهوم وتباين العلوم وتفاوت ما يفتح الله به على عباده من الحكمة، والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل..

 

نتائج البحث

الحمد لله وكفى..

لقد كانت الغاية المنشودة من هذا البحث هي محاولة مقاربة ميدان من ميادين الدراسات اللغوية العربية التي اتسمت بشيء كبير من إبداعية التصور والإجراء، هذا الميدان هو علم الإعراب، من خلال أحد مؤلفاته المهمة: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لجمال الدين ابن هشام الأنصاري. وقد قصد البحث زاوية محددة من هذا الميدان الرحب: هي الزاوية النقدية لإجراءات عملية الإعراب كما تصورها صاحب المغني في الباب الخامس من مصنَّفه.

 

هذا الجهد والتصور هو الذي كان موضع تحليل وتأصيل لما يقارب ثلثي البحث، وقد أفضت متابعة الموضوع إلى مجموعة من النتائج؛ منها ما هو استنتاجات عامة عن علم الإعراب وأبعاده ومعالمه الكبرى، وهي نتائج أراها على جانب كبير من الأهمية لوضع سائر التحليلات في سياقها الصحيح، ومنها ما يصب في صميم إشكاليات البحث المطروحة في المقدمة، ويمكن إجمال النتائج العامة فيما يلي:

النتيجة الأولى: إن علم الإعراب في الدراسات اللغوية العربية منظومة معرفية منسجمة، توظف آليات كثيرة ومتنوعة لتحقيق غايتها التي هي "تفسير المعنى"، وتعمل على تحقيق المشاكلة بين علوم اللفظ وعلوم المعنى للوصول إلى تحليل إعرابي محيط بالخصائص التركيبية للوقائع اللغوية. إنه يمكن اعتبار نظرية علم الإعراب مركزًا ونقطة تقاطع للنماذج التحليلية اللغوية العربية القديمة التي استهدفت تفسير الكلام. وتميزت هذه النقطة المركز بوصولها إلى تحديد "النسبة بين صيغة اللفظ وصورة المعنى". كل هذا يؤدي بنا ضرورة إلى استبعاد المقاربة بين علم الإعراب والمفهوم الأوربي المدرسي analyse grammaticale، من جهة أن هذا المفهوم قاصر على التطبيق القاعدي، في حين أن النموذج العربي يتجاوز ذلك إلى آلية "الإعراب" التي تعني تطبيق البنية الصورية على البنية الملفوظة (والتطبيق هنا مفهوم رياضي)، ثم بعد ذلك اختبار المطابقة بين حاصل التطبيق والبنية الدلالية أو صورة المعنى باصطلاح علمائنا القدامى.

 

النتيجة الثانية: إن النتيجة الأولى تستتبع بالضرورة نتيجة أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي أن دراسة علم الإعراب أدت بنا إلى اكتشاف مدخل مؤصَّل لدراسة المعنى في حقل دراسة التراكيب، وذلك اقتناعًا منا بأن انضباط الدراسة اللسانية يقتضي تجريد البحث النحوي من كل أثر دلالي يتجاوز معنى البنية بالوضع، ولا وجه لاتهام هذه الشكلانية بالقصور، لأن المنهج لا يتهم بالقصور إذا جانَب دراسة ما ليس موضوعًا له. ولكن علم الإعراب يخالف علم النحو من هذه الحيثية، لأن موضوعه هو "النسبة"، فهو في حاجة إلى معاينة البسط والمقام، لتحقيق النسبة الصحيحة. وإذ يفتح لنا علم الإعراب باب المعاينة الدلالية في الكلام؛ فإنه يفتح من الوجه نفسه باب المعاينة التداولية، لأنه يضع الكلام في مركز الثلاثية: سياق-مقام-متكلم. وإذا صحت هذه المقاربة-بعد اختبارها-؛ فإنه يمكن لدراسة العلاقة بين علم الإعراب والتداولية أن تكون فتحًا جديدًا لتأسيس تداولية عربية المنابع، باستتباع رافد جديد من الروافد اللغوية للبحث التداولي، وإن كان هذا لا يعدو أن يكون ملاحظة وافتراضًا أوليين يحتاجان إلى اختبارهما في بحث مستقل.

 

النتيجة الثالثة: لقد اتضح بجلاء كبير أن ابن هشام قد بنى تصوره لعلم الإعراب على تطبيقاته في فرع خاص من فروعه هو إعراب القرآن الكريم، وربما كان لهذا الاختيار-الذي لا أراه اعتباطًا منه-حجته القوية: وهي أن ما أسسه العلماء المسلمون من آليات فيما عرف بعلوم القرآن؛ يعتبر قاعدة معرفية ومنهجية متينة لتصور علم الإعراب، فهي تقدم معلومات دقيقة جدًا عن معطيات النص في كل مستوياته، وحتى في محيطه الخارجي epitexte (باصطلاح جيرار جينات)، وكل ذلك يضع النص موضوع التحليل في وسط بياني ثري، بل في زخم من المعطيات التي تعين المعرب على تحقيق صيغة الإعراب التي لا تجنح على النص بأي نوع من أنواع التعسف، إن في بنيته الملفوظة أو العميقة.

 

وأما فيما يخص النتائج التفصيلية لمراحل المعالجة، فهذا بيانها:

1- تابعت في المبحث الأول من الفصل الأول الخطوط الكبرى لبنية علم الإعراب المعرفية والمنهجية، من خلال تحليل لمصطلحي الإعراب وعلم الإعراب، وكذا جملة من التعريفات والإشارات المبثوثة في كتب متباينة، وتبين من خلال ذلك أن لعلم الإعراب تصورا خاصا في معالجة الكلام، إذ يتخذه موضوعا له وغاية في الوقت نفسه، فهو يواطئ علم النحو مدخلًا ويخالفه مخرجًا، ويتميز باستهدافه إعطاء وصف للكلام يجمع في صياغته معطيات البنية التركيبية، ومعطيات دلالة التركيب، موظفًا في ذلك كل المحددات والمعلِّمات الدلالية من سياق ومقام ومعلومات عن ثقافة المتكلم، وكل ما من سبيله تعيين مقصود الخطاب.

 

ويتميز علم الإعراب كذلك من جهة إيلائه اهتمامًا مثيرًا بالمتكلم من جهة ما هو متكلم، لا من جهة أنه مورد للغة، فكل ما يخص المتكلم مما يعين على تحليل البنية مأخوذ في الاعتبار، بما أن الغاية إنما هي تفسير الكلام نفسه، ومنجزه غير منفصل عنه. وهذا يبين لنا أن علم الإعراب يستبطن منحى تداوليًا واضحًا في معالجة الكلام.

 

2- وكان الحديث في المبحث الثاني عن مدونة البحث وهو كتاب مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري، فاستعرضت نوعًا من البيبليوغرافيا للكتاب ولما دار في فلكه من أعمال علمية تراثية، تمهيدا بين يدي تحليله من جهة الموضوع والمنهج، وحاولت قدر المستطاع أن أناقش جملة من الآراء في تصنيفه وتحليله، وكانت نتيجة التحليل والمناقشة ترجيح أن يكون كتاب المغني عملًا حقيقيًا ومحاولة جديرة بالإعجاب في وضع تصور شامل-وإن لم يكن في رأيي موعبًا-للممارسة الإعرابية، في ثلاث محطات كبرى:

أ- مشكلات علم الإعراب.

ب- الأغلاط الإعرابية وأسبابها.

ج- منهج الإعراب وقواعده العامة.

 

واستتبع هذا الترجيح مناقشة واستبعادًا للآراء التي وضعت كتاب المغني في تخصص الدرس النحوي، وإن كان الكثير من مادته العلمية النحوية يوحي بذلك، إلا أنني رجحت أن التصنيف الصحيح والمنصف إنما يعتبر غاية توظيف المادة قبل طبيعة المادة نفسها. ثم جعلت هذه التحليلات مدخلًا إلى تحديد الجزئية المراد دراستها في البحث، وهي مثارات الغلط في الإعراب التي سماها ابن هشام: الأمور التي يدخل الاعتراض من جهتها على المعرب، وبينت أهميتها بالنسبة للاحتياط الذي ينبغي أن يتخذه المعرب في المعالجة، إضافة إلى كونها قانونًا للممارسة النقدية في قراءة الأعمال الإعرابية.

 

3- استأنفت في المبحث الأول من الفصل الثاني دراسة مثارات الغلط الإعرابي مبتدئًا بالمثارات المتعلقة بمعطيات النص، لأن النظر في النص سابق منطقيًا ومنهجيًا على النظر في القانون النحوي الذي يوصف على ضوئه، وكان أول ما عالجته من معطيات النص قضايا المعنى لأهميتها وكثرة حضورها في هذا الموضوع، إضافة إلى أنها أول ما عالجه ابن هشام من جهات الاعتراض.

 

وقد أفضى النظر في هذه الخصائص إلى أن التحليل الإعرابي يعتبر في عملياته كل أنواع الدلالات التي يفرزها النص، وهي تتفرع فرعين رئيسين:

أ- دلالات عامة مهيمنة على مجمل مضمون الخطاب، ويدخل فيها المعنى العام الذي سميته المعنى المجمل، وقصدية المتكلم التي هي ما جرى من معنى الكلام في مقصود منجزه.

ب- دلالات خاصة ترتد في مجملها إلى الدلالات الإفرادية للوحدات الإعرابية، المعجمية منها والمتخصصة.

 

هذا إضافة إلى بيان الأغلاط الإعرابية الناتجة كما ذكرنا عن إغفال هذه الدلالات والركون إلى معطيات البنية منفردة، أو الاغترار ببعض المظاهر المنطوقة أو المكتوبة من غير تنبه إلى الفارق بين البنى السطحية والبنى العميقة للكلام. وقد تبين من مجمل هذه التحليلات أنه لا يتصور تحليل إعرابي موضوعي إذا لم يهتم المعرب اهتمامًا أكيدًا وجديًا بالجانب الدلالي للنص، لما له من سلطان كبير على تشكيل البنية الملفوظة نفسها، كما قرره ابن جني في خصائصه. فالمعرب يدخل في عملية رصد لكل العلاقات الدلالية المكونة لمعنى النص، ويختبر كل ما يقترحه من أشكال نحوية صورية عن طريق المقابلة بين معاني أوضاعها النحوية، والدلالات الأخرى الصرفية والمعجمية والسياقية والمقامية.. إلخ. وأيما إخلال بهذه المراقبة قد يؤدي إلى اختلال في عقد المناسبة بين وصف اللفظ ووصف المعنى.

 

4- في المبحث الثاني من الفصل نفسه؛ عرجت على نوع آخر من أنواع معطيات النص وهو لغة النص، وقد اخترت من مظاهر الاستعمال اللغوي مظهرين نص عليهما ابن هشام في تحليلاته، وأكثر من توظيفهما في بيان أغلاط المعربين، هذان المظهران هما الخصائص اللهجية والخصائص الأسلوبية. وقد حاولت في هذا المبحث أن أؤصل لمنهج ابن هشام في اختبار صيغة الإعراب عن طريق عرضها على معطيات التوظيف اللهجي والأسلوبي للنص، وأعانني على ذلك أن ابن هشام قد أكثر من استعمال هذا الأصل في مدونة مغلقة هي القرآن الكريم، منطلقا في عمله هذا من خصوصيات النص القرآني من الجهتين الآنفتي الذكر.

 

وتبين أن ابن هشام يرى في القرآن الكريم نصًا منسجمًا من حيث التوظيف اللغوي، بمعنى أنه يصدر عن اختيارات لغوية محددة-خاصة في الجانب اللهجي-، ويتميز-مقابل ذلك-بشيء من الحرية في الجانب الأسلوبي، إلا أنه لا يخرج إلى توظيف الأساليب المستهجنة من جهة اعتلاج البنية (أقتصر على هذه الجهة لأنها موضوعنا)، وعليه فإن تخريج المواضع الملبسة من القرآن الكريم على وجه يخالف هذه المعطيات الابتدائية يعتبر غفلة عن المعاملات الأولية للخطاب القرآني، بمعنى أنه وصف للخصائص اللغوية للقرآن بغير ما هي عليه، هذا إضافة إلى أن وصفًا كهذا يعطل جانب الانسجام اللغوي والأسلوبي للنص القرآني.

 

ويمكن أن يستفاد من هذا الأصل في علم الإعراب جملة بتحقيق الانسجام اللهجي والأسلوبي في الخطاب البشري، فإذا تأكد هذا الأمر-وهو مقارب جدًا عند علماء اللهجات والأسلوبيات-فإن علمية الإعراب تفترض في كل موضع ملبس أن يلحق بنظائره في النص، أو فيما أشيع في لغة المتكلم.

 

5- انتقلت في الفصل الثالث إلى دراسة نوع آخر من مثارات الغلط الإعرابي، يتعلق بآلة الوصف، وهي جهات الاعتراض الصادرة عن إغفال خصائص قوانين الصناعة النحوية في تطبيقها على النصوص أو عدم إحكامها جملة. ويبين هذا الفصل أهمية المعرفة اللغوية بالنسبة للمحلل، وأن علم الإعراب لا يأخذ هذه المعرفة في شكل مجزأ، بل في شكل كلي ومتكامل، بمعنى أن المعرفة الموظفة في تحليل تركيب ما؛ لا تقتصر على المعلومات المتعلقة بصورة التركيب المدروس، لأن المعرب يفترض أنه أمام نص منفتح على مجموعة غير معلومة الحدود-بصفة ابتدائية-من الصور التركيبية التي يصح التخريج عليها، فهو يختبر هذه الصور واحدة واحدة، بعرضها على القوانين النحوية من جهة، وعلى معطيات النص التي سبقت الإشارة إليها من جهة أخرى. إن عملية الاختبار هذه لا تستطيع أن تحدد ابتداء وجه الملاءمة بين صورة الكلام وصورة القانون، وعليه فإن المفترض من المعرب أن يوفر لاختبار التخريج كل معرفته اللغوية.

 

لقد كان موضوع المبحث الأول البحث في العلاقة بين صورة التركيب والصور المجردة في قوانين النحو التي يقترحها المعرب لتفسير الكلام، وتبين لنا من خلال أقوال ابن هشام أنه تصور الغلط في هذه الجهة من موضعين:

أ- إما من جهة قصور المعرب عن استفراغ كل أنماط التفسير التي يحتملها الكلام، مما قد يسبب مجال تقاطع خاليًا بين أنماط التفسير النحوية والأنماط الدلالية، هذا إضافة إلى أن إغفال أي نمط تفسيري مقبول للكلام في حدود معطياته النصية وفوق النصية يعتبر مصادرة لحاصله من المعنى، لا مبرر موضوعيًا لها.

 

ب- وإما من جهة تخريج المعرب الكلام على هيئة تركيبية غير موجودة في المدونة، أي أنها ليست من كلام العرب. وإذا وقع هذا الغلط من المعرب؛ فذلك يعني أنه غلط مضاعف، لأنه خروج عن إحدى الغايات المهمة لعلم الإعراب، وهي أنه علم يعمل على بيان وجه مطابقة الكلام لقواعد كلام العرب من جهة ما يتألف. وحينذاك يمكن أن نقول إن هذا التفسير الذي قدمه المحلل ليس إعرابًا، لأنه فاقد لشرط أساس من شروطه.

 

6- في المبحث الثاني من الفصل الأخير تعرضت لمثارات الغلط الإعرابي المتعلقة ببعض الآليات التي يعتمدها علم الإعراب في تخريج بعض التراكيب الفرعية، وهي المسماة قواعد التخريج، وتبين لنا أن توظيف هذه الأدوات ليس توظيفًا عشوائيًا، وإنما يخضع لمنطق إجرائي دقيق يراعي الطبيعة التركيبية للكلام المراد إعرابه، كما أن نتائج التخريج تخضع لتراتبية مهمة تتخذ شكلًا متسلسلًا له معياران أساسان:

• معيار الأصلية والفرعية بالنسبة إلى الصورة التركيبية في القانون النحوي.

• معيار القرب والبعد من مقاصد الكلام المستخرجة من خصائصه المدروسة سابقًا.

 

ومنه؛ فقد قدم ابن هشام تقنينًا حقيقيًا لمواضع توظيف هذه الآليات وطرائق ذلك، وبين أنه من الغلط في الإعراب كسر تراتبية قواعد التخريج، والحمل على صورة فرعية مع إمكان الحمل على صورة أصلية، أو الحمل على صورة ضعيفة نحويا مع إمكان الحمل على ما هو أقوى منها في المعيار اللساني المستنبط من اختيارات المتكلمين أنفسهم.

 

وبذلك أكون قد أتيت على مجمل ما أمكنني في هذا البحث تحليله وتأصيله واستخراجه من تنظيرات ابن هشام في مجال نقد الأعمال الإعرابية، لأخلص إلى نتيجة عامة مفادها: أن أهم ما يميز عمل ابن هشام هذا هو أنه تصور أن العملية الإعرابية مركز حقيقي للمعرفة اللغوية وللقراءة المتأنية للنص، وصدَّق تصورَه هذا بشكل فعلي عن طريق استثمار كل معارفه المتعلقة بالنصوص-خاصة القرآنية منها-لتحقيق صياغة إعرابية لا تغفل معطيات النص على حساب قوانين الصناعة، ولا قوانين الصناعة على حساب معطيات النص. يمكن أن نقول إن عمل ابن هشام في حدود السياق المعرفي لعصره يعتبر بادرة ممتازة في سبيل تحقيق خطة نقدية متينة لقراءة سائر الأعمال الإعرابية التراثية.

 

وأما بالنسبة لمدى الاستفادة من هذا التنظير في الدراسات اللغوية الحديثة؛ فإن الإنصاف يقتضي أن نقول إن صياغة ابن هشام لا تزال قاصرة عن ضبط كل مظاهر التطبيق النحوي، كما أنها قاصرة عن تغطية كل ما يمكن اشتقاقه من النص من مقاصد وما يمكن استنباطه منه من معطيات، من جهة أن المعرفة اللسانية المعاصرة قد قطعت أشواطًا كبيرة في تحليل النص لفظيًا ودلاليًا وتداوليًا. إلا أن هذا القصور ليس مسوغًا لاطِّراح صياغة ابن هشام كلية، بل أرى أن هذه الصياغة تصلح أن تكون قاعدة لبناء الخطة النقدية في علم الإعراب، ومنطلقًا لمزيد من التأصيل في هذا المجال باستثمار معطيات الدراسات اللسانية والتداولية المعاصرة في ضبط المفاهيم وتحليل النصوص.

 

وإذ بلغ رقم القلم هذا الموضع، فإن الإنصاف يقتضي مني اعترافًا بأن الجهد المبذول في هذه الدراسة لا يفي بحق الموضوع،، ولكن حسبي أني استفرغت الطاقة في حدود الإمكان لتقديم تحليلات اجتهدت ألا أنحو فيها على عمل ابن هشام بشيء من العسف أو المصادرة. وحسب بحثي هذا فائدة أن يدفع غيري من الباحثين والدارسين إلى مزيد من النظر والتنقيب في هذا الموضوع أو فيما أراه قابلًا للبحث مما يتعلق به.

 

وبعد؛ فهذا بحمد الله وفضله علي جهد المقل، وأسأل الله جهد المكثر، فإن أكن أصبت فمن الله وحده، وإن تكن الأخرى فمن نفسي ومن الشيطان، والخير أردت والله من وراء القصد.

والصلاة والسلام على رسول الله.

 

فهرس الموضوعات

الموضوع

رقم الصفحة

الإهداء

كلمة شكر

المقدمة

الفصل الأول

علم الإعراب وموقع كتاب مغني اللبيب منه

- المبحث الأول: علم الإعراب الموضوع والمنهج

2

* المطلب الأول: مصطلح الإعراب في الدراسات اللغوية العربية

3

* المطلب الثاني: مصطلح علم الإعراب في الدراسات اللغوية العربية.

16

- المبحث الثاني: مغني اللبيب: قراءة في ضوء علم الإعراب.

25

* المطلب الأول: التعريف بكتاب مغني اللبيب

26

1- عنوان الكتاب وتوثيق نسبته

26

2- زمن تأليفه وسببه

28

3- الحركة العلمية حول المغني

30

* المطلب الثاني: المقاصد العلمية في المغني الموضوع والمنهج.

36

1- موضوع المغني..

36

2- منهج المغني.

44

الفصل الثاني

الغلط الإعرابي ومعطيات النص

- المبحث الأول: الغلط الإعرابي ومعنى النص.

61

تمهيد

62

* المطلب الأول: الغلط الإعرابي وأنواع المعنى

64

1- المعنى والتفسير..

64

2- المعنى المجمل والتحليل الإعرابي

67

3- الغلط الإعرابي والدلالات الإفرادية..

69

4- الغلط الإعرابي واللغة المتخصصة..

74

* المطلب الثاني: الغلط الإعرابي وعلاقة المعنى بالشكل

78

1- الغلط الإعرابي والشكل البنوي

78

2- الغلط الإعرابي وإشكاليات الكتابة.

83

- المبحث الثاني: الغلط الإعرابي ولغة النص

87

تمهيد

88

* المطلب الأول: الغلط الإعرابي والاستعمال اللهجي..

89

1- التوظيف اللهجي في الخطاب..

89

2- أصل الاطراد اللهجي

90

3- الاطراد اللهجي والتداخل اللغوي: نقطة تحقيق.

93

4- تأصيل التخريج اللهجي في المغني..

96

5- التخريج اللهجي والتأويل.

102

* المطلب الثاني: الغلط الإعرابي والاستعمال الأسلوبي..

106

1- النص والأسلوب

106

2- قاعدة الحمل الأسلوبي.

109

3- لغة الشعر ولغة النثر

114

القضية الأولى: لغة الشعر

114

القضية الثانية: لغة النثر

116

القضية الثالثة: لغة القرآن.

118

الفصل الثالث

الغلط الإعرابي وقوانين الصناعة النحوية

تمهيد

121

- المبحث الأول: الغلط الإعرابي وقواعد الوصف النحوي

123

* المطلب الأول: الغلط الإعرابي وأنماط التفسير.

124

1- قصور الوصف في العملية التفسيرية

124

2- الفراغ الصوري في المدونة.

136

* المطلب الثاني: الغلط الإعرابي وأدوات الوصف

143

1- الشروط النحوية

143

2- الإعراب والمعرفة اللغوية

145

3- الغلط الإعرابي والشروط النحوية.

147

- المبحث الثاني: الغلط الإعرابي وقواعد التخريج

156

* المطلب الأول: الغلط الإعرابي ومخالفة الأصل

157

1- التأويل في الصناعة النحوية.

157

2- مخالفة الأصل غير المعللة

160

3- مخالفة الأصل في مباحث الحذف..

163

* المطلب الثاني: الغلط الإعرابي والتخريج المرجوح.

167

نتائج البحث

178

فهارس البحث.

187

فهرس مراجع البحث..

188

فهرس الموضوعات

202

 





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • الصغاني وكتابه الدر الملتقط في تبيين الغلط(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • عرض كتاب: القول الأحمد في بيان غلط من غلط على الإمام أحمد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تشجير كتاب: أصول الخطأ في الشبهات المثارة ضد الإسلام وثوابته (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • أغلاط في كتاب للتربية الإسلامية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • جواب الشبهات المثارة حول شيخ الإسلام ابن تيمية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تدوين السنة النبوية ورد بعض الشبهات المثارة حوله(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • أبحاث في الرد على الشبهات المثارة في صرف النقود(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • تلخيص للشبهات المثارة للطعن في الإسلام(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • الشبهة المثارة: "المبعوث بالسيف.. رحمة للعالمين" كيف هذا؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بعض الشبه المثارة حول السلفية(مقالة - الإصدارات والمسابقات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب