علل التعبير القرآني في تفسير أبي السعود

ملخص الرسالة

علل التعبير القرآني في تفسير أبي السعود

المقدمة:

الحمد لله الذي أنزل القرآن بلسان عربي مبين؛ شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأصلي عليه وأسلم وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

نال القرآن العظيم من الاهتمام ما لم ينله أيُّ كتاب، وقد دُرس هذا الكتاب من وجوه شتى، فبعض العلماء درس تاريخه من حيث جمعه وترتيبه ومكيُّه ومدنيُّه ونزوله، وبعضهم درس نحوه وإعرابه، وبعضهم درس أسلوبه وبلاغته وبيانه وإظهار إعجازه، وقد حفلت المكتبة العربية والإسلامية بعدد هائل من المصنَّفات التي تناولت مختلف الجوانب للقرآن الكريم، وألفت الفهارس والدلائل التي تيسر العثور على مفردات هذه المصنفات؛ كـ (معجم الدراسات القرآنية) للدكتورة ابتسام مرهون الصفار، و(معجم مصنفات القرآن الكريم) للأستاذ علي شواخ إسحاق.

وها نحن أولاء نسهم في هذا الحقلِ المبارك - بقدر طاقتنا - حقل القرآن وعلومه، وهو حقل عظيم يستدعي منا الجهد، والصبر، والإخلاص في العمل؛ لأننا نتعامل مع أقدس كتاب عرَفته البشرية، وهو جهد علمي وديني في آن واحد، نتوخى من ورائه خدمة القرآن العظيم ومرضاة الله تعالى؛ إذ إن القرآن الكريم بحر زاخر لا يخوضه إلا متمكنٌ عارف، فكيف أكفل هذا الأمر سنة واحدة فأبتغي الكمال فيما أنجزت دونما نقص أو تقصير؟ ولا كمال إلا لله تعالى.

عنوان البحث (علل التعبير القرآني في تفسير أبي السعود)، وهو تفسير غني عن التعريف، لمؤلِّف كبير غني عن التعريف أيضًا، هو الإمام أبو السعود رحمه الله، أحد أركان الثروة العلمية النافعة، وأحد الذين أبدعوا في تفسير القرآن الكريم تفسيرًا لغويًّا؛ لذلك وقع اختياري على دراسة علل التعبير القرآني في تفسيره (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم)؛ لما تضمَّنه من الحقائق اللغوية وأسرارها؛ مما يتيح للباحث فرصة البحث في مثل هذه الموضوعات.

وقد رأينا أن دراسة هذا السِّفر العظيم من جميع الجوانب عملٌ مستحيل؛ لأسباب منها عظم حجم هذا الكتاب الواقع في أربعة مجلدات كبار تتضمن تسعة أجزاء، ومنها أنه قامت بعض الدراسات حول هذا التفسير كالبحث في منهجه وشواهده والجوانب النحوية فيه على ما نعلم، ومنها ضيق الوقت المتاح لنا في إنجاز هذه الدراسة؛ لذلك فإننا اتخذنا جزئية محددة لدراسة هذا التفسير، فوقع اختيارنا على (علل التعبير القرآني في تفسير أبي السعود) موضوعًا لدراستنا.

ونقصد به تعليل أبي السعود لاختيارات القرآن في التعبير، ألفاظًا وصيغًا وتراكيب، فالقرآن يؤْثِر لفظة على لفظة، وصيغةً على صيغة، وعبارة على عبارة، وينطوي هذا الإيثار على تعاليل قد تكون ظاهرة للعيان، وقد تكون دقيقة خفية استطاع أبو السعود - لما امتاز به من علم واسع، ومعرفة بألفاظ القرآن الكريم - أن يكشف عن علل مجيء كثير من الألفاظ والصيغ والعبارات.

يقوم البحث على ثلاثة فصول، وكل فصل يتضمن جملة من المباحث:

الفصل الأول: علل الإيثار في الألفاظ، ويدور هذا البحث في الألفاظ، وإيثار بعضها على بعض من حيث اختيار حرف بدل حرف آخر، وفعل بدل فعل آخر، واسم بدل اسمٍ آخر، وعلل اختيار الجملة الاسمية، وعلل اختيار الصيغ.

الفصل الثاني: علل الإيثار في أساليب التعبير اللفظية، ويتضمن المباحث الآتية:

أسلوب التوكيد وأسلوب العطف وأسلوب التخصيص، وعلل اختيار هذه الأساليب دون غيرها من الأساليب الأخرى.

الفصل الثالث: علل الإيثار في فنون علم المعاني، ويتضمن:

التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير، والذكر والحذف، والالتفات، والفصل والوصل.

وقد اعتمدت في هذه الرسالة على جملة من المصادر والمراجع من تفاسير قرآنية؛ كتفسير الكشاف للزمخشري (538هـ)، ومعجمات كمعجم لسان العرب لابن منظور (711هـ)، ورجعت إلى تفاسير أخرى لغرض توثيق كلام أبي السعود فيما يورده من علل؛ كتفسير الآلوسي (1270هـ)، وتفسير البيضاوي (791هـ)، والبحر المحيط (745هـ)، ولا أنسى الأطروحة الموسومة بـ (علل الاختيار في تفسير البحر المحيط لأبي حيان)، وهي للباحث دريد حسن أحمد، وكذلك الرسالة الموسومة بـ (علل التعبير القرآني عند السمين الحلبي) للباحثة رنا هادي الآلوسي، فهما كانا من المصادر الرئيسة التي اعتمدت عليها في رسالتي هذه.

وفي هذا المقام أتوجه بالشكر والعرفان إلى أستاذي المشرف الدكتور (جبير صالح القرغولي)؛ إذ تابع البحث متابعة دقيقة وجادة، وأمضى في ذلك وقتًا، وتجمل بالصبر الجميل، فكان يقرأ كل فصل وكل مبحثٍ بعناية، ويسجل ملاحظاته العلمية الرصينة؛ مما جعلني أفيد كل الفائدة من توجيهاته العلمية السديدة، وملاحظاته القيمة الرشيدة؛ مما سهَّل عليَّ الطريق حتى استوى البحث وآتى ثماره، فأرجو الله القدير أن يمتعه بالعافية، ويُمد في عمره بالإيمان، وأن يجعله مثابةً يختلف إليها طلبة العلم.. آمين.

وفي الختام، فإن هذا البحث هو ثمرة جهدي، وما أفضى إليه اجتهادي وجدِّي، فإن أصبت وهو ما أرجوه، فبتوفيق من الله تعالى وتأييده، وإن كان غير ذلك فمن نفسي، وحسبي أني قد بلغت غاية الجهد، وما الكمال إلا لله وحده، والحمدُ لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الخاتمة:

الحمد لله الذي أنزل القرآن العظيم على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، فأبهر أئمة البيان وفرسان البلاغة وأعلام الفصاحة بآياته البيِّنة، وحججه الدامغة، وحكمه البالغة، وأخباره الصادقة، وفصاحة لفظه، ورصانة نظمه، وبلاغة أسلوبه، فخَرُّوا له سُجَّدًا، وأذعنوا له خُضَّعًا، وأيقنوا أنه كلام رب العالمين.

ومن عناية الله تعالى به ورحمته بخلقه أنْ جعل القرآن الكريم محفوظًا في كل العصور، يرويه الخلف عن السلف بألفاظه وحروفه، ووفَّق له في كل عصر حفاظًا متقنين وأئمة ثقات، اختصوا بحفظه ونقله وروايته، ودراسة علومه وفنونه وتفسيره روايةً ودرايةً، وتدوين تفسيره من جهة أحكامه، ومن جهة إعرابه، ومن جهة بلاغته وإنجازه، وكان لأبي السعود حظٌّ في هذا الميدان؛ إذ انبرى بيراعه ليضع تفسيرًا للقرآن الكريم؛ إذ كان عالمًا لغويًّا له مكنة لغويَّة يركن إليها في تفسير النصوص القرآنية، ولحسن حظي أن أكون تلميذة للقرآن الكريم أجول ببصري في آياته الكريمات بألفاظها ومعانيها، وذلك من خلال معايشتي مدة من الزمن مع تفسير أبي السعود، إذ أتابع فيه مواطن علل التعبير القرآني وإيثاره، مستهدية بتوجيهات أستاذي المشرف، حتى انتهى المقام في هذا البحث إلى تلخيص النتائج، ومن أهمها:

1- حاولنا في كل فصل أن نبرز العلَّة التي جاء من أجلها التعبير القرآني على وفق منظور أبي السعود لهذا التعبير، وعزَّزنا ذلك بالأمثلة القرآنية المتنوعة، ومن جميع الأجزاء التي تضمَّنها تفسير أبي السعود جميعًا، والتي توضح منهجه في كيفية معالجته لهذه الظاهرة.

2- اجتهدنا - قدر المستطاع - أن نرتب جزئيات مباحث الفصول على وفق الترتيب المنطقي في تتابع كل مادة مع نظيرها، وعدم خلط هذه الجزئيات ببعضها؛ لكي تتضح الصورة في المعالجة، ويتسم البحث بالموضوعية.

3- أظهرنا في الأعمِّ الأغلب علل الألفاظ والصيغ والتراكيب من وجهة نظر أبي السعود نفسه، ولكنَّ هذا لا يعني عدم الاستئناس بتعاليل العلماء الآخرين.

4- التفت أبو السعود إلى الإيثار في الحروف مبينًا أن لكل حرف معنًى قائمًا بذاته، يتظافر مع مضمون الآية الكريمة.

5- اهتم أبو السعود بالمعنى وارتباطه الوثيق بالمفردة القرآنية، وكذلك دقة اختيار اللفظ في النصِّ القرآني دون مرادفاته من الألفاظ، وهو باب من أبواب الإعجاز.

6- لم يترك أبو السعود السورة القرآنية دون أن يعطيها حقَّها من التحليل اللغويِّ ودراستها من حيث التركيب النحويِّ والبلاغيِّ والصرفيِّ.

7- وقف أبو السعود على الظواهر الخاصة بعلل الإفراد والتثنية والجمع في القرآن الكريم مستنبطًا الحكمة الربانية في وضع لفظ مكان آخر في النص القرآني.

8- تميَّز أبو السعود بتناول مفردة القرآن الكريم بحسب مفهومه الخاص، فقد ذكر جانبها اللغويَّ معلِّلًا ذلك بحسب علمه وتفسيره لها، لا بحسب مفهومها الذي تعارف عليه علماء اللغة والبلاغة، وقد ظهر ذلك في بعض الأمثلة المذكورة في الرسالة.

فهرس المحتويات