• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / العيد سنن وآداب
علامة باركود

العيد بين الفرح والحزن: لا للعيد .. بلى للعيد ..

د. غنية عبدالرحمن النحلاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/8/2013 ميلادي - 15/10/1434 هجري

الزيارات: 176145

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العيد بين الفرح والحزن

لا للعيد.. بلى للعيد..


مقدمة:

العيد حيث تعبِّر أبداننا عن حال أرواحنا:

هل يستأصل الحزن لأمرٍ جللٍ شعورَنا ببهجة العيد؟ وهل يُلغي حزننا ذاك وجودَ العيد فينا؟

 

وقبل أن نجيب عن السؤال، لنتذكر أن أحدَنا عند وقوع البأس أو البلاء لا بد أن يكون إلى الله أقربَ؛ ليتماسك ويتجاوز المحنة!

 

وعندما أتأمل، أجِد أنني تحت وطأة المصيبة أُصلِّي وأنا حزين، وأصوم وأنا حزين، وأقدِّم الأضحية وأنا حزين، وقد أشرع بالحج وأنا حزين (ولكن يغالبني فرحي: أنني أحج).

 

وفي كل مرة أخرج من "العبادة" أقل حزنًا، ثم ما ألبَثُ أن أكتشف عندما يحل العيد وأسمع تكبيراته أن رُوحي - رغم الأسى - تنطلق من عقالي الحزين الأرضيِّ، لا يمنعها شيء من أن ترفرف سرورًا وقد أديتُ هذه العباداتِ على وجهها، وأن لساني لن يُعيقَه حزني عن الصَّدع بتكبيرات العيد التي تحلِّق بي في السماء، وكأن الكونَ كله يتجاوب معها مكبِّرًا ذاكرًا لله وشاكرًا، وأن قلبي لا يستأذِنُني ليشعر بالبهجة والرضا؛ إذ أرى الأطفال ضاحكين لاهين بجذل في العيد!

 

وأن خاطرًا مترددًا كان يعاودني وأهفو له نَشط بإلحاح يدعوني لصلة أرحام قاطعوني أو قاطعتهم!

 

وأن كياني كله يتجمع ليقول: الحمد لله على نعمة الإسلام دينِ الفطرة، وأن هذا كله يُسربِلُني في العيد بالسكينة، ويمدُّني بالصبر والثبات على ما أمضني من بلاء، سبحان الله!

 

فإذا ارتسمت هذه المشاعرُ على الجوارح - رغم المصاب - وترجمت إلى ابتسامة مصافحة وتهنئة زيارة لأرحام توسعة على الأهل، وغض الطرف عن لهوهم، فإن هذا لن يكونَ ذنبًا يستدعي العقاب أو جريرة لا تغتفر! كيف واللهُ - تعالى - خلَقنا لتتناسب انفعالاتُنا الظاهرية مع مشاعرنا الداخلية الصادقة، لا سيما الممتزجة منها بحُداء الأرواح؟

 

قال - تعالى - في سورة الزمر: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23]، هكذا كوَّننا - سبحانه - في أحسن تقويم!

 

والمشكلة - والحالُ هذه - أن من يُصر على "احترام" حالة الحزن وتكريسها ومعايشتها لأسابيع وأشهُر، يجد الحلَّ قهرَ النفس على عدم الشعور بالعيد، أو عدم التعبير عن هذا الشعور، وفي حال القيام بشعائره التعبدية، لتكن بالحد الأدنى، وبدونها أحسن "أليست فرض كفاية ؟!"، وذلك تحت عنوان ينتقل من "الخاص" الأسرة إلى "العام" المجتمع في حال الأحزان الكبيرة والظروف الكارثية.

 

هو "لا للعيد"، ومع شعارات مثل: "أيها العيد، لا تقترِبْ لبلدنا هذا العام، فلا مكان لك مع بلوانا"!

 

وهم يجدون الأمر بسيطًا، ربما لأن معنى العيد عندهم يختلف عن حقيقته التي ندركها ويحسها حتى أطفالنا فطرة، (والتي حتمًا ليست مجرد مظاهرَ من اللهو واللعب، والتفاخر بالثياب الجديدة، والحلوى و...)!

 

وربما لتأثرهم بذاك التاريخ النائح على قدوم العيد من أدباء وشعراء وغيرهم!

 

عيد وأعياد:

تتشابه الأعيادُ الأصيلة للأمم تاريخيًّا بأنها ترتبطُ بالمناسبات الدينية: التعبدية منها، أو المتعلقة بحدَث تاريخي خارق للعادة؛ (مثل: تنزيل المائدة على الحواريين)، وهي عمومًا مناسبات إيجابية في بناء وحياة الأمة، أما الأحداث السلبية فهي مناسباتٌ قاتمة، يميل البعض لتجديد ذكراها بهدف الاعتبار، ولكنها بداهةً لا تسمَّى عيدًا[1].

 

قال ابن عابدين: "سمِّي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله - تعالى - فيه عوائدَ الإحسان؛ أي: أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام، منها: الفِطرُ بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغير ذلك، ولأن العادةَ فيه الفرحُ والسرور، والنشاط والحُبور غالبًا بسبب ذلك"[2]، وقال الرازيُّ في مختار الصحاح: "وقد عيَّدوا تعييدًا؛ أي: شهِدوا العيد"، ولم أكن أعلمُ قبل ذلك أن هذا الاشتقاقَ الشائع في لهجاتنا هو مِن العاميِّ الفصيح.

 

ورغم السعي للخلط ومساواة عيدَينا مع الأعياد المستوردة والمصطنعة، فالمؤكد أنه كلما ذكرنا كلمة العيد مجردة في حياتنا العامة، فكلُّنا يفهم بداهة أنه عيدُ الفطر أو عيد الأضحى، ومثلاً عندما يُخبِرُك صديقك أن ابنَه "وُلِد قبل العيد بأسبوع"، فلن تظنَّه يقصدُ عيد الأم، أو عيد الشجرة مثلاً!

 

وكذلك في مقالتنا هذه: حيثما ذكرنا كلمة "عيد"، فهي ثَمَّ.

 

ولدى الحديث عن العيد من التقليدي والمتوقع تِبيانُ مقاصد العيد، والشعائر، والمستحبات، وكيفية التعبير عن الفرح دون إفراط ولا تفريط، مع تجنُّب المكروهات، ودون تجاوُز للحُرمات.

 

التفريط بالعيد:

والتفريط هنا: ليست مجرد كلمة نسوقها ضمن سياق..

 

التفريط وصَل أحيانًا إلى عدم الاحتفال بالعيد نهائيًّا، سواء منعًا أو نهيًا..

 

عدم الاحتفال نَهْيًا؟ ولكن كيف؟


هل يُعقل أو يستقيم أن يُنهى الناسُ عن إقامة شعائر العيد؟!

 

بلى، وإن كان ذلك من غير التقليدي ولا المتوقع، ولكنه أمرٌ موجود وفي تزايد!

 

فلقد صِرْنا نجد مِن بيننا مَن يُصرُّ على رفع لافتات: لا للعيد، كما ذكرنا، ومن هؤلاء مفكرون، ولبعضهم وزن اجتماعي، وتأتي تلك الدعوات من "مسلمين" من أماكن مختلفة في بلادنا والعالَم، الذي صار من حيث الاتصال والتواصل كما نعلم (قرية صغيرة)، والحجة غالبًا: تلك الكوارث والابتلاءات التي يتعرَّض لها المسلمون في مختلف بلادهم، ولا تخفى على أحدٍ!

 

ولا يوضحون ماذا يريدون منا: ألا نكبِّر، ألا نصلي صلاة العيد، ألا نبتسم مثلًا؟!

 

المهم - من خلال كلامهم - أن يبقى العيد مطرودًا منذ اللحظة الأولى للفطر أو الأضحى؛ حتى لا تسوِّل لكم أنفسكم أمرًا، وتفشلوا في اختبار الصمود مع "المأساة" (الفردية أو الجماعية)، وأن تقمعوا أرواحكم ومشاعركم، ولا تخونوا "القضية الإنسانية والاجتماعية" والمبادئ الفكرية (التي اختاروا لها في هذا الموطن رفض العيد وتكريس الحزن شعارًا!).

 

نداءات تنتشر كالوباء، تتجاوب أصداؤُها عند من تجد هوى في نفسه، أو عند الكثيرين من البسطاء الذين يصدقونها ويسعَوْن للتعاطفِ مع المبتلَيْنَ من المسلمين بما استطاعوا، (وهو هنا اللسان والقلب)، مع أن أكثرهم يشعُر أنه يريد العيد وينتظره، وبعضهم قد يكون مبتلًى ولكنه في حَيرة من أمره!

 

وأغلب منظِّري تلك الحملات يستخدم الفضاءَ الإلكتروني، وبالذات شبكات التواصل، فيغيِّر صورة الهوية "بروفيله"؛ ليضع تلك الشعارات الرافضة للبهجة المتممة لعبادة الصيام أو الحج، متجاهلاً قلوب الأطفال ووجوهَهم المتلهفة في المناطق المنكوبة (التي يوجه النداء لها بالدرجة الأولى)، بل ويلاحقُهم ليصادر ضحكتَهم بحجج مثل: "ما في عيد؛ من أجل أم الشهيد"، " أنا لن أعيد والناس تستشهد"! ويدهشك أنه بعد قليل (رابع يوم العيد مثلاً) يهنِّئُ صديقه أو قريبه على شبكة التواصل ذاتها! بعيد ميلاده!

 

وبعضهم يتوعد "العيد" ألا يقترب من البلاد المبتلاة التي قد ينتمي هو إليها، ولكنه يعيش خارجها؛ لأنه ليس له مكان مع الهدم والألم، ويضعون رسومًا لقلوب وورود تدفق دمًا! شيء عجيب كيف يفكِّرُ هؤلاء؟!

 

والأعجب أن بعضهم بعد أن شنُّوا تلك الحملة على شبكة التواصل في أعياد مضت، ما لبثوا بعد قليل أن أبدَوا إعجابهم بإبداع الأطفال في اجتراح الفرح من قلب الحصار والدمار والألم في تلك المناطق المسلِمة المنكوبة! وتداوَلوا صورَ ذلك الفرَح المبدع التي انتشرت على الشبكة، فظنهم المرءُ اقتنعوا أن العيد ضمادٌ للجراح، ليس من كلامنا، ولكن من جذل الأطفال الذي أفرحنا جميعًا، ثم إذا بهم عينِهم يعودون بعد عام (كانوا تبادلوا خلاله التهنئة بأعياد دنيوية متنوعة) لنفس الدَّيدن وبتركيز أشد على الشهيد وأمِّه، والدماء والأبرياء، ويتداولون شعارات جديدة؛ مثل: (التبرُّؤ من المدعو "عيد سعيد")، لا بل ويُشهدون الله - تعالى - على ذلك!

 

وكأن بعضهم بينه وبين العيد ثأر، ولا أفهم ما الذي يَضير هؤلاء - وهم ليسوا قلة في المجتمعات الإسلامية مع الأسف - في أن يفرَح المسلم بإتمام نعمة الله عليه بالصيام على أكمل وجه، أو أداء شعائر الحج، من خلال صلاة العيد مع أسرته، والتوسعة عليهم قدر استطاعته، وتيسير سبل اللهو البريء لهم ولعامة الأطفال، وذبح الأضحية، والأكل منها، والإطعام، وصلة رحِمِه، والسلام على إخوانه المسلمين، وتهنئتهم بالعيد؟!

 

وإن كان بعض المحرِّضين على منع العيد يفعل ذلك عن حسن نية، فلا بد أن نبين له شأن العيد شرعةً وفطرة.

 

من جمال شِرعة الله - تعالى -: عيدانِ أكرمنا بهما خالقُنا:

إن الله - تعالى - عندما خلقَنا، جعل نفوسنا تستطيب الفرح وإدخال السرور على الآخر، فشرَعَ لنا - عندما أكمل للأمة الدِّين، وأتمَّ النعمة، ورضي للبشرية الإسلامَ دينًا - الاحتفالَ بعيد الفطر وعيد الأضحى بعد الفراغ من العبادة؛ قال - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فكان العيد بهجة متممة لشعيرة الصيام في الأول، وسرورًا لإتمام الحج وعشر ذي الحجة وذبح الأضحية في الثاني؛ (فمن لم يحجَّ كان عيدُه فرحًا لحجاج المسلمين، وبركة تقديم الأضاحي).

 

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (بسند صحيح) قال: قدمَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ ولهم يومانِ يلعبونَ فيهما، فقال: ((ما هذانِ اليومانِ؟))، قالوا: يومان كنا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ، فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى، ويوم الفطر))[3].

 

وهذه الحقيقة تضفي على "العيد" في أمتنا:

• صبغة إيمانية: كونه هبةً من رب العالمين.

• وجماعية (تشمل المجتمعَ؛ بل والأمة): إذ تجتمع الأممُ المسلمة في شهود شعائره ونشاطاته من "اللعب واللهو" التي لا تقرب المحرمات، كما يدل عليه الحديثُ الشريف.

 

والمهم أن تلك الصبغة تجعل قلوبنا تلتقي على السرور لقدوم العيد فطرةً وليس تكلفًا أو تظاهرًا، كالحال في الأعياد الدنيوية التي تتفاوت مشاعر الناس خلالها بما فيها عيد الأم، وعيد الطفل، وعيد الشجرة، وعيد الميلاد، وعيد العمال، وعيد الفلاح، وعيد الطبيب، وبقية القائمة الطويلة المصطنعة بشريًّا (لا المشرعة ربانيًّا)، والتي من أحسنِ وأحكمِ ما قرأت فيها قول أحدهم: "إنه كلما تأخرت أمَّة، كثُرت أعيادُها".

 

التقاء الأرواح والأنفس وارتقاؤها:

ومن الأشياء التي خَبَرها كلٌّ منا هذا الفيضُ الشعوري الغامر فور سماع مدافع أحد العيدين، أو العلم بإثباته، والذي يجعل القلبَ يقفز فرحًا مع خطواتنا القافزة التي نفقد السيطرة عليها؛ إذ نسارع لإبلاغ مَن نحب ونتبادل معه التهنئة!

 

هذا الفيض من الجذل قد يختلف التعبيرُ عنه باختلاف الأفراد المحيطين بأحدنا، هو قد يزيد، أو ينقص بشدة باختلاف ظروفنا، ولكنه لا يغيب أبدًا، إنه حاضر بحضور إيماننا، وصدق وشدة ارتباطنا بالجمال الروحي للتشريع السابق للعيد الذي أديناه، وبطلاقة أرواحنا في رحاب بارئها في تلك اللحظات النادرة.

 

"الطفل" و"العيد" طرفا المعادلة:

لكل ما سبق؛ لا يمكن لشعار: "لا للعيد" إلا أن يصطدم مع الفطرة السليمة، وترفضه حتى لو لم يطلع المرءُ على أي بيان من خطبة أو مقال أو نقاش في ذلك.

 

وأكثر ما تكون الفطرة البشرية سلامة ونصوعًا: عند الأطفال!

 

ومصداق هذا انفعالُهم العفوي والمتدفق في أعيادنا تَكرارًا في كل عام، والذي يكاد يبلُغ حد المعجزة؛ إذ تشارك أرواحُهم الغضَّة في الفرح بالعيد، لا سيما أنهم غالبًا غيرُ مكلَّفين، ولو شاركوا في بعض النُّسك (حسب أعمارهم).

 

وإن فرحة الطفل بالعيد لا تُثمَّن، وهي تحصل بأيسرِ مما تتخيل؛ فأبسط شيء تقدِّمه له وهو في هذه الحالة الفطرية الشفافة التي واكَب بها عبادةَ الكبار من حوله حتى لحظة العيد - سيُدْخِلُ السعادةَ لقلبه الغض (وليس منا إلا ولديه تجربة عملية في ذلك).

 

كتبت إحدى الأمهات من غربتها الاضطرارية الحديثة عن بلدها (سوريا):

"شكرًا للصَّبِية المصرية اللطيفة التي لا أعرف اسمها والتي وقفت بعد صلاة العيد البارحة على باب المسجد بابتسامة يشعُّ منها النور، وقدَّمت لطفليَّ قطعة حلوى وبالونًا، وهي تقول لهما: كل سنة وأنتم طيبون، أشكرها؛ لأنها استطاعت أن تجعل طفليَّ بعد أن كانا يقولان: يا ألله! شو هالعييييد! إلى أن يقولا: يمكن يكون حلو هالعيد".

 

فإعادة البسمة للطفل عملٌ مثاب عند الله، وهو قد لا يكونُ صعبًا حتى بين أطفال تتالت عليهم المصائب.

 

وهنا فحَسَنُو النيةِ من جماعة (لا للعيد) يقولون: إنهم أرادوا بدعوتهم مجرد التأجيل، وتناسوا أن لكل لحظة قيمتها عند الطفل (بناء ونموًّا وتربية).

 

وللمربي شأن كبير في صيانة تلك الفطرة السليمة من الفساد قبل العيد وخلاله وبعده من كل عام، وتجنيب النبت الغض منزلقاتِ الإفراط والتفريط في مباحات العيد ومستحباته، والنجاة به من المنكرات التي تصلنا مع رياح السموم، ومن الأخطاء التي قد يسببها الإهمال.

 

من الآداب والسنن النبوية: التجديد في العيد:

• إعجاز التوقيت والصحة النفسية:

ومن نِعم الله - تعالى - علينا أنه شرَع لنا إقامة العيدين في هذين التوقيتين المتحركين مع السنة القمرية، بحيث نشعُر بالتنويع والتجديد، (وهذا أبسطُ رد على الشاعر المتشائم)؛ إذ نعيِّد في الربيع والصيف والشتاء والخريف باختلاف السنوات، ومعلوم أن التنويعَ هو من أسباب نجاح ما يسمى: "الترويح" في علم الاجتماع (هو من وسائل "الترويح" الفعال في تنفيس الكُربات).

 

كما أن هذا التكرارَ المتجدد كل عام، والمتنوع الفصول كلَّ بضع سنوات، قدره اللهُ - تعالى - وهو يعلم أنه لا بد أن يتلاقى في مختلف مراحل حياتنا مع أفراحنا وأتراحنا، مصائبنا وانتصاراتنا، ويتخلَّلُها وتتخلله، فلا يتناقض المرورُ بظروف تعيسة أو صعبة مع العيد المشرع لنا نحن المسلمين؛ شكرًا لله على تيسيره للعبادة، وفرحًا للمسلم على إتمامها؛ لأن الإسلامَ دين حركي (ديناميكي)، وغيرُ معطِّل ولا شالٍّ للمشاعر الإيجابية والطاقات، وفي هذا ما فيه من ضمان للصحة النفسية للإنسان.

 

وكل ذلك يمثِّلُ قوة دافعة للمسلم لينهض بمجتمعه وبأمته، التي هي بالأصل ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110].

 

هذه هي حقيقة ديننا، رغم أن واقعَنا يعطي فكرة مناقضة جهلاً أو نقصًا في الإيمان، وضعفًا باليقين بفضل الله ورحمته، وهناك منا ومن غيرنا - مع الأسف - مَن يرى زيادة رقعةِ ذلك الجهل والنقص، ويسعى لإظلام النفوس بدلاً من بث البِشْر والفأل الحسن!

 

واليوم يتزايد السعي لتحويل العيد - لا سيما في عيون الناشئين - إلى طقسٍ كئيب بعد إفراغه من مضمونه الحقيقي، ومِن الأُسَر والأفراد مَن يسافر إلى دول غير مسلمة ليُعيِّد؛ لأن التسلية والفرح الحقيقي بقناعتهم هناك! فلا يحضر بعضهم تكبيراتِ وصلاة العيد (مع أنه تكاد لا تخلو بقعة من الأرض اليوم من مسجد يصلَّى به العيد وغيره)، ولا يذبَح أضحيته ويوزِّعها! وهذا يأخذنا إلى العنوان التالي:

التجديد الاجتماعي والنفسي في العيدين: معلوم أنه يُندَب لنا في العيد لبسُ الجديد من الثياب، والتوسعة على الأهل، وعلى عامة المسلمين غير القادرين، وأكل الطيِّب من الطعام، وتقديمه للضيف؛ إظهارًا لنعمة الله وشكرًا، دون إسرافٍ ولا بَطَرٍ؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأعراف: 31، 32].

 

كما يستحب تنويع اللهو المباح، والتفنن في أشكاله، وتجديدها؛ لدفع السأم:

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخَل أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنِّيان بما تقاولت الأنصارُ يوم بُعاث، قالت: وليستا بمُغَنِّيتَين، فقال أبو بكر: أبمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيدٍ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدُنا))[4].

 

وقالت - رضي الله عنها -: رأيتُ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يستُرُني بردائِه، وأنا أنظُرُ إلى الحبشَة وهم يلعبونَ في المسجدِ - أي: في يوم عيد - وفي لفظ: حتى إذا مللتُ، قال: ((حسبُكِ؟))، قلت: نعم، قال: ((فاذهَبي))[5].

 

ولكن من جهة أخرى، فالإسلام دين واقعي؛ فهو لا يطلب من أهلٍ حديثي عهد بفقد ولدهم المشاركةَ في أوقات اللهو الحلال تلك في العيد، ولكن لا عليهم أن يكبِّروا تكبيراته، ويصلُّوا صلاته، ويتبادلوا التهنئة مع المصلين، ويذبحوا أضحيتَهم، ويوزِّعوها غير عابسين ولا متجهمين، وإن بسمة الرضا شكرًا لله - وقد أدَّوْا عبادتهم على وجهها - سترتسم تلقائيًّا على وجوههم المطمئنة ولو تخللتْها الدموع.

 

كتبت إحدى الأمهات وقد احتسبت فِلذةَ كبدها شهيدًا قبل عيد الفطر بأيام:

"إحساسي مع العيد، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الشمس والقمر لا يخسفانِ لموت أحد))، هذا إحساسي أن العيد لا يتوقف لرحيل أحد، العيد يبقى عيدًا، وكل عام أنتم بخير، تبقى تحية العيد، أعاده اللهُ على الأمة الإسلامية بكل خير، يبقى دعاء العيد، ويبقى العيد لا تحجبه الدموع، ولا يوقفه الألم؛ لأن هناك دائمًا مِن خلف الغيوم بصيصَ نور وإشراقة أمل بغدٍ جديد، ولقاء جديد"[6].


وبعد:

فالحمدُ لله على نعمة الإسلام.

وكأن الله - تعالى - عندما شرع لنا العيد كان من ثمراته الطيبة أن نقاومَ معه الحزن في جميع مراحل حياتنا، ونتجاوَزَ أسوأ الظروف.

 

وليت هذا الفهمَ الوجداني والفكري للعيد ينتشر بين الذين يرفعون في وجه الأمة كل عام تلك اللافتاتِ الرافضةَ للعيد بحجة التشرد واليُتم والهدم... إلخ!

 

مع أن العكس صحيح، والتكافل الاجتماعي والاقتصادي بين المسلمين، والذي يتسم به العيد، سيساهم إلى حد كبير في تضميد جراح هؤلاء الذين هم أحوجُ ما يكونون لاسترواح مظاهره وتجلياته في تلك الظروف، لا سيما الأطفال منهم.


والله يشهد أن المسلم للمسلم كالبنيان، يألَمُ لمصابهم من فَقْد وجراحات، وهدم ومغيبين، ويعلم أن الشهداء في أحسن حال، وأن أهلهم المحتسبين - غالبًا - يجدون في إدخال السرور على من حولهم من المنكوبين عزاءً لهم، وأن اللهَ - تعالى - حين شرَع لنا العيد علِم أنه سيتداخل مع أيامِ ألمٍ وجهد، وأن العيدَ سيدعَمُنا روحيًّا ونفسيًّا لنتجاوزها وأنوفُ مَن أبى راغمة، وأن من أمهات الشهداء من نتصاغر أمام إيمانهن ورباطة قلوبهن.


ونقول للذين يقاطعون العيد استغراقًا في الحزن لمصابٍ ألمَّ بهم، أو تعاطفًا مع أهل المصيبة: يا جماعة، هونًا ما، ارحموا أنفسكم، الحمد لله على نعمة الإسلام، والذي شرع لنا العيد فرحًا بالصيام، تقبَّله الله، ولإدخال السرور على قلوب الأطفال، وحتى من فقدوا أغلى ما لديهم، عسى أن يثبتهم إيمانهم، العدو أكثر من سيفرح أننا لا عيد لنا، وأنه حقق جزءًا من حقده بتعاستنا.

 

وختامًا لا ننسَ أن:

عيدنا - كما رأينا - فرح وعبادة في آنٍ، دين ودنيا، بهجة تنطلق من قلب الحزن شكرًا للبارئ، وحمدًا له - عز وجل - وليس فرَحًا أو تخليدًا لعباد أو عبيد، ولا احتفاء بحدَثٍ من الدنيا حتى ننادي بإسقاطه من حياتنا كلما حزَبَنا أمر.

 

إن العيدين من ثوابتِنا، وقد صمد كلاهما عبر قرون لمحاولات التغيير، وفشِل تغييبُهما واستبدالُ أعياد - في بعضها كفرٌ صراح - بهما بالذي هو خير مما اختصنا الله - تعالى - به.

 

والمدهش أن ذلك العطاء من الله رغم كونه "ثابتًا" من ثوابتِنا، إلا أنه من عناصر "التغيير الملطف والمروح" في الإسلام، فهو "ثابت" يدفعنا "للتغيير" الصحي الإيجابي[7].

 

"وتلك هي سنته - صلى الله عليه وسلم - التي علينا اتباعُها في تلوين الحياة وتجديدها، حتى لو كان المرءُ في أتعس وأصعب الظروف، فنجد فيها التركيز على ما يبعث السرورَ من تغيير يرقى بالصحة النفسية للأسرة والمجتمع، مثل: الأعياد، والزفاف، والاحتفاء بالمولود، مقابل النهي عن المبالغة في الأحزان، وتحريم تضخيم المصائب بالصياح والنواح وإطالة فترة الحداد، تلك الممارسات التي تجمد التغيير بجميع أشكاله"!

 

(وانظر المزيد في كتابي الثابت والمتغير)[8].



[1] على نقيض ما تركِّز عليه قواميس اللغة الحديثة، لا سيما المعتمدة من محركات البحث على الشبكة العنكبوتية، والتي تنحاز في إبراز جانب لغوي وطمس آخر (مثل التركيز بدءًا على أن العيد هو عودة ذكرى سيئة... إلخ)، كما أن فيها معانيَ مبتدعة، وتعرِضُها على أنها مسلَّمات، (وفي بعضها أخطاء قد لا يلتفت لها القارئُ العادي)، فوجَب الحذرُ والرجوعُ لمصادرَ أخرى، لا سيما ومعظم المنتديات العامة - وربما المتخصصة - على الشبكة تأخُذ عنها!

[2] قول ابن عابدين في حاشيته (وتسمى: رد المحتار على الدر المختار)، عن الموقع الإلكتروني للدكتور جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين، وهذا المعنى في العيد هو الوارد في السنَّة النبوية الصحيحة، وفي التفاسير المعتمدة للقرآن الكريم، وانظر على سبيل المثال: ﴿ تَكُونُ لَنَا عِيدًا ﴾ [المائدة: 114]: في صفوة التفاسير للصابوني: "أي: يومَ فرَحٍ وسرور".

[3] رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصحَّحه الألباني في: صحيح أبي داود، الرقم: 1134.

[4] صحيح البخاري، كتاب العيدين، مج1/ رقم الحديث 952، (دار صادر - بيروت - طبعة: 1425 هـ = 2004 م).

ومن الشواهد اللطيفة في التجديد والتآزر الاجتماعي لتحقيقه وليفرح الجميع: حديثُ أم عطية - رضي الله عنها - قالت: أمَرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجَهن في الفطر والأضحى: العواتقَ، والحُيَّضَ، وذواتِ الخدور؛ فأما الحُيَّضُ، فيعتزِلْنَ الصلاة، ويشهَدْنَ الخيرَ ودعوة المسلمين، قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلبابٌ؟ قال: ((لتُلْبِسْها صاحبتُها من جلبابها))؛ متفق عليه، وفي البخاري المرجع السابق: رقم 351، وبلفظ آخر: (رقم 980)، باب إذا لم يكن لها جلبابٌ في العيد.

[5] صحيح البخاري - مرجع سابق - رقم الحديث: (950)، و(988).

[6] هي الأخت أمان الطنطاوي، والدة الشهيد - بإذن الله - طارق بن زياد الطباع.

[7] د. غُنية عبدالرحمن النحلاوي، سلسلة أزمة مصطلح - دار الفكر - (ص46 - 47).

[8] د. غُنية عبدالرحمن النحلاوي، سلسلة أزمة مصطلح - دار الفكر - (ص46 - 47).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفرح الحقيقي يوم العيد
  • بشائر العيد (بطاقة مهداة)
  • آهات العيد (قصيدة)
  • العيد بين الإنجازات والفرص .. خطبة عيد الفطر لعام 1431هـ
  • العيدين من العمدة في الأحكام لتقي الدين المقدسي
  • عيد للاجئين
  • الفرح: حقيقته وأسبابه وأنواعه (خطبة)
  • بين الفرح والحزن
  • العيد بين العبادة والفرحة: كيف نوازن بينهما؟

مختارات من الشبكة

  • التهنئة بالعيد يوم العيد (بعد الفجر وبعد صلاة العيد لا قبل يوم العيد)(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • يوم العيد .. يوم التهنئة بنعمة الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • عيد الفطر المبارك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العيد غدا(مقالة - ملفات خاصة)
  • السنن المتعلقة بالعيد(مقالة - ملفات خاصة)
  • ما يشرع فعله ليلة العيد ويوم العيد(مقالة - ملفات خاصة)
  • مفهوم العيد كما تبينه أنشودة العيد لمن؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • حكم صلاة العيد للحجاج(مقالة - ملفات خاصة)
  • خلاصة سنن العيد(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • سنن العيد في حال الحجر(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب