التستر على الجريمة في الفقه الإسلامي

ملخص الرسالة

التستر على الجريمة في الفقه الإسلامي

مقدمة البحث:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

من فضل الله سبحانه وتعالى على عباده أنه سبحانه خلقهم ولم يدعهم في هذه الدنيا نهبًا لأهوائهم، ومرتعًا لشياطين الجن والإنس، بل أنزل إليهم المنهج القويم؛ لصلاح دنياهم وآخرتهم، مصداقًا لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89] وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

وإن الله - سبحانه وتعالى - لما ختم الشرائع السماوية بشريعة الإسلام، فإنه سبحانه أودعها خواص لم تكن في الشرائع السابقة؛ وذلك كونها صالحة لكل زمان ومكان ومعالجتها لكافة أمور الحياة مهما طال الزمان أو قصر، وهذا ما يعطيها قصب السبق بين الشرائع، ويضفي عليها رونقًا وجمالًا منقطع النظير.

ومع تطور الحياة في شئونها المختلفة، وما استجد فيها من وقائع وأحداث، ومنها بعض صور التستر على الجريمة، والتي تظهر بأشكال ومظاهر مستحدثة مع تطور الحياة المدنية، لم تكن زمن الفقهاء القدماء، ومع ضعف الوازع الديني، كانت جرائم التستر من أهم المواضيع التي تطرح على الساحة، مع تنوع أساليبها، فكانت بحاجة إلى ما يزيل الإشكال عنها ويبين أحكامها، فكان اختياري لهذا الموضوع ألا وهو: (التستر على الجريمة في الفقه الإسلامي).

أولًا: طبيعة الموضوع:

الموضوع عبارة عن دراسة فقهية مقارنة، لموضوع: التستر على الجريمة في الفقه الإسلامي، واستخلاص الرأي الراجح الذي يدل عليه الدليل الأقوى.

ثانيًا: أهمية الموضوع:

تكمن أهمية الموضوع من عدة أمور هي:

1) الحاجة الماسة إلى بيان الأحكام والضوابط الشرعية المتعلقة بالتستر على الجريمة في الفقه الإسلامي.

2) الكتابات الموجودة غير شاملة في إحاطة كل جوانب الموضوع.

3) رفد المجتمع المسلم، والمكتبة الإسلامية، برسالة متخصصة وشاملة قدر المستطاع في هذا الموضوع.

4) تجدد الصور المستحدثة للتستر على الجريمة، وبصورة سريعة، في كل يوم، وضرورة بيان حكم الإسلام فيها.

5) بيان مدى شمول الشريعة الإسلامية واستيعاب أحكامها بما يحفظ المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.

ثالثًا: أسباب اختيار الموضوع:

1- ما بينته آنفًا من أهمية الموضوع، يعد سببًا رئيسًا في اختياري له.

2- كثرة حوادث التستر واختلاطها على الناس مما أوقعهم في أخطاء لجهلهم بحكمها، فكان لا بد من توضيح هذه المسألة وبيان ما يتعلق فيها من أحكام.

3- صور التستر اليوم متنوعة مختلفة عن الصور في زمن الفقهاء القدماء، فكان لا بد من بيان حكم هذه المستجدات.

رابعًا: الجهود السابقة:

بعد التتبع والبحث والاطلاع، وجدت بعض الكتابات لباحثين فيما يتعلق بالتستر تتقاطع دراساتهم مع بعض جوانب دراستي، ولكنها غير شاملة لجميع ما سأتناوله في هذه الرسالة، وما سأتحدث عنه من الحكم الشرعي للتستر على الجريمة، وتكييفها الفقهي، وضوابطها بشمول وعمق محاولًا الإحاطة بجزئيات الموضوع، ومن هذه الكتب:

1- رسالة دكتوراه بعنوان: "التستر والإيواء في الفقه الإسلامي" للباحث: "حافظ محمد أنور إلهي"، دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، (1428هـ-2007م).

2- رسالة ماجستير بعنوان: "المسؤولية الجنائية عن جريمة التستر، دراسة تأصيلية تطبيقية على الجرائم الإرهابية في المملكة العربية السعودية" للباحث: "محمد فهد القحطاني" المقدمة في: جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، في المملكة العربية السعودية، (1427هـ- 2006م).

3- رسالة ماجستير بعنوان: "التستر على الجاني بين الشريعة والقانون، دراسة تطبيقية مقارنة" للباحث: "حمد بن عطاء السكيت" المقدمة في: جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، في المملكة العربية السعودية، (1427هـ-2006م).

وهذه الدراسات تتناول موضوع التستر مع ما يتناسب مع واقع البلدان التي يعيشون فيها، كالحديث عن التستر التجاري، والتستر في فقه الأسرة، والتستر   على العمالة الوافدة، والمخالفين لأنظمة الإقامة، والتستر على الإرهابيين، بينما تحدثت في رسالتي هذه عن التستر على الجريمة بشيء من التفصيل، دون التعرض لكثير من الصور التي تناولوها في دراساتهم.

خامسًا: خطة البحث:

يتكون هذا البحث من: ثلاثة فصول، وهي على النحو التالي:

الفصل التمهيدي: الجويمة في الإسلام: أنواعها، وأركانها، وآثارها

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: حقيقة الجريمة، ومنهج الإسلام في مكافحتها.

المبحث الثاني: الجريمة: أنواعها، وأركانها.

المبحث الثالث: الآثار المترتبة على الجريمة.

الفصل الأول: حقيقة التسترعلى الجريمة، وأركانها وشروطها، وأسبابها

وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: حقيقة التستر على الجريمة، وما يميزها عن غيرها.

المبحث الثاني: أركان التستر على الجريمة، وشروطها.

المبحث الثالث: أسباب التستر على الجريمة.

المبحث الرابع: علاقة التستر بالجريمة.

الفصل الثاني: التسترعلى الجريمة: أحكامه، وأنواعه، وضوابطه، وآثاره

وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: حكم التستر على الجريمة.

المبحث الثاني: أنواع التستر على الجريمة وأحكامها.

المبحث الثالث: ضوابط التستر على الجريمة.

المبحث الرابع: الآثار المترتبة على التستر على الجريمة.

سادسًا: منهجية البحث:

ولقد اتبعت في بحثي هذا المنهجية التالية:

1) عزوت الآيات القرآنية الكريمة إلى مواضعها في القرآن الكريم بعد الإفادة منها.

2) خرجت الأحاديث النبوية، والآثار المروية، عن الصحابة والتابعين، تخريجًا علميًا مستندًا على كتب: الصحاح، والسنن، والمسانيد، والمصنفات. ناكرًا الحكم على الحديث إن لم يكن في الصحيحين.

3) تتبعت ما قيل من آراء القدامى والمحاصرين وعزوتها إلى مظانها الأصلية.

4) عرضت دليل كل مذهب، وما ورد عليه من مناقشات وأجوبة قدر الإمكان، عارضًا إياها في أسلوب فقهي مقارن، مع ترجيح ما قوي دليله دون التعصب لمذهب بعينه.

5) طريقة التوثيق: أبدأ بكتابة اسم المؤلف، ثم اسم الكتاب، ورقم الجزء والصفحة، وأترك معلومات دار النشر والطبعة إلى قائمة المصادر والمراجع.

6) أعددت خاتمة للبحث تناولت فيها أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها.

7) ذيلت البحث بمجموعة من الفهارس، هي كالتالي:

• فهرس الآيات القرآنية الكريمة.

• فهرس الأحاديث النبوية الشريفة والآثار.

• فهرس المصادر والمراجع.

• فهرس الموضوعات.

الخاتمة:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والمنَّةُ لله أن وفقني لاختيار هذا الموضوع وإتمام دراسته، وأعانني على جمع وتحصيل ما فيه، إلى أن وصل إلى منتهاه، فله الحمد والمنة والفضل والثناء الحسن.

ومن خلال بحثي هذا توصلت إلى مجموعة من النتائج والتوصيات التي يمكن بيانها على النحو التالي:

أولًا: النتائج:

1) كان للشريعة الإسلامية الغراء قصب السبق في تناول موضوع التستر وبيان أحكامه، متفوقة بذلك على القوانين الوضعية، وهذا دليل على ربانيتها وشمولها لأمور الحياة كلها وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

2) التستر هو: "إخفاء الشخص المطلوب وكتمان فعله عن الفير؛ لمنع إنزال العقوبة عليه، أو لإنقاذه من الظلم".

وله مرادفات في المعنى، هي: "الإيواء، والكتمان، والإخفاء، والشفاعة".

3) هناك مقاصد للشريعة الإسلامية جاء الشرع لتحقيقهه، وذلك بإرساء عدد من المبادئ العامة، والأمر بالحفاظ عليها ومنع الاعتداء عليها.

4) تنحصر أركان فعل التستر في: "المتستر، والمتستر عليه، وفعل التستر".

5) تتنوع أسباب التستر مه بين: "أسباب عقائدية، وأسباب اجتماعية، وأسباب أمنية، وأسباب اقتصادية، وأسباب نفسية، وأسباب ثقافية".

6) الأصل في التستر: الندب، إلا أنه تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة باختلاف الأحوال، فتارة يكون التستر واجبًا، وتارة يكون مستحبًا، وتارة يكون محرمًا، وربما كان مكروهًا، أو مباحًا في أحوال أخرى.

7) إذا ترتب على التستر تعطيل حق أو حد بقصد من المتستر، فإنه يعتبر شريكًا في الجريمة مستحقًا للعقاب.

8) وكما تتميز الشريعة الإسلامية بالثبات، فهي أيضًا تتميز بالمرونة؛ فهناك حالات يجوز فيها التستر، كالتستر على ذوي الهيئات ومن لم يشتهر بفسقه، وغيرها.

9) أجازت الشريعة الإسلامية التستر وفق ضوابط وشروط، تتغير بحسب الأحوال والملابسات.

10) التستر الممنوع له آثار سلبية وخطيرة على المجتمع بأسره.

ثانيًا: التوصيات:

على ضوء الدراسة التي قمت بها، والنتائج التي توصلت إليها، أوصي بما يلي:

1) أوصي بطرح مسائل وصور التستر في مجالس المجامع الفقهية؛ لدراستها وإصدار القرارات المناسبة لها.

2) أوصي كل عالم مجتهد أن يبذل قصارى جهده؛ لبيان خطورة التستر الممنوع الذي يحيد عن إطار الشرع الحنيف، وضبطه بالضوابط الشرعية.

3) أوصي بتوجيه طلبة الدراسات العليا إلى البحث في موضوع التستر، وأشكاله الحديثة اليوم؛ لمواكبة التطور المتزايد، وذلك في الصور التي تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها؛ لإرفاد المجتمع والمكتبة الإسلامية برسائل متخصصة في هذا المجال.

4) أوصي وسائل الإعلام والخطباء والدعاة، باستغلال تلكم المنابر في مخاطبة الئاس وتوضيح أخطار ومساوئ التستر الممنوع.

5) أوصي بسن قوانين فيما يتصل بفعل التستر؛ لبيان ما هو المشروع وما هو الممنوع، ووضع العقوبة الملائمة للحد من هذه الظاهرة.

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا